ليبيا والسودان وغزة.. 3 أزمات تشكل حلقة نارية حول مصر وتضغط عليها أمنيا

منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في ظل تشابك الأزمات الإقليمية بالشرق الأوسط وإفريقيا، تجد مصر نفسها محاطة بما يشبه "حلقة نارية" تمتد من السودان جنوبا إلى ليبيا غربا، وصولا إلى غزة شرقا، مما طرح تساؤلات عن إمكانية عودة الإخوان المسلمين.

هذه الجغرافيا المشتعلة تضع القاهرة أمام تحديات أمنية وإستراتيجية غير مسبوقة، في وقت تواجه فيه ضغوطا داخلية مرتبطة بأزمة اقتصادية خانقة وتراجع دورها كوسيط تقليدي في الملف الفلسطيني.

مشهد معقد

وفي هذا السياق، يقول المعهد الإيطالي لتحليل العلاقات الدولية: إن "مصر مدفوعة بإرثها التاريخي كقوة إقليمية، تسعى جاهدة لاتباع سياسة نشطة، وإن بقيت محدودة الأدوات، للتعامل مع النزاعات المحيطة بها". 

ويوضّح أبعاد هذه السياسة في الملفين السوداني والليبي، مشيرا إلى تعقد الوضع؛ بسبب تعدد اللاعبين، مثل روسيا والإمارات وتركيا، مما يمثل تحديا كبيرا للقاهرة.

ويلفت المعهد إلى أن خطر التقاء مصالح اللواء الليبي الانقلابي المتقاعد خليفة حفتر ومليشيات الدعم السريع المتحاربة مع الجيش في السودان، يضاعف المخاطر على الأمن المصري. 

ولفت إلى أنه "في المرحلة التاريخية الحالية والمعقدة، هناك العديد من الصراعات الدائرة بين إفريقيا والشرق الأوسط". 

وأشار إلى أن "ثلاثة من هذه الصراعات -السودان وليبيا وغزة- تشترك في قاسم جغرافي واحد: جميعها تحدّ مصر". 

وأوضح المعهد أن "اثنين من هذه البلدان الثلاثة يعيشان أيضا حالة حرب بالوكالة، ما يجعل من الصعب تحديد اصطفافات دقيقة أو آفاق عسكرية بحتة". 

ومع ذلك، أكد أن "الحكومة المصرية، مدفوعة بإرثها التاريخي كقوة إقليمية، ولكن أيضا بضعفها الداخلي الحالي، تحاول أن تحافظ على نهج نشط، وإن كان غير مباشر، في جميع هذه النزاعات". 

وأشار إلى أنه "بينما يبدو الصوت المصري في القضية الفلسطينية خافتا بشكل متزايد، فلا يزال بإمكانه أن يكون له تأثير أكبر على الأراضي الإفريقية".

ففي أوائل يوليو/ تموز 2025 وصل إلى مصر بفارق ساعات قليلة كل من القائد الانقلابي الليبي خليفة حفتر، وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان.

ورأى المعهد الإيطالي أن "التوقيت لا يمكن أن يكون صدفة، خاصة في ضوء التطورات الأخيرة داخل البلدين".

الحالة السودانية

وفيما يخص الحالة السودانية، أوضح أن "مصر تابعت باستمرار الصراع الأهلي العنيف الذي بدأ في عام 2023". وأضاف أن "الحكومة المصرية دعمت إطاحة الجيش بعمر البشير (رئيس النظام السوداني السابق) عام 2019".

وعند اندلاع الحرب بين الجيش ومليشيا الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" في أبريل/نيسان 2023، سارعت القاهرة إلى الاصطفاف إلى جانب القوات المسلحة النظامية.

وعزا المعهد هذا الخيار إلى "رغبة مصر في منع تركيا من كسب نفوذ على البحر الأحمر؛ حيث كانت أنقرة تطمح للسيطرة على الساحل السوداني بما يمنحها منفذا إلى أحد أهم طرق الملاحة البحرية في العالم وعلى مقربة من مكة المكرمة". 

وأشار إلى أن "سقوط البشير حال دون تحقيق هذا الطموح التركي، لكنّه لم يمنع أنقرة من محاولة لعب دور الوساطة في النزاع".

ولفت إلى أن "عام 2025 شهد تطورين عسكريين بارزين: الأول في مارس/ آذار 2025، حين فاز الجيش النظامي في معركة طويلة على العاصمة الخرطوم، ما سمح له بطرد قوات الدعم السريع من وسط البلاد وإجبارها على الانسحاب إلى معاقلها في دارفور غربا".

أما التطور الثاني فجاء كنتيجة للأول؛ إذ تمكنت قوات دقلو، في يونيو/ حزيران 2025، من السيطرة على منطقة شمالية تعرف بالمثلث، كونها تحد مصر وليبيا (منطقة الكفرة).

وحسب بعض التقارير، اخترقت قوات الدعم السريع الأراضي المصرية لبضعة كيلومترات، أثناء مطاردة الجنود النظاميين الفارّين.

وأوضح المعهد أن “رد فعل الحكومة السودانية المتوقع لم يتأخر؛ حيث سعى نظام الخرطوم لتبرير هزيمته باتهام قوات حفتر بدعم المتمردين، وهنا، تتقاطع الأزمة السودانية مع نظيرتها الليبية”.

الأزمة الليبية

وأشار إلى أن "الحرب الأهلية الليبية تعيش حالة جمود هشّ منذ عام 2020، بعد فشل محاولة حفتر للسيطرة على طرابلس". 

وأوضح أن "مصر تدعم حكومة الشرق في طبرق منذ عام 2013 بصفتها السد الوحيد أمام تقدم المليشيات الإسلامية التي تشكل جزءا من أجهزة الأمن التابعة لحكومة الوحدة الوطنية في الغرب، المدعومة من تركيا". وفق تعبيره.

وأضاف أنه "مقابل توفير الحماية، وقعت أنقرة اتفاقا مثيرا للجدل مع حكومة الوفاق (السابقة) بشأن توسيع مناطقها الاقتصادية الخالصة البحرية، وهو ما يهدد بقطع المنطقة الاقتصادية المصرية وعزلها عن شركائها شمالا مثل اليونان".

وقال المعهد: إن "الأزمات الدولية الكبرى المحيطة بمصر دفعتها إلى إعطاء الأولوية لملفات أخرى؛ مثل إسرائيل وغزة والبحر الأحمر والسودان وإثيوبيا، وهو ما حد من دعمها لطبرق وترك المجال لدخول لاعبين آخرين مثل روسيا والإمارات". 

فبينما تتقاطع مصالح القاهرة وموسكو جزئيا في ليبيا والسودان -حيث يدعم الكرملين الحكومة المركزية السودانية- فإن المصالح المصرية تتصادم مع أبوظبي التي تدعم قوات الدعم السريع.

ويعتقد المعهد الإيطالي أن “السبب وراء هذا الموقف يعود إلى استثمارات الإمارات الضخمة في القطاع الزراعي السوداني (نحو 50 ألف هكتار)”.

وذلك "ضمن مساعيها لتأمين الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على النفط، فضلا عن اهتمامها بالمعادن والذهب في دارفور تحت سيطرة الدعم السريع". 

وأشار إلى أن "هذه القوات، عبر تجارة غير مشروعة واسعة، تتمكن من تمويل تدفق كبير للأسلحة مصدره الأراضي الليبية الخاضعة لسيطرة طبرق".

وذكر أن "تشاد تلعب دورا محوريا بهذا المسار؛ إذ تتعاون مع الإمارات وقوات الدعم السريع مقابل ضمان استقرار حدودها لمواجهة أزمة هجرة محتملة". 

وأفاد بأن "الجيش السوداني اعتقل مطلع العام 2025 مرتزقة كولومبيين يعملون لحساب الإمارات وصلوا إلى دارفور عبر هذا الطريق". 

واتهمت حكومة الخرطوم الإمارات مرارا بالوقوف وراء النزاع حتى قطعت العلاقات الدبلوماسية معها.

حسابات مصرية

وأشار المعهد الإيطالي إلى أن "معظم الأنظمة التي حكمت مصر لطالما عدت السودان عمقا إستراتيجيا في الوقت الذي تركّز فيه على التهديدات من الشمال والشرق".

لكن التهديدات تأتي اليوم أيضا من الجنوب والغرب إلى جانب المأساة في غزة. وأوضح المعهد أن الخطر الأكبر حاليًا هو احتمال تلاقي قوات حفتر مع مليشيات الدعم السريع.

ويرى أن "اشتباكات مايو/أيار 2025 أعادت الانتباه إلى هشاشة الحكومة الليبية، وشجّعت تركيا على استكشاف فرص تقارب مع طبرق".

ووعد حفتر بالاعتراف باتفاقية المناطق الاقتصادية الخالصة إذا اتخذت تركيا نفس الخطوة تجاه الحكومة المدعومة منه في الشرق.

وذكر المعهد أن "هذا السيناريو غير مقبول بالنسبة للقاهرة، التي خسرت بالفعل دورها كوسيط بين (حركة المقاومة الإسلامية) حماس وإسرائيل وتخاطر بأن تصبح مهمشة في ملفات أخرى أيضا".

وأوضح أنه "رغم التقارب الأخير مع أنقرة في الملف الصومالي، تبقى المنافسة بين الطرفين قائمة ومتجذرة". 

ورغم السمعة التاريخية للجيش المصري كأكبر وأقوى جيش عربي، يستبعد المعهد الإيطالي إمكانية تدخله عسكريا وبشكل مباشر في السودان، بسبب ما وصفه بـ "هشاشة الاقتصاد المصري".

لكن زيارة حفتر والبرهان أظهرت سعي القاهرة إلى مبادرة دبلوماسية لتقريب الخرطوم من طبرق بهدف منع توحد الصراعات وتحولها إلى تهديد مباشر للأمن المصري.

وبالتالي رأى أن "الوجود المتزامن لحفتر والبرهان في مدينة العلمين المصرية جاء كمحاولة للتهدئة". ونقل عن المتحدث باسم الخارجية المصرية، محمد الشناوي، تأكيده الموقف الثابت بدعم وحدة الأراضي السودانية. 

وأضاف أنه "من غير الواضح ما إذا كانت مناقشات عملية حول استعادة المثلث قد جرت، لكن وبما أن (رئيس النظام المصري عبد الفتاح) السيسي عسكري في الأصل، فمن المرجح أن الأمر طُرح". وتوقع المعهد أن تشهد المرحلة المقبلة تنسيقا أكبر بين الأجهزة الأمنية المصرية والسودانية.

وأشار إلى أن "لقاء البرهان مع القاهرة تناول التحدي المشترك المزمن، وهو سد النهضة الإثيوبي الكبير الذي اكتمل بناؤه في يوليو/ تموز 2025، ويفترض افتتاحه في سبتمبر/ أيلول 2025". 

ويمثل السد خطرا إستراتيجيا كبيرا على مصر والسودان فيما يخص موارد المياه، وبالتالي فإنّ القاهرة تحتاج إلى سودان موحد يكون حليفا في مواجهة أديس أبابا. حسب المعهد.

ضغط شديد

وخلص إلى أن "القاهرة تتطلع إلى تعزيز التعاون الأمني مع قوات حفتر، خصوصا في ضبط التسلل غير الشرعي عبر الحدود، وربما لعب دورا جديدا في التوازن السياسي بين طرابلس وطبرق". 

وأردف: "كما قد تحاول مصر لعب دور الوسيط بين ليبيا واليونان بشأن النزاع البحري، متجاوزة تركيا التي لا تعد طرفا محايدا في نظر أثينا".

وأضاف أن "الحكومة المصرية اشتكت أخيرا للولايات المتحدة من التساهل المفرط مع المشاريع التركية في المتوسط". 

لكنه أشار إلى أن "واشنطن ترى أنقرة، رغم طموحاتها، لاعبا لا غنى عنه في مرحلة الانسحاب الإقليمي". 

ويرى المعهد الإيطالي أن "القاهرة ستضطر في النهاية لإثبات قدرتها على إدارة الأزمات المحيطة بها". 

ولفت إلى أنّ "إدراج القاهرة في آلية الرباعية -مع الرياض وأبوظبي وواشنطن- بشأن الأزمة السودانية يعد أمرا مشجعا، لكن وجود الإمارات في نفس الآلية يعقد الأمور".

وأكد أن "مصر أمام تحد دائم لمتابعة الملفات الأمنية والدبلوماسية التي تحيط بها، وهو ما سيضع مواردها وسمعتها تحت ضغط شديد". 

وقدّر أن "حسن إدارة هذه الأزمات قد يعيد الزخم لحكومة تواجه سخطا شعبيا بسبب الأزمة الاقتصادية العميقة وتراجع دورها في القضية الفلسطينية". 

لكنه في المقابل، يحذر من أن "فشل النظام العسكري قد يتيح عودة محتملة لجماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة، وهو ما سيشكل انقلابا إستراتيجيا على المنطقة، وقد يزجّ بمصر في قلب حلقة النار".