دول شمال إفريقيا تقترب من روسيا والصين وتبتعد أكثر عن الغرب.. لماذا؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في السنوات الأخيرة، اتخذت دول شمال إفريقيا توجها مماثلا لبعض جيرانها في الشرق الأوسط بالابتعاد عن الغرب وتوجيه أنظارها إلى الشرق نحو لاعبين دوليين جدد.

وقال معهد بحثي إيطالي إن دول هذه المنطقة الإفريقية، لا سيما المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا "تقترب من روسيا والصين اللتين يُنظر إليهما على أنهما يشكلان بديلين مفيدين".

ولاحظ في تقرير تطرق فيه إلى مصالح مختلف الأطراف وأسباب هذه التحولات الجيوسياسية، الابتعاد عن دول مثل فرنسا التي ينظر إليها الكثيرون في صورة القوة الاستعمارية السابقة.

وكذلك عن الدول الأوروبية الأخرى التي غالبا ما تركز على إدارة تدفقات الهجرة غير النظامية بدلاً من تركيزها على اتفاقيات التعاون الاقتصادي والسياسي لدفع عجلة التنمية.

وأكد أن "هذه العوامل دفعت بلدان شمال إفريقيا إلى الاقتراب أكثر من أي وقت مضى من روسيا والصين، لا سيما أنهما يوفران مزايا مختلفة تتراوح بين التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري".

ويقدمان "ضمانات أكبر للنمو والتنمية مانحين كذلك قدرًا أكبر من الاستقلالية في صنع القرار مقارنة بالماضي".

ومن ناحية أخرى، ينجذب البلدان إلى ثروة الموارد الطبيعية مثل الغاز والنفط الموجودة بشكل خاص في ليبيا والجزائر، وذلك بهدف إبرام اتفاقيات طاقة مربحة. 

ويكتسي الموقع الإستراتيجي للمنطقة أهمية بالغة لا سيما أنه بمثابة جسر رابط بين الشرق الأوسط والبحر المتوسط، ما يسمح لروسيا والصين بتعزيز وجودهما ونفوذهما في منطقة ذات أهمية جيوسياسية.

المغرب وإقليم الصحراء

وعن وضعية كل بلد، أشار المعهد الإيطالي إلى أن المغرب شرع أخيرا في مسار الانفصال عن فرنسا بدافع من عوامل مختلفة.

ويذكر في هذا الصدد، مسألة تبني البرلمان الأوروبي، بدعم من فرنسا، في يناير/ كانون الثاني 2023 نصا غير ملزم للمفوضية الأوروبية يطالب السلطات المغربية "باحترام حرية التعبير وحرية الإعلام".

كما أعرب النواب عن قلهم إزاء "ادعاءات تشير إلى أن السلطات المغربية قد تكون رشت برلمانيين أوروبيين".

وعلاوة على ذلك، يضيف المعهد أن موقف باريس المتردد في مسألة إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، لا يحظى بتقدير الرباط التي ترغب في أن يكون داعما لمبادرة الحكم الذاتي ويحذو بذلك حذو الموقف الإسباني.

وقد أدت هذه الخلافات إلى تدهور العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا ودفعت الرباط للبحث عن شركاء جدد لتقترب على المستوى الأوروبي من إسبانيا والبرتغال. 

أما دوليا، خيرت المملكة المغربية روسيا والصين كحليفين جديدين وأبرمت مذكرة تفاهم مع الشركة الوطنية الروسية للطاقة الذرية لحل مشكلة الجفاف وكذلك المشاركة في مبادرة الحزام والطريق الصينية.

الجزائر وإرث الماضي

ويصف المعهد الإيطالي العلاقات الجزائرية الفرنسية بالمعقدة تاريخيا والمتذبذبة رغم أن الجزائر لا تزال تحتفظ بعلاقات ثقافية وثنائية مهمة مع باريس.

وأشار الى وجود خلافات متكررة بين البلدين خاصة فيما يتعلق بأوضاع المهاجرين الجزائريين والمغاربيين بشكل عام في فرنسا.

وفي السنوات الأخيرة، أبدت الجزائر اهتماما متزايدا بالابتعاد عن القوة الاستعمارية السابقة والحد من النفوذ الفرنسي في مختلف القطاعات على سبيل المثال في نظام التعليم.

وفي الوقت نفسه، كثفت الدولة الشمال إفريقية علاقاتها مع روسيا التي لها أيضًا جذور تاريخية تعود إلى دعم الاتحاد السوفيتي خلال حرب استقلال الجزائر. 

وتعززت هذه العلاقات أكثر في السنوات الأخيرة، وبلغت ذروتها بالتوقيع على اتفاق شراكة إستراتيجية بين الجزائر وروسيا في يونيو/ حزيران 2023.

فضلا عن إجراء مناورات بحرية مشتركة في غرب البحر الأبيض المتوسط ​​في ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام.

كما اتجهت الجزائر أيضا نحو الصين التي استثمرت في ميناء الحمدانية وفي قطاع الطاقة في البلاد.

تونس والأمن الغذائي

وأردف المعهد الإيطالي أن تونس تتمتع بعلاقات قوية مع الاتحاد الأوروبي لا تزال مستمرة إلى اليوم، حيث تم التوقيع في يوليو/ تموز 2023 على مذكرة تفاهم تهدف إلى إرساء شراكة إستراتيجية.

وتشمل خمسة مجالات للتعاون وهي استقرار الاقتصاد الكلي، التجارة والاستثمارات، الانتقال نحو الطاقة الخضراء، التقريب بين الشعوب، وإدارة الهجرة والتنقل.

إلا أن الجانب التونسي يخشى، بحسب المعهد، أن يتم تخصيص الأموال بشكل أساسي لمسألة إدارة الهجرة خصوصا أنها تشكل مشكلة رئيسة بالنسبة للطرف المقابل أي الاتحاد الأوروبي.

بينما تقدم الصين وروسيا فرصا أخرى بعضها أكثر واقعية، على حد وصف المصدر الإيطالي.

وأوضح أن بكين تعمل على الترويج لمشاريع البنية التحتية المرتبطة بالحزام والطريق، فيما تعمل موسكو على زيادة شحنات الحبوب للتخفيف من أزمة الغذاء.

المصالح في ليبيا

من جانبها، تعيش ليبيا وضعا سياسيا معقدا للغاية نتيجة حرب أهلية دامت لأكثر من عشر سنوات وانقسام بين حكومتين، حكومة الوحدة الوطنية، مقرها طرابلس، تدعمها القوى الغربية وتركيا وقطر.

وحكومة في شرق البلاد خاضعة لسيطرة الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر المدعوم من روسيا ومصر والإمارات.

وأشار المعهد إلى أن روسيا تدخلت في الصراع الليبي في عام 2019 سعيًا وراء سلسلة من الأهداف والمصالح السياسية والاقتصادية، ترتبط بشكل أساسي ببيع الأسلحة واتفاقيات استخراج النفط والغاز.

وترتبط العوامل الجيوسياسية المفسرة لاهتمام موسكو بهذه الدولة الشمال إفريقية بالموقع الإستراتيجي لليبيا في منطقة البحر المتوسط ​​والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفي القارة الإفريقية بشكل عام.

في المقابل، أبرمت الصين مذكرة تفاهم مع حكومة الوفاق الوطني تنص على انضمام ليبيا إلى مبادرة الحزام والطريق.

الهروب من الاستعمار

ويرى المعهد الإيطالي أن التغيير في توجه هذه الدول نحو المحور الصيني الروسي مدفوع بشكل أساسي بالرغبة في تحرير نفسها من القوى الاستعمارية السابقة.

أو الدول الأوروبية الأخرى، التي لا يزال يُنظر إليها على أنها متطفلة للغاية في الثقافة والسياسة الوطنية ومهتمة حصريا بإدارة تدفقات الهجرة غير النظامية.

في المقابل، تقدم روسيا والصين لدول شمال إفريقيا بدائل أكثر فائدة بتوفير فرص التعاون والتنمية في مجموعة واسعة من القطاعات، من البنية التحتية إلى الطاقة ومن الاقتصاد إلى السياسة وكذلك القطاع العسكري.

وفي الوقت نفسه، تعد هذه الدول "حاسمة" لموسكو وبكين بالنظر إلى مواردها وموقعها الإستراتيجي الذي يمكنها من توسيع مجال نفوذها السياسي والاقتصادي.

لذلك يقرأ المعهد تعزيز الوجود الروسي في شمال إفريقيا بكونه يشكل "وسيلة لمحاصرة دول حلف الناتو، فيما يتعلق الأمر بالنسبة لبكين بتوسيع المحور التجاري نحو حدود جديدة واستهداف البلدان ذات الأهمية الإستراتيجية".

وخلص إلى القول إن هذه الروابط "تظهر مفيدة لكلا الطرفين المعنيين ويبدو أنها ستتكثف أكثر مع مرور الوقت".