نرجس محمدي.. ناشطة إيرانية تعيش في سجون نظام الملالي تحصد "نوبل السلام"

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

"مهندسة، صحفية، ناشطة حقوقية، سجينة دائمة"، كل هذه الألقاب تطلق على الإيرانية المعتقلة نرجس محمدي، التي فازت بجائزة نوبل للسلام في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأثار ذلك غضب السلطات الإيرانية، وعدت ذلك تدخلا في شؤونها وتسييسا لقضية حقوق الإنسان.

وتبلغ قيمة جوائز نوبل- التي يعود تأسيسها إلى عام 1901 على يد السويدي ألفرد نوبل- 11 مليون كرونة سويدية (نحو مليون دولار)، إذ يحصل الفائزون أيضا على ميدالية ذهبية عيار 18 قيراطا وشهادة في حفل توزيع الجوائز في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2023.

تقضي الناشطة الحقوقية الإيرانية، نرجس محمدي، التي تبلغ من العمر 51 عاما، أحكاما متعددة في سجن "إيفين" (سيئ الصيت) بمجمل عقوبات بلغت تقريبا 12 عاما، وكانت أولى اعتقالاتها في 1998.

مناضلة إيرانية

اللجنة المانحة لجائزة نوبل للسلام، أكدت أنها منحت الجائزة للناشطة نرجس محمدي، لنضالها ضد اضطهاد النساء في إيران وكفاحها من أجل تعزيز حقوق الإنسان والحرية للجميع"، بحسب تعبير وفق إعلان رئيسة اللجنة، النرويجية بيريت رايس أندرسن في العاصمة أوسلو.

وقالت أندرسن في 6 أكتوبر، إن الجائزة كافأت الناشطة والصحفية الإيرانية على "معركتها ضد قمع النساء في إيران وكفاحها من أجل تشجيع حقوق الإنسان والحرية للجميع".

وعلى ضوء ذلك، قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إن منح جائزة نوبل للسلام للناشطة الإيرانية المسجونة نرجس محمدي يسلط الضوء على شجاعة وتصميم المرأة الإيرانية.

وقالت المتحدثة باسم المفوضية إليزابيث ثروسيل في 6 أكتوبر، "لقد رأينا شجاعتهن وتصميمهن على مواجهة الأعمال الانتقامية والترهيب والعنف والاعتقال".

ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، تصريحا خاصا لنرجس محمدي الحائزة على  منصة "إكس" (تويتر سابقا) في 6 أكتوبر، قالت فيه إن الدعم والتقدير العالميين لدفاعها عن حقوق الإنسان يجعلها "أكثر تصميما وأكثر شعورا بالمسؤولية وأكثر حماسا وأملا".

وأضافت الناشطة البارزة في الدفاع عن حقوق الإنسان: "آمل أيضا أن يجعل هذا التقدير الإيرانيين الذين يحتجون من أجل التغيير أقوى وأكثر تنظيما. النصر قريب".

ونقلت وكالة "فرانس برس" تعليقا مقتضبا عن عائلة نرجس محمدي (لم تكشف عن هوية أي أحد منهم) في 6 أكتوبر، قولهم إنها "لحظة تاريخية في النضال من أجل الحرية في إيران".

ونشرت الوكالة أيضا مقابلة سابقة كانت قد أجرتها مع الناشطة الإيرانية  بالمراسلة من خلف القضبان، والتي قالت فيها نرجس محمدي إن "التغيير في إيران لا رجعة فيه، بالنسبة إليها".

وذكرت الوكالة أن المقابلة مع محمدي جرت في 15 سبتمبر، عشية ذكرى مرور عام على وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني بعد توقيفها من شرطة الأخلاق لعدم التزامها قواعد اللباس الصارمة.

وأوضحت محمدي: "لم تتمكن حكومة الجمهورية الإسلامية من قمع احتجاجات الشعب الإيراني، فيما تمكن المجتمع من تحقيق أمور هزت أسس الحكومة الدينية الاستبدادية وأضعفتها".

وكتبت في ردها على أسئلة وكالة الأنباء الفرنسية: "لم أرَ طفلَيّ كيانا وعليا منذ أكثر من ثماني سنوات، ولم أسمع صوتيهما منذ عام ونصف العام. إنها معاناة لا تحتمل ولا توصف"، مشيرة إلى أنه "لا أمل في الحرية" لها "قريبا".

وكشفت بأن "جناح سجن إيفين للنساء يؤوي أكثر السجينات السياسيات نشاطا ومقاومة في إيران"، مشيرة إلى أنه "خلال السنوات التي أمضيتها في السجن، تشاركتُ الزنزانة مع 600 امرأة على الأقل وأنا فخورة بكل واحدة منهن".

وأوضحت محمدي أن "ثمن النضال ليس فقط التعذيب والسجن، بل إنه قلب ينكسر مع كل حرمان، في معاناة تخترق عظامك حتى النخاع. لكن السجن يجسد أيضا جوهر الحياة بكل جمالها، خاصة أن النساء على خط المواجهة، ودورهن حاسم بسبب عقود من التمييز والقمع في حياتهن العامة والشخصية".

وتابعت: "أصبح الناس مستائين وعدائيين"، لافتة إلى أن الاحتجاجات المتكررة التي هزت إيران في السنوات الأخيرة "تظهر حجم الاحتجاجات وطابعها الذي لا رجعة عنه. ذلك أن الحركة الثورية لا تقتصر على النخب الشابة وسكان المدن، بل إن الاستياء والاحتجاجات- جراء البطالة والتضخم والفساد- وصلا إلى مناطق الضواحي والقرى".

واستاءت نرجس محمدي أيضا من "سياسة الاسترضاء التي تنتهجها الحكومات الغربية، والتي لا تعترف بالقوى والشخصيات التقدمية في إيران، ناهيك عن سياساتها الهادفة إلى الإبقاء على النظام الديني السلطوي" في البلاد.

من جهته، قال تقي رحماني زوج، نرجس محمدي، خلال مقابلة مع وكالة "رويترز" في 6 أكتوبر 2023، بمنزله في باريس إن هذه الجائزة ستشجعها على مزيد من النضال، وإن الأهم من ذلك أنها في الواقع جائزة للمرأة والحياة و(حركة) الحرية".

وفي عام 2009، تلقت نرجس جائزة ألكسندر لانغر، لناشط السلام، والتي كانت بقيمة 10 آلاف يورو، ثم في 2011 حصلت على جائزة بير أنجر، جائزة الحكومة السويدية الدولية لحقوق الإنسان. وفي 2016 حصلت على جائزة حقوق الإنسان لمدينة فايمار الألمانية.

"مدانة بالإجرام"

منح جائزة "نوبل" للسجينة، نرجس محمدي، أغضب السلطات الإيرانية، التي اتهمت اللجنة المانحة للجائزة بالتدخل في شؤون إيران الداخلية، وتسييس قضية حقوق الإنسان، معتبرة نرجس بأنها "أدينت بانتهاكات متكررة للقوانين وارتكاب أعمال إجرامية".

وردا على ذلك كتب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، على منصة "إكس" في 6 أكتوبر، قائلا: "كان أجدر رمز للسلام العالمي هو الجنرال المخلص الذي حارب الإرهاب وأعنف المجرمين طوال عقدين من الزمن وضمن أمن المنطقة والعالم".

وأضاف عبداللهيان: إن "حضور عشرات الملايين من الناس في تشييع قاسم سليماني (قائد فيلق القدس الإيراني السابق) في إيران والعراق وتعاطف العالم كان أروع وأبقى منح لجائزة السلام في التاريخ".

وجاءت تدوينة عبداللهيان بعد ساعات من تعليق المتحدث باسم الخارجية ناصر كنعاني، الذي أعلن احتجاج بلاده، بالقول: "نلاحظ أن لجنة (نوبل) منحت جائزة (السلام) لشخص أدين بارتكاب انتهاكات متكررة للقوانين وارتكب أعمالاً إجرامية".

وأضاف المتحدث الإيراني: "ندين هذا القرار السياسي الأحادي"، مشددا على أن "ادعاءات خاطئة حول التطورات في إيران قد قُدِّمَت في بيان اللجنة".

من جهتها، هاجمت صحيفة "كيهان" التابعة للمرشد الإيراني علي خامنئي، جائزة "نوبل"، إذ وصفت خلال عددها الصادر في 8 أكتوبر، الفائزين بالجائزة والمهنئين، بمن في ذلك أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بـ"المجرمين".

أما وكالة "فارس" للأنباء الإيرانية شبه الرسمية، فقالت في 6 أكتوبر، إن نرجس محمدي حصلت على جائزة نوبل للسلام "لأفعالها ضد الأمن القومي الإيراني، وإنها حصلت على جائزتها من الغرب وتصدرت عناوين الأخبار مرات عدة لهذا السبب".

من جهتها، قالت وكالة "تسنيم" للأنباء ، إن اللجنة منحت الجائزة "لمحكوم أمني يُعرف بأنشطته الرامية إلى إسقاط النظام والمعادية لإيران"، مشيرة إلى أن إعلان محمدي سابقا الإضراب عن الطعام ومنعها من لقاء أولادها والإهمال الطبي مزاعم وأكاذيب".

ووصفت الوكالة، خلال تقرير لها في 6 أكتوبر، جائزة نوبل للسلام بأنها "سياسية تمنح لدوافع سياسية".

ورأت وكالة "إرنا" الرسمية في 8 أكتوبر، أن جائزة نوبل للسلام قد انحرفت عن مسار المهمة التي شُكّلت من أجلها، فتحولت إلى أداة لتكريس العداء بين الشعوب بدلا من إحلال السلام، على حد تعبيرها.

ووصفت الوكالة في تقرير ثان لها، منح الجائزة لنرجس محمدي أنه "آخر حلقة من عمليات معقدة ومطولة، أسهمت في مفاقمة العقوبات الأجنبية على الشعب الإيراني".

وكتبت صحيفة "سياست روز" خلال افتتاحيتها بقلم الكاتب محمد صفري في 8 أكتوبر، أن جائزة نوبل تحولت إلى أداة ضغط على الدول المستقلة والتحررية، لخدمة أهداف الهيمنة العالمية.

وأشارت الصحيفة الإيرانية إلى أن "التاريخ حافل بمثل هذه الجائزة التي منحت لشخصيات قد تلطخت أيديها بدماء الأبرياء، وأولئك الذين هددوا الأمن والسلم الدوليين".

في المقابل اكتفى الإعلام الإصلاحي بنقل خبر منح جائزة نوبل للسلام إلى الناشطة نرجس، على الرغم من أن الأخيرة كانت قد تركت بصمة بارزة في العمل الصحفي الإصلاحي، وكانت مقربة من الأوساط الإصلاحية قبل أكثر من عقدين.

معتقلة دائمة

ولدت نرجس في مدينة زنجان بإيران عام 1971، التحقت بجامعة "الإمام الخميني" الدولية، وحصلت علي شهادة في الفيزياء، وأصبحت مهندسة محترفة، وخلال مسيرتها الجامعية، كتبت مقالات تدعم حقوق المرأة في الصحيفة الطلابية.

ألقي القبض عليها في اجتماعين لمجموعة الطلاب السياسيين التي أطلق عليها (مجموعة الطلاب المضيئة)، وكانت نشطة أيضا في مجموعة رياضية أخرى تعرف باسم "تسلق الجبال"، ولكن بسبب أنشطتها السياسية منعت من الانضمام إليها.

وعملت نرجس محمدي خلال عقد التسعينيات كصحفية في صحف إصلاحية عدة، ونشرت كتابا عن مقالات سياسية بعنوان "الإصلاحات والاستراتيجية والتكتيكات".

في عام 2003، انضمت إلى مركز المدافعين عن حقوق الإنسان، برئاسة الحائزة على جائزة نوبل للسلام الناشطة الإيرانية المعروفة شيرين عبادي، وأصبحت في وقت لاحق نائبا لرئيسة المنظمة.

في عام 1999، تزوجت من زميلها الصحفي الموالي لتيار الإصلاح تقي رحماني، الذي لم يمض وقت طويل على اعتقاله الأول. والذي انتقل إلى فرنسا في عام 2012 بعد أن قضى أربعة عشر عاما بالسجن، ولديهما ولدان توأم علي وكيانا.

اعتقلت نرجس لأول مرة في عام 1998 لانتقاداتها الحكومة الإيرانية وقضت عاما في السجن، ثم في أبريل/ نيسان 2010، استدعيت إلى المحكمة الثورية الإسلامية لعضويتها في لجنة الصليب الأحمر الإيرانية.

 وأفرج عنها لفترة قصيرة بكفالة قدرها 50 ألف دولار أميركي، ولكن أعيد اعتقالها بعد ذلك بأيام عدة، واحتجزت في سجن إيفين. وتراجعت صحتها أثناء الاحتجاز، وأصابها الصرع مما تسبب لها بفقد السيطرة على العضلات. وبعد شهر أطلق سراحها وسمح لها بالذهاب إلى المستشفى.

وفي يوليو/ تموز 2011، حوكمت نرجس مرة أخرى، وأدينت بتهمه "العمل ضد الأمن القومي، وعضوية اللجنة الإثيوبية لحماية المواطنين، والدعاية ضد النظام".

في سبتمبر 2011، حكم عليها بالسجن لمده 11 سنة، إذ أعلنت نرجس محمدي أنها لم تعلم بالحكم إلا من محاميها وأنه "صدر حكم لم يسبق له مثيل مكون من 23 صفحة صدر عن المحكمة وكان فيه أنشطة في مجال حقوق الإنسان لمحاولات إسقاط النظام".

في مارس/ آذار 2012، أيدت محكمة الاستئناف الحكم ضد الناشطة الإيرانية، على الرغم من أنه خفض إلى ست سنوات، إذ ألقي القبض عليها في 26 أبريل من العام نفسه، لتبدأ في الحكم.

في يوليو 2012، دعت مجموعة دولية من المشرعين إلى إطلاق سراحها، بمن فيهم عضو مجلس الشيوخ الأميركي مارك كيرك، والمدعي العام الكندي السابق أروين كوتلر، وعضو البرلمان البريطاني دينيس ماكشين، والنائب الأسترالي مايكل دانبي، والنائب الإيطالي فياما نيرنستين، والنائب الليتواني إيمانويلس زينجيريس، ثم أفرج عنها في 31 يوليو من العام نفسه.

وفي 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، أدلت نرجس بخطاب مؤثر عند قبر المدون الإيراني ستار بهشتي، قائلة: "كيف يقترح أعضاء البرلمان خطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يتحدث أحد قبل عامين، عندما قتل إنسان بريء تحت التعذيب في يد محققه؟"

وسرعان ما انتشر فيديو خطاب نرجس على شبكات التواصل الاجتماعي مما أدى إلى استدعائها إلى محكمة سجن إيفين، وقالت: "في الاستدعاء الذي تلقيته في 5 نوفمبر 2014، قيل لي |نه يتعين عليّ أن أدير الاتهامات، ولكن لا يوجد مزيد من التوضيح عنها".

جرى توقيفها في مايو/ أيار 2015 ثم أفرج عنها بكفالة لمدة قصيرة، ليتم بعدها الحكم عليها بالسجن 16 عاما في تهم عدة، بينها "المشاركة في تجمعات والقيام بنشاط ضد الأمن القومي ولنشاطها في دائرة المدافعين عن حقوق الإنسان وكذلك الدعاية ضد الجمهورية الإسلامية".

نفذت الناشطة الإيرانية إضرابا عن الطعام في يونيو/حزيران 2016 لتحتج على منعها من الاتصال هاتفيا بولديها اللذين يعيشان مع والدهما في فرنسا. وتراجعت السلطات عن هذا المنع بعد إضرابها الذي استمر 20 يوما.

في أكتوبر 2016 وجهت مجموعة من النواب الإيرانيين رسالة مفتوحة إلى رئيس السلطة القضائية تحض "الجمهورية الإسلامية على الرحمة والرأفة" والإفراج عن الناشطة، التي تعاني من مرض عصبي يسبب شللا في العضلات.

في سبتمبر/ أيلول 2018 سمحت السلطات الإيرانية للناشطة البارزة، بالخروج من السجن لثلاثة أيام لزيارة والدها المريض، ثم نقلت في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2019 نقلت من سجن إيفين بطهران حيث كانت مسجونة منذ مايو 2015 إلى سجن زنجان شمال غرب إيران.

أُفرج عن محمدي في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، ولكنها أوقفت مجددا فجأة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 في مرآب خارج طهران خلال حضورها تأبينا لشخص قتل خلال التظاهرات التي عمّت البلاد في عام 2019.

صدر بعدها حكم بالسجن ثماني سنوات عليها من محكمة إيرانية، وخلال وجودها خارج السجن واجهت محمدي في مايو 2021 حكما بـ80 جلدة والسجن لمدة 30 شهرا، بتهمة "الدعاية" ضد نظام الجمهورية الإسلامية و"التشهير" و"التمرد" على سلطة السجون.