ملفات متشابكة ومعقدة... ماذا ناقش هاكان فيدان خلال زيارته إيران؟

محمود مصلحان | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

منذ توليه منصبه مطلع يونيو/حزيران 2023، زار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان العديد من الدول فبجانب أوكرانيا وروسيا، كان أيضا للدولة المجاورة إيران نصيب من تلك الزيارات. 

وأصبحت زيارة فيدان إلى إيران في 3 سبتمبر/أيلول 2023 لافتة للنظر إلى حد كبير، كون طهران تحتل دائما مكانا مهما في القضايا الإقليمية لتركيا. 

كما أن الزيارة، التي أجريت في فترة تشهد أحداثا نشطة في سوريا والعراق، من شأنها أن تكون قادرة على تشكيل الأساس للخطوات التي يتعين اتخاذها في المنطقة.

ومع انطلاق أحداث الربيع العربي، امتدت الاضطرابات الداخلية في الدولتين إلى الهياكل الاجتماعية في تركيا وإيران. 

ولكي يستجيب الجانبان لمستجدات المشهد، ألقت إيران وتركيا بثقلهما على المنطقة، من خلال استخدام القوات العسكرية في آن، والقوى الناعمة في آن آخر.

وقد خلق هذا الاضطراب أيضا العديد من الصعوبات، حيث كان على الدولتين المتجاورتين مواجهة بعضهما بعضا بجدية شديدة في بعض الأوقات. 

وبالرغم من تجنبهما اتخاذ إجراءات مباشرة ضد بعضهما بعضا، فإن أيا منهما لم يتنازل عما يملكه من نقاط قوة.

كذلك تجنبت الدولتان، اللتان لديهما تباينات حقيقية في توجهاتهما بشأن سوريا وأذربيجان وأرمينيا، الوصول إلى نقطة الصراع مع بعضها بعضا، حتى في هذه الملفات المختلف عليها، وبالتالي منع حدوث ارتباك كبير. 

بل إن إيران، التي تقف إلى جانب نظام بشار الأسد، تبنت موقفا يعبر عن استعدادها للتوسط بين تركيا ودمشق.

وبالتالي فإن هذه الزيارة، والتي جرت في ظل كل هذه السياقات، تحمل أهمية كبيرة على صعيد التهدئة في المنطقة.

محاور النقاش

واستقبل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان نظيره التركي هاكان فيدان في اليوم الأول من زيارته لإيران، ثم عقدا مؤتمرا صحفيا مشتركا عقب اللقاءات الثنائية.

وقال فيدان: "إن السلام والاستقرار في كركوك يؤثران على العراق بأكمله"، مضيفا أنه ينظر بحزن وقلق إلى ما يحدث في المدينة التي تعد موطن التركمان، أحد العناصر الأصلية والمؤسسية للعراق. 

وطالب وزير الخارجية التركية هاكان فيدان، خلال المؤتمر، السلطات العراقية بوضع حدٍّ لوجود تنظيم "حزب العمال الكردستاني - بي كا كا" في مدينة كركوك شمالي العراق.

ومنذ 25 أغسطس/آب 2023، تشهد مدينة كركوك احتجاجات ضد الاستعدادات لإخلاء مبنى قيادة العمليات المشتركة بأمر من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني كـ"بادرة حسن نية"، وتسليمه إلى "الحزب الديمقراطي الكردستاني".

 لكن العرب والتركمان عارضوا ذلك ونصبوا مخيّماً أمام المبنى للاحتجاج، قبل أن توقف المحكمة الاتحادية العراقية، في 3 سبتمبر، قرار تسليم المبنى إلى "الحزب".

وبين فيدان أن قضية الإسلاموفوبيا نُوقشت أيضا، إلى جانب استقرار العراق وتنميته ومحاربة الإرهاب، حيث قال: "لقد تبادلنا وجهات النظر، كدولتين مسلمتين، حول ما الذي يمكننا فعله، وما نوع المواقف التي يمكن أن نتخذها في إطار منظمة التعاون الإسلامي؟".

ومن أبرز ما جاء في كلمة وزير الخارجية التركي هو أن الجانبين تفاوضا حول العديد من القضايا مثل أمن الحدود المشترك والتجارة والتعليم العالي، وشاركا توقعاتهما فيما يتعلق بالحرب ضد الإرهاب، وتحدثا بشكل خاص عن حساسياتهما فيما يتعلق بالقضاء على تهديد حزب العمال وحزب الحياة الحرة الكردستانيين. 

كما تحدثا عن كيفية زيادة حجم التجارة الثنائية إلى 30 مليار دولار، إضافة إلى مشاركة العديد من الأفكار في القضايا المختلفة ذات الاهتمام المشترك.

وأضاف الوزير فيدان: تحدثنا بعمق عما يمكن فعله تجاه المشهد السوري. وتوقعاتنا في التعاون بيننا واضحة؛ مثل العودة الإنسانية للاجئين في بلادنا إلى بلدهم، وعلى الحكومة السورية اتخاذ خطوات مطمئنة. كما أكد أن بلاده تتخذ مزيدا من التدابير لمنع قدوم المزيد من اللاجئين إليها.

ولفت إلى أن تركيا تدعم أيضا الاتفاق بين إيران والمملكة العربية السعودية (تطبيع العلاقات بوساطة صينية في مارس/آذار 2023)، مشيرا إلى أهمية استمرار مفاوضات الاتفاق النووي.

وأدلت وزارة الخارجية التركية ببيان حول الاستعدادات للاجتماع الثامن لمجلس التعاون رفيع المستوى، والذي تضمن العلاقات الثنائية بين الدولتين.

وخاصة أمن الحدود المشتركة، ومكافحة الإرهاب والتجارة والنقل والطاقة والتعليم العالي والقضايا الإقليمية، مثل سوريا والعراق وفلسطين وجنوب القوقاز واليمن، كما نوقشت الأوضاع في أفغانستان وليبيا وأوكرانيا.

تطور العلاقات

وبدوره، أعرب عبد اللهيان عن ارتياحه لتطور العلاقات بين البلدين، وقال: "نحن في منتصف الطريق لزيادة حجم التجارة إلى 30 مليار يورو، لدينا أفكار مشتركة بشأن التجارة التفضيلية وطرق النقل وممرات العبور بين إيران وتركيا". 

وأضاف: "تركيا وإيران جزأين يكملان بعضهما البعض، وطرق العبور بين البلدين هي عنصر لاستكمال التعاون وليس للتنافس بينهما".

وأكد أن الجانبين تباحثا حول زيادة مناطق التجارة الحرة على الحدود المشتركة للوصول إلى المستهدف من حجم التجارة، مشيرا إلى استمرار الجهود لفتح بوابات عبور جديدة على الحدود.

وأفاد عبد اللهيان إلى أن قضية المياه، التي كانت قيد التفاوض بين البلدين منذ زمن، بحثت خلال اللقاء، وقال إن خبراء من البلدين بهذا الشأن يخططون للاجتماع في طهران عام 2024. 

وأشار الوزير الإيراني إلى بعض القضايا الإقليمية الأخرى التي نُوقشت أيضا، حيث قال: "لقد ناقشنا ظاهرة الإسلاموفوبيا وعدم احترام القرآن وقضية القدس، وذكرنا أن وجود الاحتلال الصهيوني في المنطقة لن يخدم أي غرض سوى إحداث الفتنة والمشاكل الأمنية بين المسلمين". 

ولفت إلى أن "التوتر انتهى في القوقاز، وبدأت فترة السلام"، حيث أشار عبد اللهيان إلى أنهم يرحبون بالحوار بين باكو ويريفان، بعد حرب قره باغ التي انتهت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، باستعادة أذربيجان أراضيها التي كانت تحتلها أرمينيا.

كذلك نوقشت مخاوف تركيا بشأن "حدودها المشتركة" مع سوريا، وقال عبد اللهيان: "لقد أعربنا عن أنه من الممكن القضاء على مخاوف البلدين من خلال الدبلوماسية والحوار، على أساس الحقوق السيادية وسلامة أراضيهما". مضيفا أن "حوار إيران مع دمشق وأنقرة سيكون مفيدا في حل قضايا الإرهاب والهجرة".

وأكد عبد اللهيان أن الطرفين تحدثا كذلك عن التطورات في أوكرانيا وأفغانستان، وقال: "تحدثنا عن التجمعات المشتركة لطهران-أنقرة-الرياض في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، والتي يمكن تحققها من خلال تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية".

وبدوره، استقبل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي وصل إلى طهران، في 4 سبتمبر/ أيلول 2023، لإجراء محادثات رسمية.

وتطرق الرئيس الإيراني في هذا اللقاء إلى أوجه التشابه التاريخية بين إيران وتركيا، وأعرب عن أمله في أن تؤدي فترة رئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان الجديدة (بعد إعادة انتخابه في مايو/أيار 2023) إلى تحسين مستوى التعاون الثنائي وتعزيز التفاعلات الإقليمية والدولية بين الجانبين.

وفي إشارة إلى مخاوف تركيا الأمنية في المنطقة، ذكر رئيسي أن الطريقة الأكثر فعالية لمكافحة الإرهاب هي احترام السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية لجميع دول المنطقة.

وأشار إلى أن رفع مستوى العلاقات بين البلدين يتطلب اهتماما خاصا ودعما من قادة إيران وتركيا، كما طلب فيدان من طهران دعم عضوية بلاده في مجموعة البريكس (تكتل سياسي اقتصادي دولي)، فضلا عن الحوار والتعاون المشترك لحل القضايا الإقليمية. 

كما التقى الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أكبر أحمديان، مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي وصل إلى طهران لإجراء مباحثات رسمية. وقال المسؤول الإيراني إن العلاقات بين البلدين تحقق الأمن والاستقرار.

حوار مهم

وبدوره، قال مصطفى كايا، نائب رئيس حزب السعادة للشؤون الخارجية: "كان جدول الأعمال الرئيسي لزيارة هاكان فيدان إلى طهران هو التحضير للاجتماع الثامن لمجلس التعاون التركي الإيراني رفيع المستوى، ومناقشة العلاقات الثنائية، وخاصة أمن حدودنا المشتركة ومكافحة الإرهاب والتجارة والنقل والطاقة والتعليم العالي".

وأضاف: "أولا وقبل كل شيء، أرى أن زيارة فيدان إلى إيران والترحيب الودي الذي حظي به من قبل السلطات الإيرانية في نطاق هذه الزيارة أمر إيجابي ومهم للغاية".

وتابع كايا: "نحن، كتلاميذ أستاذنا نجم الدين أربكان، وحركة المللي جوروش وحزب السعادة، نولي أهمية كبيرة للعلاقات التركية الإيرانية".

وأكد أن إيران شريك مهم في منظمة الدول الثماني التي أسستها "المللي جوروش" أثناء وجودها في السلطة، حيث أشار إلى أن أربكان وقع على اتفاقية للطاقة مدتها 25 عاما في نطاق زيارته لإيران عندما كان رئيسا للوزراء. 

وأردف: "نتابع إيران عن كثب ونواصل حوارنا الدبلوماسي معها، كما نرتب عددا من الأنشطة في كل من أنقرة وطهران".

ويرى كايا أنه يجب تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين البلدين، مشيرا إلى أن حجم التجارة بين تركيا وإيران يبلغ اليوم 7.5 مليار دولار، وفق أرقام عام 2022. 

وقال كايا: "وعلى الرغم من أنني أرى أن هذا الرقم غير كاف، فأنني أقيّم أيضا الخطوات التي اتخذت في السنوات الأخيرة على أنها إيجابية، وأود أن أشير إلى أن هذا الرقم يجب أن ينمو بشكل كبير".

وأضاف: "من ناحية أخرى، يعد الأمن قضية بالغة الأهمية لكلا البلدين اليوم (..) إن الغزو الأمريكي لأفغانستان والتطورات اللاحقة وزيادة عدم الاستقرار في شرق آسيا وتدهور الظروف الاقتصادية جعل من إيران وتركيا مكانا جذابا للمهاجرين غير الشرعيين. وفي هذه المرحلة، يتعين على البلدين بالتأكيد تعزيز تعاونهما في مجال أمن الحدود".

وتابع حديثه قائلا: "المسألة المهمة الأخرى المتعلقة بالأمن هي الحرب ضد الإرهاب. يجب علينا أن نقاتل معا ضد المنظمات الإرهابية الانفصالية -مثل حزب العمال الكردستاني وحزب الحياة الحرة الكردستاني- التي تتغذى من نفس المصدر وتستهدف سلامة أراضي البلدين، إضافة إلى قتال تنظيم الدولة".

 ومن ناحية أخرى، فإن الأجندة الأمنية للبلدين لا تقتصر على أمن الحدود أو العناصر الإرهابية، فضمان الاستقرار في سوريا والشرق الأوسط بأسره، والحفاظ على جو من السلام في جنوب القوقاز، هي أيضا نقاط مهمة من الناحية الأمنية، ومن المهم معالجة هذه القضايا خلال زيارة فيدان، وفق قوله.

وأكد كايا أن "تركيا وإيران موجودتان في هذه المنطقة منذ آلاف السنين، وستستمران في التواجد في المستقبل، لذلك يتعين على البلدين تعزيز علاقاتهما على مستوى موقعهما الإستراتيجي وقوة نفوذهما الإقليمي".

وأوضح كذلك أن "تركيا وإيران هما ركيزتا العالم الإسلامي وهذه الجغرافيا. ولذلك يجب على البلدين أن يعملا معا في بناء مستقبل جديد ومشترك". 

مشكلات مشتركة

وشدد كايا على أن "الحرب في سوريا والصراع في قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا والاستقطاب السياسي في العراق والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والحرب الأهلية في اليمن، هي مشكلات مشتركة بالفعل بالنسبة للطرفين". 

وأضاف: "على الرغم من وجود اختلافات في الرأي حول هذه القضايا، فإن أنقرة وطهران ترغبان بشكل عام في الاستقرار والسلام في المنطقة، وهو ما يعد أقوى سبب للمصالحة".

ويعتقد كايا أن تركيا وإيران بمقدورهما النهوض بمنظمة مجموعة الثماني التي طورت رؤية عالمية جديدة، جنبا إلى جنب مع الأعضاء الآخرين، مضيفا أنهما يستطيعان أيضا الوصول إلى النقطة التي يطمحان إليها اقتصاديا.

من ناحية أخرى، يرى الصحفي محمد أجار أن "وزير الخارجية هاكان فيدان يتخذ خطوات تشير إلى أن أنقرة ستواصل نهج سياستها الخارجية نحو زيادة عدد الأصدقاء في العلاقات الدولية".

وقال أجار: "زيارة فيدان إلى إيران، كانت بمثابة خطوة أخرى استمرارا لنفس السياسة". وفي رأيه، أظهر اجتماع فيدان مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن هذه الزيارة لم تكن مجرد إجراء شكلي، ولكنها تهدف إلى دفع العلاقات خطوة أخرى إلى الأمام.

وأوضح أجار أن "القضايا التي برزت خلال الاجتماعات كانت مكافحة الإرهاب وأمن الحدود وزيادة حجم التجارة الثنائية"، مضيفا أن البلدين، اللذين يواجهان تهديدا إرهابيا مشتركا لسنوات عديدة، سيواصلان تعاونهما بشأن هذه المسألة.

وأكد أجار أن "الرسائل التي وجهها الوزيران في المؤتمر الصحفي أعطت انطباعا بأن زيارة فيدان عززت الأجواء الإيجابية في العلاقات التركية الإيرانية".

وتابع: "يلعب كلا الفاعلين أدوارا مهمة كقوتين إقليميتين، بتأثير خلفيتهما التاريخية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هاتين الدولتين في طريقهما إلى تشكيل أقطابهما الخاصة في وقت يتطور فيه العالم إلى نظام متعدد الأقطاب".

 وفي هذه الأجواء، لا مفر من أن تكون هناك اختلافات في مختلف القضايا، والقضية الرئيسية هي إيجاد آليات تؤدي إلى حل هذه الخلافات، وفق قوله.

وأشار إلى أنه هناك حقيقة تدركها كل من أنقرة وطهران، وهي أنه "عندما لا تتمكن دول المنطقة من التعاون، تنفذ الجهات الفاعلة غير الإقليمية سياساتها الإمبريالية بجرأة أكبر".

ويوضح ذلك قائلا: "أظهرت عملية أستانا، التي (تقودها تركيا وروسيا وإيران بشأن العملية السياسية في سوريا)، أنه على الرغم من خلافات الأطراف، فقد تطورت علاقة مبنية على الحوار". 

وأضاف: "بسبب هذا التعاون، واجهت الاستراتيجية الأميركية المتمثلة في إنشاء دولة (كردية) إرهابية (على حدود تركيا) صعوبات أكبر، وبدون التعاون كان من الممكن أن تمثل مشكلة اللاجئين السوريين عبئا أكبر".

وأنهى أجار حديثه قائلا: "نتيجة لذلك، تبذل تركيا جهودا مكثفة لزيادة تعاونها مع الدول المجاورة لها مباشرة. كما تقدم أنقرة للأطراف الفاعلة في المنطقة علاقة تضع العلاقات التجارية في المقدمة وتربح جميع الأطراف". 

إذ تقترح أنقرة على الجهات الفاعلة في المنطقة علاقة تعطي الأولوية للتجارة وتضمن المكسب لجميع الأطراف.

وأكد أنه بالإضافة إلى هذه المواضيع، من المهم أيضا اتخاذ خطوات تتجاوز مسألة حماية المكاسب المادية فقط، ولكن أيضا تعزز رفاهية المنطقة وحماية قيمها المقدسة.