"فساد سياسي"..  لماذا فشلت حكومة لبنان في تأمين الوقود لمحطات الكهرباء؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

لجأت الحكومة اللبنانية إلى ساعات تقنين إضافية على الكهرباء في البلاد، نتيجة الشح في مخزون الفيول المتبقي لديها، والذي ينذر بـ"عتمة شاملة" حال العجز في تأمينه من جديد.

وتأخر وصول الباخرة التي تحمل الفيول من العراق التي كان من المنتظر وصولها إلى لبنان بداية ديسمبر/ كانون الأول 2023. 

وأرجع وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية وليد فياض تأخر وصول الفيول، إلى تأخر هيئة الشراء العام الحكومية في الإجراءات "غير المبررة"، وفق قوله.

وأضاف فياض خلال حديث تلفزيوني في 22 ديسمبر 2023 أن "نقل الفيول من العراق كان يتطلب موافقة من مصرف لبنان المركزي الذي تأخر برفع خطاب الاعتماد إلى 700 مليون دولار". 

تحذيرات من العتمة

وطمأن فياض اللبنانيين، بأن شحنة الفيول ستصل البلاد في 27 أو 28 ديسمبر 2023.

وراح يقول: "أنا لا أزايد سياسيا، ومن استفاد من التأخير في شحنة الفيول هم أصحاب المولدات الخاصة".

ودخل لبنان في أزمة اقتصادية شديدة منذ عام 2019، صنّفها البنك الدولي واحدة من بين أشد 3 أزمات عرفها العالم. 

وأدت الأزمة إلى انهيار مالي غير مسبوق وشح في الوقود والطاقة جراء عدم توفر النقد الأجنبي المخصص لاستيراد الفيول.

وتوجد في لبنان 7 معامل للطاقة أصبحت جميعها خارج الخدمة، باستثناء معملي دير عمار والزهراني اللذين يشتغلان بشكل متقطع، نتيجة نقص الفيول الذي تواجه ميزانية حكومة لبنان صعوبة في شرائه.

ونقل موقع "النشرة" اللبناني عن مصدر قوله إن "مخزون معمل الزهراني من الفيول أويل يكفي حتى نهاية ديسمبر 2023، وربما أقل بيومين أو ثلاثة، وعندما ينتهي المخزون، سيتم استخدام معمل دير عمار لمدة أسبوع تقريبا قبل نفاد مخزونه أيضا، ما يعني أن هناك احتمالا أن يبدأ اللبنانيون عامهم الجديد بالظلام الكامل".

وفي حال وصلت شحنة الفيول العراقي في الموعد المحدد، فإن اللبنانيين سيحصلون على خمس ساعات يوميا من الكهرباء.

فبعد أن كانت الطاقة تزور المنازل لساعتين كل 6 ساعات، على أن يكون المجموع في النهار الواحد 6 ساعات، انخفض العدد حتى النصف في بعض الأماكن، وبدل الساعتين، ساعة ونصف، ويبدو أن الوقت مرشح للانخفاض مجددا.

كما أدى رفع مصرف لبنان أخيرا سعر دولار الصيرفة إلى 89500 ليرة، ملامسا سعر الصرف في السوق السوداء، لارتفاع فواتير الكهرباء المحتسبة وفق هذا الدولار، بالإضافة إلى 20 بالمئة التي تضاف على السعر، ولكن بالمقابل يقل عدد ساعات التغذية للمنازل.

ويعد أول أسباب عدم الاستقرار في ملف كهرباء لبنان والمحافظة على منسوب كاف من الفيول لتجنب العتمة، هو استمرار الخلافات بين وزارة الطاقة والمياه، ورئاسة الحكومة، وهيئة الشراء العام.

إذ تتأخر عملية تأمين الاعتمادات المالية أو إعداد صفقات شراء الفيول بالشكل القانوني.

ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 تحاول وزارة الطاقة تأمين الاعتمادات لشراء بواخر فيول أويل، ولكن بعد جدال طويل تم إلغاء العقد الأول، بعد إبلاغ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لوزير الطاقة بأن لا قدرة مالية على دفع ثمن الشحنة، وذلك يُبقي الخيار الوحيد المتاح أمام اللبنانيين هو الفيول العراقي والمقدر بحوالي مليون طن.

وخلال عام 2023 كان المصدر الوحيد لفيول معامل الكهرباء في لبنان هو الفيول العراقي.

وفي يوليو/ تموز 2021، وافق العراق على تزويد لبنان مليون طن من الفيول لتشغيل محطات توليد الكهرباء بصفقة بلغت حجمها 300 إلى 400 مليون دولار، مقابل سلع وخدمات طبية.

صراع العجز

ولا تغطي إيرادات مؤسسة كهرباء لبنان سوى 4 بالمئة من تكاليف تشغيلها البالغة 800 مليون دولار، وفق مسودة لإصلاح قطاع الكهرباء طرح على الحكومة في فبراير/ شباط 2022.

وينتج لبنان 1800 ميغاوات فقط من الطاقة، بينما يتجاوز الطلب في الذروة 3000 ميغاوات.

وبحسب مراقبين، فإن مصرف لبنان يتحفظ على منح مؤسسة كهرباء لبنان ما يحتاج من القطع الأجنبي الموجودة لديه لشراء الفيول، كون الدولارات في المصرف تعد احتياطيا إلزاميا أو توظيفات إلزامية، وهي بالأصل ما تبقى من أموال المودعين حيث يفرض البنك المركزي قيودا صارمة على عمليات السحب بالدولار أو العملة المحلية.

ولهذا عند نفاد كل شحنة فيول يدخل لبنان في مناخ العودة إلى العتمة الشاملة بسبب إصرار مصرف لبنان على عدم تحويل حساب مؤسسة كهرباء لبنان من الليرة إلى الدولار نظرا إلى الضغط الذي قد يشكله هذا التدبير على سوق الصرف، أو لاعتراض على مناقصة تُفتح لاستقدام شحنات النفط العراقي إلى لبنان.

ويرجع مسؤولون لبنانيون نقص تأمين شراء الفيول بسبب إفشال مناقصات بعض الشركات المختصة باستيراده لصالح  مؤسسة كهرباء لبنان، نتيجة المناكفات السياسية.

ويعد أصحاب المولدات الخاصة التي تبيع اللبنانيين الكهرباء المستفيد الأكبر من انقطاع الكهرباء النظامية.

وضمن هذا السياق، يقول مراقبون إن هناك نحو 3000 مولد كهربائي على مستوى لبنان يستفيد من عائداتها ما لا يقل عن 20 ألف شخص يعملون في هذا المجال ومحسوبون على أحزاب وقيادات سياسية.

ولهذا فقد رد رئيس هيئة الشراء العام اللبنانية جان العلية على وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، الذي اتهمه بتأخير إجراءات الشراء للفيول، معتبرا أن "النهج الذي يتذرع دائما بالضرورات والطوارئ لتخطي القوانين هو نهج فاشل".

وقال العلية في بيان صادر عنه في 23 ديسمبر 2023: "كنت آليت على نفسي ألا أدخل في أي سجال مع فياض، تاركا له الساحة الإعلامية ليظهر للرأي العام إنجازاته بتأمين الكهرباء في زمن العتمة".

واتهم العلية وزير الطاقة بتعمد "التأخر في الإعلان عن المناقصات في الوقت المناسب وضمن المهلة الكافية للعارضين لتحضير مستنداتهم، ما يؤدي عمليا إلى احتكار السوق من قبل عدد محدد من الشركات".

ولذا ينظر إلى ملف الكهرباء في لبنان على أنه مصدر من مصادر النفوذ والدخل المالي لأحزاب معينة تستثمر في المولدات الكهربائية وتبيع الكهرباء للمواطنين في مناطق نفوذها.

ويعد قطاع الكهرباء من القطاعات المتداعية في لبنان منذ عقود اعتاد خلالها اللبنانيون على دفع فاتورتين مقابل الحصول على التيار الكهربائي، واحدة للدولة وأخرى لأصحاب المولدات التي تعوض نقص إمدادات الدولة. 

ويستنزف قطاع الكهرباء في لبنان خزينة الدولة، فوفقا للبنك الدولي فإن ما يقرب من نصف الدين العام أي حوالي 40 مليار دولار يعود إلى هذا القطاع.

وقد خلص التدقيق الجنائي في حسابات البنك المركزي اللبناني، في أغسطس/ آب 2023، إلى أن نحو 24 مليار دولار، تم استهلاكها في تلبية احتياجات مالية لمؤسسة الكهرباء ووزارة الطاقة منذ عام 2010 إلى 2017.

ورغم تلك المبالغ الضخمة التي تنفق على شركة الكهرباء فإن الشعب اللبناني يعاني من انقطاع التيار لفترات طويلة.

لكن الانهيار الاقتصادي الذي بدأ منذ عام 2019 فاقم المشكلة بشكل مهول، ولم تعد مؤسسة كهرباء لبنان الرسمية قادرة على تأمين الكهرباء، فيما السلطات عاجزة عن استيراد الفيول الكافي لتشغيل معامل الإنتاج.

كما فشلت مؤسسة كهرباء لبنان، في وعودها بتحقيق الاستدامة المالية في عام 2023 لضمان بواخر الفيول.

إصلاح شامل

ومع ارتفاع أسعار المحروقات جراء رفع الدعم الحكومي تدريجيا عنها منذ عام 2021، لم يعد بوسع اللبنانيين دفع فواتير المولدات التي لجأ أصحابها بدورهم إلى التقنين.

وتوالت الزيادات في الفواتير التي تضمنت ضرائب ورسوما غير محقة وزيادات فرضها مصرف لبنان على مؤسسة الكهرباء لتأمين تبديل إيراداتها بالليرة بالدولار، فحملت الوزارة تلك الرسوم للمشتركين.

وفي ظل عدم تناسب كلفة الكهرباء مع عدد ساعات التغذية تصبح الفاتورة أعلى من فاتورة المولدات الخاصة التي تؤمن التغذية بمعدل يتراوح بين 20 و24 ساعة.

ولذلك يشير استمرار قطع الكهرباء إلى حجم الأزمة المالية التي يمر بها لبنان مع غياب الحلول الناجعة لمواجهتها، خاصة أن مؤسسة كهرباء لبنان يفترض بها أن تغطي نفقاتها التشغيلية. 

ولهذا يعد قطاع الكهرباء في مقدمة القطاعات الاقتصادية الواجبة الإصلاح في لبنان، حيث يقع عليه عبء المسؤولية الجزئية عن الانهيار المالي في البلاد.

وتكفلت  الدولة بدفع ملياري دولار سنويا خلال العقد الثاني من القرن الـ21 لاستيراد مادة الفيول واستئجار بواخر تولد الطاقة الكهربائية، وقامت الخزانة اللبنانية بدعم قطاع الطاقة بسبب الخسائر الكبيرة التي تتكبدها مؤسسة كهرباء لبنان. 

وأمام الهدر والفساد المالي في قطاع كهرباء لبنان، لجأت قوى سياسية لبنانية في أغسطس 2023 إلى تقديم سلسلة اقتراحات قوانين حول أهمية تطبيق اللامركزية في الكهرباء، بوصفها المخرج الكفيل بتأمين التيار على مدار الساعة للمواطنين بتكلفة مقبولة وإنهاء حالة العجز في تأمين الفيول بسبب عجز الحكومة المالي.

والمقصود بـ"لا مركزية الكهرباء"، هو تأمين كل منطقة للتيار الكهربائي لسكان المنطقة، وجباية الفواتير وتوزيع الكهرباء، وترتبط كل منطقة مع مؤسسة كهرباء لبنان بعقود تشغيل وصيانة لفترة زمنية، أما الإنتاج فيكون من محطات المؤسسة الرسمية أو محطات أخرى في المناطق يجري التعاون فيها مع القطاع الخاص.

وأمام ذلك، باتت راهنا الطاقة الشمسية ليس مجرد بديل متاح، بل ضرورة أساسية لتجاوز العتمة في لبنان، حيث أصبحت أسطح الأبنية السكنية والشرفات مكتظة بالألواح والبطاريات.

وكثيرا ما عملت مجموعة من المتطوعين على جمع عشرات آلاف الدولارات من مغتربين لإقامة مشروع إنتاج كهربائي عبر الألواح الشمسية لتأمين تغذية بالتيار  في بعض البلدات.

وينتظر لبنان تنفيذ مشروع جلب الكهرباء من الأردن والغاز من مصر عبر سوريا، ووقعت الاتفاقيات عام 2022، حيث وافق البنك الدولي على منح لبنان قرضين بمعدل 600 مليون دولار للمشروعين.

لكن ذلك لم يتم تنفيذه بعد والذي يسهم في حال تنفيذه بتوفير نحو 6 ساعات إضافية من الكهرباء، لكون واشنطن لم تمنح الأردن ومصر إعفاء رسميا خطيا من عقوبات قانون "قيصر" الأميركي الذي يحظر التعامل مع النظام السوري.