ضغوط شديدة.. كيف استغلت روسيا غزو أوكرانيا لفرض تجنيد عسكري مفتوح؟

موسكو - الاستقلال | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

فتح الغزو الروسي على أوكرانيا منذ فبراير/ شباط 2022 الباب واسعا أمام الكرملين لسن قوانين متلاحقة تضع الشباب الروس في حالة جندية وعسكرة دائمة.

وعمدت موسكو منذ بداية الغزو إلى سن تشريعات تجبر الشباب على الانخراط في الخدمة العسكرية، وفصلتها على مقاس كل الفئات العمرية لتضمن ضم المزيد منهم إلى صفوفها.

حملة الربيع

وفي أحدث إجراء، أعلنت رئاسة الأركان الروسية في 29 مارس/ آذار 2024، إطلاق حملة للتجنيد العسكري للربيع تبدأ من مطلع أبريل/ نيسان من العام ذاته وتشمل آلاف الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 18 و30 عاما.

وقال نائب الأميرال فلاديمير تسيمليانسكي المسؤول الكبير في هيئة الأركان العامة خلال المؤتمر الصحفي، إنه سيخدم جميع المجندين لمدة عام على "أراضي الاتحاد الروسي"، لكنهم "لن يشاركوا في العملية العسكرية الروسية الخاصة".

وأوضح تسيمليانسكي أنه "لن يتم إرسالهم إلى مواقع انتشار القوات المسلحة في المناطق الروسية الجديدة"، أي المناطق الأوكرانية الأربع (دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا) التي احتلتها موسكو عام 2022 وضمتها إليها في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.

واتضح عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، أن موسكو عمدت إلى تحديد تصنيفات لعمليات التجنيد، لتبرير إقرارها قانونيا عند كل عملية تعبئة جديدة للشباب الروس.

فمنذ بداية الهجوم، أصدرت السلطات الروسية مرسوما بتعبئة أكثر من 300 ألف شخص خريف عام 2022.

ثم في عام 2023 شملت حملة الربيع تجنيد 147 ألفا، فيما شهدت حملة الخريف انضمام 130 ألف مجند إلى الجيش الروسي، وفقا لوزارة الدفاع.

وفي صيف 2023، أقرت روسيا قانونا يرفع سن التجنيد من 27 إلى 30 عاما (في السابق كان يصل إلى 27 عاما) بدءا من الأول من يناير/ كانون الثاني 2024. 

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2023 أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمره الصحفي السنوي أن 617 ألف جندي موجودون في أوكرانيا في إطار العملية العسكرية.

اللافت أن السلطات الروسية لم تحدد عدد الشباب الذين تستهدفهم حملة الربيع والتي تستمر لمنتصف يوليو/ تموز 2024.

وستركز حملة الربيع هذه على أولئك الذين ليسوا حاليا في الاحتياطيات ولكنهم مؤهلون للتجنيد الإجباري. 

وينص شرط التجنيد في روسيا على الخدمة العسكرية لمدة عام بدءا من سن 18 عاما، إما بشكل مباشر أو من خلال تدريب معادل ضمن أطر التعليم العالي حيث يخططون لتجنيد 150 ألفا.

ومثل هذه القوانين الجديدة التي تتبدل فيها أعمار المطلوبين للتعبئة، تخفي وراءها رغبة قوية من قبل الدفاع الروسية لجر هؤلاء إلى مسرح العمليات الفعلي في أوكرانيا.

وكتبت وسائل إعلام روسية أن السلطات تحاول بنشاط إقناع الجنود أثناء خدمتهم العسكرية بالدخول في عقود مع القوات المسلحة للاتحاد حتى ينضموا إلى الأعمال العدائية ضد أوكرانيا.

وهذه الممارسة التجنيدية قوبلت تاريخيا بمقاومة كبيرة في روسيا، لكنها خطوة في الوقت الراهن وفق المراقبين، تبدو أنها جزء من الجهود المبذولة لتوسيع جيش البلاد خلال القتال في أوكرانيا.

ويُلزم جميع الرجال الروس بإكمال الخدمة الوطنية التي تستمر لمدة عام، رغم أن العديد منهم يتجنبون التجنيد باستخدام التأجيلات الممنوحة للطلاب والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة وغيرهم.

وتقول السلطات الروسية إن الجيش لا يستخدم المجندين في القتال في أوكرانيا، ويعتمد على المتطوعين وجنود الاحتياط الذين تم تعبئتهم للعمل.

عملية التفافية

ومع ذلك، ذكرت بعض وسائل الإعلام الروسية أن الجيش يحاول تشجيع أو إجبار العديد من المجندين على توقيع عقود كمتطوعين، وهذا ما تطمح له القوات من تراكم عمليات التجنيد دون انقطاع منذ بدء غزو أوكرانيا والتي يريد بوتين تحقيق انتصار هناك “تحت أي ثمن”.

وفي روسيا، يبذل العديد من الرجال قصارى جهدهم لتجنب تسليم أوراق التجنيد خلال فترات الاستدعاء التي تتم مرتين سنويا.

ولا يمكن قانونا نشر المجندين للقتال خارج روسيا، وقد تم إعفاؤهم من التعبئة المحدودة عام 2022 والتي جمعت ما لا يقل عن 300 ألف تلقوا تدريبا عسكريا سابقا للقتال في أوكرانيا - رغم إرسال بعض المجندين إلى الجبهة قيل إنه عن طريق الخطأ-.

وضمن هذا السياق، سيحل الوافدون الجدد محل المجندين الحاليين في القاعدة الخلفية للقوات الروسية، الذين لن يتم تسريحهم بالضرورة.

ومن المحتمل أن يكون هناك بعض الذين يمكن لَيّ أذرعهم لإجبارهم على التوقيع والمغادرة على الجبهة الأوكرانية، حسبما يرى القائد السابق للواء المدرع السابع في الجيش الألماني، نيكولا ريتشوكس.

وأضاف ريتشوكس في حديث للقناة الفرنسية "LCI" قائلا: "نظرا لوجود حملتي تجنيد (ربيع - خريف) سنويا يشارك في كل منهما حوالي 130 ألف شخص، وبالتالي حوالي 260 ألف سنويا، فهذا يعني أن الجيش الروسي سيتعين عليه العثور على متطوعين للذهاب إلى الجبهة في مكان آخر غير أولئك الذين يخرجون من التجنيد الإجباري".

وفي الأشهر الأخيرة أعلنت روسيا تحقيق تقدم ميداني في أوكرانيا في مواجهة جيش كييف الذي يفتقر إلى العديد والعتاد بسبب نفاد المساعدات الغربية.

ممانعة للعملية

ولا تزال الخدمة العسكرية الإلزامية قضية حساسة في روسيا، حيث يلجأ العديد من الأفراد إلى تدابير مختلفة لتجنب التجنيد خلال فترات الاستدعاء نصف السنوية.

ولهذا حرصت السلطات الروسية على وضع عقبات أمام تهرب هؤلاء من حملات التجنيد تلك.

ففي حملة تجنيد ربيع 2023 ذكرت الصحافة الروسية أن الكرملين أرسل توجيها سريا إلى مناطق البلاد بهدف تسجيل 400 ألف متطوع جديد بحلول نهاية العام المذكور.

وأفاد المواطنون الروس العاديون عن حملات تجنيد رافقها وعود بمبالغ مالية باهظة للمسجلين.

بالإضافة إلى ذلك، بدأ إرسال الاستدعاءات المنتظمة للخدمة الاحتياطية عبر تطبيق الهاتف المحمول الخاص بخدمات الدولة، مما يتطلب زيارة شخصية، حيث يتم بعد ذلك الضغط على الشباب للتسجيل للذهاب إلى الخطوط الأمامية.

وصعوبة إقناع المواطنين الروس العاديين بالانضمام إلى المجهود الحربي كانت مشكلة تعود إلى التعبئة الأولى في سبتمبر/ أيلول 2022.

ووفقا لبيانات غير رسمية، تم تجنيد حوالي 200 ألف شخص خلال موجة التعبئة الأولى، وهو أقل بكثير من الهدف البالغ 300 ألف. 

وفي ذلك الوقت أيضا، جرى استخدام الإكراه المالي، حيث كانت الأجور مقابل الانضمام أعلى بعشر مرات تقريبا من متوسط ​​الأجر في بعض المناطق.

وفي الوقت نفسه، جرى عقد محاضرات وطنية في مؤسسات الدولة كجزء من حملة الضغط الاجتماعي للتجنيد.

وكانت هناك أيضا تكتيكات لإيقاف الرجال في سن التجنيد في مراكز التسوق والجامعات، وعند مخارج مترو الأنفاق والساحات العامة، وتهديدهم بالغرامات والمسؤولية الجنائية عن التهرب.

كما وافق المشرعون الروس على عجل عام 2023 على تشريع جديد يسمح للسلطات بتسليم إشعارات التجنيد إلكترونيا، مما يجعل من المستحيل تقريبا تجنب التجنيد.

كما تحولت شوارع المدن الروسية إلى ساحات للدعاية إلى التجنيد وحث الشباب على الانضمام لها من باب "وطني".

ويواجه المجندون ضغوطا شديدة بمجرد التحاقهم بالقوات المسلحة لتوقيع عقود عسكرية طوعية تسمح لهم بإرسالهم للقتال في أوكرانيا.

لكن ارتفاع أعداد القتلى من القوات الروس وعدم سماح وزارة الدفاع لهؤلاء بزيارة عوائلهم ومنحهم استراحة محارب لذلك، ولد حالة قوية من الفرار من الجندية.

فعلى الجبهة الأوكرانية يجرى قياس نتيجة موجات التعبئة بعدد الضحايا والفشل في الاجتياح للأراضي الأوكرانية.

فقد قُتل ما لا يقل عن 150 ألف روسي منذ بدء الحرب وهذه أرقام تقديرية.

وخلال مارس 2024 حث فريق زعيم المعارضة الروسية السابق أليكسي نافالني، الذي توفي داخل سجنه في 16 فبراير من العام المذكور، الأشخاص الذين صدرت لهم أوامر استدعاء عسكرية على تجاهلها وعدم الحضور إلى مكاتب التجنيد.

وعلى هذا يبدو أن بوتين الذي فاز بولاية رئاسية جديدة لمدة 6 سنوات قادمة، يدرك صعوبة عمليات التجنيد الجديدة على مستوى البلاد التي لا تحظى بالشعبية، بسبب ارتفاع عدد الضحايا والمتاعب في ساحة المعركة، ومع ذلك فهو يحتاج إلى المزيد من القوات إذا كان راغبا في تحويل دفة الحرب لصالحه.