توتر خفي مستمر.. لماذا صعدت الجزائر لهجتها ضد الإمارات؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع "ميدل إيست آي" الضوء على ما أسماه "التوتر الخفي" الذي يشوب العلاقات الجزائرية الإماراتية منذ عدة أشهر.

وأوضح الموقع البريطاني، بنسخته الفرنسية، عددا من الدلائل التي تشير إلى وجود هذا التوتر بشكل فعلي، متطرقا إلى الأسباب التي أدت إلى تأجج هذا الخلاف.

كأحد الأدلة التي يسوقها الموقع البريطاني على توتر العلاقات الإماراتية الجزائرية، أفاد أنه في 30 يناير/ كانون الثاني 2024، وفي رسالة أُرسلت إلى الغرفة الوطنية للموثقين الجزائريين، تقرر عدم توقيع المزيد من العقود الخاصة فيما يتعلق بالشركة الجزائرية الإماراتية للتبغ (ستايم) والشركة المتحدة للتبغ.

وكما ذكر الموقع، فقد زادت حدة اللهجة قليلا في 10 يناير 2024، بعدما أعربت الجزائر عن أسفها إزاء "الأعمال العدائية الصادرة من دولة عربية شقيقة ضدها".

وأضاف أن "البلدين -العضوين في جامعة الدول العربية- يشنان حربا بينية بهدوء منذ عدة أشهر على خلفية صراع على النفوذ داخل المنظمة العربية، وعلى نطاق أوسع داخل إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط".

جدير بالذكر أنه "داخل الجامعة العربية، يُنظر إلى معارضة الجزائر لتطبيع الدول العربية مع إسرائيل بشكل سلبي من قبل المعسكر الذي يرغب في تعميم اتفاقات أبراهام، بما في ذلك الإمارات والمغرب والبحرين ومصر، وإلى حد ما السعودية".

إعادة التموضع

ويشير "ميديل إيست آي" إلى أنه في الجزائر العاصمة، يتجسد هذا التوتر في المقالات الصحفية التحريضية المنشورة في الصحف واسعة الانتشار، مثل "الخبر" و"ليكسبريسيون"، ووسائل الإعلام الحكومية مثل الإذاعة الوطنية ووكالة الأنباء الجزائرية.

إذ تُتهم الإمارة الخليجية الصغيرة بمساعدة المغرب، بالتآمر على الجزائر بهدف زعزعة استقرار البلاد.

وتحقيقا لهذه الغاية، وفق ما تنشره وسائل الإعلام، تسعى أبوظبي والرباط، اللتان طبعتا علاقاتهما مع تل أبيب، الأولى في أغسطس/ آب 2020، والثانية في ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام إلى مساعدة إسرائيل على ترسيخ وجودها في المغرب العربي.

وإضافة إلى ذلك، يشير الموقع إلى أن "الإماراتيين يتعرضون أيضا لانتقادات بسبب استثماراتهم في الصحراء الغربية".

ومنذ عقود يتنازع المغرب وجبهة "البوليساريو" بشأن السيادة على إقليم الصحراء. وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا بإقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

علاوة على ذلك، افتتحت الإمارات، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قنصلية عامة لها في مدينة العيون بالصحراء الغربية، في الجزء الذي يسيطر عليه المغرب.

وبشأن هذه الاتهامات الموجهة لأبوظبي، يلفت الموقع إلى أنها لا تقتصر على الصحافة فحسب، بل تُصاغ من قبل شخصيات ذات ثقل في الطبقة السياسية الجزائرية.

ويظهر ذلك في النبرة الحادة التي استخدمتها الأمينة العامة لحزب العمال الجزائري لويزا حنون، في اتهاماتها ضد الدولة التي يرأسها محمد بن زايد.

فخلال مؤتمر صحفي عُقد في 13 ديسمبر 2023، بعد أيام قليلة من استقبالها من قبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، صرحت السياسية أن "الإمارات تمول التهريب على حدودنا"

وقالت: "أصررت خلال اللقاء مع الرئيس على خطر الإمارات التي أعلنت الحرب على بلادنا عبر مخططات إجرامية تنوي تنفيذها لزعزعة استقرار بلادنا لصالح الكيان الصهيوني". 

ثم دعت -بحسب الموقع- بشكل خاص إلى تجميد جميع مشاريع التعاون الاقتصادي القائمة بين البلدين.

وبهذا الشأن، يذكر "ميديل إيست آي" أن الجزائر وأبوظبي وقعتا عدة مذكرات تفاهم تهدف إلى تعزيز التعاون الصناعي والتكنولوجي والتعاون في مجال الرقمنة وتحديث الإدارة والاقتصاد الرقمي والشركات الناشئة والطاقات المتجددة والنقل والبنية التحتية.

أربعة مستويات

متعجبا من أين يأتي هذا الغضب، ينوه الموقع أن السلطات الجزائرية لم تقدم أبدا تفسيرا واضحا، حتى لو كان البيان الصحفي الصادر عن المجلس الأعلى للأمن يربط بشكل مباشر بالوضع الأمني ​​غير المستقر للغاية في منطقة الساحل، وهو موضوع الاجتماع.

وفي هذا السياق، ذكر دبلوماسي جزائري سابق لـ"ميديل إيست آي" أن "الإماراتيين كانوا يتمركزون في منطقة الساحل ومناطق أخرى من إفريقيا لعدة سنوات".

وبناء على ملاحظة شاركها الأستاذ في المعهد الفرنسي للجغرافيا السياسية في باريس علي بن سعد، فإن أبو ظبي لديها سياسة "النفوذ" في جميع أنحاء المنطقة الإفريقية، بدءا من السودان وليبيا ومنطقة الساحل لعدة سنوات.


 

ووفقا له، يتجلى هذا التأثير على أربعة مستويات. الأول في دورها في الصراع الليبي كداعم للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، من خلال "الاشتراك مع فرنسا ومليشيات فاغنر (الروسية)".

أما المستوى الثاني، يوضح بن سعد أن أبوظبي "تمول جزءا من الجيش المغربي فيما يخص مسألة الصحراء الغربية".

وعززت الرباط وأبوظبي تعاونهما العسكري في السنوات الأخيرة، لكن لا توجد معلومات رسمية متداولة حول التمويل الفعال للقوات المسلحة الملكية.  

أما بالنسبة للنفوذ الإماراتي على المستوى الثالث، يشير الباحث إلى الدور الذي تلعبه الإمارات أيضا في تونس، حيث تعمل على الإطاحة بأي نفوذ جزائري، بينما تضغط على الرئيس قيس سعيد لتعزيز الطبيعة الاستبدادية لسلطته.

وبشأن المستوى الرابع والأخير، يقول بن سعد إنه "في منطقة الساحل، وكامتداد لنفوذها في السودان وجنوب ليبيا وتشاد، مارست أبوظبي منذ سنوات ضغوطا ضد الجزائر لصالح المغرب".

وأوضح أن "هذا النشاط لصالح إسرائيل والمغرب". كما يلفت إلى "رغبة الإماراتيين في إضعاف الجزائر وجعلها تدفع ثمن مواقفها المناهضة للتطبيع" مع تل أبيب.

التوترات مع مالي

مستشهدا بالتوترات الأخيرة، يسلط موقع "ميديل إيست آي" الضوء على أنه في 25 يناير 2024، أصدر النظام العسكري الحاكم مرسوما بـ "الإنهاء بأثر فوري" لاتفاقية الجزائر الموقعة في عام 2015.

ووقعت هذه الاتفاقية مع الجماعات المستقلة في شمال مالي، وعدت منذ فترة طويلة ضرورية لتحقيق الاستقرار في البلاد.

وأثار قرار الجيش المالي، بدعم من فاغنر، غضب الجزائر بشكل واضح، التي دعت دائما إلى حل سلمي وتفاوضي مع الانفصاليين الطوارق.

وفي المقابل، اتهمت وزارة الخارجية الجزائرية السلطات العسكرية في باماكو بتكثيف "برامج التسلح الممولة من دول ثالثة واستخدام المرتزقة الدوليين".

ورغم عدم وجود دليل مؤكد، إلا أن البعض يزعم أن "الإمارات تمول الجيش المالي ويمكن أن تكون وراء هذه التوترات بين الجزائر وباماكو"، كما يوضح الموقع.

ومع ذلك، أشار الدبلوماسي السابق، إلى أنه "من الضروري بالنسبة للجزائر "تجنب المواجهة" مع أبو ظبي". وتحقيقا لهذه الغاية، يرى أنه يجب "الحفاظ على لغة حوار مع الإماراتيين".