تحولات ومراجعات.. ما دلالات زيارة لاريجاني للعراق ولبنان؟

منذ ١١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، لكل من العراق ولبنان، عدّه محللون “تطوّرا ذا أهميّة كبيرة”؛ لما لها من تداعيات على التوازنات الإقليمية والهياكل الأمنية في طهران.

ونشر مركز "إيرام" مقالا للكاتب التركي تشاغتاي بالجي، قال فيه: إن “هذه الزيارات لم تكن عشوائية، بل جاءت في توقيت حسّاس يتزامن مع إعادة هيكلة الجهاز الأمني الإيراني عقب الهجمات الإسرائيلية في يونيو/ حزيران 2025”. 

وأضاف "كما جاءت الزيارة في 12 و13 أغسطس/ آب 2025 بعد فترة قصيرة من تعيين لاريجاني أمينا للمجلس، مما يعكس دوره البارز في السياسة والإدارة الإيرانية".

تحولات إستراتيجية 

ورأى بالجي أن "أهم ما يميز هذه الزيارات هو الوجود المباشر لأمين المجلس على الأرض، وهو علامة على تزايد تأثير المجلس الأعلى للأمن القومي في تحديد السياسات الأمنية والخارجية". 

ويرى أن "ذلك يعكس أيضا استجابة مؤسسية لطهران تجاه تصاعد الضغوط العسكرية الإسرائيلية والمناورات الأميركية في المنطقة، إلى جانب جهود إيران لإعادة صياغة إستراتيجية عمل القوى الوكيلة التابعة لها".

ولفت إلى أن "جدول أعمال لاريجاني في العراق ركز على إخلاء المجموعات المسلحة المناهضة لإيران في الشمال وتعزيز الاتفاقيات الأمنية القائمة، لكن الإطار الأوسع للزيارة تبلور في سياق الانتخابات المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2025". 

وذكر أن "طهران تعد الحفاظ على المواقع السياسية للمليشيات التي تدعمها، وتمكينها من موقع أكثر مؤسسية داخل النظام، والحفاظ على روابطها مع طهران أولوية إستراتيجية". 

ولفت إلى أن "مطالب واشنطن بتجريد هذه المجموعات من السلاح وتهديداتها بالعقوبات ليس مجرد تهديد أمني فحسب، بل محاولة لتقليص النفوذ الإيراني الإقليمي".

واستطرد: "لذلك تعمل إيران على منع راديكالية هذه المجموعات، وحمايتها من استهداف الولايات المتحدة وإسرائيل، بينما تهدف اتصالات لاريجاني إلى ضمان تنفيذ هذه الإستراتيجية بالتوافق مع بغداد".

وتابع: "أما في لبنان، فقد كانت قضية نزع سلاح حزب الله محور الاهتمام؛ إذ شكل قرار الحكومة اللبنانية بالموافقة على خطة الطريق المدعومة أميركيا لتجميع كل الأسلحة تحت سلطة الدولة صدمة لطهران وحزب الله". 

وردا على ذلك، فقد وصف أمين حزب الله نعيم قاسم هذه الخطوة بأنها "خدمة لمشروع إسرائيل"، وأكد أن الحزب لن يتخلى عن سلاحه ما لم تنسحب إسرائيل من لبنان وتتوقف عن الهجمات، مهددا ضمنيا بـ"صراع داخلي".

في المقابل، شدد الرئيس اللبناني ميشيل عون على أنّ مسألة نزع سلاح حزب الله شأن داخلي لا يحق لأي دولة التدخل فيه، فيما أكد رئيس الحكومة نواف سلام أنه "لا يمكن لأي مجموعة أن تمتلك السلاح خارج الجيش، وأن التلميحات إلى الحرب الأهلية والتهديدات الضمنية غير مقبولة".

وأشار بالجي إلى أن “هذا ما يجعل زيارة لاريجاني أكثر حساسية في سياق التوتر المتصاعد بين لبنان وحزب الله وإيران”.

ورأى أن "زيارة لاريجاني للعراق ولبنان تعكس تحولات إستراتيجية في السياسة الإيرانية؛ إذ تسعى طهران لتقليص الانخراط العسكري المباشر لصالح تعزيز النفوذ السياسي والدبلوماسي، مع الحفاظ على حلفائها الإقليميين ضمن إطار أكثر براغماتية وتوازنا مع المخاطر الأمنية الإقليمية".

إعادة تموضع 

وأفاد الكاتب التركي بأنه "منذ عام 2024 شكلت العمليات العسكرية الإسرائيلية عاملا أساسيا في تراجع القدرات العسكرية والردعية لحزب الله، ما أجبر التنظيم على تبني موقف أكثر دفاعية وحذرا". 

وفي هذا السياق، تعدّ طهران الحفاظ على حضور حزب الله كفاعل مؤثر في السياسة اللبنانية “أولوية إستراتيجية؛ إذ يظل تأثيره السياسي أداة قوية تتيح لإيران استمرار نفوذها الإقليمي، حتى مع تراجع قدرته على المقاومة المسلحة التقليدية”. 

بذلك فإن زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني تأتي لتأكيد هذا الدعم الدبلوماسي والسياسي، وضمان بقاء الحزب لاعبا مؤثرا على الساحة اللبنانية.

وأشار الكاتب إلى أن "زيارات لاريجاني تعكس أيضا أن إيران دخلت مرحلة مراجعة محدودة لعقيدة (محور المقاومة)؛ وذلك بعد الخسائر الكبيرة في 2024-2025، والهجمات الإسرائيلية المباشرة، وتصاعد إدراك التهديد من قبل الوكلاء الإقليميين". 

وأوضح أن “إيران كانت في السابق تعلن نفسها الداعم والمنسق المطلق لجميع مجموعات المقاومة، لكنها اليوم تعيد صياغة هذا الخطاب بعقلانية، مع مراعاة الواقع الإقليمي الجديد، والسعي لتحقيق توازن بين النفوذ الإقليمي والأمن الوطني”.

وفي هذا السياق، جاء تصريح لاريجاني بأن "مجموعات المقاومة لا تحتاج إلى الوصاية، وإيران ليست قائدا لهذه المجموعات، ليكون ذلك "إعلانا عن إعادة تموضع إستراتيجي" يعكس سياسة تقليل الدعم المباشر للقوى الوكيلة، مع منحها مساحة للحفاظ على أمنها بشكل مستقل، ومع إبراز الأولويات الوطنية للأمن الإيراني.

وقال بالجي: “بهذا، تحمل زيارات لاريجاني إلى العراق ولبنان ثلاث رسائل إستراتيجية رئيسة”.

أولا، إعادة تشكيل ميزان القوة المؤسسية، حيث تعكس الزيارة زيادة تأثير المجلس الأعلى للأمن القومي في صياغة السياسات الخارجية والأمنية لإيران.

ثانيا، تخفيف بروز القوى الوكيلة؛ إذ تهدف طهران إلى الحد من ظهور هذه القوى بشكل مفرط مع ضمان استمرار مشروعيتها السياسية.

ثالثا، إعلاء الأولويات الوطنية للأمن، بحيث يُوازن السعي نحو النفوذ الإقليمي مع المخاطر المتعلقة بالأمن الوطني، ما يتيح اعتماد إستراتيجية أكثر براغماتية ومرونة.

وختم الكاتب مقاله قائلا: إن "هذه الزيارات تظهر أن إيران باتت تركز على قوتها السياسية والمؤسسية، بدلا من الانخراط العسكري المباشر، مع بناء أرضية سياسية ودبلوماسية تضمن استمرار وجود القوى الوكيلة". 

وتابع: "هذا النهج يسهم في تقليل التوتر المباشر مع واشنطن وتل أبيب، مع الحفاظ على الحلفاء الإقليميين تحت السيطرة بشكل مدروس، وهو ما يجعل هذه الزيارات مؤشرا على تحول إستراتيجي هادئ وعميق في السياسة الخارجية الإيرانية".