مساحة جديدة.. هل تنجح روسيا في إنهاء انقسام الفصائل الفلسطينية؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

فتح العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مزيدا من الأبواب أمام القوى والفصائل الفلسطينية للجلوس مجددا معا لتحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام الحاصل.

وباتت مواقف القوى والفصائل الفلسطينية في هذه المرحلة أكثر ليونة من أي وقت مضى، لتقريب وجهات النظر وتركيز الجهود على الوحدة لمواجهة مشاريع الاحتلال الإسرائيلي.

وأوضح رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إسماعيل هنية، مطلع فبراير/ شباط 2024، انفتاح الحركة على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية لإدارة قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.

وأكد هنية في كلمة مسجلة أن الحركة "تلقت العديد من المبادرات تتعلق بالوضع الفلسطيني الداخلي من جهات وشخصيات فلسطينية وعربية حريصة على القضية".

وأضاف: "أكدنا أننا منفتحون على المكونات الوطنية كافة لإعادة بناء المرجعية الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، عبر الخيار الديمقراطي إلى جانب الاتفاق على حكومة وطنية للضفة والقطاع".

روسيا كوسيط

وأمام الحديث عن ضرورة "الإصلاح المنشود" للنظام السياسي الفلسطيني، طرحت روسيا نفسها كوسيط يحتضن مباحثات الفلسطينيين في العاصمة موسكو.

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، إن روسيا دعت جميع الفصائل الفلسطينية للاجتماع بموسكو في 26 فبراير 2024، مضيفا أن سلطة رام الله "مستعدة للتعامل مع حماس".

وفي تصريحات صحفية على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن في 18 فبراير، أفاد اشتية "مستعدون للتعامل، إذا لم تكن حماس مستعدة فهذه قصة مختلفة، نحن بحاجة إلى الوحدة الفلسطينية". 

وردا على سؤال عما إذا كان إشراك حماس في الإطار الأوسع لمنظمة التحرير الفلسطينية سيستعدي شركاء دوليين، قال اشتية إن "حماس جزء من الساحة السياسية الفلسطينية".

وأضاف: "حتى تصبح حماس عضوا في منظمة التحرير الفلسطينية ينبغي أن تكون هناك شروط مسبقة يجب أن تقبلها وهي الإطار السياسي للمنظمة والتفاهم بشأن قضية المقاومة فنحن ندعو لمقاومة شعبية وليس شيئا آخر".

ولفت اشتية إلى أنهم "حاليا في محادثات مع حماس"، مضيفا: "عليهم أن يتوافقوا مع برنامجنا السياسي، اتجاهنا واضح تماما، دولتان على حدود 1967 من خلال السبل السلمية.. يتعين أن يكون الفلسطينيون تحت مظلة واحدة".

ودائما ما رحبت حركة حماس بجهود المصالحة الروسية، وكثيرا ما زار قادة الفصائل الفلسطينية موسكو التي تقيم علاقات جيدة مع حماس.

وفشلت حركة حماس والسلطة الفلسطينية في إنهاء الخلافات على السلطة منذ 2007. 

وتطالب حماس وحركة الجهاد الإسلامي بالانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكنهما يقولان إنه يتعين تصحيح مسارها، إذ يرفض الفصيلان الاعتراف بإسرائيل أو التزامات منظمة التحرير الفلسطينية تجاه ما يسمى "اتفاقيات السلام" المبرمة.

وكثيرا ما كرر هنية أن "ترتيبات في القضية الفلسطينية دون حماس وفصائل المقاومة، عبارة عن وهم وسراب".

ولهذا سبق أن قالت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي: "نحتاج إلى سلطة فلسطينية جديدة، لأنه في الوقت الحالي تتمتع حماس بشرعية كبيرة لدى الفلسطينيين".

واستطردت: "نحتاج لأن نمنحهم جيلا جديدا من القادة الفلسطينيين الشباب سيكونون في نفس المكان لإقامة هذه الدولة".

فيما أكد مسؤولو حركات "فتح" و"حماس" و"الجهاد" عزمهم المشاركة في الاجتماع بعد تلقي دعوات رسمية من وزارة الخارجية الروسية.

وقال رئيس وفد حركة فتح إلى اللقاء في موسكو، عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية للحركة، إن جميع الفصائل ردت بالإيجاب على الدعوة الروسية، مشيرا إلى أن اللقاء سيستمر لمدة يومين.

وأضاف الأحمد في تصريحات صحفية أن وفد "فتح" سيعرض في اللقاء استئناف الحوار الوطني الفلسطيني من النقطة التي توقف فيها خلال الاجتماع الذي عقد بمدينة العلمين في مصر في 30 يوليو/ تموز 2023.

وكانت 3 فصائل أعلنت أنها لن تشارك في اجتماع "العلمين" (وهي حركة الجهاد الإسلامي وطلائع حرب التحرير الشعبية (الصاعقة) والجبهة الشعبية القيادة العامة).

وأرجعت الفصائل الثلاثة -في تصريحات منفصلة- مقاطعتها الاجتماع إلى ما تصفه بـ"الاعتقالات السياسية" من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

ولم يخرج حينها اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الذي انعقد في مدينة العلمين بقرارات متعلقة بتفعيل الوحدة وإنهاء الانقسام.

موازنة دولية

وسيكون هذا الاجتماع الرابع في موسكو حيث تسعى روسيا جاهدة في السنوات الأخيرة للحفاظ على علاقات طيبة مع جميع أطراف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

كما أن الجانب الروسي يعد مقبولا بالنسبة للفصائل الفلسطينية بعكس الولايات المتحدة.

وتعارض روسيا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وقد قال وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، إن "الغرب لا يبدي أي استعداد لبذل الجهود اللازمة لقيام دولة فلسطينية، ويحاول إغراق هذه القضية في مبادرات مشبوهة لعقد مؤتمر تلو الآخر على أساس مبادئ تبتعد عن المبادئ المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن".

وفي تصريحات صحفية في 12 ديسمبر 2023، قال لافروف: "على المدى الطويل ومن أجل استبعاد احتمال تكرار مثل هذه الأزمات، من الضروري حل قضية الدولة الفلسطينية بشكل نهائي".

فيما أكد نائب المندوب الروسي لدى مجلس الأمن الدولي، دميتري بوليانسكي، أن موسكو "ترفض أي مخططات لتهجير سكان قطاع غزة إلى جنوبها"، عادا هذا بمثابة "نكبة جديدة للشعب الفلسطيني".

وقال بوليانسكي متحدثا باللغة العربية في جلسة مجلس الأمن لبحث الوضع بغزة في 8 ديسمبر 2023: "كانت روسيا ولا تزال تقف إلى جانب الطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والتي قد تتعايش بالسلام والأمن معه جارتها إسرائيل".

وأكد أن "روسيا مستعدة لمضاعفة جهودها بغرض تحقيق هذا الهدف المنشود، اعتمادا على المرجعية الدولية المعروفة بما فيها قرارات مجلس الأمن ذات الصلة والمبادرة العربية للسلام عام 2003، وذلك بالتنسيق مع شركائنا الفاعلين".

وضمن هذا السياق، يرى المحلل السياسي الفلسطيني، إبراهيم المدهون، أنه "حتى اللحظة روسيا تحاول مزاحمة الولايات المتحدة في بعض القضايا وأهمها القضية المركزية للشرق الأوسط وهي القضية الفلسطينية".

وأضاف المدهون لـ"الاستقلال" أن "هناك ترحيبا فلسطينيا بالدور الروسي لأجل موازنة المعادلة الدولية الظالمة التي تتبناها واشنطن والمنحازة بشكل كامل مع الاحتلال الإسرائيلي، ولهذا هناك استجابات فلسطينية وتقدير لأي دور روسي يستطيع حجز مساحة جديدة في القضية الفلسطينية على حساب الولايات المتحدة". 

ونوه إلى أن "روسيا لديها اهتمام بنفوذ في منطقة الشرق الأوسط ومن هنا تحاول التواصل مع الأطراف الفلسطينية".

وأوضح المدهون أن "روسيا غير قادرة بعد على فرض معادلات جديدة غير المعادلات التي صاغتها الولايات المتحدة كحل الدولتين والضغط على فصائل المقاومة، ومع ذلك هناك تباين بين موقفهما من القضية الفلسطينية، إذ إن موسكو معنية بالمصالحة بعكس واشنطن غير معنية بمصالحة فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي". 

واستطرد: "من هنا تأتي الدعوة الروسية من أجل العمل على إدارة عمل المصالحة في ظل رفض الولايات المتحدة لأي وجود لحركة حماس".

وتابع قائلا: "اليوم الشعب الفلسطيني يعتقد أي تدخل روسي في القضية الفلسطينية فرصة، ولهذا فإن هناك ترحيبا حتى من قبل السلطة الفلسطينية بهذا الدور".

وذهب المدهون للقول إن "نجاح الدور الروسي من عدمه هو مرتبط بعوامل عدة منها الدور الأميركي الذي سيعرقل أي جهد روسي في ملف المصالحة، إضافة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يرفض المصالحة وسيضع لها العراقيل".

واستدرك: "كان من الأولى تعزيز الدور الروسي في منع استمرار العدوان الإسرائيلي على أهالي قطاع غزة رغم وجود محاولات لموسكو داخل أروقة الأمم المتحدة والتي لم يكتب لها النجاح".

وختم بالقول: "لذلك فإن هذه الخطوة الروسية بدعوة فصائل فلسطينية إلى الاجتماع في موسكو تأتي في ظل ترتيب ما بعد العدوان على قطاع غزة".

"لا ورقة جديدة"

ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤولين أميركيين وعرب قولهم إن "إدارة الرئيس جو بايدن وبعض شركائها في الشرق الأوسط يعملون على وضع خطة شاملة لإحلال سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بيد أن وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو جددوا رفضهم قيام دولة فلسطينية".

وقالت الصحيفة منتصف فبراير 2024 إن "خطة السلام تشمل جدولا زمنيا لإقامة دولة فلسطينية يمكن الإعلان عنه في أقرب الآجال".

وبحسب المبعوث الرئاسي الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، فإن بلاده دعت ممثلين عن جميع القوى السياسية الفلسطينية، بما في ذلك تلك الموجودة في سوريا ولبنان ودول أخرى في الشرق الأوسط. 

وأكد أنه تمت دعوة ممثلين عن حوالي 14 منظمة، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، وهذه الأخير رفضت حضور اجتماعات سابقة.

وقال بوغدانوف إن "هدف موسكو هو مساعدة القوى الفلسطينية المختلفة على الاتفاق على توحيد صفوفها سياسيا، ونحن ننطلق من حقيقة أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت وستظل الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وقد قبلها المجتمع الدولي ومن قبلنا".

ورغم أن القوى الغربية على خلاف مع روسيا حول العديد من القضايا، إلا أن العديد من المسؤولين الغربيين "لا يعتقدون أن موسكو تلعب دورا تخريبيا" في غزة.

بالمقابل، فقد أكدت فرنسا استعدادها للتحرك نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكنها ترغب في القيام بذلك في الوقت المناسب بالاشتراك مع مجموعة من الدول الأوروبية الأخرى، وليس كبادرة أحادية الجانب، في إشارة للدور الروسي الذي تنتظر إليه الأطراف الفلسطينية بـ"إيجابية".

وضمن هذا الإطار، قال رئيس وفد حركة فتح إلى اللقاء في موسكو، عزام الأحمد: "ليس لدينا ورقة جديدة لإنهاء حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية، وإنما هي تكرار لموافقات سابقة".

وأضاف الأحمد في تصريحات صحفية أن "أهم النقاط التي ستطرح تجديد الالتزام الكامل بمنظمة التحرير الفلسطينية والالتزام بالنظام الواحد والقانون الواحد والسلاح الشرعي الواحد والالتزام بقرارات الشرعية الدولة التي أكدت على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية".

ومضى يقول إنه "في اجتماع موسكو عام 2017 تراجعت حماس عن النقاط الأساسية ثم عادت ووافقت عليها في اجتماع العلمين عام 2023".

وأشار الأحمد إلى "العمل على حكومة تكنوقراط في ضوء الحرب على غزة، وتتولى مهامها في كافة الأراضي الفلسطينية".

وترفض حماس "المفهوم الغربي الأميركي الإسرائيلي للإصلاح الفلسطيني والمتمثل بصياغة سلطة فلسطينية جديدة على أسس وقواعد أكثر التصاقا بالمنهج الغربي وهو ما يقال عنه أحيانا بالسلطة المتجددة وإنما المسار المطلوب من الحركة هو الوحدة الوطنية"، وفق  مستشار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، طاهر النونو، خلال تصريحات صحفية.

وفي أكثر من مناسبة، رفضت فصائل فلسطينية من بينها "حماس" كل الحلول والسيناريوهات لما يسمى "مستقبل غزة"، داعية إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

وفي الفترة الأخيرة، تطرق نتنياهو لمسألة "اليوم التالي من الحرب على غزة"، معبرا عن رفضه لعودة السلطة الفلسطينية للسيطرة على القطاع، مدعيا أن "إسرائيل ستتولى الملف الأمني في القطاع"، رغم دعم واشنطن حكم السلطة الفلسطينية هناك.