معهد هندي: هكذا أطاحت المساعدات الأميركية بنظام الشيخة حسينة في بنغلاديش

منذ ٢٥ يومًا

12

طباعة

مشاركة

رغم مرور عام على الإطاحة به، مازالت التساؤلات مستمرة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة التي افترضت لنفسها مسؤولية فرض الديمقراطية على النمط الغربي على بقية العالم، وراء مؤامرة الإطاحة بنظام الشيخة حسينة في بنغلاديش.

إذ رأت مؤسسة بحثية هندية أن الولايات المتحدة تدخلت بشكل أو بآخر في الإطاحة بحكومة الشيخة حسينة في بنغلاديش، عبر المساعدات والتعاون مع المعارضة.

وقال جيبال نادوفاث، الذي يشغل منصب نائب الرئيس وزميل أقدم في مؤسسة أوبزرفر للأبحاث (ORF)، وهي أبرز مراكز الفكر في الهند: "لم يكن للتدخل الأميركي في أي مكان بجنوب آسيا -إن صح حدوثه- تداعيات أكثر خطورة أو إشكالية مما كان عليه في بنغلاديش".

اتهام بالتآمر

"فقد اتهمت رئيسة الوزراء السابقة، الشيخة حسينة، التي أُطيح بها في 5 أغسطس/آب 2024، واشنطن -في إشارة إلى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) والصندوق الوطني للديمقراطية (NED)- بالتآمر لإضعاف حكومتها عبر شبكة واسعة من عمليات التأثير".

وادعت أن هذا التدخل جاء انتقاما لرفضها منح الولايات المتحدة السيطرة على جزيرة سانت مارتن في خليج البنغال؛ حيث كانت واشنطن تخطط لإنشاء قاعدة جوية لمواجهة الصين.

ومن جهتها، نفت الحكومة الأميركية هذه الاتهامات، بينما صرّح نجل حسينة، ساجيب وازيد جوي، المقيم في الولايات المتحدة، بأن التصريحات المنسوبة لوالدته ملفقة.

وفي عام 2017، زعمت حسينة أنه خلال فترة تولي هيلاري كلينتون منصب وزيرة الخارجية (2009-2013)، هدد مساعدوها نجلها جوي.

وطالبوه بـ"إقناع" والدته بوقف التحقيق الذي أطلقته حول بنك غرامين، الذي يديره رئيس الحكومة الانتقالية حاليا، محمد يونس، وإلا فقد يتعرض جوي لتدقيق من مصلحة الضرائب الأميركية.

وأفاد نادوفاث بأن "يونس كان صديقا لعائلة كلينتون وأحد المانحين لمؤسسة كلينتون".

ويثير هذا الأمر تساؤلات حول إذا ما كان الترابط بين القيادة الحالية في بنغلاديش وشخصيات نافذة في المؤسسة الأميركية يشكل بُعدا إضافيا لدوافع مشروع تغيير نظام حسينة، وفق المقال.

وأضاف أن هناك عاملا آخر قد يكون وراء تدخل بعض الجهات الأميركية في السياسة البنغلاديشية وهو قلقهم من النفوذ المتزايد للهند في البلاد، بسبب علاقتها القوية مع "حزب رابطة عوامي"، الذي تقوده حسينة، وحكم بنغلاديش منذ 2009.

فربما رأى هؤلاء أن هذا الدعم عزز سيطرة حسينة على السلطة، مما جعل حكومتها تبدو أكثر "استبدادا وفسادا"، وبالتالي "أضعف" الإطار الديمقراطي في البلاد.

ومن منظورهم، كان التدخل الأميركي وسيلة لموازنة النفوذ الهندي، عبر تقليص هيمنة رابطة عوامي، وفتح المجال السياسي أمام أصوات بديلة، وهو عنصر أساسي في الحوكمة الديمقراطية.

وقال نادوفاث: "قد تكون دوافع مشروع تغيير النظام مزيجا معقدا من العوامل: الجغرافيا السياسية في ظل التنافس بين الولايات المتحدة والصين، والرغبة في "استعادة الديمقراطية" عبر إضعاف ما يُنظر إليه على أنه "نظام استبدادي متزايد مدعوم من الهند".

"كما قد تكون هذه الدوافع استجابة لمصالح مرتبطة بالعلاقات بين القيادة الانتقالية الحالية في بنغلاديش ودوائر نفوذ أميركية"، وفق المقال.

هذا ما أدى إلى إنشاء برنامج (PAIRS) وهو مبادرة أطلقها المعهد الجمهوري الدولي (IRI) تحت اسم "برنامج دعم تعزيز المساءلة والشمولية والقدرة على الصمود في بنغلاديش"، وفقا لتقرير مسرَّب نُشر على موقع (The Grayzone) الإخباري الأميركي في سبتمبر/أيلول 2024.

ويُقال: إن هذا البرنامج الذي استمر بين مارس/آذار 2019 وديسمبر/كانون الثاني 2020، كان المحرك الأساسي لسلسلة من الأحداث التي بلغت ذروتها بإطاحة حسينة.

"ورغم عدم التحقق من صحة التقرير، فإنّه يقدم رؤى مثيرة، كاشفة عن مخطط معقد شمل تدريب وتمويل أطراف متعددة، من منظمات المجتمع المدني والناشطين الطلابيين إلى فنانين موسيقيين وأفراد من مجتمع الشواذ؛ بهدف تعبئة الرأي العام ضد حسينة". وفق نادوفاث.

تحفيز عمل المعارضة

وأشار التقرير إلى أن "الحزب الوطني" المعارض غير قادر على "تعبئة المعارضة بنجاح"، لكنه أكد في الوقت ذاته بأنه "لا يزال الحزب الأكثر احتمالا لدفع تغير السلطة في المستقبل".

ويزعم التقرير أن الفئات المهمشة يمكن استخدامها لدفع أجندة التغيير، ويرى أن "قمعها أصعب وغالبا ما يمكنها الوصول إلى جمهور أوسع برسائلها الديمقراطية والإصلاح"، وأن وضعها الاجتماعي يجعلها أقل عرضة لجذب انتباه الحكومة السلبي.

وبحسب التقرير، فقد بدأ العمل التمهيدي على العملية من خلال تقييم أساسي أجري بعد فترة وجيزة من انتخابات 2018.

وتألفت المرحلة الأولية من مقابلات جماعية وفردية مع 304 "مصادر للمعلومات" في مختلف مقاطعات بنغلاديش، بالإضافة إلى تحديد 170 ناشطا ديمقراطيا في بنغلاديش سيتعاونون مع المعهد الجمهوري الدولي (IRI).

ويفصّل التقرير أيضا المبادرات الثقافية والشعبية التي أُطلقت بعد التقييم الأساسي، بهدف تشكيل الرأي العام وتحفيز المعارضة.

وكان أحد أبرز مكونات المشروع تقديم دعم مالي مستهدف وبناء القدرات للموسيقيين والفنانين المحليين، مع التركيز على الأشكال الفنية المعاصرة التي تلاقي صدى لدى الأجيال الشابة.

وإلى جانب برنامج (PAIRS) نُفذت برامج أخرى متزامنة ولاحقة، على سبيل المثال، كان هناك مشروع آخر للمعهد الجمهوري الدولي (IRI) بين فبراير/شباط 2021 وسبتمبر/أيلول 2022، حصل على تمويل قدره 900 ألف دولار أميركي من الصندوق الوطني للديمقراطية (NED).

وهدف المشروع إلى "تعزيز أصوات الفئات المهمشة، خاصة الشباب والنساء، داخل النقاش السياسي واتخاذ القرار"، إضافةً إلى "بناء قدرات القيادات السياسية النسائية، والممثلات المنتخبات، والمرشحات لخوض الانتخابات وتولي مناصب قيادية على المستوى دون الوطني".

وبعد الانتخابات العامة لعام 2018، شمل بناء النفوذ من قبل هذه الوكالات تدريب المشاركين في السياسة الطلابية، لتعزيز صلابة المشهد السياسي الطلابي في بنغلاديش.

كما تضمنت الجهود برامج لبناء قدرات منظمات المجتمع المدني، إضافة إلى تدريب عشرات الآلاف من السياسيين التقليديين للتغلب على ما وصفه تقرير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بـ"غياب معارضة صحية يضعف آليات الضبط والتوازن اللازمة لديمقراطية برلمانية تمثيلية".

تحركات ترامب

وبين العامين الماليين 2020 و2024، تلقت بنغلاديش ما مجموعه 2.29 مليار دولار من المساعدات، جاء 1.73 مليار دولار منها من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وحدها.

وبعد أيام من تولي الحكومة الانتقالية في بنغلاديش مهامها، وقعت الوكالة اتفاقية تنموية بقيمة 200 مليون دولار معها، وُصفت بأنها تهدف إلى "تعزيز التنمية، وتقوية الحوكمة، وتوسيع التجارة، وخلق فرص أكبر للشعب البنغلاديشي لبناء مستقبل أكثر إشراقا وازدهارا".

وفي 26 يناير/كانون الثاني 2025، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا يقضي بتعليق جميع المساعدات الخارجية المقدمة عبر وزارة الخارجية الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

وأوضح أن جزءا كبيرا من هذه المساعدات لا يتماشى مع الأهداف الإستراتيجية للسياسة الخارجية الأميركية، بل إنه أضر بالمصالح الأميركية في العديد من الحالات.

وبحسب المقال، فقد جاءت هذه الخطوة في اتساق تام مع الصورة التي صنعها ترامب لنفسه، بصفته شخصية خارج المؤسسة التقليدية في واشنطن، ومعادية لمخططات "كابيتول هيل" الكبرى.

وقد تؤدي القيود الواسعة المفروضة على الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى تقليص قوتها بنسبة 94 بالمئة، من أكثر من 5 آلاف موظف إلى 290 فقط، إضافة إلى تقليص شبه كامل لعملياتها.

وأضاف أن "هذه الخطوة تشكل نهاية حقبة طويلة كانت الوكالة خلالها إلى جانب جهودها الإنسانية، متهمةً بلعب دور مزدوج؛ إذ يُزعم أنها كانت أداة لتنفيذ عمليات تأثير سرية في الخارج، فضلا عن الترويج لأجندات سياسية يسارية".

ويرى نادوفاث أنه "بعيدا عن حالة الصدمة والذهول التي أثارتها القيود المفروضة على الوكالة، فإن الجهود المبذولة لإعادة تصور دورها وعملياتها، وتعزيز الشفافية على جميع المستويات، والتي تشمل أيضا "الصندوق الوطني للديمقراطية"، ستسهم في استعادة الثقة بالنظام الأميركي وتعزيز أهداف سياسته الخارجية".