شكوك حول نواياها.. لماذا لم تتدخل الصين لوقف الحرب بين حماس وإسرائيل؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

رجح موقع بريطاني وجود رغبة صينية في لعب دور الوسيط بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية حماس، بتقدير علاقاتها المتوازنة نسبيا مع أطراف الصراع الفلسطيني.

وقال موقع بي بي سي - النسخة البرتغالية إن ما يعزز ذلك أيضا علاقة الصين القوية مع إيران، والتي بدورها تدعم حركة حماس. 

لكن هذا التوازن قد يواجه العديد من العقبات، وخصوصا بعد غضب الإسرائيليين من البيان الصيني الأولي عقب أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

ونظرا للشكوك حول نوايا بكين وانحيازاتها، يجيب الموقع على التساؤل الآتي: لماذا تتدخل الصين؟ 

علاقات إيجابية

يقول الموقع: "في نفس الوقت الذي يشتد فيه الصراع بين إسرائيل وحماس، تظهر الصين نفسها كوسيط للسلام بين الجانبين، لكن هناك حدود لما يمكن تحقيقه من قبلها".

وفي هذا الصدد، ناقش وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، الصراع مع المسؤولين في واشنطن، وسط مخاوف من نشوب حرب إقليمية أوسع.

وفي المقابل، وعدت الولايات المتحدة بالعمل مع الصين لمحاولة إيجاد حل يحول دون اتساع نطاق الصراع.

كما تحدث وانغ أيضا مع نظيريه الإسرائيلي والفلسطيني، بعد أن التقى المبعوث الصيني الخاص للشرق الأوسط تشاي جون بالقادة العرب في المنطقة. 

ويلفت الموقع إلى أن تشاي جون كان أحد أكثر المدافعين عن وقف إطلاق النار في اجتماعات الأمم المتحدة.

وبشأن تهدئة التوتر، يقول الموقع إن "هناك أمل في أن تتمكن الصين من استغلال علاقتها الوثيقة مع إيران، التي تدعم حماس في غزة وحزب الله في لبنان، لتهدئة الوضع". 

ووفق صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإن المسؤولين الأميركيين ضغطوا على ما يبدو على وانغ "لدعوة الإيرانيين إلى الهدوء".

وجدير بالذكر أن الصين تُعد أكبر شريك تجاري لإيران. وفي وقت سابق من عام 2023، توسطت بكين في انفراج نادر بين إيران والمملكة العربية السعودية. 

وبالعودة إلى الوقت الحالي، أكدت طهران أنها "مستعدة لتعزيز التواصل مع الصين لحل الوضع في غزة".

وبحسب "بي بي سي"، قال دون ميرفي، أستاذ السياسة الخارجية الصينية في كلية الحرب الوطنية التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، إنه "نظرا لأن الحكومة الصينية كانت تتمتع بعلاقة متوازنة نسبيا مع جميع الأطراف الفاعلة في الصراع، فيمكن وصفها بأنها وسيط نزيه".

وأضاف أن "الصين تتمتع على وجه الخصوص بعلاقات إيجابية مع الفلسطينيين والعرب وتركيا وإيران". 

كما أكد ميرفي أنه "بالتعاون مع الولايات المتحدة، التي تتمتع بعلاقات جيدة مع إسرائيل، يمكنهم جلب جميع اللاعبين إلى الطاولة".

خيبة أمل عميقة

في المقابل، أشار مراقبون آخرون إلى أن "الصين تظل لاعبا ثانويا في سياسة الشرق الأوسط".

ورأى جوناثان فولتون، الباحث المتخصص في علاقات الصين مع الشرق الأوسط في مركز أبحاث المجلس الأطلسي أن "الصين ليست طرفا فاعلا جادا في هذه القضية".

ويستدل فولتون على ذلك ببيان الصين الأول بشأن الصراع، والذي تسبب في غضب إسرائيل، حيث أعربت الأخيرة عن "خيبة أملها العميقة" لعدم إدانة بكين حركة حماس أو ذكرها "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".

وبعد الضجة التي أثارها بيانه الأول، بحسب "بي بي سي"، قال وانغ لإسرائيل في وقت لاحق إن "جميع الدول لها الحق في الدفاع عن النفس".

لكنه لفت أيضا في وقت آخر إلى أن تصرفات إسرائيل "تتجاوز نطاق الدفاع عن النفس".

وهنا يوضح الموقع البريطاني موقف الصين، التي تواجه عملية توازن صعبة، بسبب تعاطفها بشكل علني مع القضية الفلسطينية منذ فترة طويلة.

ويُذكر أن تاريخ هذا الدعم يعود إلى مؤسس الحزب الشيوعي الصيني، ماو تسي تونغ، الذي أرسل الأسلحة إلى الفلسطينيين لدعم حركات "التحرر الوطني" حول العالم.

إضافة إلى ذلك، ينوه الموقع أن ماو قارن إسرائيل بتايوان -وكلاهما مدعومان من الولايات المتحدة- بوصفهما قواعد للإمبريالية الغربية.

ورغم الدعم الطويل والمستمر للقضية الفلسطينية، "انفتحت الصين في العقود التالية اقتصاديا وطبعت علاقاتها مع إسرائيل، التي تتاجر معها الآن بمليارات الدولارات".

وفي تصريحاتهم حول هذا الصراع، سلط المسؤولون الصينيون، وحتى الرئيس شي جين بينغ، الضوء على الحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

وتقول "بي بي سي" إنه "من بين الآثار الجانبية لهذا الأمر، ارتفاع معدلات معاداة السامية على الإنترنت داخل الصين، والتي يروج لها المدونون القوميون". 

فقد شبه البعض على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية تصرفات إسرائيل بالنازية، واتهموها بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وهو ما أثار توبيخا من السفارة الألمانية في بكين، كما ورد عن الموقع البريطاني.

كما أدى طعن أحد أفراد عائلة موظف بالسفارة الإسرائيلية في بكين إلى تفاقم التوترات. وكل هذا، في رأي بي بي سي، يقوض صورة الصين التي تحاول إشراك الحكومة الإسرائيلية في المحادثات حول الصراع.

لماذا تتدخل؟

ولأن البعض قد يتساءل عن السبب وراء توسط الصين، يجيب الموقع أن "أحد الأسباب هو مصالحها الاقتصادية في الشرق الأوسط، والتي قد تتعرض للتهديد إذا تفاقم الصراع".

إذ تعتمد بكين الآن بشكل كبير على واردات النفط، ويقدر المحللون أن حوالي نصفها يأتي من الخليج. 

كما تحظى دول الشرق الأوسط بأهمية متزايدة في مبادرة "الحزام والطريق"، المعروفة باسم "طريق الحرير الجديد"، وهي نقطة أساسية في سياسة بكين الخارجية والاقتصادية.

ولكن إضافة إلى ذلك، يسلط الموقع الضوء على سبب آخر يجعلها تتدخل في هذا المشهد السياسي، وهو أن الصراع يمثل فرصة ذهبية لبكين لتحسين سمعتها.

وبهذا الشأن، تعتقد الصين أن "الدفاع عن الفلسطينيين له تداعيات في الدول العربية والدول ذات الأغلبية المسلمة وأجزاء كبيرة من الجنوب العالمي".

كما ينوه أن "الحرب اندلعت في وقت تقدم فيه الصين نفسها للعالم بوصفها منافسا أفضل من الولايات المتحدة". 

فمنذ بداية عام 2023، روجت البلاد لرؤية نظام عالمي تقوده الصين، بينما انتقدت ما تعده إخفاقات القيادة الأميركية المهيمنة.

ورغم امتناع الصين عن انتقاد الولايات المتحدة لدعمها لإسرائيل رسميا، فإن وسائل الإعلام الحكومية تربط ما يحدث في الشرق الأوسط بدعم واشنطن لتل أبيب.

من ناحية أخرى، تشير "بي بي سي" إلى أن إحدى وجهات النظر بين المراقبين هي أن "بكين تقارن موقفها بموقف الولايات المتحدة لتقويض المكانة العالمية لمنافستها الغربية". 

ولكن في نفس الوقت، تنوه إلى أنه "من خلال عدم إدانة حماس صراحة، فإن الصين تخاطر أيضا بتقويض موقفها". 

ولذلك يرى الموقع أن "الصين تواجه تحديات أمام طموحاتها طويلة المدى، وأهمها هو التوفيق بين موقفها الدبلوماسي وتاريخها".

وتابع: "فعلى الرغم من أنها تعرب عن تضامنها مع الدول ذات الأغلبية المسلمة وتعارض الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، لا تزال بكين متهمة بارتكاب انتهاكات وإبادة جماعية لأقلية الإيغور المسلمة".

ويدعي المراقبون أن هذا لن يمثل على الأرجح مشكلة بالنسبة للعالم العربي، نظرا للعلاقات القوية التي بنتها الصين مع هذه الدول.

لكن المشكلة الأكبر، هي أن بكين تخاطر بأن يُنظر إليها على أنها "سطحية في مشاركتها، أو أنها تستغل الصراع بين إسرائيل وحماس لتحقيق مصالحها الخاصة".

وبهذا الشأن، تعلق الـ "بي بي سي" قائلة إنه "على الرغم من تصريح وانغ بأن الصين تسعى فقط إلى السلام في الشرق الأوسط وليس لديها مصالح أنانية في القضية الفلسطينية، فإن التحدي الأكبر هو إقناع العالم بأن هذا صحيح".