سياسات خارجية مدمرة.. ما أسباب انهيار مستويات المعيشة في ألمانيا؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع "تيليبوليس" الألماني الضوء على الانهيارات الاقتصادية التي يعاني منها الشعب والدولة في ألمانيا سواء بسواء، مقارنا بين الأزمة الحالية بالأزمة المالية الكبرى عام 2008. 

وعزا الموقع هذا الانهيار إلى السياسات الخارجية التي تنتهجها أوروبا والمجتمع الغربي بصفة عامة.

الحلقة الضائعة

وأوضح أن "صدمة الوقود الأحفوري الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات اللاحقة أدت إلى أكبر انخفاض في مستويات المعيشة في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية". 

ووفقا لنتائج دراسة جديدة، يمكن مقارنة الانخفاض في الناتج الاقتصادي بالأزمة المالية لعام 2008.

أجرى هذه الدراسة مستشاران اقتصاديان سابقان للحكومة الألمانية، وهما إيزابيلا ويبر، أستاذة الاقتصاد في جامعة ماساتشوستس، والبروفيسور توم كريبس من جامعة مانهايم، واللذان يركزان على مدى الأزمة في "القوة الاقتصادية" الأبرز في أوروبا.

ويصف الخبيران العشر سنوات السابقة بأنها "العقد الضائع بالنسبة لألمانيا"، حيث تعاني الصناعة بشكل خاص من ارتفاع أسعار الطاقة.

ويذهبان إلى أن "المعجزة الاقتصادية" في القرن العشرين، التي كانت لفترة طويلة القوة الاقتصادية لأوروبا، هي الآن الأبطأ نموا بين دول اليورو العشرين. 

وبعد ذلك، في عام 2023، انزلقت ألمانيا إلى الركود وانخفض الناتج الاقتصادي أو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 بالمئة مقارنة بعام 2022.

وبشكل عام، تحت وطأة ارتفاع أسعار الطاقة وتراجع الإنتاج، سجلت ألمانيا عام 2023 أعلى معدل تضخم لها منذ 50 عاما.

 وفي غضون ذلك، ارتفعت أسعار الفائدة وتكاليف المعيشة بشكل حاد، وفق ما نقله الموقع. ومن المتوقع -بحسب الخبيرين- أن يحدث ركود في أحسن الأحوال في عام 2024. 

انهيار الأجور 

ويمكن القول إن "العمال ذوي الدخل المنخفض والمتوسط ​​هم الأكثر تضررا". فمنذ عام 2022، تقلصت أجورهم الحقيقية وقدرتهم الشرائية أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب الدراسة المذكورة.

وبين أبريل/نيسان 2022 ومارس/آذار 2023، انخفضت الأجور بنسبة 4 بالمئة مقارنة بتوقعات فترة مما قبل الأزمة، فيما انخفض الإنتاج بنسبة 4.1 بالمئة. 

ومع الأخذ في الحسبان خسائر الإنتاج الناجمة عن أزمة كورونا، يشير الموقع إلى أن "الإنتاج الحقيقي في نهاية عام 2023 كان أقل بنحو سبعة بالمئة من ما قبل الأزمة". 

كما أن "الأجور الحقيقية في عام 2023 كانت أقل بنسبة 10 بالمئة من القيم المتوقعة".

وفي هذا الإطار، يؤكد "تيليبوليس" أن "أحد الأسباب المهمة وراء الضعف الاقتصادي الألماني هو أزمة الطاقة الأحفورية والارتفاع الكبير في الأسعار في أعقاب حرب أوكرانيا والعقوبات الغربية". 

وتابع الموقع الألماني: "فلعقود من الزمن، ضمن الغاز الرخيص القادم من روسيا اقتصادا متناميا ومستقرا في أوروبا".

وبحسب قوله، "أثر فقدان الوقود الروسي بشكل خاص على الصناعات التحويلية الألمانية التي تمثل خمس الناتج الاقتصادي في ألمانيا، أي ضعف الناتج الاقتصادي في فرنسا أو بريطانيا". 

الحرب الاقتصادية

من زاوية أخرى، يلفت الموقع الألماني إلى الحرب الاقتصادية المشتعلة مع الصين. ويصفها بأنها "مدفوعة بسياسة المواجهة والاحتواء التي تنتهجها الولايات المتحدة"، والتي بدأت في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.

ويضيف الموقع أنها "تصاعدت بعد ذاك خلال سنوات (حكم) دونالد ترامب، واستمرت في إدارة (الرئيس الحالي جو) بايدن المتورطة في النزاع حول جزيرة تايوان".

وفي بحر الصين الجنوبي، ضمن إطار حرب التعريفات الجمركية والحرب التجارية، يقول الموقع إن “المواجهة وجدت تعبيرها الاقتصادي على نحو متزايد في الهجمات على الشركات الصينية مثل هواوي وتيك توك، في حين كانت الشركات الأميركية مدعومة بشكل كبير ضد الصين".

وعلى هذه الخلفية، ابتعدت بكين بشكل متزايد عن الغرب. ومع مبادرة "الحزام والطريق"، يلاحظ الموقع أن الصين بدأت عملية نشطة لما يسمى "إزالة المخاطر" من الاقتصادات الغربية. 

إذ أصبح التركيز على الشركاء الآخرين والصناعات الخاصة بهم، بالإضافة إلى التنمية المستقلة للأسواق الخارجية من خلال الاستثمار في البنية التحتية.

ومن جانبه، عمل الاتحاد الأوروبي على تغذية هذه العملية عبر فرض عقوبات على الشركات الصينية على خلفية التوترات بشأن تايوان ودعم بكين لروسيا في حربها في أوكرانيا.

ذوبان الارتباط 

وخلال عملية "فك الارتباط" المتبادل بين الصين والغرب، يركز الموقع على الضربة القوية التي تلقتها ألمانيا بشكل خاص. 

وأوضح أن "السوق الآسيوية تمثل مصدرا مركزيا للصادرات الصناعية الألمانية الهائلة في العقد الماضي، بينما بدأت بكين الآن في استبدال الصادرات من الاتحاد الأوروبي وألمانيا بإنتاجها الخاص".

وبالنظر إلى المشهد الداخلي، يبرز الموقع الألماني "حالة الانهيار التي أثرت على مستويات المعيشة، والتي تعزز بدورها صعود (حزب البديل من أجل ألمانيا)".

بالإضافة إلى ذلك، فإن حالة عدم الرضا من الأزمة الاقتصادية في ألمانيا يُعبر عنها في موجة من الإضرابات في قطاعات السكك الحديدية والمطارات والمستشفيات والبنوك والشركات.

ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، شهدت الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024 أكبر عدد من الإضرابات في ألمانيا منذ 25 عاما. 

وبشأن صعود "حزب البديل من أجل ألمانيا"، تحذر إيزابيلا ويبر -صاحبة الدراسة- من أن "الإحباط الاقتصادي يدعم صعود القوى الشعبوية واليمينية المتطرفة".

وبرأيها، في وقت الصراع والأزمات المناخية والجيوسياسية، ينبغي لصعود "حزب البديل من أجل ألمانيا" أن يكون بمثابة دعوة للاستيقاظ.

وفي هذا الصدد، تقول الخبيرة: "صحيح أن العوامل التي أسهمت في صعود حزب البديل من أجل ألمانيا تتجاوز الاقتصاد، ولكن لا ينبغي أن نتجاهل حقيقة مفادها أن هذا الانهيار التاريخي في مستويات المعيشة في ألمانيا يسير جنبا إلى جنب مع تزايد شعبية اليمين المتطرف".

الحل المستدام

ومن أجل مواجهة عملية التآكل، يرى مؤلفا الدراسة، أنه "من الصواب اعتماد سياسة تثبيت الأسعار، خاصة أسعار الطاقة، من خلال التدخل الحكومي". 

وهنا، يتساءل الموقع الألماني عما إذا كان من الممكن أن يكون هذا مستداما في سياق سياسة جغرافية وتجارية أكثر تصادمية تجاه الصين وروسيا.

ومن ناحية أخرى، يضيف الخبيران أن "إعانات الدولة للوقود الأحفوري على وجه الخصوص لم تعد مستدامة". 

ففي عام 2023، حطم الدعم العالمي للوقود الأحفوري رقما قياسيا قدره 7 تريليونات دولار، وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي.

وفي الوقت نفسه، تظهر الدراسات أن "الطاقات المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية أرخص من إنتاج نظيرتها الأحفورية".

ويؤكد الموقع كذلك أنه "بالرغم من الاستثمارات الأولية، فإن التحول أرخص من الاستمرار في تشغيل البنية التحتية القديمة لمحطات الطاقة بالفحم والغاز".

ولذلك، يذهب الخبيران إلى أن "التحول السريع في مجال الطاقة، إلى جانب فرض ضرائب عادلة على الثروة والمساواة الاجتماعية، سيكون الحل الصحيح".

وشدد على أن ذلك "يوفر حلا مستداما للأزمة الاقتصادية المتفاقمة ليس فقط في ألمانيا، بل في جميع البلدان الصناعية الغربية".