في ذكرى نصر أكتوبر.. أوجه شبه تربط مصر السيسي بأجواء ما بعد نكسة 1967

داود علي | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

يحل اليوبيل الذهبي (الذكرى الخمسين) لانتصار مصر على إسرائيل في حرب 6 أكتوبر/ تشرين الثاني 1973، مذكرا بأعظم انتصار عسكري عربي على دولة الاحتلال.

وجاء هذا الانتصار بعد أن حلت بمصر والوطن العربي نكسة 5 يونيو/ حزيران 1967، وتلقت القاهرة أثقل هزائمها، قبل أن تعاود أدراجها وترد الصفعة. 

غير أن متغيرات اليوم تختلف عن انتصارات وانكسارات الأمس، إذ تحمل تحولا في العقيدة السياسية للدولة المصرية نحو إسرائيل، حيث تلاشت أبعاد العداء، والأخطر أن الاحتقان توجه إلى الداخل.

فمع وصوله لسدة الحكم في مصر بانقلاب عسكري في 3 يوليو/تموز 2013، سعى الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى توجيه قوة الجيش والدولة نحو معارك داخلية، أسهمت في إحداث شرخ مجتمعي، وخلق مناخا استبداديا، أشبه ما يكون بالحالة المصرية قبل النكسة. 

أجواء الهزيمة 

كان أحد أهم من وصفوا مناخ مصر قبل النكسة، تحت مظلة حكم جمال عبد الناصر والضباط الأحرار هو أول رئيس لمصر في تاريخها اللواء محمد نجيب، الذي اُنقلب عليه وأُودع رهن إقامة جبرية لسنوات طويلة. 

وكتب نجيب في مذكراته التي دونها في كتابه "كنت رئيسا لمصر" الذي نشر عام 1984، قائلا: "طردنا ملكا وجئنا بثلاثة عشر ملكا آخرين، وأنا اليوم أشعر أن الثورة تحولت بتصرفاتهم إلى عورة، وأشعر أن من كنت أنظر إليهم على أنهم أولادي، أصبحوا بعد ذلك مثل زبانية جهنم".

وأضاف: "من كنت أتصورهم ثوارا أصبحوا أشرارا. لقد خرج الجيش من الثكنات، وانتشر فى كل المصالح والوزارات المدنية فوقعت (الكارثة) التى لا نزال نعاني منها إلى الآن في مصر".

شرح بعد ذلك نجيب في كتابه أن الكارثة كانت تتمثل في نكسة 1967، وأن انخراط الجيش في السياسة كان سببا رئيسا فيها. 

كذلك دون المفكر المصري الراحل "أحمد رائف" في كتابه "البوابة السوداء" الذي نشر عام 1986، مذكرات اعتقاله في سجون عبد الناصر. 

وروى طبيعة تلك الحقبة، وذكر سنوات ما قبل النكسة، عندما طغى الاستبداد على كل شيء، وذكر رائف أن عبد الناصر ذكر في حديثه بالكرملين، خلال زيارته لروسيا في أغسطس/ آب 1965، "أن أكثر من 60 ألف معتقل من الإخوان المسلمين في السجون". 

وللمفارقة ذكرت منظمة العفو الدولية في يناير/ كانون الثاني 2021، أن عدد المعتقلين والمسجونين بمصر يقدر بنحو 114 ألف سجين.

بينما عدد المعتقلين السياسيين فقط يصل إلى نحو 60 ألف معتقل، في تشابه لعدد المعتقلين قبل النكسة مباشرة. 

وفي 24 فبراير/ شباط 2021، كتب الروائي المصري عز الدين فشير، إن "المسؤولين الأمنيين في عهد عبدالناصر، كانوا يبررون ممارساتهم الوحشية ضد المعتقلين والمعارضين بالإشارة إلى التهديدات الداخلية والخارجية التي تريد وقف مسيرة مصر نحو الإمام".

وأضاف في مقالة بصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن "قمع نظام عبدالناصر للمعارضين لم يحم مصر والنظام، فعندما وجهت إسرائيل ضربة قاصمة للجيش المصري في حرب 1967 كانت السجون مليئة بالمعتقلين السياسيين".

وتابع فشير: "علموا المواطنين أن يطأطئوا رؤوسهم وألا يرفعوها أبدا طالما عاشوا في جمهورية الخوف".

وقارن فشير بين ما فعله عبد الناصر إبان الهزيمة، وما يفعله نظام السيسي، الذي يعتقل ما يقرب 60 ألف معتقل سياسي، في سجون جمهورية الخوف العسكرية. على حد وصفه. 

 

مناخ الانتصار

وفي ظل حالة الهزيمة الشاملة لمصر داخليا وخارجيا، مات عبد الناصر في 28 سبتمبر/ أيلول 1970، وكانت البلاد لا صوت فيها يعلو فوق صوت المعركة.

لكن معركة التحرير استلزمت ترتيب الأوضاع الداخلية، وهو ما فعله الرئيس التالي محمد أنور السادات، الذي فتح مجال الحريات والحياة الحزبية من جديد. 

وفي 15 مايو/ أيار 1971 أعلن السادات ما سمي تاريخيا بحركة التصحيح ومن نتائجها أن تحول اسم البرلمان بعد فترة إلى مجلس الشعب بدلا من مجلس الأمة.

ومن مخرجاتها إعادة الأحزاب وأحزاب المعارضة، وفتح المجال لحرية الصحافة والمظاهرات، وإخراج المعتقلين من السجون. 

وعن تلك المرحلة قال الصحفي المصري محمد نجدي، إن "الدولة المصرية خاضت معركة بقاء على جميع الأصعدة، فنكسة 67 وتدمير أكثر من 90 بالمئة من قوة الجيش المصري، إضافة إلى الصدام بين الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر، كان نذيرا بأن جمهورية الضباط على المحك". 

وأضاف لـ"الاستقلال": "هذا ما أدركه السادات وصناع القرار، حين رأوا أن الدولة بسلوكها القمعي الاستبدادي تدمر نفسها ذاتيا، قبل أن يدمرها العدو". 

ومضى يقول: "المصالحة الداخلية وفتح المجال للحريات والتعددية، خلق حالة اتفاق ووحدة على الانتصار، وهو ما حدث في 6 أكتوبر 1973، وهو الدرس الذي لم نَعِهِ جيدا بعد ذلك، ولم نحافظ على مكتسباته". 

وتابع الصحفي المصري: "وهذا أيضا ما حدث في ثورة 25 يناير 2011، عندما تجاوزنا حكم مبارك بالوحدة والتكاتف، ولم ننتهز الفرصة أيضا ورجعنا إلى الحكم العسكري مرة أخرى".

ثم قال: "لا يمكن لأمة أن تتقدم وتنتصر وفيها هذا الكم من السجون والمعتقلين والصدام الحاد بين مكوناتها، إضافة إلى غياب المعارضة والأصوات الناقدة، فلا يكاد يظهر صوت عاقل إلا ويتم إخراسه وسجنه أو إبعاده".

وأوضح نجدي أنه "وإن غابت عنا نكسة 67 لكننا نعيش نكسات اقتصادية وسياسية واجتماعية، لا تقل خطورة، وتحمل في براثنها تهديدا على الدولة والنظام والشعب بأكمله، ولنا في سوريا وما فعله به حكم بشار الأسد والبعثيين، خير مثال".

هزمت نفسها 

وعن المزاج الشعبي في مرحلة ما قبل النكسة، يؤكد أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتور محمد أبو زيد إن "كل شيء في هذه المرحلة كان زائفا".

وقال: "كانت خطب وصور عبد الناصر تملأ الأرجاء، كان الضباط يتحكمون ويسيطرون على كل شيء، وكان رجال الاتحاد الاشتراكي وما يعرف بالطليعة الاشتراكية ينتشرون مثل الجراد ويكتبون التقارير حتى عن الأقربين منهم".

وأضاف: "أعرف أحدهم أسر لي بأنه كان يكتب تقارير في والده وأشقائه وأبناء عمومته، وكان هناك شعور جارف غير مفهوم بالقوة، وأن أي مواجهة بين مصر وإسرائيل محسومة، وعاجلا أو آجلا سنحرر فلسطين". 

واستدرك أبو زيد قائلا: "لكن الحالة الداخلية من الخوف والاستبداد فرضت نفسها، عبد الناصر لم ينكل بالإخوان فقط، بل نكل بكل ما هو إسلامي، وبكل معارض حتى من الشيوعيين".

وأضاف: "فتح أبواب السجن الحربي وأقام معسكرات الاعتقال، وأعدم رموز الحركة الإسلامية والإخوان بداية من عبد القادر عودة ويوسف طلعت ومحمد فرغلي، وصولا إلى سيد قطب وعبد الفتاح إسماعيل". 

وأردف بالقول: "كانت دماؤهم لعنة حقيقية، حتى إن العلامة الإسلامي أبو الأعلى المودودي، قال حين أتاه نبأ تلك الإعدامات (ويلهم مما سيحاق بهم جراء ما اقترفوا، لقد قتلوا أولياء الله)، وبالفعل لقد هزمت مصر نفسها قبل أن تهزمها إسرائيل في نكسة 1967". 

وأتبع الأكاديمي المصري: "كانت حالة مصر الاجتماعية والإنسانية والدينية في حد ذاتها نكسة، قبل أن تضربها النكسة الأكبر على يد العدو". 

وذكر: "ربما ذلك ما جعل الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله يسجد لما جاءه نبأ الهزيمة، حتى لا يكون الفساد والاستبداد مقابله الانتصار، فيفتن الناس في دينهم، كما فسر الواقعة". 

وعقب الدكتور أبو زيد: "على النقيض جاء نصر 1973، عندما تصالحت الأمة مع نفسها، ورفع الظلم، وتم إخراج المعتقلين من السجون، وكان هناك هامش كبير للحريات والتعبير عن الرأي". 

وقال: "أذكر أنني وزملائي خلال عام 1972 تحديدا كنا نخرج في مظاهرات يومية، وكنا في الثانوية الأزهرية، حيث نلتقي بطلبة الجامعة، ونهتف ضد النظام، ونطالب بالحرب وتحرير سيناء، ولم يكن أحد يتعرض لنا". 

"بعدها جاء النصر الكبير غير المتوقع، بعد 6 سنوات فقط من الهزيمة، وكانت المؤشرات تقول إن مصر في حاجة إلى 15 عاما فقط لإعادة بناء قوتها المسلحة، لا خوض الحرب، وفي النهاية لابد أن نتعلم من التاريخ ونعرف لماذا جاء النصر؟ ولماذا كانت الهزيمة؟" يختم أبو زيد.