معهد إسرائيلي: هل تكون إندونيسيا جزءا من خطة اليوم التالي للحرب في غزة؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تحظى القضية الفلسطينية بأهمية كبيرة في الخطاب العام والسياسي في إندونيسيا، وهو أمر يثير باستمرار غضب دولة الاحتلال الإسرائيلي. 

وينبع هذا الالتزام بالقضية الفلسطينية من التضامن الديني الإسلامي ومن هوية وطنية مناهضة للاستعمار، وفق ما يقول معهد "ميتفيم" الإسرائيلي.

وفي رأي المعهد، فإن هذا الالتزام يستلزم فرصة لاستخدام قدرات إندونيسيا ومزاياها لتشكيل "اليوم التالي للحرب في غزة" التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. 

وأوضح أن إندونيسيا تمتلك أدوات وقدرات فريدة في الترويج للإسلام المعتدل، وبالتالي التعامل مع المجتمع الفلسطيني بعد الحرب، وفق تعبيره.

طبيعة العلاقات

ورغم البعد الجغرافي بين جاكرتا وتل أبيب، فإن الأمر يستحق إلقاء نظرة، حيث تُعد إندونيسيا الرابعة في العالم من حيث عدد السكان، والأولى من حيث عدد المسلمين، وثالث أكبر ديمقراطية، وفق المعهد.

وأضاف: "كما أنها عضو في مجموعة العشرين للاقتصادات الرائدة في العالم، وتعد لاعبا رائدا في جنوب شرق آسيا، حيث تعززت مكانتها أيضا على الساحة العالمية، بما في ذلك المشاركة في مبادرات حل النزاعات. 

ومن ناحية أخرى، يلفت المعهد إلى أن إندونيسيا تحتفظ بعلاقات واسعة النطاق مع العالم العربي. 

وفي منطقة الشرق الأوسط، يتجلى التركيز بشكل خاص في علاقاتها مع دول المعسكر السني البراغماتي، التي تتقاسم معها مصلحة مشتركة في مكافحة "التطرف الديني" من خلال تعزيز قيم الإسلام المعتدل، باستخدام القوة الناعمة، وفق مزاعم المعهد العبري. 

ولذلك، على خلفية توقيع اتفاقات أبراهام، وإزاء التقارير التي تتحدث عن إمكانية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، يقول المعهد إن "اسم إندونيسيا برز كمرشحة أخرى" لهذه العملية.

ورغم كونها خطوة بعيدة التحقيق، يوضح المعهد أنه "في حال حدوث ذلك، ستسهم إندونيسيا، باعتبارها واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم، بطبقة مهمة أخرى في الاقتصاد الإسرائيلي". 

وتابع: "بنفس القدر من الأهمية، ستعد العلاقات الدبلوماسية معها خطوة مهمة في طموح إسرائيل منذ بداية الطريق لإيجاد طريق إلى العالم الإسلامي، وفي هذه الحالة إلى أكبر دولة إسلامية في العالم". 

ومن جانبها، قد تستفيد إندونيسيا من التعاون مع إسرائيل، التي تتفوق في مجال الابتكار التكنولوجي، وفق ادعاءات المعهد.

وأضاف أن "التطبيع مع إسرائيل سيسهم أيضا في توسيع القاسم المشترك بين إندونيسيا ودول المعسكر السني المعتدل، التي سبق لها تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وهو ما يتيح لها أن تكون لاعبا أكثر نشاطا في قضايا الشرق الأوسط".

وبالعودة إلى الواقع، ينقل "ميتفيم" موقف إندونيسيا الثابت؛ الذي تؤكد من خلاله أنها لن تقيم علاقات مع إسرائيل قبل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها شرق القدس. 

وهنا يسلط الضوء على أن "موقف إندونيسيا يتركز على مفهوم وطني للالتزام التاريخي بمحاربة الاستعمار".

فضلا عن الالتزام العميق بالقضية الفلسطينية المرتكز على الشعور بالتكامل والتضامن الإسلامي بين الأغلبية المسلمة في البلاد.

من هذا المنطلق، وعلى خلفية العدوان على غزة، ورغبة إسرائيل المستمرة في إقامة علاقات دبلوماسية مع العالمين العربي والإسلامي، يجد المعهد أنه "من الضروري مراقبة السباق على الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في البلاد في فبراير/شباط 2024".

وبين أن تصريحات المتنافسين الثلاثة الرئيسيين على هذا المنصب تقدم لمحة عن التصورات السائدة في البلاد. 

التطبيع مع إسرائيل

قبل كل شيء، يبرز المعهد حقيقة أن "أي أمر يتعلق بالقضية والنضال الفلسطيني والالتزام به، يحتل مكانة بارزة في الخطاب السياسي العام في إندونيسيا".

وأردف: "في ظل الحرب بين إسرائيل وحماس، أصبح إظهار التزام السياسيين الإندونيسيين بالقضية الفلسطينية ضرورة سياسية، حيث تؤثر تداعيات ما يحدث في الشرق الأوسط على المشهد الانتخابي في البلاد".

وبالنظر إلى المرشحين لرئاسة إندونيسيا، يذهب المعهد إلى أن ثلاثتهم يتفقون -كل منه بطريقته الخاصة- في إدانة نشاط الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة بلغة صريحة وواضحة للغاية.

وأدان مرشح الحزب الحاكم جانجار برانوو، عمليات القتل والإبادة في غزة. كما عزا تصاعد الصراع إلى "الاحتلال الصهيوني، الذي أعلن نفسه دولة عام 1948 على أرض فلسطين". 

أما المرشح الثاني، بحسب المعهد الإسرائيلي، هو برابوو سوبيانتو، الجنرال السابق "ذو الماضي المظلم" كما يصفه البعض.

ويعتقد أن سوبيانتو يعبر عن نفسه بأسلوب رسمي فخم ومنضبط إلى حد ما، مع ميل نحو رؤية إستراتيجية عالمية.

لكنه في الوقت نفسه، لم يتورع عن انتقاد الدول الغربية بسبب صمتها عن الأذى الذي تلحقه إسرائيل بالمدنيين، وخاصة الأطفال، وفق المعهد الإسرائيلي.

والمرشح الثالث والأخير هو أنيس باسويدان، الذي يُنظر إليه على أنه "الشخص الراعي لصعود الشعبوية الإسلامية في العصر الديمقراطي".

وخلال حملته الانتخابية، أصر باسويدان على ضرورة مشاركة إندونيسيا بشكل أكبر في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على الرغم من الصعوبة الكبيرة في إيجاد حل فعلي. 

وهنا يؤكد المعهد أن المرشحين الثلاثة يتفقون في موقفهم من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، واصفين ما يفعله الاحتلال بـ "الجرائم ضد الإنسانية". فضلا عن مطالبتهم بوقف فوري لإطلاق النار وبذل جهد إنساني في غزة.

وكما يوضح، فإن المرشحين الثلاثة يأخذون في الاعتبار ضرورة إيجاد حل جذور الصراع وفق مبدأ حل الدولتين، على أساس القرارات الدولية. 

وفي هذا الصدد، يشبه المعهد موقفهم إلى حد كبير بـ "قرارات القمة العربية الإسلامية" الأخيرة في الرياض (نوفمبر/تشرين الثاني 2023)، التي شاركت بها إندونيسيا.

ورغم أنه من السابق لأوانه تقييم نتائج الانتخابات الرئاسية، يعتقد البعض أنه "بغض النظر عن هوية الفائز بالانتخابات الرئاسية، ستظل هذه الدولة متمسكة بموقفها المتمثل في عدم تكوين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة". 

والآن، بينما تدوي المدافع وتستمر إندونيسيا بإظهار موقف مناهض لإسرائيل على الساحة العالمية، يرى المعهد أنه "ربما يكون من الصعب التحدث عن سيناريو تغيير موقفها". ولكن في نفس الوقت، يلفت إلى أن "التفكير بشكل معاكس يستحق العناء".

وتابع: "فعلى سبيل المثال، إذا عملت السعودية -راعية المقدسات الإسلامية ومركز الثقل التاريخي للعالم الإسلامي- على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، فإن هذا قد يخفف من المخاوف في جاكرتا من رد فعل داخلي مشحون بالمشاعر الإسلامية. وهو ما سيُعد الخطوة الأولى لتغيير سياستها" تجاه تل أبيب. 

ويقول: "حتى لو وافقت إندونيسيا حاليا على تغيير سياستها تجاه إسرائيل قبل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، فإن الأمر سيتطلب على الأقل تحولا واضحا نحو الحل السياسي للصراع".

العدوان على غزة

ويشير المعهد إلى أن "إندونيسيا ليست الدولة الأولى التي يُعتقد أن لها علاقة بالصراع الدائر في غزة وبتشكيل اليوم التالي للحرب".

ومع ذلك، يؤكد على "أهمية مساهمة إندونيسيا في جهود المجتمع الدولي لحل الصراع في فلسطين".

ويلفت إلى أنه في الأسابيع الأخيرة، وضعت الولايات المتحدة وأوروبا والعالم العربي "مبادئ توجيهية لتصميم التحرك السياسي نحو مخطط عام هدفه النهائي تنفيذ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية". 

وهذه الأخيرة هي مبادرة وضعها الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز هدفها "إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967".

وهنا يؤكد المعهد أن "إندونيسيا تتبنى هذا الخط"، وهو ما يوضح مشاركتها في مؤتمر القمة العربية والإسلامية الأخيرة في الرياض والتصريحات المختلفة لمرشحي الرئاسة. 

وأكمل مزاعمه بالقول: "ولأن تنفيذ حل الدولتين يمر بعدة محطات ضرورية، بداية من محاربة (حركة المقاومة الإسلامية) حماس إلى وضع هيئة فلسطينية متجددة، فإن ذلك يؤكد على أهمية مشاركة إندونيسيا ومساهمتها في الجهود المختلفة".

فعلى سبيل المثال، لدى إندونيسيا خبرة في التعامل مع القوات المتعددة الجنسيات، وفق ما ذكره المعهد.

ويدعي أن "حضور إندونيسيا في قوة اليونيفيل في جنوب لبنان دليل على رغبتها في التدخل في المنطقة".

والنقطة المهمة الأخرى -من وجهة نظره- هي "مساهمة إندونيسيا المحتملة في جهود مكافحة التطرف في المجتمع الفلسطيني". 

ويرى المعهد أن هذا الجهد "يشكل خطوة ضرورية في عملية بناء الثقة بين إسرائيل والفلسطينيين، وفي تعزيز عملية السلام برمتها". 

ولكن في نفس الوقت، ينوه إلى أن "إندونيسيا قد تواجه صعوبة في المساهمة بمساعدات مالية مباشرة كبيرة لإعادة إعمار وبناء قطاع غزة، بما في ذلك الاقتصاد الفلسطيني".

وعزا ذلك إلى أن إندونيسيا تواجه عددا لا بأس به من التحديات الاقتصادية الخاصة بها.

إضافة إلى أنها تنفذ الآن خطة طموحة لنقل العاصمة كمركز إداري من جاكرتا البعيدة إلى كاليمانتان الشرقية في الجزء الشرقي من جزيرة بورنيو، وهي خطة مرتفعة التكلفة للغاية. 

ورغم ذلك، يعتقد المعهد أن "مساهمة إندونيسيا يمكن أن تكون الأساس الاجتماعي والاقتصادي لإعادة إعمار القطاع من خلال المنظمات الإسلامية المركزية".

وأسهمت المنظمات الإسلامية في إندونيسيا بشكل كبير لسنوات عديدة في تعزيز برامج الرعاية الاجتماعية وإنشاء وإدارة البنى التحتية الواسعة في مجالات التعليم والصحة. 

"والأهم من ذلك، أن هذه المنظمات، التي تضم ملايين الأنصار، تمتلك قدرات فريدة للترويج للإسلام المعتدل"، وفقا لوصف المعهد العبري.

ويلفت النظر إلى أن الجميع "عادة ما يركز على الدول العربية في الشرق الأوسط والدول الأوروبية والولايات المتحدة عند التفكير في إيجاد حلول للصراع الإسرائيلي الفلسطيني".

لكن المعهد الإسرائيلي يؤكد أن "توسيع الرؤية إلى العالم الإسلامي الأكبر قد يفتح فرصا جيدة"، بحسب تقديره.