رغم انصياع السيسي.. لماذا تحذر أطراف إسرائيلية من "التهديد المصري"؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تسير العلاقات المصرية الإسرائيلية دائما على خط ملتو، على افتراض أنها محكومة بالظروف الإقليمية وبالمتغيرات الداخلية والخارجية.

ورغم معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب (1979) لكن تبقى حروب الماضي (1948 و1956 و1967 و1973) حاضرة في الوجدان الشعبي المصري، وفي أجندة دولة الاحتلال. 

وجاءت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية حماس، على جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكبدته خسائر فادحة، لتمثل متغيرا مهما في علاقة الكيان بالدول المحيطة وعلى رأسها مصر. 

فبالتزامن مع افتراض الدبلوماسية العبرية أن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، يمثل حليفا إستراتيجيا مهما للقادة الإسرائيليين، فإن مصر كدولة ومؤسسات وشعب تختلف شكلا ومضمونا، على الأقل مستقبلا. 

وبعد الزلزال الأمني الذي تعرضت له إسرائيل في طوفان الأقصى، برزت دراسات ومقالات من الجانب العبري، ترسم معالم وحدود العلاقات الخارجية للاحتلال مستقبلا.

واتفق مضمون السردية الإسرائيلية أن مصر تمثل خطرا، وأنها ليست مأمونة الجانب كما يعتقد، وقد تتحول إلى خصم خطير من جديد في لحظة تاريخية ما.

فلماذا ظهرت تلك الأطروحة في الوقت الحالي؟ وكيف تمثل مصر خطرا مستقبليا على إسرائيل؟ 

"عدو لدود" 

في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بثت القناة السابعة بالتلفزيون الإسرائيلي، المحسوبة على التيار الديني اليميني المتطرف، تقريرا عن مستقبل قطاع غزة حضرت مصر فيه. 

كان اللافت في التقرير عنوانه "لا (محمود) عباس ولا (عبد الفتاح) السيسي" في إشارة إلى رئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس النظام المصري. 

وشدد التقرير على أن غزة ما بعد الحرب يجب أن تخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة.

وأضاف أنه حتى السكان الذين سيبقون هناك لا يجب بأي حال من الأحوال أن يكونوا في أيد خارجية غير صديقة.

ثم تطرق التقرير الإسرائيلي إلى فكرة السيطرة المصرية على غزة، حيث قال محرر القناة اليميني المتشدد إيمانويل شيلوه، "إنها فكرة بعيدة المنال وخطيرة".

واستطرد: "مصر ليست صديقا حقيقيا لإسرائيل، وقد تصبح في أي وقت عدوا لدودا".

وأوضح أن الاستقرار النسبي لاتفاقيات السلام المبرمة بين إسرائيل ومصر، يتحقق بفضل نزع السلاح وحظر الاحتفاظ بقوة عسكرية كبيرة في مساحات شاسعة من سيناء التي تفصل بين الجانبين.

ثم عقب: "لذلك إن جلب المصريين إلى غزة يؤذي إسرائيل ويعرض اتفاقيات كامب ديفيد التي لا تزال صامدة بطريقة أو بأخرى للنهاية، ويعرض إسرائيل نفسها للخطر".

وتحدث تقرير القناة العبرية المتطرفة عن أن مصر لا تحب إسرائيل وتريد تدميرها في النهاية.

إذ أورد أن "فكرة عيش إسرائيل لسنوات مع عدو قاس إلى جانبها يريد تدميرها، ويبني قوة عسكرية لنفسه لهذا الغرض، ثبت أنها مجرد وهم".

وأتبع "ذكاؤنا يكمن دائما في معرفة نوايا العدو، وأنه سيكون في وسعنا ردعه في أي وقت، وجميع من بجوارنا يكرهوننا، فمركزية دينهم وثقافتهم تعد اليهودي عدوا". 

وأكمل التقرير: "لقد تعلمنا هذا الدرس بثمن باهظ، إذ سقط أكثر من 1200 قتيل و240 أسيرا" في معركة طوفان الأقصى.

ثم اختتم: "بعد مرور 50 عاما على حرب يوم الغفران (التسمية العبرية لحرب أكتوبر 1973)، عندما ظننا خطأ أننا استوعبنا الدروس المستفادة من إخفاقاتها، فشلت استخباراتنا مرة أخرى في قراءة الخريطة، وفهم قدرات العدو وفك نواياه".
 


ضرب مصر 

وفي خضم حالة الغضب والتحفز التي ضربت وسائل الإعلام والمراكز الإسرائيلية عقب "طوفان الأقصى"، ظهرت آراء أكثر تطرفا من فكرة الحذر من مصر إلى التعدي عليها واستهدافها.

فالطيار المقاتل السابق وقائد "السرب 101"، بجيش الاحتلال، المقدم يورام بيليد، كتب مقالة في 16 نوفمبر 2023، لموقع "يسرائيل ديفنس" العبري، المختص بالشؤون العسكرية تطرق فيها إلى مصر كذلك. 

وقال: "علينا أن نهاجم لبنان ونهدد حقول النفط الإيرانية، وإذا لزم، فإن إسرائيل مطالبة بتهديد مصر، والهجوم على جميع الجبهات حال تطلب الأمر".

ووجه الاتهام لمصر عندما ذكر أن إعداد الحركات المسلحة المناهضة لـ"إسرائيل" بكميات هائلة من الأسلحة، يجري تحت نظرها. وأضاف أن القاهرة تغض الطرف عن ذلك.

وذهب الخبير العسكري الإسرائيلي إلى أن "مصر تنتهك اتفاق السلام بشكل صارخ دون أي رد إسرائيلي خوفا من الإضرار به".

وتناول موقع "بحدري حريديم" التابع أيضا لليمين المتطرف، الموقف المصري، في تقرير أصدره يوم 13 نوفمبر، وأقر أن المصريين يخالفون اتفاقية السلام، وأنهم بنوا 3 مطارات عسكرية في سيناء.

وبين أنهم أقاموا معسكرات عسكرية مستقرة، وأنزلوا قوة قوامها 100 دبابة في رفح، وأنشأوا 6 معابر أسفل قناة السويس إلى سيناء، وبنوا ثلاث محطات رادار.

ومع أن الموقع العبري وصف السيسي بـ"الصديق"، لكن اتهمه في نهاية الأمر بالعمل ضد مصالح إسرائيل "بإصرار"، وفق قوله.

ووصف اعتماد الحكومة على علاقة مستقرة وثابتة مع مصر يعد "إخفاقا استراتيجيا". وطالب الجيش الإسرائيلي بعدم الثقة الزائدة في كل الحلفاء، وأنه يجب تطوير القوات الجوية الإسرائيلية لتكون قادرة على مواجهة التحديات.
 


انقلاب قواعد 

ولم تكن الـ 10 سنوات من حكم السيسي لمصر، والتعاون الوثيق بينه وبين الاحتلال، على جميع المستويات الأمنية والاستخباراتية، كافية للإسرائيليين، الذين بدأوا يوجهون الاتهامات لنظامه. 

فالتاريخ القريب يذكر أنه في نوفمبر 2014، وبعد أشهر قليلة من انطلاق ولاية السيسي الأولى، قال لموقع "فرانس 24" الفرنسي إنه لن يجعل من سيناء قاعدة لتهديد الجيران، ولن يسمح بأن يتم تهديد أمن "إسرائيل". 

ولم يكتف بالتصريحات حيث هدم الجيش المصري بتعليمات منه الأنفاق بين مصر وغزة، تارة بالتفجير وتارة بإغراقها بالمياه.

ثم أقام منطقة حدودية عازلة مع غزة، بلغت أكثر من 15 كيلو متر، عندما هجر سكان المنطقة المصرية بالكامل، تحديدا في رفح والشيخ زويد.

وهو ما عده مراقبون تجفيفا لمنابع "حماس"، وقطع كل خطوط إمدادها وعمق حصار غزة، الذي كان يمثل هاجسا أمنيا في رأس الاحتلال، قبل أن يتحول الآن إلى كابوس.

وفي يناير/ كانون الثاني 2019، قدم السيسي اعترافا نادرا بحسب وصف وكالة "رويترز" البريطانية، عندما أقر بوجود تعاون أمني وثيق مع حكومة الاحتلال في شبه جزيرة سيناء.

وخلال مقابلة مع شبكة "سي.بي.إس" الإخبارية الأميركية، أكد أن تعاونه مع إسرائيل هو "الأوثق والأعمق" عبر تاريخ العلاقات المصرية الإسرائيلية.

وبالتالي فإن هجوم وسائل إعلام عبرية إضافة إلى ضباط سابقين بجيش الاحتلال على السيسي، يعد انقلابا في قواعد الرؤية لمصر من ناحية وللقيادة السياسية من ناحية أخرى. 
 


مصر لا السيسي 

ورأى عضو المركز الوطني للدراسات السياسية والإستراتيجية محمد يوسف، أن إسرائيل تنظر إلى مصر من جانبين، الأول متعلق بالمؤسسات كالرئاسة والجيش والمخابرات، والآخر متعلق بالشعب والعقيدة القومية والدينية المصرية عموما. 

وقال في حديثه لـ"الاستقلال": "رغم التعاون والتطبيع القوي بين الجانبين على مدار عقود طويلة، تدرك إسرائيل أن مصر هي الخطر الأكبر على وجودها".

فمنذ تأسيس الكيان عام 1948، تصدرت مصر الصراع وخاضت الحروب، وحتى بعد اتفاقية السلام، فإن العقيدة الأساسية للشعب المصري، قائمة على كراهية إسرائيل، وتمني زوالها. 

واستطرد: "نضرب مثلا بالعلاقات عقب ثورة 25 يناير 2011، ووصول حكومة منتخبة إلى مركز صنع القرار عام 2012، وهنا ضاعف الاحتلال من ميزانيته الدفاعية".

وأضاف: "زاد الطين بلة لديهم موقف الرئاسة المصرية من العدوان على غزة عام 2012، عندما أرسل الرئيس الراحل محمد مرسي، رئيس الوزراء هشام قنديل إلى هناك، و(قال إننا لن نترك غزة وحدها)، حينها أدركت تل أبيب أنها أمام مصر مختلفة، وأن عليها أن تعد العدة لها". 

وبين أنه: "بالتالي فإسرائيل تعلم أنها تتعامل مع معادلة متغيرة بشأن مصر، وليس عاملا ثابتا وبديهيا".

وأردف: "حتى السيسي نفسه رغم تحالفه وتعاونه الوثيق مع نتنياهو، فإن له خطوطا حمراء ولا يستطيع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ببساطة لأن هذا حد مستحيل للجيش وللدولة المصرية، فوق أي رئيس أو إدارة"، بحسب تعبيره. 

واختتم: "دولة الاحتلال حاليا وبعد الصدمة التي تعرضت لها يوم 7 أكتوبر تعيد تقييم علاقتها وخططها الإستراتيجية المستقبلية، وستكون أكثر شراسة وأقل ثقة بالجميع".

وتوقع أن تلعب إسرائيل "بأوراق الضغط العنيفة والعقابية وسريعة التأثير أكثر من استخدام القوى الناعمة والدبلوماسية الهادئة طويلة الأمد، وبالتالي قد تحدث صدامات سياسية شرسة ضد مصر والأردن ودول الطوق"، وفق تقديره.