الاستحواذ على الإنترنت يشعل صراعا شيعيا في العراق.. هل يطيح بوزيرة الاتصالات؟

14865 | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تقاسم الكعكة

https://media.shafaq.com/media/s4ib4fhw/net.jpg

يدور صراع حاد بين أطراف عدة في الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم في العراق، للاستحواذ على خدمة الإنترنت في البلاد، والذي خرج إلى العلن مؤخرا بعد مساءلة وزيرة الاتصالات، هيام الياسري، تحت قبة البرلمان، ومطالبة عدد من النواب بضرورة إقالتها.

يعاني 85 بالمئة من سكان العراق الذين يتجاوز تعدادهم الـ 43 مليون نسمة، من سوء خدمة الإنترنت، التي طالما وعدت الجهات الرسمية بتحسين جودتها، وخفض سعرها الباهظ أسوة بدول الجوار، ولا سيما أن شركة واحدة تسيطر على هذا القطاع منذ عام 2005.

وطرح الخلاف الدائر بين كتل سياسية منضوية ضمن قوى الإطار التنسيقي، تساؤلات عدة عن الأسباب الحقيقية وراءه، وإلى أي مدى يمكن أن يطيح بوزيرة الاتصالات، التي أكدت أن إجراءاتها وخطواتها في تحسين خدمة الإنترنت يدعمها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.  

اتهامات متبادلة

تعرضت وزيرة الاتصالات هيام الياسري، إلى هجوم غير مسبوق من قوى سياسية في الإطار التنسيقي، وعلى رأسهم رئيسة حركة "إرادة" النائبة بالبرلمان حنان الفتلاوي، وقناة "الرابعة" الفضائية التابعة لها، التي نظمت العديد من البرامج استضافت خلالها شخصيات تحرض على إقالتها.

وقالت الفتلاوي خلال تدوينة نشرتها على منصة "إكس" (تويتر سابقا) في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إن "وزيرة بعقلية اشتراكية تعمل بروح انتقامية اجتثت قرابة ٥٠٠ موظف وساهمت بانهيار ايرادات وزارتها وتراجع تصنيف العراق في الإنترنت بسبب تخبطها".

وطالبت البرلمانية بإقالة الياسري من منصبها، قائلة: "اتمنى على السوداني (رئيس الوزراء العراقي) أن يستعجل بتغييرها لإنقاذ ما تبقى من الوزارة والمصيبة هي تسولف (تتحدث) إنشاء ونواب حزبها يصفقون"، في إشارة إلى جلسة استضافة الوزيرة بالبرلمان في 4 أكتوبر 2023.

وفي سياق التحريض على الوزيرة، استضافت قناة "الرابعة" وزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي، في 19 سبتمبر/ أيلول 2023، الذي قال إن "الياسري كانت تنتمي إلى حزب البعث العراقي قبل عام 2003".

وأوضح علاوي خلال المقابلة أن "الياسري التي كانت تعمل في وزارة الاتصالات قبل عام 2003، أرادت إهداء هاتف خلوي إلى الرئيس الراحل صدام حسين في عيد ميلاده، وعندما رفض مديرها العام في الوزارة الدكتور ناصح- لعدم توفر الإمكانيات- شكته إلى الأخير".

وفي المقابل، فإن الوزيرة الياسري، التي تنتمي إلى تحالف "العقد الوطني" بقيادة فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي، المنضوي أيضا في "الإطار التنسيقي"، ردت على كل ما قيل بحقها، وعزت الهجوم ضدها إلى قراراتها التي كسرت فيها احتكار شركة "إيرثليك" للإنترنت بالعراق.

وقالت الياسري خلال مقابلة تلفزيونية في 5 أكتوبر، إن "غالبية النواب كانوا يصفقون بحرارة لكل أجوبتي بخصوص الأسئلة التي طرحتها حنان الفتلاوي خلال جلسة استضافتها بالبرلمان".

وأوضحت: "حنان الفتلاوي وجهت لي سؤالا غير صحيح بخصوص إقصاء واجتثاث الموظفين، وطالبتها بكتاب واحد لتثبت مصداقية كلامها، لأني قمت بنقل وإعفاء الموظفين المتورطين بملفات فساد كبيرة وخطيرة".

وبيّنت الياسري "استغربت من دفاع حنان الفتلاوي المستميت عن شركة إيرثلنك، وكان واضحا أنها تدافع عنها، ولا ترغب للعراق أن يتعاقد مع شركات عالمية بخصوص الإنترنت الفضائي، كما أنها ممتعضة لمحاسبتي موظفين يتقاضون الرشوة من الشركة ذاتها".

ولفتت الوزيرة إلى أن "بعض هؤلاء الموظفين باعوا وزارة الاتصالات أمام المحاكم لصالح شركات فاسدة من أجل حفنة دولارات، ومنذ استلامي المنصب (عام 2022) ولغاية اليوم فتحت 200 مجلس تحقيقي، ونتائجها ستحال إلى النزاهة، لمعاقبة الفاسدين".

ولفتت إلى أن الوزير الأسبق "محمد توفيق علاوي اتخذ موقفا ضدي، لأنني عندما كنت مستشارة في وزارة الاتصالات، رفضت كل عقود الاستثمارات التي كانت توزع بعهده، ولكن لا يمكنني إيقافها لأنني لست صاحبة القرار بتلك الفترة".

وأوضحت أن توفيق علاوي، كتب في استقالته لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي عام 2012: "أما أنا أو هيام الياسري في الوزارة"، لكن المالكي في حينها كتب له: "نقبل استقالتك".

واتهمت الياسري توفيق علاوي تعديل أحد العقود حين كان وزيرا للاتصالات، "خلافا للضوابط" وخفض نسبة إيرادات الدولة من 20 إلى 13 بالمئة ومنحهم كم من الامتيازات لصالح إحدى الجهات التي كانت يتعاون ويتعامل معها. من دون أن تكشف عن هويتها.

 

"صراع مصالح"

وبخصوص تفجر أزمة "الانترنت" بين أطراف الإطار التنسيقي، قال الباحث في الشأن العراقي، حامد العبيدي إن "واحدة من الأسباب هو استحواذ قناة الرابعة بشكل حصري على بث مباريات كرة القدم بعد التعاقد مع مجموعة (بي إن سبورتس) القطرية".

وأضاف العبيدي أن "قناة الرابعة احترك أيضا بث الأفلام مع شركة إيرثلينك، لكن الوزيرة تعاقدت مع شركة إنترنت أخرى (سوبر سيل)، وبالتالي ضربت مصالحهم، لأن القناة تابعة إلى حنان الفتلاوي، لذلك موضوع الخلاف يتعلق بتحقيق المكتسبات والمصالح".

وتابع: "السبب الثاني، هو إعفاء الياسري بكل مديري الأقسام الذين هم ذاتهم يمتلكون شركات يحيلون إليها عقود وزارة الاتصالات لصالح شركاتهم، وهؤلاء لاشك لديهم ارتباطات مع شركة إيرثليك".

وأشار الباحث إلى أن "الوزيرة أصبحت أيضا صيدا سهلا وفرصة سانحة لتلميع صورة الفتلاوي وكتلتها السياسية، وذلك قبل انتخابات مجالس المحافظات في 18 ديسمبر 2023، والتي تحتاج الأخير إلى موطئ قدم فيها".

وعن مدى احتمالية إقالة الوزيرة من منصبها، أوضح العبيدي أن "رئيس كتلتها فالح الفياض رفع يده من الياسري، وأن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني هو فقط من يدعمها، لذلك ممكن إقالتها إذا كانت هناك أغلبية ساخطة في البرلمان، وإذا لم تمنح خصومها امتيازات من الوزارة".

وتأسست شركة "إيرثلينك للاتصالات" في العراق عام 2005، إذ تعود ملكيتها إلى ثلاثة أشقاء عراقيين وشريك آخر أيضا عراقي الجنسية، وهم: سرمد وأحمد وسدير حسن أحمد، يقيمون في دولة الإمارات العربية المتحدة، أما شريكهم الرابع يدعى أحمد حسن أحمد الرفيعي.

وتستحوذ شركة "إيرثلينك" على 80 بالمئة من قطاع الإنترنت في العراق منذ تأسيسها، حسب تصريح سابق أدلت به الياسري في 12 مارس 2023، والتي أكدت أيضا في وقتها أن "غياب المساءلة والتنظيم غيّب وجود منافس لهذه الشركة".

 

خدمة رديئة

وفي حال جرت المقارنة مع دول الجوار، فإن خدمة الإنترنت في العراق تعد الأسوأ والأغلى ثمنا، وقال عضو لجنة النقل والاتصالات البرلمانية، زهير شهيد إن "شركة متنفذة تحتكر الإنترنت في البلاد تقوم بمهاجمة وزيرة الاتصالات هيام الياسري، كونها لديها عقود طويلة الأمد من وزراء سابقين".

وأضاف شهيد في تصريح لوكالة "المطلع" العراقية في 6 أكتوبر، أن "اللجنة تواكب هذا القطاع المهم وإصلاحات الوزارة التي تضررت منها هذه الشركة المتنفذة وباتت تشن حملة منظمة ضد الوزيرة الحالية، خاصة أن سبب ضعف الإنترنت في البلاد أيضا هو احتكار هذه الشركة للخدمة منذ سنوات طويلة وباسعار باهضة الثمن".

وفي هذا السياق يقول الخبير الاقتصادي العراقي، عبد الرحمن المشهداني إن "سعر خدمة الإنتر نت بالعراق يعادل نحو 20 مرة مما هو موجود بالمنطقة، لأن سعر الميغا الواحدة يصل إلى حدود 58 دولار، وفق الخبير الاقتصادي العراقي، عبد الرحمن المشهداني.

وأكد الخبير  خلال تصريحات نقلتها وكالة "ما بين النهرين" العراقية في 7 مارس 2023، أن "جميع هذه الشركات لا تقدم خدمات بالمستوى المطلوب مقارنة مع دول الجوار، والتي تتميز خدماتهم المقدمة من الإنترنيت بالسرعة، وقلة التكلفة".

وأشار المشهداني إلى أن "أكثر من 85 بالمئة من سكان العراق، ولكل الفئات العمرية تستخدم خدمة الإنترنت، وأنه نحو 30 بالمئة منهم على أقل تقدير يستخدمون الخدمة بشكل يومي، وهنا تجني الشركات أرباحا عالية مقابل خدمة مكلفة ورديئة".

ومن أكبر المشكلات التي تواجه العراقيين هي الانقطاع المتكرر في الخدمة، والتي ينتج عنها خسائر مالية فادحة، سواء في الأسواق أو حتى تعاملاتهم المالية اليومية مع المصارف.

وفي عام 2019، قدرت شركة "نت بلوكس" خلال تقرير لها أن خسائر قطع الإنترنت على الاقتصاد العراقي بنحو مليار و358 مليون دولار خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه، الذي اندلعت فيه الاحتجاجات الشعبية، وأحجبت الخمة عن العراقيين.

وتمثل هذه الخسارة ما يقرب من 0.5 من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بحسب تقرير "نت بلوكس" المتخصصة في مراقبة خدمات الإنترنيت.

وقالت الشركة في تقريرها: اتضح من البيانات الاقتصادية أن "أكبر خسارة اقتصادية فردية لم تنجم عن انخفاض الإنتاجية أو نقص العمالة، وإنما من تشويش الحكومة على شبكة الإنترنت الخاصة بها". وأكدت أن "العراق يخسر ما يقدر بـ40 مليون دولار يوميا جراء قطع خدمة الانترنيت عن مدنه".