إغراء غربي.. لماذا تراجعت موسكو عن تزويد الحوثيين بالسلاح؟

يوسف العلي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

تثار العديد من التساؤلات عن طبيعة علاقة روسيا بجماعة الحوثيين التي تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء بدعم من إيران وتشن هجمات في البحر الأحمر ضد السفن الأميركية والغربية والإسرائيلية على خلفية العدوان على غزة.

وتحدثت وسائل إعلام غربية أخيرا عن تراجع روسيا في اللحظات الأخيرة عن  تسليح الجماعة بضغط من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية.

ولم يصدر عن السعودية والولايات المتحدة أي تصريح رسمي بخصوص محاولة روسيا دعم الحوثيين بالسلاح، الأمر الذي أثار استغراب مراقبين للشأن اليمني عن توقيت هذه التسريبات.

"جهود الكواليس"

وبحسب شبكة "سي إن إن" الأميركية، فإن "روسيا كانت تستعد لتسليم صواريخ ومعدات عسكرية للحوثيين في اليمن أواخر الشهر الماضي (يوليو/تموز)، لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة جراء جهود جرت وراء الكواليس من جانب الولايات المتحدة والسعودية لوقفها".

ونقلت الشبكة في 3 أغسطس/ آب 2024، عن مصادر لم تكشف هويتها أن "السعوديين، الذين كانوا منخرطين في حرب مع الحوثيين لسنوات قبل أن تساعد الولايات المتحدة في التفاوض على هدنة هشة في 2022، حذروا روسيا من تسليح أحد أكبر خصومهم عند علمهم بالخطط".

وقال مصدران للشبكة إن "الولايات المتحدة، التي شاركت في العديد من الجهود الدبلوماسية لمنع الروس من تسليح المتمردين المدعومين من إيران، طلبت بشكل منفصل من السعوديين المساعدة في إقناع موسكو بعدم إرسال الشحنة".

ورفض مسؤول أميركي وصفته الشبكة بـ"الكبير" مناقشة تفاصيل خطط روسيا لتسليح الحوثي.

لكنه أكد أن بلاده تعد أي محاولة من طرف ثالث لتعزيز إمدادات الأسلحة للحوثيين "متناقضة مع الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها" بشأن تسوية سلمية دائمة في اليمن بين الحوثي والسعودية.

وبحسب المصادر الغربية، لا يزال من غير الواضح لمجتمع الاستخبارات الأميركي ما إذا كان رد الفعل السعودي هو الدافع لتخلي روسيا عن خطتها لتسليح الحوثيين، أو ما إذا كان مجرد أحد العوامل العديدة التي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تغيير رأيه.

وأشارت الشبكة إلى أن "الروس نظروا إلى تسليح الحوثيين وتقديم المشورة لهم كوسيلة للانتقام من إدارة (الرئيس الأميركي) جو بايدن لقرارها بالسماح لأوكرانيا بضرب عمق الأراضي الروسية باستخدام الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة".

وبينما جرى التراجع عن نقل الأسلحة، نشرت روسيا أفرادا عسكريين في اليمن للمساعدة في تقديم المشورة للحوثيين على مدى 3 أيام في أواخر يوليو، حسبما ذكرت الشبكة الأميركية.

ونقلت عن المصدرين أن "المسؤولين الأميركيين شاهدوا سفنا روسية كبيرة تتوقف بشكل غير عادي في جنوب البحر الأحمر، حيث نزل الأفراد الروس، وجرى التقاطهم من الحوثيين في قارب، ونقلهم إلى اليمن".

وأكدوا أن “الروس كانوا يحملون حقائب معهم، لكن لا شيء يبدو كبيرا بما يكفي لحمل أسلحة أو مكوناتها”.

ولم يتضح ما إذا كانت السفن الروسية تحمل المعدات التي كانت موسكو تستعد لنقلها إلى الحوثيين قبل أن يتخلى الكرملين عن الخطة.

وقال مسؤول أميركي إن "المعلومات الاستخباراتية أشارت إلى أن الحوثيين كانوا يعتزمون إجراء تدريبات بالذخيرة الحية أثناء استضافة الروس، لكن يبدو أن هذه الخطط ألغيت أيضا".

"إغراء روسيا"

وعن أسباب ودلالات تراجع موسكو عن تسليح الحوثيين، قال الخبير في الشأن السياسي اليمني، ياسين التميمي، إن "روسيا كانت موجودة في صنعاء أثناء الحرب (في اليمن)، لكن الأمر توقف عند مقتل الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح في 4 ديسمبر/ كانون الثاني 2017".

وأوضح الخبير اليمني لـ"الاستقلال" أن "علي صالح كانت تربطه علاقة مع روسيا، لأن البعثة الدبلوماسية الروسية انسحبت من العاصمة صنعاء بعد مقتله، مما يعني أنه ليس من أولويات موسكو دعم الحوثيين".

ولفت إلى أن "العلاقات الروسية السعودية وثيقة، ولا سيما بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس بوتين، وهذا قد لا يسمح بأن تلعب روسيا دورا من شأنه أن يقوي الوضع العسكري للحوثيين في صنعاء".

واستبعد التميمي أن "تستخدم روسيا اليمن كورقة (ضغط على الغرب)، مبينا أن موسكو تعلم أكثر من غيرها أن واشنطن ليست في مواجهة حقيقية مع الحوثيين، وأن العلاقات بين الطرفين هي من سمحت للأخيرة بدخول صنعاء.

ورأى الخبير اليمني أن "تسريب وسائل إعلام أميركية مثل هذه الأنباء، ربما هدفه إغراء موسكو ودفعها إلى الاتصال العسكري اللوجستي مع جماعة الحوثي".

وتابع: "هذا يذكرنا بما فعله الغرب مع روسيا في سوريا، عندما فتحوا لها الباب لتلعب دورا مؤثرا في الساحة السورية، وتحسم الحرب لصالح النظام السوري، وتتورط في جرائم حرب هناك، فيما بقيّة مخططات الأطماع الأميركية متشابهة مع الروسية، لكن الأخيرة هي من تورطت بالجرائم هذه".

وأعرب التميمي عن اعتقاده بأن "الولايات المتحدة تريد إبقاء اليمن ساحة حرب بالوكالة أطول مدة ممكنة، والحديث عن دور روسي يأتي في هذا السياق".

وأشار إلى أن "روسيا عضوة دائمة في مجلس الأمن وهناك قرارات تبناها المجلس تقضي بحصر السلاح لدى الأطراف المتصارعة في اليمن، وخاصة جماعة الحوثي، لكن يمكن لروسيا أن تخالف هذه القرارات بطريقة ما".

وأردف: “لكن أنا لا أرى في الأفق أن لروسيا مصلحة مع الحوثيين، ربما تهدد مصالحها مع السعودية”. 

وخلص التميمي إلى أن "المواجهة المعلنة بين الحوثيين والولايات المتحدة صورية وليست حقيقية، خصوصا أن التسريبات التي ذكرتها وسيلة الإعلام الأميركية جاءت في وقت هدأت فيه المواجهات في البحر الأحمر".

“رسالة سرية”

على الصعيد ذاته، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 20 يوليو، أن وكالات المخابرات الأميركية تحذر من احتمال تسليح روسيا لـ الحوثيين في اليمن بصواريخ متقدمة مضادة للسفن، ردا على دعم إدارة بايدن للضربات الأوكرانية داخل روسيا بأسلحة أميركية.

وتأتي هذه المعلومات بالتزامن مع رسالة سرية أخبر فيها قائد القيادة المركزية الأميركية بالشرق الأوسط الجنرال مايكل إريك كوريلا، وزير الدفاع لويد أوستن، بأن العمليات العسكرية في المنطقة "تفشل" في ردع هجمات الحوثيين على السفن، وأن هناك حاجة إلى نهج أوسع، وفقا للصحيفة.

وأشارت إلى أن البيت الأبيض أطلق حملة سرية لمحاولة منع موسكو من تسليم الصواريخ للحوثيين الذين يهاجمون السفن في البحر الأحمر، في تسليط جديد للضوء على تهديد الحوثي بعد هجوم بطائرة مسيرة على تل أبيب، انطلقت من الأراضي اليمنية في 19 يوليو.

وتتضمن الجهود الدبلوماسية التي تبذلها إدارة بايدن لمنع نقل موسكو الصواريخ إلى اليمن استخدام دولة ثالثة لمحاولة إقناع بوتين بعدم الانضمام إلى إيران في توفير الأسلحة للحوثيين، وفقا لمسؤولين أميركيين رفضوا تحديد تلك الدولة.

وأشارت الصحيفة إلى أن المعلومات الاستخباراتية التي تفيد بأن موسكو ربما تخطط لتقديم الدعم العسكري لليمن، والتحذيرات الصادرة عن قائد القيادة المركزية الأميركية، أثارت سؤالا حول ما إذا كان البيت الأبيض يبذل ما يكفي لوقف الهجمات في الممرات المائية.

ونقلت عن مسؤولين أميركيين (لم تكشف هويتهم) أنه كان من الممكن فعل المزيد لحماية الشحن التجاري بشكل أفضل، بما في ذلك ضرب منشآت أكبر لتخزين الأسلحة، واستهداف قادة الحوثيين واختيار أهداف ذات عدد أكبر من الضحايا المحتملين.

وقد أثارت موسكو قلقا عميقا بين المسؤولين الأميركيين من خلال ترسيخ العلاقات مع كوريا الشمالية وإيران وتأمين مساعدة الصين في تعزيز صناعة الدفاع الروسية.

ومن شأن قرارها تسليح الحوثيين أن يمثل تصعيدا في مواجهتها مع الولايات المتحدة، بعد أن كانت تدور حول الصراع في أوكرانيا وحده، كما ذكرت الصحيفة.

غير أن بعض المحللين، يرون أن الروس ربما يلوحون بالتهديد بإرسال صواريخ مضادة للسفن إلى اليمن لثني الإدارة الأميركية عن السماح للقوات الأوكرانية باستخدام نظام الصواريخ التكتيكية الذي توفره الولايات المتحدة، ضد المطارات على الأراضي الروسية.

من جهته، لم يستبعد الخبير الروسي، أندريه أونتيكوف، تغير موقف روسيا فيما يخص إمداد الحوثيين بالأسلحة أو بتقنيات الحرب الإلكترونية عند الضرورة، وذلك بناء على معطيات جديدة قد تطرأ في المستقبل ويمكن أن تغير من حسابات موسكو مع تمدد نوع ورقعة النزاع مع الغرب.

ونقل موقع "الجزيرة نت" عن أونتيكوف في 22 يوليو، قوله إن "الموقف الأميركي تجاه استخدام أسلحة بعيدة المدى ضد روسيا لا يمكن الوثوق به، ويمكن أن يخرج في أي لحظة عن القواعد القائمة حاليا".

وبحسب قوله، فإن "دعم موسكو لأي جهة منضوية في صراع مع واشنطن، بما في ذلك الحوثيون، محكوم -حاليا- بحسابات وضوابط، لكنها جميعها مرشحة للتبدل تبعا للتغيرات التي يمكن أن تطرأ على قواعد الاشتباكات القائمة مع الغرب في ظل المعطيات الحالية المرتبطة بالنزاع مع أوكرانيا".

وشدد أونتيكوف على أهمية امتلاك الحوثيين -من بين أمور أخرى- أسلحة سوفياتية مازالت صالحة للاستخدام "المؤثر"، وأجروا تعديلات وتحسينات عليها شملت تفعيلها بما يتلاءم مع نظام الملاحة العالمي لمواكبة خصوصية الصدام العسكري القائم حاليا مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، يستهدف الحوثيون بشكل رئيس السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن بالصواريخ والطائرات المسيّرة بهدف معلن هو وقف العدوان الإسرائيلي على غزة. في عمليات تسببت في تعطيل التجارة العالمية وخطوط الإمداد بشدة.

وردًّا على ذلك، أطلقت الولايات المتحدة وبريطانيا حملة في يناير/كانون الثاني 2024 بعنوان "حارس الازدهار" لقصف أهداف عسكرية رئيسة للحوثيين في اليمن، أدت إلى تدمير العديد من مخازن السلاح، ومراكز التحكم الحوثية، بحسب بيانات رسمية أميركية.