الأحزاب الشعبوية وعودة ترامب.. لماذا تعيش ألمانيا حالة من الفوضى؟

منذ ٨ أيام

12

طباعة

مشاركة

يحاول المستشار الألماني أولاف شولتس النأي ببرلين عن الشعبوية النامية في أوروبا خلال الفترة الأخيرة، وعرقلة تقدم الأحزاب الهامشية وتأثيرها.

ويأتي ذلك في خضم حالة فوضى تعيشها الساحة السياسية الألمانية، بلغت ذروتها أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 عندما أقال شولتس، وزير ماليته كريستيان ليندنر.

وتطرقت صحيفة الكونفدنسيال الإسبانية إلى تفاصيل الأزمة التي دفعت زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي، لإقالة الوزير بشكل مفاجئ بعد خلافات حول خطط الإصلاح الاقتصادي، ما دفع ألمانيا للذهاب نحو انتخابات مبكرة مطلع 2025. 

ازدهار الشعبوية

وفي ظل هذه الظروف، سيؤدي افتقار "ائتلاف الإشارة الضوئية"، للقيادة إلى خلق أرض خصبة لازدهار الشعبوية الانتخابية. 

وتزعزع "ائتلاف الإشارة الضوئية"، وهو تحالف ثلاثي يتكون من الديمقراطيين الاجتماعيين (الأحمر)، والليبراليين (الأصفر)، ودعاة السلام البيئي (الأخضر)؛ بعد أن كان تحالفا غير مسبوق قبل أربع سنوات مضت.

ويجعل هذا الوضع الاتحاد الأوروبي أمام تحدي تحصين الدول الأعضاء الأكثر سكانا ونفوذا والتي لها دور كبير في اتخاذ القرارات الأوروبية، كي لا تقوّض الأسس التي تأسست عليها الكتلة.

ونوهت الصحيفة إلى أن حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف وتحالف سارة فاجنكنشت (حزب جديد شارك لأول مرة بانتخابات أوروبا)، نجحا في سبتمبر/أيلول 2024 باستغلال المخاوف العامة بشأن الهجرة لتحقيق انتصارات حاسمة في انتخابات الولايات شرق البلاد.

وفي وقت لاحق، ردا على اعتراف لاجئ سوري بطعن وقتل ثلاثة أشخاص في سولينغن (بولاية شمال الراين ويستفاليا غربي ألمانيا) في أغسطس/آب 2024، نفذ شولتس ضوابط مؤقتة على الحدود بهدف تنظيم تدفقات الهجرة غير النظامية إلى البلاد. 

وعلى الرغم من أن حزب البديل من أجل ألمانيا وتحالف سارة فاجنكنشت لا يشغلان حتى الآن مناصب مهمة في الحكومة، فإن نجاحهما الانتخابي يؤثر بشكل واضح على سياسة الهجرة التي ينتهجها شولتس.

ومع اكتساب الخطابات الشعبوية زخما في البلاد، تتزايد الضغوط على الائتلاف الحاكم لإجباره على التكيف أو المخاطرة بخسارة دعم غالبية السكان.

ونقلت الصحيفة أن قرار شولتس يوضح أن التأثيرات الداخلية والخارجية تعمل على الإخلال بتوازن الوضع الراهن في أروقة السلطة الألمانية. 

ويستغل كل من حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف وتحالف سارة فاجنكنشت منصاتهما المتنامية للترويج لأجندتهما المناهضة للهجرة.

من جهتها، تعمل الانقسامات الداخلية، بعد إقالة ليندنر، على خلق مجال يسمح للأحزاب الشعبوية باستغلال الخوف العام وعدم اليقين لصالحها. 

نتيجة لهذه التغييرات، أصبحت حكومة يسار الوسط الألمانية تتبنى سياسة هجرة تتعارض مع أيديولوجيتها الليبرالية الاجتماعية والمبادئ التأسيسية للاتحاد الأوروبي. 

ومن خلال إعادة فرض الضوابط على الحدود، تخاطر ألمانيا بتقويض "الحدود المفتوحة" لمنطقة شنغن والتسبب في تأثير الدومينو الذي قد يزعزع استقرار الاتحاد الأوروبي بأكمله. 

وبالمثل، توضح قرارات شولتس كيف يمكن للسرديات الشعبوية أن تؤثر بسرعة على سياسة الحكومة، حتى عندما لا تشغل المجموعات الهامشية أدوارا رسمية في الحكومة.

إجراءات الهجرة

وأوضحت الصحيفة أن هذا السيناريو يشكل خطورة بشكل خاص بالنسبة للاتحاد الأوروبي، خاصة إذا استمر هذا الاتجاه بعد الانتخابات المقبلة في ألمانيا؛ حيث تواجه الكتلة حروبا على الحدود وإدارة ثانية لدونالد ترامب. 

في الواقع، يرغم رئيس الولايات المتحدة المنتخب الاتحاد الأوروبي على إعادة تقييم سياساته الداخلية والخارجية بسرعة؛ في وقت يتعين فيه على الكتلة البقاء موحدة حول قيمها الديمقراطية الأساسية. 

ولتحقيق هذه الغاية، فإن القارة الأوروبية تحتاج إلى الدولة العضو الأكثر سكانا والأكثر نفوذا ونجاحا على المستوى الاقتصادي. 

لذلك، سيكون توجه ألمانيا نحو الانعزالية ونمو الحركات الشعبوية في مختلف أنحاء أوروبا أمرا بالغ الخطورة داخل الاتحاد الأوروبي. 

فضلا عن ذلك، يعدّ اقتناع أنصار الشعبويين بأن "حل مشكلة واحدة من شأنه أن يحل كل المشاكل الأخرى" أمرا مثيرا للقلق بشكل خاص، لأن منطقة شنغن، المصممة لتعزيز الوحدة الأوروبية، جزء لا يتجزأ من التكامل عبر الحدود. 

ومن خلال تطوير ضوابط حدودية مقيدة داخل الاتحاد الأوروبي، تتحدى الحكومة الألمانية المبادئ الأساسية لعضوية الكتلة.

ونقلت الصحيفة أن ألمانيا ليست الدولة الوحيدة التي أصبح التزامها بالمبادئ الأوروبية، مثل حرية التنقل والديمقراطية، موضع شك. 

وعلى سبيل المثال، في هولندا، سأل زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف، خيرت فيلدرز، بروكسل أخيرا عما إذا كان بإمكان البلاد "الانسحاب" من قواعد اللجوء في الاتحاد الأوروبي. 

وتجدر الإشارة إلى أن هولندا لديها الآن حكومة ائتلافية، حيث أصبح الحزب الهامشي الذي تحدى الوضع الراهن هو الأكثر أهمية فيها.

 وفي برلين، يستغل حزب البديل من أجل ألمانيا وتحالف سارة فاجنكنشت، المشاعر العامة للضغط على الائتلاف الحاكم، الذي لا ينتميان إليه، لاتخاذ تدابير أمنية داخلية جذرية.

 وتشير إجراءات الهجرة المؤقتة التي اتخذها شولتس، والتي تشمل ضوابط أكثر صرامة على الحدود، وزيادة سعة مراكز الاحتجاز وتواجد الشرطة في الشوارع، إلى أنه يرى الهجرة "تهديدا" خارجيا للأمن، وأيضا، لاستقراره السياسي.

ويمثل هذا تحولا جذريا في سياسة الهجرة المعتمدة خلال أزمة اللاجئين سنة 2015 في عهد المستشارة السابقة، أنجيلا ميركل.

ويعد هذا التغيير أكثر إثارة للدهشة خاصة وأن شولتس كان نائب المستشار في ائتلاف يمين الوسط بزعامة ميركل آنذاك.

 في ذلك الوقت، كانت برلين نموذجا لكيفية التعامل بشكل إنساني مع تأثير الحربين في سوريا وأفغانستان. وفي سنة 2019، كانت ألمانيا من بين الدول الخمس التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين. 

ومع ذلك، يبدو الآن أن الحكومة الألمانية لا تعطي أولوية للمرور الآمن والإنساني أمام الانقسامات الداخلية. 

الانقسام الداخلي

علاوة على ذلك، فإن افتقار التحالف إلى العمل المباشر ضد التأثير السلبي للأحزاب الهامشية يعني أن الانقسام السياسي الداخلي يتطور بسرعة إلى أزمة ثقة في قدرته على الردع. 

وحتى المجموعات السياسية الأكثر وسطية تنجرف نحو المواقف الشعبوية في ظل محاولتها الاحتفاظ بقاعدة ناخبيها في بيئة متزايدة الاستقطاب.

ونوهت الصحيفة إلى أن هذه الديناميكية خطيرة لعدة أسباب. أولا، لأنها تقوض الاستقرار السياسي في ألمانيا، الذي كان لفترة طويلة أحد ركائز الوحدة الأوروبية. 

وما لم تجد الحكومة الاستقرار في إدارتها وأيديولوجيتها، هناك خطر يتمثل في أن يستمر ساستها، في الانجراف نحو حلول قصيرة الأجل لكسب الأصوات، بدلا من معالجة مشاكل بنيوية أعمق.

ونظرا لنفوذ ألمانيا، فإن هذا قد يؤدي بدوره إلى تقويض مبادئ التماسك والإنسانية في الاتحاد الأوروبي، مما يؤثر على مواطنيه حاليا ومستقبلا، وفق الصحيفة.

ثانيا، من الممكن أن ينتشر تأثير نفوذ الأحزاب الهامشية في ألمانيا إلى جيرانها. 

ومع اكتساب الأحزاب الشعبوية أرضية خصبة على نحو متزايد، في دول أخرى بالقارة، مثل فرنسا والتشيك، هناك خطر يتمثل في أن تحذو الحكومات الوطنية حذو شولتس.

إذ تسود مخاوف من أن تعطي بعض الدول الأولوية للمكاسب السياسية قصيرة الأجل على حساب التكامل الأوروبي على المدى الطويل. 

في الحقيقة، يعد هذا الاتجاه مثيرا للقلق بشكل خاص نظرا للحجم المتزايد للتحديات العالمية مثل الحرب في أوكرانيا، وأزمة المناخ، وصعود الاستبداد، والتي تتطلب العمل المنسق والجماعي. 

وإذا استمرت الأحزاب الشعبوية في الهيمنة على المشهد السياسي، فقد ينمو نفوذها خارج أراضيها ويضعف قدرة الاتحاد الأوروبي على العمل كجبهة موحدة، تقول الصحيفة.