رغم موافقة البرلمان على إصدار قوانينها.. ماذا يعيق إجراء انتخابات ليبيا؟

حسن عبود | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في خطوة على طريق إنهاء الخلافات السياسية، أعلن مجلس النواب الليبي، في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2023، موافقته على إصدار قوانين الانتخابات التي أقرتها لجنة "6+6" المشتركة مع المجلس الأعلى للدولة ليجرى بموجبها انتخاب رئيس الدولة، ومجلس الأمة.

وجاءت هذه الخطوة عقب جلسة رسمية عقدها المجلس في مقره بمدينة بنغازي شرق البلاد، وفق بيان للمتحدث باسم المجلس عبد الله بليحق، نشره عبر صفحته الرسمية على فيسبوك.

وفي بيانه، قال بليحق إن "مجلس النواب وافق بالإجماع على إصدار قانون انتخاب رئيس الدولة وقانون انتخاب مجلس الأمة المنجزة من لجنة 6+6".

ولجنة "6+6" المشكلة من مجلسي النواب والدولة الليبيين، أصدرت في 6 يونيو/حزيران 2023 القوانين التي ستجرى عبرها الانتخابات المنتظرة، إلا أن بنودا فيها لاقت معارضة من بعض الأطراف.

وتأتي تحركات مجلسي النواب والدولة ضمن جهود محلية وأخرى أممية لإيصال ليبيا إلى انتخابات تحل أزمة صراع بين حكومتين إحداهما عينها مجلس النواب مطلع 2022، والأخرى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض التسليم إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.

تطور جديد

بعد الجلسة الأخيرة، أكد أعضاء بمجلس النواب أن قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية باتت سارية منذ (2 أكتوبر).

وينص التعديل الدستوري الذي توافق عليه مجلسا النواب والدولة خلال فبراير/شباط 2023، في مادته 31 على أن تجرى الانتخابات خلال مدة أقصاها 240 يوما من دخول قوانين الانتخابات حيز التنفيذ (والتي أقرت في 2 أكتوبر).

في المقابل، يتوقع كثيرون أن ذلك لن يجرى لأن شرط إجراء الانتخابات يتطلب توحيد الحكومة وانعقادها تحت سلطة تنفيذية موحدة.

بدوره، قال رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، في ذات اليوم، إن قانون انتخاب رئيس الدولة الذي أقرته لجنة "6+6" في يونيو 2023، وصادق عليه المجلس، "لا يقصي أحدا ممن تتوافر فيه الشروط المعروفة للترشح،"

أضاف في كلمته خلال جلسة مجلس النواب أنه تسلم "قانون انتخاب الرئيس والبرلمان من النائب جلال الشويهدي (رئيس لجنة 6+6 الممثلة لمجلس النواب) "، مبينا أن "لكل مواطن الحق في الترشح مدنيا كان أو عسكريا دون إقصاء لأحد، ومن لم يفز في الانتخابات يعود لسابق وظيفته".

وأكد عقيلة صالح أن "القانون راعى كل الاعتبارات والظروف التي تمر بها البلاد، وحقق المساواة في ممارسة العمل السياسي"، معربا عن شكره " للجنة (6+6) على إنجاز هذا العمل الذي يعد أساسا لتوحيد السلطة في البلاد، ويحقق رغبة الليبيين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية".

وتتمثل تلك النقاط الخلافية بالقوانين الصادرة عن اللجنة في شروط الترشح للانتخابات الرئاسية حيث يصر مجلس الدولة وبعض الأحزاب السياسية على منع العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح لرئاسة البلاد في حين يصر مجلس النواب على عكس ذلك.

ونقلت صحيفة المرصد الليبية عن أعضاء في مجلس النواب أن الأخير "فعل ما يتوجب عليه ومن سيعرقل تشكيل حكومة موحدة هو المعرقل للانتخابات".

واقترح الأعضاء "تشكيل لجنة مع المجلس الأعلى للدولة لوضع معايير الترشح للحكومة الجديدة المسؤولة عن الإشراف على الانتخابات".

وقالوا وفق ما نقلت الصحيفة إنه "على مفوضية الانتخابات الاضطلاع بواجبها وتحديد البرامج والخطط الزمنية اللازمة".

من جانبه، قال النائب عبدالسلام نصية إن إقرار قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية "يوم تاريخي".

وتابع: "اليوم بدأ العد التنازلي للمدة المقررة للشروع في الانتخابات، وهي 240 يومًا، أي تأخير في تشكيل الحكومة الموحدة سيؤخر الانتخابات".

لكن عضو مجلس النواب الليبي محمد تامر يخالف سابقه الرأي، ولا يتوقع أن يكون العد التنازلي لعدد 240 يوما قد بدأ. 

وتابع في حديث لوكالة الأناضول التركية: "صحيح أن التعديل الدستوري الذي توافق عليه مجلسا النواب والدولة في فبراير/ شباط (2023) ينص في مادته 31 على أن تجرى الانتخابات خلال مدة أقصاها 240 يوما من دخول قوانين الانتخابات حيز التنفيذ إلا أن ذلك لن يجرى".

وأردف: "نحن اليوم صادقنا على القوانين الانتخابية ولكن إلى جانبنا كمجلس نواب هناك المجلس الأعلى للدولة الذي ينتظر أن يقول كلمته بشأن تلك القوانين كونه شريكا في العملية السياسية وفق الاتفاقات بيننا".

وتابع: "بعد مصادقة مجلس الدولة ستتم إحالة تلك القوانين للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات التي ستضع اللائحة التنفيذية لتلك القوانين لتحدد فيها المدة المتبقية للانتخابات".

وتوقع البرلماني الليبي أن تجرى الانتخابات في بلاده خلال مارس/ آذار 2024.

مشهد ضبابي

رغم حجم الإنجاز السياسي بإصدار قوانين الانتخابات، يرى مراقبون أن المشهد السياسي يوحي بعدم وجود توافق حقيقي على القوانين، ويبشر بحالة من عدم الرضا من قبل بعض الأطراف، وفق ما تقول صحيفة الشاهد الليبية.

كما أن صمت المجلس الأعلى للدولة والأمم المتحدة والأطراف الدولية الفاعلة وعدم تعليقها على الخطوة الجديدة، يزيد من ضبابية المشهد.

وأصدر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا عبدالله باتيلي، في ذات اليوم بيانا أعرب فيه عن قلقه إزاء ظهور مبادرات محلية "أحادية ومتضاربة"، لإعادة إعمار مدينة درنة والمدن المتضررة من الإعصار الأخير، دون أن يتطرق لقضية إقرار القوانين الخاصة بالانتخابات.

وقالت صحيفة الشاهد: "كما لم تعلق بعثات دول بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الدبلوماسية في ليبيا على إعلان مجلس النواب إصدار القوانين".

وبينت الصحيفة أن تلك البعثات "اكتفت بإصدار بيان تؤيد فيه دعوة باتيلي، بتوحيد الجهود لإعادة إعمار المناطق المتضررة بشرق ليبيا، رغم ترحيبها في وقت سابق بالتوافقات التي توصلت إليها لجنة 6+6".

وأيضا، لم يعلق مجلس الدولة الاستشاري الليبي على اعتماد القوانين وقال مكتبه الإعلامي في بيان مساء ذات اليوم، إن أعضاء المجلس ناقشوا في جلستهم تداعيات كارثة فيضانات درنة وقوانين لجنة 6+6، رغم أنها اعتمدت من مجلس النواب.

لكن قال عضو مجلس الدولة، أحمد بوبريق، إنه سيتم تشكيل لجنة مشتركة مع مجلس النواب لاقتراح آلية لاختيار رئيس الحكومة الجديدة، وذلك بعد موافقة البرلمان على القوانين الانتخابية.

وأضاف بوبريق، في تصريحات صحفية، أنه يجب أن تكون لدى رئاسة الحكومة الجديدة الرغبة والقدرة على إجراء الانتخابات في ليبيا. 

وأردف: بدأ الآن العدّ التنازلي، وفق القوانين الانتخابية، لإجراء الانتخابات، وقد حدد لها أجل أقصاه 240 يوماً. وتابع: “على مفوضية الانتخابات إكمال استعداداتها الفنية المتعلقة بالعملية الانتخابية”.

وعلق الناشط الليبي أحمد القطامي بالقول: "قوانين الانتخابات التي أقرتها لجنة 6+6 وأصدرها مجلس النواب هي خطوة إلى الأمام في العملية السياسية. ولكن يجب الحذر من ترشح شخصيات جدلية للرئاسة كما حدث في 2021، قد يؤدي إلى فشل الانتخابات".

كما حذر في تغريدة على موقع إكس (تويتر سابقا)، "من النوايا لاستخدام القوانين ذريعة لتشكيل حكومة وعرقلة الطريق للانتخابات".

ويقصد القطامي هنا اللواء الانقلابي المتقاعد خليفة حفتر الذي رشح نفسه لرئاسة البلاد في انتخابات كانت مقررة في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021، لكن تعذر إجراؤها بسبب خلافات بين مؤسسات الدولة لا سيما بشأن قانوني الانتخاب.

وبعد فشل إجراء الانتخابات دخلت ليبيا في صراع جديد حين كلف مجلس النواب بطرق (شرق) حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا تتصارع منذ مارس/ آذار 2022 على السلطة مع أخرى معترف بها من الأمم المتحدة وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

كما لم تتمكن ليبيا خلال 2022 من الوصول إلى الانتخابات؛ جراء تعثر لجنة مشتركة من مجلسي النواب والدولة (نيابي استشاري) في التوافق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات.

وكان سبب تعثر أعمال اللجنة، التي تشكلت بمبادرة من الأمم المتحدة، هو خلاف على شروط الترشح للانتخابات الرئاسية التي منها مشاركة العسكريين ومزدوجي الجنسية، ومنهم حفتر الذي يحمل الجنسية الأميركية، وهو الخلاف الذي جرى حله ظاهريا من قبل مجلس النواب.

ما القادم؟

ورغم الخطوة الأخيرة، يرى الباحث في العلاقات الدولية والمختص في الشأن الليبي البشير الجويني أن شرعية جميع الأجسام السياسية في ليبيا مشكوك ومقدوح فيها لأكثر من سبب.

وبين في حديث لـ"الاستقلال" أن الدعوة لخروج كل هذه الأجسام (من السلطة) دفعة واحدة محفوفة بالعديد من المخاطر منها الحكم العسكري والفردي والفراغ المؤسسي.

ولذلك يعتقد الجويني أن توحيد الحكومة قبل الذهاب إلى الانتخابات شرط أساسي لكنه لن يكون كافيا وحده، "ويجب أن يصحبه أيضا توافق ووحدة وطنية وتسامٍ عن الخلافات دون نسيان الحقوق والجرائم التي لا تسقط بالتقادم".

وعن العقبات التي تحول الآن دون إجراء الانتخابات، أشار الجويني إلى أن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة من العقبات "لكنهما ليسا أبرزها".

وأكد أن أبرز العقبات تتمثل بالوجود الأجنبي المسلح والتدخلات الخارجية وخاصة غياب عقلية التوافق وطغيان الفساد السياسي والمالي.

ولا يعرف على وجه التحديد أعداد القوات الأجنبية، لكن بالعموم، تتشكل خريطة الوجود الأجنبي في ليبيا، من قوى رئيسة، في مقدمتها قوات تركية توجد في غرب البلاد بشكل معلن بناء على اتفاقات موقعة بين الجانب التركي والسلطات الحكومية في طرابلس.

كما يتمركز في البلاد مقاتلون تابعون لشركة "فاغنر" الروسية وآخرون تابعون لحركات التمرد السودانية والتشادية. وتقاتل هذه القوات، إلى جانب مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وتتوزع في مواقع عسكرية وحيوية في شرق وجنوب البلاد.

ومنذ وصوله إلى البلاد وتسلمه مهامه في أكتوبر/تشرين الأول 2022، ركز المبعوث الأممي باتيلي في اجتماعاته على لقاء لجنة 5 + 5، وتنشيط مهامها قبل أن يشدد على دورها العام في تهيئة الظروف الأمنية لإجراء الانتخابات.

وتضم لجنة "5+5"، خمسة أعضاء من المؤسسة العسكرية في غرب ليبيا، ومثلهم من طرف قوات الشرق التي يقودها خليفة حفتر، وتعقد منذ أكثر من عامين حوارات داخل البلاد وخارجها لتوحيد الجيش تحت رعاية الأمم المتحدة تنفيذا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أكتوبر 2020.

كما تجرى هذه اللجنة حوارا آخرا، بتنظيم أممي، يهدف لـ"توحيد الجهود الأمنية لتأمين الانتخابات المنتظرة في البلاد، وذلك ضمن سلسلة اجتماعات عقدتها مع مجموعة العمل الأمنية المنبثقة عن مؤتمر برلين الدولي الخاص بليبيا المنعقد في 19 يناير/ كانون الثاني 2020".

وتضم مجموعة العمل الأمنية إلى جانب بعثة الأمم المتحدة، ممثلين كبارا لكل من الاتحاد الإفريقي وتركيا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا ومصر.

ولذلك يرى مراقبون أن الجهود الليبية يجب أن تسير بالتساوي بين العملية السياسية وتوفير المناخ الأمني وتجنب التوترات العسكرية من أجل إنجاح الانتخابات.

وأوضح الجويني أن "الانتخابات ليست مجرد ورقة توضع في صندوق، بل هي مناخ كامل من القبول بالعملية السياسية بمختلف مراحلها ومستلزماتها، وأن الملف الليبي معقد ولا يمكن أن يلخص في طرف واحد أو اثنين".