ماذا يعني إعلان الكونغرس الأميركي المساواة بين معاداة السامية والصهيونية؟

منذ ٥ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في يوليو/تموز 2022 وخلال زيارته إسرائيل قال الرئيس الأميركي جو بايدن: "أنا صهيوني ولا أعتقد أنه يتعين عليك أن تكون يهوديا لكي تكون صهيونيا".

وخلال زيارته الثانية لدولة الاحتلال عقب هجوم عناصر "القسام" على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قال إنه "صهيوني يقف مع إسرائيل في حربها ضد حماس وغزة".

ثم عاد في 6 ديسمبر/كانون الأول 2023 ليجدد تأكيده أنه "صهيوني" ومؤيد لإسرائيل، ردا على سؤال صحفيين له حول أسباب دعمه غير المحدود للاحتلال رغم ارتكابه جرائم بشعة في غزة.

وقال في خطاب له بمدينة بوسطن، خلال حملة جمع تبرعات لحملته الانتخابية: "ليس ضروريا أن تكون يهوديا حتى تصبح صهيونيا، وأنا صهيوني وهذه حقيقة لا أعتذر عنها".

حاليا وبعدما صادق الكونغرس الأميركي في 6 ديسمبر 2023، على مشروع قرار ينص على المساواة بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، أصبحت أميركا رسميا دولة "صهيونية" تُجرم من يعادي الصهيونية.

فما الذي سيترتب على ذلك؟ وما الفرق بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية في أميركا؟ وكيف يؤثر ذلك على اليهود المعادين للصهيونية والمسلمين؟

ماذا يعني؟

بعد ضغوط يهودية مكثفة، صوت 311 نائبا بمجلس النواب الأميركي، الذي يشكل الجمهوريون غالبيته، لصالح مشروع القرار رقم 894 الذي ينص على أن "معاداة الصهيونية هي نفسها معاداة السامية" مقابل 14 صوتوا ضده.

وامتنع 92 نائبا ديمقراطيا عن التصويت على مشروع القرار، مكتفين بكلمة "حاضرين"، خوفا من أن يجرى وصفهم بمعاداة السامية لأنهم ينتقدون "الصهيونية".

ومن بينهم ثمانية من الديمقراطيين اليهود الـ24 في مجلس النواب، فيما بلغ عدد الديمقراطيين الذين صوتوا لصالح القرار 95 نائبا.

أي أنه صوت 105 ديمقراطيين بـ"لا" أو "حاضرين" على قرار أن "معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية"، ورفض القرار نائب جمهوري واحد.

بذلك، أصبح رسميا في الولايات المتحدة اعتقاد أن انتقاد السياسات الإسرائيلية والصهيونية تعني "معاداة السامية"، مع ما يترتب عليها من عقوبات قد تشمل المحاكمة، والإبعاد من الوظائف.

مشروع القرار جرى تبريره بأنه رد على تنامي تصاعد معاداة اليهود في الولايات المتحدة وحول العالم، دون أن يذكر السبب، وهو الاحتلال والإبادة القائمة في غزة التي حركت ضمير العالم وزادت كراهيتهم للصهاينة.

لكن صدور هذا القرار، الذي قدمه اثنان من الجمهوريين اليهود، هما النائبان ديفيد كوستوف وماكس ميلر، طرح تساؤلات حول كراهية بعض يهود أميركا للصهيونية وتظاهرهم ضد إسرائيل وهل سيتم تصنيفهم أيضا كمعادين للسامية.

وهو ما لفت إليه الأنظار نائب الكونغرس عن نيويورك، جيرولد نادلر، وهو يعلق على القرار حيث تساءل: "هل اليهود الحسيديم في نيويورك سعدون معادين للسامية؟".

وأكثر اليهود "الحسيديم" يذمون الصهيونية ويطعنون فيها، وإن كانوا مؤيدين لها في إنشاء دولة اليهود في فلسطين، وقد هاجر كثير منهم إلى فلسطين واستقروا بها.

وتعارض العديد من المنظمات اليهودية حول العالم، الصهيونية وممارساتها، التي أدت لطرد أكثر من 750 ألف فلسطيني من أراضيهم في حرب 1948، وتعرض يهود أميركيون للاعتقال لدعمهم غزة وفضحهم صهيونية إسرائيل وأميركا.

وتُعرف "معاداة الصهيونية" بأنها حركة معارضة لفكرة إقامة دولة يهودية على الأراضي الفلسطينية، والسياسات التي تنتهجها إسرائيل في سبيل ذلك، أما معاداة السامية فهي تعني التحيز ضد الشعب اليهودي والتعامل معه استنادا إلى أحكام مسبقة.

وفي مايو/أيار 2023 أصدرت إدارة بايدن أول إستراتيجية لمكافحة "معاداة السامية" ولكن إستراتيجية البيت الأبيض لم تتبن تعريف "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA)" الذي يتضمن 11 مثالا على "معاداة السامية"، 7 منها تتعلق بإسرائيل، والذي كان سيعني تجريم إدانة سياسات إسرائيل.

حيث استخدمت إستراتيجية البيت الأبيض تعريفات مختلفة للعداء للسامية، منها تعريف وثيقة "نيكسوس" (Nexus) وغيرها التي لا تعد انتقاد السياسات الإسرائيلية يدخل ضمن "العداء للسامية".

إلا أن إستراتيجية مكافحة "معاداة السامية" لم تجعل من انتقاد الصهيونية ضمن تعريفات العداء للسامية، ما دفع منظمات يهودية للمطالبة بتجريم "معاداة الصهيونية" أيضا لأنها وفقا لإستراتيجية بايدن لا تعد "معاداة للسامية".

وأخيرا ومع استمرار ضغوط المنظمات اليهودية الأميركية الشهيرة، مثل رابطة مكافحة التشهير واللجنة اليهودية الأميركية، تم لهم ما أردوا، وصدر قرار الكونجرس بجعل معاداة الصهيونية مثل العداء للسامية، مستغلين هجوم طوفان الأقصى.

وقد وجهت لقرار الكونغرس انتقادات شديدة، لأنه بذلك سيجعل انتقاد إسرائيل وسياساتها عداء للصهيونية.

وقالت النائبة من أصل فلسطيني رشيدة طليب، إن معارضة السياسات المتطرفة لحكومة إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو يجب ألا تُعد "معاداة للسامية".

أسباب القرار

ويرى أستاذ العلوم السياسية بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة، إبراهيم البيومي غانم، أن "هذا القرار منسجم تماما مع الثقافة السائدة لدى النخب السياسية الأميركية والأوروبية وقطاع كبير من الرأي العام في الغرب بصفة عامة".

وأوضح غانم لـ"الاستقلال" أن "مفهوم الصهيونية عندهم له وقع إيجابي يستثير العاطفة والشفقة على اليهود الذين تعرضوا للاضطهاد والتشريد عبر حقب زمنية متعاقبة وقصة حرقهم في أفران الغاز على يد هتلر (الهولوكوست)".

وتابع: "وعليه لا غرابة من قرار الكونغرس الذي ساوى معاداة الصهيونية بمعاداة السامية". 

لكن غانم يرى أن "المشكلة كامنة في الخطاب السياسي العربي الذي مايزال يعيش غيبوبة الفكر القومي والعلماني، وتسبب في الكوارث التي وصلت إليها أحوال الأمة العربية وقضية فلسطين".

وأوضح أن هذا الفكر، والذي لم يدرك حتى اليوم معنى "إلغاء وصف الصهيونية بأنها حركة عنصرية" بموجب قرار الأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1991، لم يدرك أن ما يعده أساطير وخزعبلات مؤسسة لدولة الكيان هي بمثابة "حقائق لا تقبل المناقشة" في الثقافة الغربية والأميركية.

ويشرح أنه لذلك فإن "هجوم الخطاب العربي الموجه للغرب على الصهيونية وبخاصة في المحافل الدولية، يأتي بأثر عكسي للعرب وقضية فلسطين ويأتي بأثر إيجابي لصالح الصهيونية ودولة الكيان".

ويرى أنه يجب تغيير الخطاب العربي الذي يخاطب الخارج في مسائل الصهيونية، عن خطابه للداخل العربي الذي يتفهم مخاطر الصهيونية ويتفهم معني "صهيوني" أي معتدٍّ، لا ضحية للاعتداء كما يفهم الغربيون معنى كلمة "صهيوني".

"ويجب تعديل الخطاب العربي الموحد وتركيزه ضد السياسة الهمجية لدولة الكيان وضد خرقها القانون الدولي والقيم الإنسانية وضد استغلال الصهيونية لعواطف اليهود والتضحية بهم لأغراض سياسية"، كما يقول غانم.

وأضاف: "مايزال الجانب العربي القومجي خصوصا، رافضا مغادرة الخطاب السياسي الموجه للخارج حول الصهيونية، والذي هو خطاب خشبي، لم يغادر غيبوبته منذ خمسينيات القرن الماضي"، كما يقول غانم.

وينبه الخبير السياسي المصري إلى أنه بسبب ربط الغرب، الصهيونية بالشفقة على اليهود، كان أول ما فعله بايدن عندما تولى منصبه نائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما، أنه ألقى محاضرة في جامعة بار إيلان بتل أبيب انصبت كلها على "عمق إيمانه الصهيوني"، رغم أنه مسيحي كاثوليكي. 

وشرح لهم، كيف أن سماعه (بايدن) هذه الكلمة من أبيه وهو طفل "كانت تجعله يشعر بالنشوة والتحفز للتضحية من أجل الصهاينة أينما كانوا!!".

وفي عام 2014 قال بايدن، حينما كان نائبا للرئيس الأميركي: "أنا شخص صهيوني وليس بالضرورة أن أكون يهوديا"، مضيفا: "والدي أشار علي بذلك".

ونسب بايدن وجهة نظره المؤيدة لإسرائيل والصهيونية إلى والده الذي أصر في أعقاب الحرب العالمية الثانية والمحرقة النازية على أنه "لا يوجد شك في عدالة إقامة دولة إسرائيل كوطن لليهود في عام 1948".

وقال مسؤول أميركي سابق لوكالة "رويترز" البريطانية في 21 أكتوبر 2023 إن اعتراف بايدن باضطهاد اليهود على مر القرون واطلاعه على الارتفاع القياسي في عدد الحوادث المعادية للسامية في الولايات المتحدة العام، يفسران سبب إثارة هجوم حماس على إسرائيل، قلق بايدن.

وعلى مدى 36 عاما قضاها عضوا بمجلس الشيوخ، كان بايدن أكبر متلقٍ للتبرعات من الجماعات المؤيدة لإسرائيل والصهيونية في تاريخ المجلس، ووفقا لقاعدة بيانات "أوبن سيكرتس"، تلقى بايدن 4.2 ملايين دولار.  

وقالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 6 ديسمبر 2023 إن سبب تقديم النائبين اليهوديين ميلر وكوستوف هذا القرار هو "تأكيد الدعم الأميركي لليهود في أعقاب تصاعد الخطابات والإجراءات المعادية للسامية التي أثارتها الحرب بين إسرائيل وحماس".

وتزعم أنه منذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، ارتفعت حوادث المضايقة والتخريب والاعتداءات المعادية للسامية في الولايات المتحدة بنسبة 388 بالمئة ضد اليهود مقارنة بنفس الفترة من العام 2022، وفق رابطة مكافحة التشهير.

إسكات المنتقدين

وسخر موقع "ذا نيشن" الأميركي في تقرير نشره في 5 ديسمبر 2023 تحت عنوان "كيف تغذي الصهيونية معاداة السامية؟" من جعل الكونغرس معاداة الصهيونية معاداة للسامية، مؤكدا أنها ليست كذلك، وأن الهدف هم منتقدو العدوان على غزة.

وذكر أن القرار يشير إلى أن كل معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية، و"هذا خداع فكري ومن وضعوا القرار عليهم أن يعرفوا أن معاداة الصهيونية اليهودية لا تعني معاداة للسامية بشكل صريح".

وأشار "ذا نيشن" إلى أن من يقفون خلف الدعم شبه الجماعي للقرار هم من الجمهوريين المعادين للسامية والمسيحيون الصهاينة مثل رئيس مجلس النواب مايك جونسون، وهم الأشخاص الذين يحبون إسرائيل ويكرهون اليهود.

وشدد الموقع على أن ما يسعى إليه من يقفون خلف هذا القرار، هو إسكات الانتقادات والاحتجاجات ضد سياسات إسرائيل في غزة والتي هي بطبيعتها معادية للسامية.

وأكد كاتب التقرير، ديف زيرين، وهو يهودي: "يتعين علينا كيهود أن ندرك أن أفضل أمل لدينا ضد معاداة السامية يكمن في هزيمة الحملة الإسرائيلية المزدوجة لتدمير غزة وربط مصيرنا بجرائم الحرب تلك".

وقال: "يتعين علينا أن نقول لا للحرب على غزة ولا للمكارثية الجديدة الوقحة التي تهدف إلى إسكات المنتقدين".

وأوضح أن "أفضل أمل لدينا ضد معاداة السامية هو هزيمة الحملة الإسرائيلية المزدوجة لتدمير غزة وربط مصيرنا كيهود بهذا المشروع الخبيث".

ورأى اثنان من النواب الديمقراطيين اليهود في مجلس النواب عن معارضتهما للقرار، هما جان شاكوفسكي، في تصريحات لموقع "أكسيوس" الأميركي في 5 ديسمبر 2023 أن القرار "إما مخادع فكريا أو مجرد خطأ في الواقع".

وقال نادلر إنه لا يمكن مساواة كل معاداة الصهيونية بمعاداة السامية و"ليس كل الشعب اليهودي صهيونيا".

Rep. Nadler: "The resolution states that all anti-Zionism is antisemitism. That's intellectually disingenuous or factually wrong…The authors if they were at all familiar with Jewish history & culture should know about Jewish anti-Zionism that was + is expressly not antisemitic." https://t.co/cjTReBocKW pic.twitter.com/hsrljJcj04

— Prem Thakker (@prem_thakker) December 4, 2023

ووصف النائبان القرار بأنه محاولة "لتسليح الألم اليهودي" والسعي لتحقق "نقاط سياسية" و"فواتير" على حساب مشكلة معاداة السامية، لتحقيق أهداف من يقفون خلفه.

ونقل موقع "بيزنس إينسايدر" في 5 ديسمبر 2023 عن النائب اليهودي المعارض للقرار نادلر، إشارته إلى أن العديد من ناخبيه في بروكلين، بما في ذلك المجتمعات اليهودية الأرثوذكسية، "لديهم وجهات نظر مناهضة للصهيونية".

وأضاف: "إنهم يعتقدون أن دولة إسرائيل العلمانية الحديثة تتعارض مع النبوءات الدينية حول عودة اليهود إلى أرض فلسطين".

وقال نادلر ساخرا: "بموجب هذا القرار، فإن أولئك حتى الذين يحبون إسرائيل بشدة ولكنهم ينتقدون بعض مناهجها السياسية يمكن وصفهم مناهضين للصهيونية!".