بعد استشهاد شقيقه يحيى.. من هو محمد السنوار الذي تطلب إسرائيل رأسه؟

داود علي | 13 days ago

12

طباعة

مشاركة

بينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقادة حكومته يشربون نخب انتصارهم المزعوم بقتل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" يحيى السنوار،  في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، كانت قيادات جيش الاحتلال تخطط للمرحلة التالية.

ففي 18 أكتوبر أعلن المتحدث باسم الجيش، دانيال هغاري: "أن إسرائيل تبحث بنشاط عن محمد السنوار، شقيق زعيم حركة حماس وجميع القادة العسكريين للحركة".

وهو ما سلكته الصحف العبرية بالتحريض على الشقيق الأصغر للراحل يحيى السنوار، الرجل الذي أذاق إسرائيل واحدة من أسوأ الهزائم العسكرية والاستخباراتية في تاريخها عندما أطلق عملية "طوفان الأقصى" قبل عام. 

إذ ركز كتاب وسياسيون من دولة الاحتلال على "محمد السنوار"، أحد أهم وأقدم قادة كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس. 

ووصل الأمر أن طالب بعضهم بضرورة تصفيته سريعا وكخطوة تالية بعد "يحيى"، حتى يكتمل النصر بحسب زعم بعض كتاب الاحتلال.

فمن هو محمد السنوار؟ وما الدور الذي يلعبه في غزة؟ ولماذا يطالب الإسرائيليون برأسه؟

محمد السنوار  

في 16 سبتمبر/ أيلول 1975، ولد محمد إبراهيم حسن السنوار في مخيم للاجئين بمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة.

وقد نزحت عائلته إلى خانيونس بعد تهجيرها من بلدتها الأصلية "مجدل عسقلان" داخل فلسطين المحتلة، إبان نكبة عام 1948.

بدأ محمد تعليمه الأساسي في مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وكان من رواد المساجد الذين تأثروا بتعاليم الدعوة.

وفي سنوات عمره المبكرة تأثر بشقيقه الأكبر يحيى (يكبره بـ 13 عاما)، أحد أهم قادة حماس على الإطلاق وآخر رئيس لمكتبها السياسي.

لذلك لم يكن غريبا أن يلتحق محمد السنوار بصفوف الحركة منذ نشأتها في 14 ديسمبر/ كانون الأول 1987.

ورغم صغر سنه في ذلك الوقت، لكنه كان من ناشطي حماس في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987 - 1993).

في ذلك الوقت تدرج محمد في مواقع تنظيمية مختلفة، وكان من أوائل المنضوين تحت لواء كتائب عز الدين القسام بداية التسعينيات عندما كان يبلغ من العمر 16 عاما.

وفي عام 1991 اعتقله جيش الاحتلال وسجنه في سجن "كتسيعوت" بصحراء النقب، ولكن جرى إطلاق سراحه بعد 9 أشهر.

بعدها أصبح محمد السنوار قريبا من القادة الميدانيين الذين أصبحوا لاحقا شخصيات رئيسة في بنية حماس العسكرية، مثل القائد العام للكتائب محمد الضيف والقائد العسكري البارز سعد العرابيد الذي يعد أحد مؤسسي القسام.

خلال تلك المرحلة، اعتقلت قوات الأمن الفلسطينية محمد السنوار بشكل متكرر تحت ضغوط إسرائيلية، وقضى في نهاية المطاف ما مجموعه 3 سنوات في السجن.

وقد زادت مكانته بشكل أكبر في أبريل/ نيسان 2003 عندما استهدفت مروحية إسرائيلية سعد العرابيد، المقرب من محمد، واغتالته.

ليصبح محمد السنوار الرجل الموكل بمهامه القيادية والعملياتية، وبالفعل في عام 2005 تولى منصب قيادة لواء "خانيونس".

وهو منصب دقيق وخاص داخل كتائب القسام، بتقدير أن لواء "خانيونس" من أكثر فرق حماس قوة وتأثيرا. 

محاولات اغتياله 

ويعد محمد السنوار، شخصية غامضة محاطة بهالة من السرية، فلا يكاد سكان غزة ووسائل الإعلام يعرفون شكله وملامحه.

إذ لا توجد صور حديثة أو متعددة له، ومعظمها صور بروفايل بعضها غير مكتمل المعالم، ما جعله ملقبا بـ "رجل الظل". 

وذلك لأنه يعيش حياة غير عادية، بسبب ترصد آلة القتل الإسرائيلية له، ومحاولتها الدائمة لتصفيته حتى قبل انطلاق عملية "طوفان الأقصى".

وهو ما دعا السنوار للتحرك خفية وفي أضيق نطاق، تجنبا لعملية اغتيال إسرائيلية، وقد نجا خلال العقدين الماضيين من 6 محاولات لقتله.

كانت آخرها وأقربها خلال الحرب الرابعة على غزة، التي تطلق عليها إسرائيل اسم "حارس الأسوار" وتطلق عليها المقاومة "معركة سيف القدس" والتي اندلعت في مايو/ أيار 2021.

ومن المحاولات المشهورة تلك التي وقعت في 11 أبريل 2003، عندما أعلنت كتائب القسام في بيان عسكري أن محمد السنوار نجا من محاولة اغتيال بواسطة جسم ملغم زرعه عملاء للاحتلال في جدار منزله بمدينة خانيونس.

بعد تلك المحاولة تحديدا اختفى محمد عن الأنظار تماما، لدرجة أنه لم يشارك علانية في تشييع والده الذي توفي عن 90 عاما في 12 يناير/ كانون الثاني 2022.

وسبق أن كشف مسؤول إسرائيلي لموقع "سكاي نيوز" البريطاني، "أنه تم استهداف محمد السنوار أكثر من أي شخصية بارزة أخرى في حماس". وتابع: "كانت العمليات للقضاء عليه هائلة ولكنها غير ناجحة".

العقل المدبر 

ولعل السبب الرئيس لتلك المحاولات الإسرائيلية الجنونية لقتل محمد السنوار، اعتقاد تل أبيب أنه "العقل المدبر" للكثير من العمليات الفدائية ضدها.

منها "عمليات الأنفاق المفخخة" التي استهدفت مواقع عسكرية إسرائيلية على مدار 5 سنوات، عقب اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 وحتى الانسحاب من غزة عام 2005. 

لكن عمليته الأخطر قبل "طوفان الأقصى"، هي عملية "الوهم المتبدد" حيث برز اسم السنوار كأحد المخططين الرئيسين للعملية.

واستهدفت هذه العملية موقعا عسكريا إسرائيليا قرب معبر كرم أبو سالم، شرق مدينة رفح أقصى جنوب غزة يوم 25 يونيو/ حزيران 2006.

حينها لم يكن السنوار معنيا فقط بالجانب العملياتي الميداني، بل كان مخططا لأدق التفاصيل.

وتذكر صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه جند عشيرة درموش، المسؤولة عن تهريب الأسلحة والمخدرات من سيناء إلى غزة، لتنفيذ عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.

وبالفعل نجحت حماس آنذاك في أسر شاليط، والاحتفاظ به لسنوات قبل إطلاق سراحه في إطار صفقة تبادل الأسرى الشهيرة عام 2011، والتي تطلق عليها حركة حماس اسم “وفاء الأحرار”، وبموجبها اضطرت حكومة الاحتلال للإفراج عن 1027 أسيرا فلسطينيا.

وكان من أبرزهم شقيقه يحيى السنوار، الذي كان معتقلا منذ عام 1988 ويقضي حكما بالسجن 451 عاما.

وذلك لمسؤوليته عن تأسيس جهاز الأمن الخاص في حماس، المعروف باسم "مجد" ويختص بملاحقة عملاء إسرائيل في غزة.

رجل مهم

وأثناء العدوان على غزة في صيف عام 2014، اغتيل اثنان من أقرب مساعدي محمد الضيف، هما رائد العطار ومحمد أبو شمالة.

وكان كلاهما مرشحا بقوة لخلافة الضيف، لكن حماس تجاوزت تلك الضربة بتعزيز مكانة محمد السنوار، عضو هيئة أركان كتائب القسام، وقائد لواء “خانيونس”، وفق ما تقول صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية.

ونقلت الصحيفة عن جنرال عسكري إسرائيلي: "كثيرون لا يفهمون من هو محمد السنوار بشكل حقيقي، إنه كان يستجوب العملاء الفلسطينيين شخصيا، بهدف معرفة كيفية عمل الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي".

وأضاف: "لقد فهم الجانب الإسرائيلي إلى الحد الذي مكنه حتى من التعرف على الطائرات من خلال الأصوات التي تصدرها".

 وتابع: "لا أحد في سائر قيادات حماس يفهم أنماط العمليات السرية الإسرائيلية أفضل منه، لقد تعلم كل شيء من البداية إلى النهاية".

ووفقا لمصادر عسكرية، يعد محمد السنوار أكثر قسوة وخطورة من شقيقه الأكبر يحيى، لأنه مدرك تماما للخطط الميدانية، والعقائد القتالية، والتدريب وقيادة النشاط العملياتي المركز، على مستوى جميع الجبهات.

وهو ما أكده الرئيس السابق للاستخبارات المضادة في جهاز الموساد الإسرائيلي، يوفال بيتون، عندما قال: "كان محمد دائما أكثر أهمية لدينا من أخيه يحيى".

ومن الجوانب التي تحمل مكمن خطورة محمد السنوار أنه يعد مهندس أنفاق غزة، حيث اضطلع بتنفيذ أكبر المشاريع في القطاع لبناء شبكة الأنفاق تحت الأرض، كما يحمل خرائطها المعقدة.

المطارد الأول 

وتعتقد إسرائيل أن محمد السنوار أحد أهم مخططي ومنفذي عملية "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر 2023، كواحدة من أثقل الهزائم في تاريخها، وأكثرها فشلا استخباراتيا وعسكريا. 

وكان يحيى السنوار المطارد الأول، وحددت 400 ألف شيكل (107 آلاف دولار)، كمكافأة لمن يدل عليه، ولكن شقيقه محمد أيضا وضع في نفس القائمة.

فقد رصد جيش الاحتلال مكافأة قيمتها 300 ألف شيكل (80 ألف دولار) لمن يدل على محمد الذي حدد كمطارد رقم 2، وبعد رحيل الأخ الأكبر، أصبح محمد حاليا على رأس قائمة المطاردين.

حتى إنه خلال زيارة سابقة إلى مستوطنة "نتساريم" وسط قطاع غزة، وضع وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت علامة عليه، حتى قبل شقيقه يحيى، وقال: "سوف نصل إلى كل هؤلاء الأشخاص".

وهو ما أكده رئيس رابطة قوات الاحتياط الإسرائيلية، العميد احتياط "أمير أڤيڤي"، عندما قال "إن محمد السنوار هو الحجر الأخير في الدومينو". 

وفي 17 أكتوبر 2024، نشر موقع "واينت" العبري، مقالة للكاتب الإسرائيلي "آفي يسسخاروف"، ذكر فيها أنه لا معنى لتصفية يحيى السنوار، ما لم تخلق إسرائيل بديلا لحماس في غزة. 

ثم تحدث عن محمد السنوار كعقبة كبرى أمام تحقيق مشروع إسرائيل، كونه الرجل الذي يدير وحدات من آلاف المقاتلين الذين لا يزالون صامدين. 

وقال: "محمد السنوار سيسعى إلى أن يثبت بكل الطرق الممكنة أن قوة حماس تكمن في داخله".

وأضاف: "سيكمل تنفيذ العمليات ضد الجيش الإسرائيلي في غزة وإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل". 

وأتبع: "من المشكوك أن يكون على استعداد لتقديم تنازلات فيما يتعلق بصفقة إطلاق سراح الرهائن (الأسرى) لأنه يكمل على خطى أخيه". 

وعلى نفس الموقع، كتب الصحفية الإسرائيلية لفت حليبي: "محمد السنوار، الملقب بالعائد من الموت، شخصية جذابة ولكنها صعبة للغاية وخطيرة".

وأكملت: "معروف بأن كل شخص في غزة يكن له الكثير من الاحترام، ومع ذلك هو رجل مخيف، عندما يمر ينظر الناس إلى الأرض"، وفق تعبيرها.