حرب غزة أم قوة أسامة عسكر أم رفض الجيش.. لماذا لم يعين السيسي بديلا لرئيس الأركان؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023 انتهت مدة رئيس أركان الجيش المصري الفريق أسامة عسكر طبقا للقانون المعدل الذي وضعه رئيس النظام، عبد الفتاح السيسي، وحدد مدة عامين فقط لتولي قادة الجيش مناصبهم، بحجة تداول المنصب.

السيسي، وهو القائد الأعلى للجيش، لم يقم بتعيين بديل له، وسط تساؤلات حول السبب، هل انشغال بحرب غزة أم تحول الجنرال عسكر لمركز قوة داخل الجيش أم لرفض قيادة الجيش لقانون تبديل القيادات بعد عامين؟.

وبموجب قانون التعيينات العسكرية المعدل الذي أصدره السيسي وحدد مدة بقاء القيادات في منصبها بعامين فقط، تم تعيين أسامة عسكر في 27 أكتوبر 2021 وتنتهي فترة العامين في 27 أكتوبر 2023.

وكان سلفه رئيس الأركان الفريق محمد فريد حجازي تولى المنصب لأربع سنوات حيث جرى تعيينه رئيسا للأركان في 28 أكتوبر 2017، عقب إقالة رئيس الأركان السابق وصهر السيسي الفريق محمود حجازي.

عدم تعيين بديل له تزامن مع شائعات حول خلافات بين عسكر والسيسي، وأنه رفض خلال يونيو/حزيران 2023 قرارا بإقالته، وتشجيع مصريين له على الانقلاب ضد السيسي.

وتحدث تقرير لمجلة "إيكونوميست" البريطانية في 15 يونيو 2023 عن خوف السيسي من قيادات الجيش وأنه لا يبيت في مكان واحد كل ليلة.

ما القصة؟

في 15 يوليو/تموز 2021، أصدر السيسي قرارا جمهوريا رقم 134 لسنة 2021، بتعديل بعض أحكام القانون رقم 232 لسنة 195، بشأن شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة، يقصر مدة بقاء رئيس الأركان وقادة أفرع الجيش ومساعدي وزير الدفاع في مناصبهم على سنتين، بدلا من أربع.

وهذا معناه أن أقصى مدة متاحة للفريق عسكر في شغل منصب رئيس الأركان هي عامان انتهت في 27 أكتوبر 2023، ولا يمكن أن تتجاوز الأربع سنوات حتى 2025، في حال تجديد السيسي له سنويا لمرة أو مرتين، بعدما انتهت فترة السنتين.

ويبلغ عمر الفريق عسكر 66 عاما، وسن التقاعد 65 عاما.

لكنه لم يتقاعد، لأن القانون ينص على أن شاغل منصب رئيس الأركان برتبة "الفريق" لا ينطبق عليه شرط التقاعد عند بلوغه الخامسة والستين من عمره، ما يعني إمكانية المد له لو أراد السيسي.

ورغم أن القانون المعدل الذي أصدره السيسي للتعيينات العسكرية عام 2021 يعطي للقائد الأعلى (السيسي) الحق في مد الخدمة إلا أنه لم يفعل مع "عسكر"، رغم انتهاء فترة بقائه في منصبه وهي عامان.

وفي مذكرتها الإيضاحية لتلك التعديلات على فترات خدمة كبار القادة، بررت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، تقصير فترة خدمة رئيس الأركان إلى سنتين بـ"الرغبة في ضخ دماء جديدة في الوظائف الرئيسة الكبرى في القوات المسلحة".

والمفارقة أن نفس اللجنة (الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب) قالت في تقرير سابق بخصوص مد فترة خدمة الضباط برتبة فريق إلى عمر 65 عاما، أن "الخبرات في القوات المسلحة تُكتسب بعد مرور فترة طويلة من الخدمة في صفوفها".

وقالت: "لا بد من الحرص على نقل تلك الخبرات من القيادات العليا إلى القيادات الوسطى وصغار الضباط، الذين يحتاجون بشدة إلى تلك الخبرات المتراكمة عبر فترات طويلة من الزمن، حتى يتسنى للقوات المسلحة مواجهة التحديات الراهنة".

وهي تبريرات تتناقض مع بعضها البعض، وتشير إلى أن تلك التعديلات "مسيسة" تهدف لترقية أشخاص بعينهم وإقصاء آخرين، كما يقول المحلل المصري، أحمد مولانا، في مقال نشره بموقع "عربي بوست" في 28 أكتوبر 2021.

عقب هذا التعديل أشار محللون إلى أن السيسي يخشى أن ينقلب عليه الجيش لذا لا يبقي وزير دفاع في منصبه فترة طويلة (غيره مرتين) ولا رئيس أركان (غيره 4 مرات)، والأمر ذاته في بقية مناصب الجيش.

وأوضحوا أن التغييرات المتتالية لقادة القوات المسلحة، هدفها "تدوير المناصب" منعا لتشكل مراكز قوى منافسة له داخل المؤسسة العسكرية، وفي الوقت ذاته استغلال ذلك في تعيين مؤيدين واستغلال ذلك كـ"جزرة" لولاء القيادات له.

وأزاح السيسي أعضاء المجلس العسكري كافة الذين شاركوه في انقلاب 3 يوليو/تموز 2023 ضد الرئيس الراحل محمد مرسي، ولم يتبق منهم بالخدمة سوى اثنين، هما الفريق أسامة عسكر، والفريق ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والقانونية (يُسمى: ترزي قوانين الجيش).

وضمن سياسة العصا والجزرة، أعطى السيسي قادة الجيش العديد من المزايا –كجزرة- منها حمايتهم بحصانة رسمية من المساءلة القانونية عن المجازر التي ارتكبها الجيش منذ الانقلاب، وإعطاؤهم صفة "الوزير" للتمتع بمزايا مالية واجتماعية.

وبالمقابل، استخدم معهم "العصا" عبر منعهم بقانون أصدره من الترشح ضده في انتخابات الرئاسة، بقرار جمهوري يقضي بعدم جواز ترشح الضباط، سواء من الموجودين بالخدمة أو من انتهت خدمتهم لانتخابات رئاسة الجمهورية، أو المجالس النيابية، أو المحلية، إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

ويقول المحلل أحمد مولانا إن سياسة منع تشكل مراكز قوى لم يتبعها السيسي مع الجيش فقط، بل مع سائر الأجهزة السيادية، حيث غير رؤساء جهاز المخابرات العامة 4 مرات منذ 2013، كما جاء بثلاثة وزراء للداخلية، وأربعة رؤساء للوزارة.

ولم يتردد في الإطاحة بصهره، رئيس الأركان، الفريق محمود حجازي عام 2017، ورفيقه في الانقلاب وزير الدفاع الفريق صدقي صبحي عام 2018. 

خلافات بين العسكر

خلال مناورة "تفتيش الحرب" التي قام بها الجيش بمحافظة السويس في 25 أكتوبر 2023، كان ملفتا مطالبة السيسي "الجيش والشعب" بعدم "التهور" في اتخاذ موقف من العدوان الإسرائيلي على غزة.

وهو ما أثار تساؤلات عما إذا كانت هناك خلافات داخل الجيش بين العسكر، سواء بسبب سياسته الداخلية التي أدانت البلاد وأدت لانهيار الاقتصاد ومخاوف قادة الجيش من ثورة تضيع مكاسبهم في الثروة والسلطة.

أم أن هناك خلافا بين بعض قادة الجيش والسيسي بسبب موقفه المتخاذل من إسرائيل، بعدما قصفت رفح وسيناء خمس مرات بدعاوى "الخطأ".

ودفع هذا الصحفي جمال سلطان للتساؤل في تغريدة نشرها في 25 أكتوبر: "هل هناك من القادة من طالبه باتخاذ موقف عملي ضد الإهانات الإسرائيلية، لهذا خطب يحذرهم من ذلك؟!".

السيسي يحذر الجيش المصري : إياكم أن تتهوروا أو تأخذكم الحماسة والغضب ؟! ـ ما مناسبة هذا الكلام؟ فقرار الحرب هو قرار القائد الأعلى ، وهو السيسي نفسه، وليس قرار أي قيادة أخرى مهما علت ، فهل هناك من القادة من طالبه باتخاذ موقف عملي ضد الإهانات الإسرائيلية، فهو يحذرهم من ذلك ؟! pic.twitter.com/XYW8ujAn8G

— جمال سلطان (@GamalSultan1) October 25, 2023

وكان من الملفت أيضا قول السيسي وبجواره "عسكر" وهو يحذر الجيش من التهور في مسألة رد فعله على حرب غزة: "هيكون معاك دعم ربنا سبحانه وتعالى عندما تتعامل مع الأمور بشرف من غير غدر ولا خيانة وخسة".

ما بدا كأنه يحذر قيادات بالجيش مختلفة معه، وربما طالبوه بموقف متشدد مع الاحتلال من الغدر به وخيانته، مثل عسكر.

وفي 19 يونيو/ حزيران 2023، جرى تداول أنباء عن إطاحة السيسي بالفريق عسكر من منصبه قبل انتهاء فترته، وأنه عين الفريق أحمد فتحي خليفة رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة، رئيسا للأركان، ضمن لعبة الكراسي الموسيقية لعدم إبقاء قيادة في موقعها لفترة طويلة تهدد السيسي لاحقا.

وأفاد المحلل العسكري محمود جمال بتعيين الفريق أحمد فتحي خليفة رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة بدلا من الفريق أسامة عسكر وتعيين عسكر مساعدا للسيسي.

تعيين الفريق أحمد فتحي خليفة رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة بدلًا من الفريق أسامة عسكر وتعيين عسكر مساعدًا للسيسي، وذلك كما توقعت من عدة أشهر.

— mahmoud gamal (@mahmoud14gamal) June 19, 2023

لكن مرت أيام وظل "عسكر" في موقعه، وظهر بجوار السيسي في عدة مناسبات عسكرية، كما نفت الخبر لجان إلكترونية حكومية.

وانتهى الجدل حين نشر المتحدث العسكري خبر تخريج دفعة من دارسي "أكاديمية ناصر" العسكرية، بحضور وزير الدفاع زكي ورئيس الأركان عسكر بصفته، ما أظهر أنه باق في المنصب وهذا نفي غير مباشر لتكهنات إقالته.

 

مع هذا رجح محللون أن يكون السيسي نفسه وراء شائعة إقالة عسكر التي تم تسريبها لصحف وحسابات معارضة، بغرض "جس النبض" لدى الجيش وعسكر نفسه، أو تشويه صورته قبل عزله.

#زي_النهاردة كان الإخوان فاكرين إن الجيش بيتحرك علشان يدافع عن نظامهم ضد المصريين..

بس النهاردة بقى بيتناقلوا على صفحاتهم كواليس تغييرات في قيادات الجيش المصري، اللي هي تغييرات ماحصلتش أصلا، بس هما بيتكلموا عن تفاصيل سرية ومغامرات بقى وكده..

طب لما انتم جامدين وواصلين يا جماعة،… pic.twitter.com/G1PKDLhPPY

— Loay Alkhteeb (@LoayAlkhteeb) June 20, 2023

ونشر مؤيدو السلطة من كتائبها الإلكترونية، الذين لا يجرؤون على نشر أخبار الجيش إلا بتعليمات، مثل الصحفي لؤي الخطيب، نفيه لأنباء وجود تغييرات في قيادات القوات المسلحة.

#هام: لا صحة لوجود تغييرات في قيادات القوات المسلحة

وكالعادة اللي نشر المعلومة الفشنك دي هو عماد البحيري وده سبب كافي إنك ماتصدقهاش.. بس عموما كلها ١٠ أيام ونرتاح من العبث ده لإن عماد قال انه هيعتزل السياسة لو النظام ماوقعش في ٣٠ يونيو ٢٠٢٣..

هنفتقد العبط الإعلامي اللي بتقدمه… pic.twitter.com/T9APbAXqmX

— Loay Alkhteeb (@LoayAlkhteeb) June 19, 2023

وفي 19 يناير 2023 أصدر السيسي قرارا بترقية اللواء أركان حرب أحمد فتحي خليفة رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة، إلى رتبة "الفريق"، ما عده محللون تمهيدا لهذه الخطوة بترقيته لرئاسة الأركان، وهو ما لم يحدث بعد.

وكانت العلاقة بين السيسي وعسكر متميزة لدرجة دفعت الأول لاستحداث وظائف بعينها للثاني، مثل قيادة منطقة شرقي القناة ومكافحة الإرهاب، من يناير 2015 إلى ديسمبر 2016، حين تم إبعاد عسكر، الذي كان أصغر من يحمل رتبة الفريق في ذلك الوقت، لمنصب جديد أيضا استُحدث له خصيصا، لكنه مكتبي، هو مساعد وزير الدفاع لشؤون تنمية سيناء.

وفي خريف 2017، ثارت شائعات عن إبعاد عسكر من مناصبه وتجريده من سلطاته بسبب مخالفات مالية، لكن مصادر أكدت أنه كان قد خضع للتحقيق فقط في ادعاءات تتعلق بتلك المخالفات.

وأسندت إليه لفترة أعمال إدارية أقل أهمية، مثل مسؤول مشروعات الجيش في المنطقة المركزية.

وفي سبتمبر/أيلول 2017، نشر الإعلام المعارض في تركيا تكهنات أن السيسي اعتقل الفريق أسامة عسكر بسبب فضيحة اختلاس داخل القوات المسلحة.

وفي مايو/أيار 2018 عادت نفس الشائعة تتردد بأنه اختلس 500 مليون جنيه (16 مليون دولار) من أموال تطوير سيناء، وأنه محتجز للتفاوض معه لاسترداد المبالغ المالية التي تمكن من تهريبها للخارج.

ولكن مع انفجار مظاهرات سبتمبر 2019 ضد السيسي، وما تم رصده من استياء واسع داخل الجيش من انتشار شائعات عن فساد مالي لبعض القيادات، مست الفريق عسكر، تردد أن وزير الدفاع السابق وقائد السيسي المشير محمد حسين طنطاوي تدخل لحل الأزمة وأعاد الفريق عسكر إلى منصب عسكري أهم، هو رئاسة هيئة العمليات.

وقال خبراء إن تعيين عسكر لاحقا، رئيسا للأركان كانت خطوة لإبعاده عن الجيش نهائيا، وأن تعيينه في منصب أعلى مقدمة لركله لاحقا خارج القيادة العسكرية، ليبقي للسيسي السيطرة على الجيش بالقادة الجدد.

سيناريوهات ممكنة

وفق مراقبين، يتوقع أن يكون تأخير إبعاد الفريق عسكر عن منصبه بحجة انتهاء فترة تعيينه (عامين)، راجعا إلى التوترات في غزة وحالة الاستنفار في الجيش المصري الرافض لفكرة تهجير الفلسطينيين لسيناء.

وأيضا لتولي عسكر صلاحيات أخرى كبيرة في سيناء، حيث سبق له الإشراف على العمليات العسكرية ومواجهة الإرهاب في شمال سيناء.

ويرون أنه قد يتم المد له عاما، ثم عاما آخرا، ولو حدث ذلك، فسيكون نفيا لشائعات الخلافات بين السيسي وبينه.

أو قد يكون ذلك رضوخا من جانب السيسي، وتأكيدا لوجود خلافات بينه وبين قادة في الجيش حول طريقة التعامل مع إسرائيل، لا يرغب في تصعيدها بصدام مع القادة وإبعاد "عسكر" الآن.

وفي حالة إبعاد السيسي له في أي وقت، وعدم التجديد له، سيكون هذا مؤشرا آخر على أنه يرغب في التخلص السريع منه، لأسباب ربما منها وجود خلافات في الرأي بينهما.

أو أن السيسي يخشى من نفوذه داخل الجيش، ومنصبه الحيوي، ويرغب في سرعة تدوير منصبه (رئيس الأركان) لقائد جديد يضمن ولاءه.

وأشار تحليل لموقع "أفريكا إنتليجنس" في 13 أكتوبر 2023 إلى أن "عسكر يحظى بدعم كبار ضباط الجيش وكذلك شركات البناء القوية في البلاد".

وتساءل: "هل سيبقي السيسي على عسكر رئيسا لأركان الجيش"، مشيرا إلى أن غيابه عن وسائل الإعلام والاحتفالات الرسمية في الآونة الأخيرة أثار التكهنات بوجود خلاف بينه وبين السيسي.

وأوضح أن عسكر كان عضوا في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، قبل انتخاب السيسي للرئاسة، لكن سيتم تحديد وضعه قريبا سواء بإعادة تعيينه أو استبداله كقائد للجيش. 

وكان المحلل السياسي الإسرائيلي، تسفي برئيل، حدد في مقال نشره بصحيفة "هآرتس" العبرية في 19 يونيو/حزيران 2023 اللحظة التي يجب على السيسي أن يخشى فيها انقلاب الجيش عليه.

وقال إنه يجب أن "يخشى اللحظة التي يقرر فيها المصريون أنه ليس لديهم ما يخسرونه"، مشيرا إلى لأنه حينها سيقرر العسكر أنهم لم يعودوا بحاجة إلى السيسي وينقلبون عليه.

وحذر برئيل من احتمال أن انقلاب الجيش على السيسي، قائلا إن "على السيسي أن يسأل نفسه: ماذا سيفعل إذا أخبره الجيش بأنه لم يعد بحاجة إليه؟".

الكلمات المفتاحية