"سيناريوهات تغيير النظام".. ماذا يحدث على الحدود الباكستانية الأفغانية؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

رغم التعاون التاريخي بين باكستان وحركة "طالبان" لتحقيق تغيير النظام في أفغانستان، يبرز اليوم توتر متزايد بين الطرفين على حدود البلدين، حيث وصل إلى حد النقاش حول احتمالية “إعلان الحرب”.

وشهدت أفغانستان تطورات دراماتيكية في أغسطس/ آب 2021 عندما انسحبت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) من البلاد، مما أدى إلى انهيار الحكومة السابقة وعودة “طالبان” إلى السلطة. 

ولم تكن هذه العودة السريعة ممكنة دون الدور الذي لعبته باكستان، حيث وفرت لطالبان التدريب والتسليح والدعم.

عنصر توازن

ونشرت وكالة "الأناضول" التركية الرسمية مقالا للكاتب، حياتي أونلو، سلط فيه الضوء على خلفية النزاعات والتوترات بين باكستان وأفغانستان.

وتساءل أونلو: "لكن ما الذي أوصل العلاقات بين البلدين إلى هذا الوضع المتأزم بعد هذا التعاون؟

وأجاب أن "باكستان تزعم أنها تواجه تهديدا إرهابيا كبيرا منذ يناير/ كانون الثاني 2024، وتتهم حركة طالبان الباكستانية المتمركزة داخل أفغانستان بأنها المصدر الرئيس لهذا التهديد".

وأضاف "على إثر ذلك فقد شنت باكستان عمليات انتقامية داخل الحدود الأفغانية". 

واستدرك: "غير أن تدهور العلاقات بين باكستان وأفغانستان يعود إلى فترة الإطاحة برئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان وظهور نقاشات حول تغيير النظام".

وأوضح الكاتب التركي أنه "بعد تغيير الحكومة في إسلام آباد في أبريل/ نيسان 2022، سعت طالبان لقطع العلاقات مع باكستان التي عدتها قد خانت (القضية المشتركة) المتمثلة في طرد أميركا من المنطقة". 

ولذلك فقد قامت طالبان أفغانستان بالاستثمار بشكل أكبر في طالبان باكستان كعنصر توازن في مواجهة علاقات باكستان مع الولايات المتحدة التي تعدها طالبان تهديدا. 

من جانبها، ترى باكستان أن طالبان خانت قضيتهم المشتركة أولا من خلال احتفاظها بعلاقات مع طالبان باكستان، فاتهمت طالبان بتوفير الملاذ لهذه الحركة والعودة إلى طبيعتها المتطرفة. 

وبذلك تعد هذه الخلفية أساس معضلة الأمن المتصاعدة بين الطرفين اليوم، وفق أونلو.

صياغة الهوية

وقال الكاتب التركي إن "الوضع بين باكستان وأفغانستان يشهد تصعيدا في التوتر نتيجة التهديدات المتبادلة بين الطرفين؛ حيث تلعب الأزمات السياسية والجغرافية والاقتصادية دورا رئيسا في تفاقم الصراع".

وأوضح أنه “بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، أعادت طالبان تعريف هويتها لتصبح منظمة ذات طابع قومي وديني هجين، تسعى إلى تعزيز هويتها القومية من خلال إعطاء الأولوية لقضيتي خط ديورند وعدد سكان البشتون”. 

ويُذكر أن أفغانستان لا تعترف بخط ديورند كحدود رسمية وترى أن التعداد السكاني للبشتون الذين يعيشون في باكستان هو أكبر مما هو في أفغانستان.

وأشار أونلو إلى أن “هاتين القضيتين كانتا دائما نقطة حساسة في العلاقات الثنائية، وقد كانت الحكومات الأفغانية السابقة تستغلها لتحقيق مكاسب سياسية، واليوم تطمح طالبان إلى تسوية هذه القضايا لصالحها، مما يضع باكستان في موقف دفاعي”.

وتابع: “تعد باكستان أولويات طالبان تهديدا وجوديا، خاصة في ظل استمرار دعم طالبان الأفغانية لجماعاتٍ مثل حركة طالبان الباكستانية، وأن هذا التهديد قد دفع إسلام أباد إلى التقارب مجددا مع الولايات المتحدة في محاولة تأمين دعم دولي لمواجهة هذه المخاطر المتزايدة”.

واستطرد: “يمكن القول إن ما يحدث في باكستان منذ الإطاحة بعمران خان من أزمات سياسية وأمنية متفاقمة، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي المتدهور بفعل جائحة كورونا قد أدّى إلى زيادة الضغوطات على البلاد وجعل إدارة الأزمات أكثر صعوبة، وهو ما دفعها أكثر إلى التقارب مع واشنطن”.  

وأضاف الكاتب: "تعد الهجمات الإرهابية التي نفذتها طالبان الباكستانية خلال العام 2023 من أكبر التحديات الأمنية التي تواجهها باكستان".

الصراعات الراهنة

وأردف أونلو: "شهدت العلاقات بين أفغانستان وباكستان تصاعدا ملحوظا في التوترات خلال الأشهر الأخيرة. حيث اندلع نزاع محلي حول الأراضي في بلدة باراتشينار الواقعة بمنطقة كورام، ثمّ تحوّل هذا النزاع سريعا إلى صراع داخلي ذي طابع طائفي بين السنة والشيعة مما زاد من تعقيد الوضع". 

ووفقا لروايات السكان المحليين وبعض القادة، فإن هذه الاشتباكات كانت جزءا من مخطط استفزازي مُدبَّر من قبل حركة طالبان الباكستانية.

لكن القوات المسلحة الباكستانية نجحت في التوسط بين الأطراف المتصارعة، مما أدى إلى توقيع اتفاق سلام لمدة عام أعاد بعض الهدوء إلى المنطقة. 

ورغم هذا الاتفاق فقد عُدّ الحفاظ على السلام تحديا كبيرا، إذ لم يمر أكثر من أسبوع قبل أن تعود طالبان الباكستانية لتضرب بقوة كبيرة. 

وبهذا فقد كشف هذا التصعيد عن صعوبة استعادة القوات المسلحة السيطرة الكاملة على المنطقة كما كان في السابق، يؤكد أونلو.

وتابع: "في الفترة الأخيرة تفاقمت الاشتباكات في نفس المنطقة، حيث شنَّت طالبان الباكستانية هجمات ضد حرس الحدود الباكستاني باستخدام نقاط مراقبة أفغانية، وعلى إثر ذلك فقد ردّت القوات الباكستانية بغارات جوية وقصف مدفعي مكثف، ما أدى إلى خسائر بشرية ومادية من الجانبين".

وأشار الكاتب إلى أن “خطورة هذه الهجمات لا تقتصر على المنطقة الحدودية فحسب، بل تمتد لتشمل شمال بلوشستان ذي الأغلبية البشتونية، وهو الأمر الذي يزيد من خطر تأجيج الصراعات الطائفية على المستويين المحلي والإقليمي”. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن موقف حركة طالبان الباكستانية يرفض الاعتراف بخط ديورند كحدود دولية، وهو موقف يجد دعما من شخصيات بارزة في حركة طالبان الأفغانية مثل سهيل شاهين. 

وقال أونلو إن “هذا الدعم يُفسَّر على أنه مؤشر على تورط كابول في الأحداث عبر حلفائها الأيديولوجيين”.

وأضاف أن “هذه التطورات تُبرِزُ استعداد طالبان الأفغانية للرد على أي تهديدات قد تنطلق من الأجواء الباكستانية بدعم أميركي محتمل، ويبدو أن الحلول السلمية ستكون بعيدة المنال في المستقبل القريب، حيث إن ما يحدث بين الطرفين يعكس مدى تعقيد العلاقة بينهما وتداخل المصالح الإقليمية”. 

السيناريوهات المحتملة

واستدرك الكاتب التركي: “مع تصاعد التهديدات الإرهابية القادمة من أفغانستان منذ بداية هذا العام، بدأت باكستان تلمح إلى إمكانية تنفيذ عمليات عسكرية عبر الحدود، ومع ذلك لم يكن هناك توافق كامل بين الأطراف المعنية بهذه الخطط، حيث يبدو أن التركيز لا يزال مُنصبا على الديناميكيات السياسية الداخلية”. 

وأشار إلى أنه “إذا أصبح الخيار العسكري هو المسار المتفق عليه، فإن السيناريو الأكثر ترجيحا يتضمن تنفيذ عمليات جوية ضد معسكرات حركة طالبان الباكستانية القريبة من الحدود، ويُتوقع أن تتزامن هذه الضربات مع حملات واسعة النطاق داخل باكستان للقضاء على الخلايا النائمة”. 

وفي مثل هذا الوضع قد تضطر طالبان الأفغانية إلى بدء صراعات على طول الحدود للحفاظ على سمعتها أمام جمهورها المحلي، مما سيزيد من تعقيد المشهد الأمني.

وهناك احتمال آخر أيضا؛ وهو أن تقرر باكستان مواجهة التهديدات الإرهابية الناشئة من أفغانستان بشكل نهائي من خلال عملية برية شاملة، لكن هذا السيناريو يتضمّن إنشاء "منطقة عازلة/أمنية" صغيرة داخل الحدود الأفغانية، وقد يصل الأمر إلى التقدم نحو كابول بهدف تغيير النظام في مواجهة حركة طالبان الباكستانية.

وفي هذا السياق، قد تسعى باكستان إلى تنسيق بعض الجهود لتغيير النظام في أفغانستان ضد طالبان، حيث يمكن أن يتم التعاون مع حكومة بديلة محتملة يُرجح أن تحظى بقبول أوسع بين الأفغان، مثل "جبهة المقاومة الأفغانية" التي تضم معارضين من الأوزبك والطاجيك، بحسب أونلو.

ورغم المخاطر الكبيرة والاحتمالات العالية للتداعيات السلبية لكلا السيناريوهين، فإن تأثيراتهما الجيوسياسية واضحة. 

ومع ذلك ليس من المؤكد ما إذا كانت باكستان تمتلك الإرادة السياسية لتنفيذ مثل هذه الإجراءات. 

وفي ظل هذه الأزمة التي تهم العديد من الأطراف الفاعلة من الولايات المتحدة إلى الصين ومن روسيا إلى الهند وإيران، يبدو أن معضلة الأمن وصلت إلى نقطة لا يمكن الدفاع عنها وقد تقترب بسرعة من لحظة الانهيار.