يواجهون الإبادة.. من يتحمل المسؤولية مع إسرائيل عن تجويع أهالي غزة؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

على مرمى ومسمع من العالم وخلال القرن الـ 21، يتعرض 2.3 مليون إنسان في قطاع غزة لعدوان إسرائيلي عنيف وحصار لم يسبق له مثيل.

ويقف العالم عاجزا عن إدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر في وقت يستخدم الاحتلال الإسرائيلي سلاح التجويع انتقاما من السكان.

وبدأ الانتقام من السكان في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعدما أطلقت حركة المقاومة الإسلامية حماس عملية طوفان الأقصى في مستوطنات غلاف غزة.

وفضلا عن إسرائيل، تواجه الأنظمة العربية وخاصة مصر اتهامات بالمشاركة في تجويع أهل غزة عبر منع إدخال المساعدات لهم وانتظار إذن تل أبيب.

جوع قاتل

وفي 22 ديسمبر/ كانون الأول 2023، أعلن الاتحاد الأوروبي أن مؤشر الأمن الغذائي في غزة يؤكد أن 100 بالمئة من السكان يعانون من الجوع.

كما أضاف الاتحاد في بيان لمسؤول السياسية الخارجية "جوزيب بوريل" ومفوض إدارة الأزمات "يانيز لينارتشيتش" أن نتائج تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي في غزة، وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، لم تسجل بأي مكان بالعالم من قبل. 

تزامن مع ذلك البيان، تحذير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في 16 ديسمبر من تفاقم مستويات الجوع في القطاع المحاصر. وتطرق التحذير إلى ازدياد حالات الموت جوعا بين السكان في غزة.

وهو ما دعا مفوض عام الوكالة فيليب لازاريني، للإعلان في مؤتمر صحفي أن انتشار الجوع بهذه الطريقة لم يشهده قطاع غزة من قبل.

وأكد أن جميع سكان القطاع يعانون من الجوع والخوف، مبينا أن الأهالي يوقفون شاحنات المساعدات ويأخذون الأكل منها، ويتناولونه فورا، وهذا ما يدل على جوعهم الشديد.

وعقب أنه يشعر بالفزع جراء حملات تشويه السمعة التي تستهدف الفلسطينيين ومن يساعدهم، مقدرا أن الأونروا أحد أهداف الحرب الإسرائيلية على القطاع.

كما شجب لازاريني "المستويات المتزايدة من اللا إنسانية وانعدام التعاطف العالمي تجاه ما يعيشه سكان غزة جراء العدوان". 



وفي 22 ديسمبر 2023، وصفت "عليمة شيفجي"، نائبة الرئيس التنفيذي لمنظمة الإغاثة الدولية أوكسفام، تجويع أهل غزة بـ "العار والتواطؤ". 

وقالت: "الناس يموتون من الجوع في غزة، أولئك الذين يرفضون كبح جماح الآلة العسكرية الإسرائيلية في المجتمع الدولي، وعقابها الجماعي للفلسطينيين، يحملون فضيحة في رقبتهم". 

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، قد شددت أن الأطفال في غزة لا يحصلون على 90 بالمئة من احتياجاتهم الطبيعية من المياه، والمخاوف من الأمراض تزداد بسبب نقص المياه الصالحة للشرب. 

وفي 23 ديسمبر 2023، حذر برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، من أن عدد الفلسطينيين بقطاع غزة الذين يواجهون جوعا كارثيا يبلغ 4 أضعاف من يواجهون ظروفا مماثلة بالعالم.

وأضاف البرنامج في بيان له: "لا يمكن للعالم أن يقف مكتوف الأيدي ويشاهد الناس يتضورون جوعا".

وهو ما أشارت إليه أيضا مارجريت هاريس المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، عندما قالت خلال تصريحات يوم 20 ديسمبر "سماح العالم باستمرار ما يحدث في غـزة لا يقبله العقل ويخالف الضمير". 

الأكثر إلحاحا

وفي 20 ديسمبر، ذكر موقع "سويس إنفو" التابع لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية أن الجوع بات يمثل المشكلة الأكثر إلحاحا (بعد القصف والقتل المستمر) التي تواجه مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة.

وأضاف الموقع الحكومي أن شاحنات المساعدات لم تتمكن من جلب سوى جزء صغير مما هو مطلوب، كما أن التوزيع غير متكافئ بسبب فوضى الحرب.

وأوضح أن كثيرا من المواطنين يبحثون بيأس عن طعام في بعض شاحنات المساعدات المحدودة كما استولوا على محتوياتها.

ويأتي ذلك في حين أن مساحات شاسعة من الأراضي المدمرة بعيدة عن متناول تلك الشاحنات لأن الطرق المؤدية إليها أصبحت ساحات قتال نشط.

وأكمل أنه حتى في رفح، التي يوجد بها معبر إلى مصر تدخل عبره المساعدات، تعد منطقة عمل للجيش الإسرائيلي وهناك مدنيون لجأوا إليها وقتلوا.

ومع ذلك فإن نقص الغذاء والمياه النظيفة شديد هناك لدرجة أنه يفقد الناس أوزانهم ويجعلهم عرضة للأمراض.

وكذلك أورد أن فقدان الوزن وفقر الدم أصبحا أمرين شائعين، ويعاني الناس من ضعف شديد ومن الجفاف.

كما أصبح الناس أكثر عرضة للإصابة بالتهابات الصدر والأمراض الجلدية، أما الرضع والأطفال فهم معرضون للخطر بشكل خاص، ويحتمل أن يتأثر نموهم جراء النقص الحاد للأغذية الأساسية.

يقول "ماهر العامري" عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: "نحن في واحدة من أشد اللحظات الحالكة في تاريخ أمتنا، فعندما كنا نقرأ قصة التتار وخذلان المسلمين لبعضهم البعض كنا نظن أن هناك مبالغات، وإذا نحسن الظن، نعلل بأن العصر وانعدام التكنولوجيا والتواصل أسهموا في كثير من المآسي". 

واستدرك في حديث لـ"الاستقلال": "لكن اليوم أهل غزة يموتون ويجوعون تحت أنظار المسلمين، فهم يتابعون الأحداث لايف 24 ساعة، ويسمعون النداءات والاستغاثات في كل لحظة، فماذا سنقول لربنا عندما نسأل عنهم؟"

وشدد بالقول: "نستحضر حديث النبي صلى الله عليه وسلم (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به) وكل دولة عربية وإسلامية تعلم أن أهل غزة في جوع وكرب شديد.. وواجب على كل مسلم أن يهب لنصرتهم، ما بالنا أن نعطيهم الزاد للبقاء على قيد الحياة". 

واختتم أنه "لا عذر وقد نفدت الحجج، يجب على العلماء والحكام والشعوب الإسلامية أن تتحرك وتهب ولا تتراجع إلا بعد إيقاف العدوان وإدخال المؤن إلى المحاصرين في غزة"

من المسؤول؟

وبدورها، رأت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، أن إسرائيل تستخدم إستراتيجية "تجويع" المدنيين كسلاح في غزة، وهي "جريمة حرب" مكتملة الأركان.

وذكرت عبر بيان أصدرته في 18 ديسمبر أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتعمد منع إيصال المياه والغذاء والوقود.

 كما يعرقل عمدا المساعدات الإنسانية، ويجرف المناطق الزراعية، ويحرم السكان المدنيين من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم.

وفي 22 ديسمبر وافق مجلس الأمن على مبادرة مخففة لزيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، ودعا لاتخاذ خطوات عاجلة "لتهيئة الظروف لوقف مستدام للأعمال القتالية".

جاء ذلك بعد أسبوع من تأجيل التصويت ومفاوضات مكثفة للتوصل إلى اتفاق ومحاولة تجنب استخدام واشنطن لحق النقض (الفيتو).

ووسط غضب عالمي إزاء ارتفاع عدد الشهداء في غزة وتفاقم الوضع الإنساني في القطاع، امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت للسماح للمجلس بتبني قرار لوقف عاجل لإطلاق النار.

فيما رحبت مصر دولة الجوار التي تغلق معبر رفح الحدودي، بإنشاء آلية أممية لتسريع إدخال المساعدات لغزة.

وكانت الفصائل الفلسطينية قد دعت مصر مرارا إلى فتح معبر رفح البري لنقل الجرحى وإدخال المساعدات الإنسانية وإنقاذ غزة من الكارثة الإنسانية وحرب الإبادة الجماعية.

ويتهم فلسطينيون وعرب على وسائل التواصل الاجتماعي، النظام المصري بمفاقمة المأساة الإنسانية عبر الاستمرار بإغلاق المعبر.



يقول الطبيب الفلسطيني المقيم بألمانيا جمال حساسنة، إن الوضع في غزة أشبه بحرب من القرون الوسطى لا مراعاة فيها لإنسانية ولا حداثة.

وفي حديث لـ"الاستقلال" أكد أن القيم الغربية سقطت مع القصف وقتل الأطفال، ثم تجويع أكثر من مليوني إنسان على عين المجتمع الدولي، دون تحرك. 

وقال: "المجتمع الدولي عجز عن كبح جماح إسرائيل وعن الضغط على الولايات المتحدة شريكتها الكبرى في الجريمة، لكن إذا حملنا أحدا المسؤولية كاملة فهي الدول العربية والإسلامية في شتى بقاع الأرض". 

وأضاف: "غزة في قلب العالم العربي حولها مصر أكبر وأهم دولة عربية، لم تستطع نجدتها، وانتظرت الإذن الإسرائيلي حتى تدخل مساعدات لا تسمن ولا تغن من جوع، ولا ننسى أن نظامها أطبق الحصار على القطاع منذ سنوات طويلة، باستثناء فترة الرئيس الراحل محمد مرسي رحمه الله". 

وأكمل: "وها نحن نرى بلدان الخليج أغنى دول العالم وخزان طاقة البشرية، لم يستخدموا سلاحهم للضغط على العالم لإطعام وإنقاذ أهل غزة، كما استخدموه من قبل خلال حرب 1973".

وأردف: "لننظر إلى موسم الرياض (الترفيهي) والمليارات التي تنفق هنا وهناك، بينما لا يجد أهل غزة كسرات خبز، ويموت الأطفال من نقص الغذاء والحليب".