اغتيال لونا الشبل.. تصفيات غامضة طالت مسؤولين سوريين عقب الثورة

اغتيل زوج بشرى الأسد العماد آصف شوكت بتفجير غامض عام 2012
عقب اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011 وتهديد حكم نظام الأسد بالسقوط، تسارعت عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية لمسؤولين وقادة عسكريين كبار في هرم السلطة.
وقد كان لافتا أن أغلب هؤلاء المسؤولين شاركوا إما في قمع الثورة، أو تبرير جرائم نظام الأسد كل حسب موقعه.
كان أحد هؤلاء لونا الشبل المستشارة الخاصة لرئيس النظام بشار الأسد والتي أعلن عن وفاتها في 5 يوليو/تموز 2024 بحادث سير.
"لونا الشبل"
وبحسب رئاسة النظام السوري، فإن لونا الشبل (49 عاما) والتي عملت خلال السنوات الماضية "مديرة للمكتب السياسي والإعلامي في رئاسة الجمهورية، ثم مستشارة خاصة في الرئاسة"، توفيت "إثر تعرضها لحادث سير أليم على أحد الطرق المؤدية لمدينة دمشق" في 2 يوليو 2024.
ولونا الشبل ولدت عام 1975 في مدينة السويداء جنوبي سوريا، لأسرة من الطائفة الدرزية ودرست الصحافة والإعلام في جامعة دمشق.
وقد عملت مع قناة الجزيرة القطرية منذ عام 2003 قبل أن تعلن استقالتها من القناة المذكورة في 25 مايو/أيار 2010 وتعود إلى سوريا للعمل في التلفزيون الرسمي.
وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، نقلت الشبل من ملاك الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون إلى ملاك رئاسة الجمهورية وعينت عقب ذلك مستشارة خاصة للأسد.

واستبقت وسائل إعلام سورية معارضة إعلان النظام، عن تعرض الشبل لحادث سير في منطقة يعفور بريف دمشق ونقلها إلى مشفى الشامي في قلب العاصمة بالحديث عن تعرضها للاغتيال.
وفي حين لم يتطرق النظام السوري في الإعلان عن تفاصيل الحادث الذي بدا غامضا وكأنه "مدبر" وفق معارضين سوريين، فقد كشفت مصادر "تلفزيون سوريا" المعارض، أن سيارة مصفحة صدمت مركبة الشبل على أوتوستراد دمشق يعفور، مما دفعها باتجاه منتصف الطريق.
وأضاف التلفزيون الذي يبث من إسطنبول، أن السيارة التي صدمتها كانت مجهزة بدعامة حديدية في المقدمة، مما أدى إلى تعرض الشبل لنزيف دماغي حاد.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورا لسيارة من نوع "بي إم دبليو" ليست حديثة وقد ارتطمت بحاجز إسمنتي على طرف طريق عام بريف دمشق، دون تحطم زجاج السيارة.
اللافت أن الحادث جاء بعد أن استبعد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، اسم لونا الشبل من قائمة "اللجنة المركزية لحزب البعث" الحاكم في مايو 2024، وكذلك زوجها محمد عمار ساعاتي الرئيس السابق لاتحاد طلبة سوريا والعضو السابق في مجلس الشعب لثلاث دورات متتالية منذ عام 2000.
وتزوجت الشبل من ساعاتي في عام 2016 عقب طلاقها من الإعلامي اللبناني سامي كليب.
وقبل الإعلان عن حادث السير، تحدثت وسائل إعلام معارضة عن توقيف شقيق لونا وهو العميد في قوات الأسد ملهم الشبل وزوجته بتهمة التخابر مع جهات أجنبية، وفق "تلفزيون سوريا".
وكذلك بعد صدور قرار من وزارة التعليم العالي في جامعة دمشق في 23 يونيو/حزيران 2024 بإنهاء وظيفة عمار ساعاتي، زوج لونا كأستاذ مساعد في الجامعة ذاتها، وفق قرار تداولته وسائل الإعلام المحلية.
وساعاتي كان رئيسا لاتحاد طلبة سوريا، وعرف بتحريضه على قمع طلاب الجامعات السورية إبان اندلاع الثورة، قبل أن يلجأ إلى المساهمة في تشكيل مليشيا "كتائب البعث" التي حملت السلاح ودخلت المدن إلى جانب قوات الأسد وارتكبت جرائم قتل، وفق مواقع سورية معارضة.
وفور إعلان وفاة الشبل، طرح ناشطون سوريون تساؤلات حول طبيعة الحادث الذي بدا حسب الصورة المنشورة للسيارة أنه بسيط ولا يؤدي إلى دخولها العناية المركزة في مستشفى الشامي.
كما لم تدل السلطات السورية بمعلومات عن الحالة الصحية لسائق السيارة ومرافق لونا الشبل.
وأمام هذا المشهد القادم من دمشق، كشفت السنوات الأخيرة لجوء نظام الأسد إلى تصفيات غير معلومة الأسباب في هرم السلطة.
إذ أعادت تصفية "لونا الشبل" إلى الأذهان، المسؤولين والضباط الكبار الذين كانوا من الدائرة الضيقة للنظام السوري وجرى الإعلان عن وفاتهم أو قتلهم بطرق ما تزال غامضة عقب اندلاع الثورة.
ورغم أن النظام قدم الكثير من المبررات لحوادث التصفية تلك، إلا أنه جمهور السوريين والخبراء وضعوها في خانة "التصفية المباشرة" لحسابات سياسية تتعلق بصراع الأجنحة داخل النظام وتأثيره على بقائه.
ومع ذلك، حاول أشخاص تقديم بعض التفسيرات لتصفية هؤلاء، والتي تبقى مجرد تكهنات وتحليلات يدلي بها محللون أو نقلا عن مصادر مجهولة داخل النظام.
أولى التصفيات
وكانت الحادثة الأكثر غموضا إلى هذا اليوم في المشهد السوري والتي فتحت عهد التصفيات داخل الدائرة الضيفة للأسد هي اغتيال أعضاء "خلية الأزمة" التي شكلها رئيس النظام لقمع الثورة.
واغتيل هؤلاء، في تفجير غامض استهدف اجتماعا في مبنى مكتب الأمن الوطني بحي الروضة الراقي وسط دمشق في 18 يوليو/تموز 2012.
وقتل في التفجير حينها أربعة من أعمدة النظام السوري، هم نائب وزير الدفاع آنذاك آصف شوكت، وهو زوج بشرى حافظ الأسد شقيقة بشار الوحيدة والتي اضطرت للخروج منذ عام 2012 للعيش في إمارة دبي برفقة اثنين من أبنائها بعد مقتل زوجها.
وكذلك معاون نائب رئيس الجمهورية العماد حسن توركماني، ووزير الدفاع حينها العماد داوود عبد الله راجحة، ورئيس مكتب الأمن الوطني، اللواء هشام اختيار.

وما يزال ذلك التفجير لغزا محيرا إلى هذا اليوم، خاصة أن الحادث وقع في هيئة الأركان وهو بناء شديد التحصين ولا يمكن لأي شخص أو سيارة دخوله إلا بإجراءات أمنية مشددة.
وبعد سنوات تحدث رئيس الوزراء السوري السابق رياض حجاب الذي انشق عن نظام الأسد، في أغسطس/آب 2012 عن الجهة التي تقف وراء ذلك التفجير.
لا سيما أن حجاب كان حين وقوع الانفجار على رأس عمله وقد حضر مراسم تشييع الضباط التي غاب عنها بشار الأسد.
وقال حجاب في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية بثت في 29 سبتمبر/أيلول 2023: “إن النظام السوري كان له الدور الأكبر في تفجير خلية الأزمة حيث كان الهدف منه تصفية آصف شوكت لأن بشار وشقيقه ماهر يتخوفان منه”.
وجاء تأكيد حجاب لما قاله ضباط منشقون عن قوات الأسد بأن شوكت رفض الحل الأمني وطالب بتقديم تنازلات من بشار لاحتواء الاحتجاجات.
ولفت حجاب خلال حديثه في المقابلة إلى أن "بشار الأسد رفض المشاركة في مراسم التشييع".
وعقب انفجار "خلية الأزمة" وحديث الشارع السوري عن تصفية الأسد لشخصيات أمنية كبيرة كانت تريد معالجة بعيدة عن الحل الأمني لقمع الثورة، لم تتوقف الاغتيالات.
إذ أعلن التلفزيون السوري الرسمي مقتل اللواء جامع جامع في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2013 عندما كان رئيسا لفرع المخابرات العسكرية في محافظة دير الزور والذي تولى إدارة اللجنة الأمنية لقمع المحافظة.

وحينها اكتفى التلفزيون بالقول إن جامع قتل "أثناء تأديته لمهامه"، فيما تحدثت حينها وسائل إعلام محلية عن أن اللواء المذكور قتل في استهداف لموكبه بعبوة ناسفة في حي الجورة بمدينة دير الزور.
إلا أن الرواية الرسمية لمقتل جامع أثيرت الشكوك حولها، ولا سيما أن الرجل يحمل ملفا كبيرا وسريا عن حقبة نظام الأسدين في لبنان.
وجامع جامع هو آخر رئيس لفرع الاستخبارات العسكرية السورية في بيروت قبل مغادرة الجيش السوري لبنان في أبريل/ نيسان 2005 إثر اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في فبراير/شباط من العام نفسه.
وقد ورد اسم جامع كأحد المتهمين في اغتيال الحريري خلال الفترة التي تولى فيها ديتليف ميليس لجنة التحقيق الدولية.
أما الحادثة التي هزت محافظة اللاذقية مسقط رئيس النظام وخزانه البشري من الضباط والعناصر في الجيش والأجهزة الأمنية من الطائفة العلوية التي ينتمي لها، فقد كانت الإعلان عن مقتل هلال، ابن عم بشار الأسد، بريف اللاذقية خلال اشتباكات هناك في 23 مارس 2014.
وعلى الفور أثيرت الشكوك حول تصفية هلال الذي كان يقود مليشيا "الدفاع الوطني" في اللاذقية والتي شكلها من الموالين لقمع الثورة والقتال إلى جانب قوات الأسد.

إذ أن موالين لهلال الأسد اتهموا حينها ابن عمه بشار ونظامه بتصفيته، بعد تأسيسه مليشيا "الدفاع الوطني" في الساحل السوري وتزايد شعبيته وتصرفه كحاكم لمحافظة اللاذقية لا سيما أنه كان صاحب نفوذ قوي هناك.
أحجيات مخابراتية
عقب ذلك، جاء الإعلان عن وفاة مدير الأمن السياسي السوري السابق اللواء رستم غزالة في 24 أبريل/نيسان 2015 بشكل مفاجئ، بعدما سربت معلومات قبل شهر من إعلان وفاته أن الرجل يرقد في مستشفى بدمشق بين الحياة والموت.
وغزالة الذي عينه بشار الأسد مديرا للأمن السياسي في سوريا عام 2012 كان مجرد ذكر اسمه في سوريا ولبنان يثير الرعب.
واكتفى التلفزيون السوري بخبر صغير مفاده أن رستم غزالة قضى نتيجة "وعكة صحية"، وبذلك تبقى أيامه الأخيرة في أحد مستشفيات منطقة المزة الدمشقية لغزا، وسبب وفاته الحقيقية أحجية.
وقد قيل إنه تعرض في منتصف مارس 2015 للضرب من قبل حرس اللواء رفيق شحادة حتى الموت.
وكان غزالة وقتها قادما إلى مكتب شحادة الذي كان يشغل رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، لتوبيخه نتيجة خلافات بينهما على طريقة الإدارة الأمنية في درعا التي ينحدر منها رستم.
وقد أصدر بشار الأسد في 20 مارس 2015 قرارا بإقالة رستم غزالة ورئيس شعبة الأمن العسكري اللواء رفيق شحادة، بحسب ما أفادت مصادر إعلامية محلية حينها.
واللواء رستم غزالة انتقل لرئاسة جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية العاملة في لبنان عام 2002 قبل أن يعود عقب انسحاب الجيش السوري عام 2005.

وقد عزا بعض السياسيين اللبنانيين سبب تصفية غزالة، إلى معلومات قدمها عن عمله سابقا في لبنان، ولا سيما أنه كان ضمن خمسة ضباط سوريين استجوبوا بقضية اغتيال رفيق الحريري.
واستمر مسلسل الاغتيالات الغامضة لشخصيات نافذة في نظام الأسد، حيث أعلن عن مقتل اللواء عصام زهر الدين قائد حامية دير الزور منذ سنة 2015، نتيجة انفجار لغم في 18 أكتوبر 2017 على ما ذكرت وسائل إعلام النظام السوري.
وزهر الدين يعد من أبرز رجالات نظام بشار الأسد الذين اعتمد عليهم في تصفية خصومه بعد اندلاع الثورة السورية وكان مدعوما من روسيا.
وقاد عمليات في مختلف المناطق، واتهم بارتكاب مجازر بحق المدنيين في حي باب عمرو في حمص، وفي الغوطة الشرقية، وفي دير الزور.

وفي نوفمبر 2018، نشر المركز الفرنسي للبحث الاستخباراتي، تقريرا لمدير البحوث ألان رودييه، قال فيه: إن "موسكو رأت أن اللواء زهر الدين تعرض للاغتيال بأوامر من طهران، لأنه أصبح ذا شعبية هائلة ليس فقط بين الناس، وإنما أيضا لدى بشار الأسد".
وكان عصام زهر الدين توعد في سبتمبر 2017 اللاجئين السوريين الذين هجرتهم آلة نظام الأسد العسكرية في حال عودتهم إلى بلدهم.
وفي فيديو اقتطع من مقابلة بثتها قناة الإخبارية التابعة للنظام السوري، وجّه زهر الدين رسالته إلى كل من فر من سوريا إلى أي بلد آخر، قائلا: "أرجوك لا تعد، وإذا الدولة سامحتك، نحن عهدا لن ننسى ولن نسامح".
وتابع باللهجة المحلية "نصيحة من هالدقن ما حدا يرجع منكم"، ثم تعلو الضحكات الساخرة من الضباط والجنود المحيطين به قائلين "منيحة"، في إشارة إلى أن هذا التوعد هو رسالة جيدة.