لماذا يرفع المغرب الراية البيضاء أمام نشر الشذوذ في المدارس الأجنبية؟ 

عالي عبداتي | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

مساعي القوى الغربية لفرض "الشذوذ الجنسي" والتطبيع معه، مستمرة على أصعدة عدة، ومن أخطرها تلك الموجهة للأطفال والتلاميذ، نظرا للآثار السلبية البعيدة المدى لهذا الصنف من الاستهداف.

ولا تتوقف هذه الحملات داخل البلدان الداعمة للشذوذ، كفرنسا و كندا والولايات المتحدة وغيرها، بل تتعداه إلى دول أخرى، لا سيما عبر مؤسساتها التعليمية وبعثاتها الدراسية.

وفي هذا الصدد، كشف موقع "العمق المغربي"، عن تنظيم مدرسة كندية بمدينة الدار البيضاء، حفلا بمناسبة نهاية الموسم الدراسي 2022/2023، تضمن فقرات تدعو للشذوذ.

غزو أجنبي

وذكر الموقع في تقرير نشره في 21 أغسطس/آب 2023، أن مجموعة من المدارس الأجنبية المرخص لها بالمغرب، تقوم بتدريس مناهج مخالفة لثوابت المملكة، خاصة الترويج لـ"الشذوذ"، في ظل مراسلات محتشمة للوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين، دون أي تدخل عملي على أرض الواقع.

وأكد ذاته توالي شكايات الآباء والمدرسين من مضامين هذه المناهج المفروضة عليهم، والذين يقولون إنها "تربك لدى الناشئة مفاهيم الأسرة ومكوناتها، وتصل في بعض الأحيان إلى زعزعة المعتقدات الدينية".

وأوضح الموقع أن "مناهج دراسية معتمدة لمؤسسات كندية تنشر مضامين تؤثر على سلوكيات التلاميذ، حيث تدعم عبرها الشذوذ، وهو نفس المضمون الذي تم رصده في مدارس إسبانية بالمغرب".

وذكر  أنه حصل على صور وفيديوهات حفل يروج للشذوذ، نظمته مدرسة كندية ودعي له ممثل السفارة الكندية بالمغرب ووزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي.

وكشف الموقع نفسه، أن "مدارس إسبانية تلقن التلاميذ في مراحل أولى من مسارهم التعليمي، تعريفا للأسرة مخالفا للمتعارف عليه في المغرب، وغير متطابق مع القوانين الجاري بها العمل، حيث يرد في إحدى الدروس أن (الأسرة لا يتم تعريفها بمكوناتنا بل بالحب الذي يجمعها)".

وأورد الدرس ذاته، أن الأسرة عدة أنواع، ذكر منها العائلة المركبة والعشيرة، إلى أن انتهى إلى "الأسرة المثلية من والدين"، وفي الشرح "الأسرة المثلية هي التي تتكون من آباء مثليين أو أمهات سحاقيات".

ومن أشكال الأسرة أيضا الواردة في المنهج الدراسي، "عائلة بدون أبناء أو بنات يتخذ الأعضاء قرارا بعدم وجود الأولاد"، مصحوبة بصورة فيها فتاتان، إضافة إلى "نوع" آخر من الأسر تمت تسميته بـ"الأسرة المركبة"، وتم تعريفها بأنها "الأسر التي تشكلت بعد انفصال الزوجين، ويعيش الأبناء مع والدتهم وشريكها أو والدهم".

وبخصوص الحفل الفني للمدرسة الكندية، كشف الموقع أنه تضمن عرضا كان عبارة عن لوحة تمثيلية ارتدى فيها الأطفال ملابس بألوان "الشذوذ" مع خلفية في الشاشات الإلكترونية لطفل يسير فوق طريق ملون بتلك الألوان.

وشدد "العمق المغربي" على أن هذه المدارس تعمد إلى تلقين الشذوذ في مضامين المواد المُدرّسة، لا سيما في مادة اللغة الإنجليزية، معتبرا أن "هذا ليس مجرد صدفة أو لقطات عابرة، بقدر ما يتأكد للمطلع على بعض النماذج بأنه منهج مقصود تلقينا وسيميائيا".

ونقل الموقع عن مصادر بهذه المؤسسات، قولهم إن تأثير هذه المضامين بدا واضحا في سلوك العديد من التلاميذ، حيث تشتكي بعض الكوادر التربوية من تصرفات "غير أخلاقية".

ومن بين ما تم ملاحظته في تصرفات التلاميذ تعمدهم "ضرب مؤخرات بعضهم"، و"إزالة السراويل بدون سبب"، وغيرها من التصرفات التي لها مرجع في بعض الدروس الملقنة.

تحركات صادمة

من وجهة نظر الناشطة التربوية والسياسية، حليمة الشويكة، فإن "موضوع الشذوذ والتحركات المرتبطة بها، سواء على المستوى الدولي أم المحلي، مثيرة للاهتمام والانتباه والتفكير".

وبالنسبة لنا في بلادنا، تقول الشويكة لـ"الاستقلال"، فقد بدأ هذا الموضوع "يتسرب إلى المدارس والمناهج التربوية، وإن تعلق بالمدارس الأجنبية، إلا أنه يستهدف من بين من يستهدفهم أبناء وبنات أسر مغربية".

وذكرت أن "العديد من الآباء الذين اختاروا تدريس أبنائهم في هذه البعثات، فوجئوا بهذه المقررات التي تروج للشذوذ وتحاول أن تنشئ الأطفال على هذه الأفكار الشاذة".

ونبهت الشويكة إلى أن "ما حدث بالمدرسة الكندية بالدار البيضاء فيه ترويج مباشر وعلني لهذه الأفكار، حيث عرف الحفل دعوة السفير الكندي ووزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وهذا أمر صادم".

وقالت إن تسرب موضوع الشذوذ إلى المدارس التربوية "يتخذ خطوات جريئة جدا، من منطلق أن هذا حق من حقوق الإنسان وغير ذلك من الأقاويل".

وشددت الشويكة على أن "الحدث في حد ذاته يستوجب على مستوى وزارة التربية الوطنية اتخاذ الإجراءات المطلوبة، وإيقاف محاولات إقحام المدارس التربوية في هذا الترويج لأفكار الشذوذ".

وأوضحت أن "تدخل الوزارة له ما يدعمه من الناحية القانونية، ذلك أن التأشير والموافقة على هذه البرامج فيه سلطة مباشرة للوزارة الوصية، لأنها مدارس تنتسب للمنظومة التعليمية بالبلاد، وإن كانت تُدرس مقررات أجنبية".

وعليه، تردف الشويكة، على "الوزارة أن تتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة وأن لا تقف في موقف المتفرج أو الحياد".

تفاعل حزبي

ونظرا لمرجعيته الإسلامية، لم يكن غريبا أن يبادر حزب العدالة والتنمية (المعارض)، إلى التفاعل السريع مع ما ورد عبر موقع "العمق المغربي".

ونشر الحزب مادة بموقعه الرسمي في 24 أغسطس 2023، انتقد فيها توالي الأخبار المتعلقة بما وصفها بـ"الاستهداف المستمر للثوابت القيمية والدينية للمغاربة، سواء من أطراف حكومية أم من أذناب قوى خارجية".

وقال إن ما يقع بالبلد "يخالف ويعاكس ما أكد عليه جلالة الملك في خطب ورسائل عدة، لا سيما على مستوى منظومة التربية والتكوين".

وأوضح أن "الملك أكد في إحدى خطبه، أنه يتعين على مؤسساتنا التربوية، أن تزود التلاميذ بالمبادئ والقيم المثلى الكفيلة بجعلهم معتزين بهويتهم وأصالتهم، وعلى المسؤولين عن منظومة التربية والتكوين الاستحضار الدائم لخصوصياتنا الوطنية والقومية ولتراثنا وقيمنا الحضارية العريقة".

وتابع الحزب: "بخلاف هذه التوجيهات الملكية، تصل إلى مسامع عموم المغاربة، أن مؤسسة تعليمية كندية، نظمت حفلا روج للشذوذ بمدينة الدار البيضاء، وشارك الأطفال في فقراته، ودعي إليه السفير الكندي ووزير التعليم العالي، دون نفي أو تعليق من الأخير، على ما نقله موقع العمق المغربي".

فيما دور السلطة الحكومية الوصية على التربية والتعليم "محتشم وشبه غائب"، حيث تكتفي بإصدار بعض المذكرات والخطابات دون أي أثر لها على أرض الواقع.

ومن ذلك، ما نقله موقع "الإصلاح" المحلي في 26 يوليو/تموز 2023، حين عممت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة مذكرة وزارية على مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بشأن احترام الثوابت والقيم الوطنية والدينية في البرامج المعتمدة في مؤسسات التعليم المدرسي التي تقدم برنامجا تعليميا أجنبيا.

ونبهت الوزارة إلى أنها في إطار عمليات التتبع والمراقبة، تبين لها أن بعض مضامين الكتب المدرسية ببعض المؤسسات التعليمية التي تقدم برنامجا تعليميا أجنبيا "لا تحترم قدسية الثوابت والقيم الوطنية والدينية لبلادنا".

ودعت الوزارة إلى "اتخاذ التدابير الضرورية من أجل ضمان الالتزام الصارم والدائم لمؤسسات التعليم المدرسي التي تقدم برنامجا تعليميا أجنبيا، ضمن برمجها الدراسية وكتبها المدرسية، باحترام الثوابت الوطنية والدينية القائمة على الدين الإسلامي السمح".

كما أكدت الوزارة على "ضرورة التقيّد بمضامين الاتفاقيات التي يتم على أساسها تقديم برامج تعليمية أجنبية"، داعية إلى "التحلي باليقظة اللازمة، وإعمال آليات التتبع والمراقبة التربوية والإدارية الضرورية".

استغلال بشع

يأتي هذا التوجيه الحكومي بعد تفجر فضيحة تتعلق بتلقين تلاميذ يدرسون في مدرسة تابعة للبعثة الفرنسية بمدينة القنيطرة نواحي العاصمة الرباط معلومات عن الشذوذ والميول الشاذة، ونشر أفكار مهينة لشخصيات ورموز الإسلام.

وذكر موقع "هسبريس" المحلي، في 3 أبريل/نيسان 2023، أن تفاصيل القضية، بحسب المحامي عبد الرحيم الجامعي، دفاع وليَّيْ طفلين من أولياء التلاميذ المشتكين، عندما بدأ التلاميذ يسألون أولياءهم عن معاني ما يتمّ تلقينه لهم من طرف إحدى الأستاذات.

ووجه أولياء التلاميذ مراسلات إلى إدارة المؤسسة المعنية، وعقدوا اجتماعات مع مسؤوليها، من أجل حثهم على اتخاذ اللازم مع الأستاذة المعنية، غير أن الإدارة لم تتخذ أي إجراء ملموس، سوى تقديم وعد بـ"تأطير المعلمة"، ما حدا بهم إلى سلك طريق القضاء.

وأوضح الجامعي أنه "يتوفر على شهادات مكتوبة لأولياء التلاميذ عبروا فيها عن رغبتهم في تسوية الأمر دون اللجوء إلى القضاء، لكن غياب تفاعل جدي من طرف إدارة المؤسسة التعليمية المذكورة أرغمهم على ذلك".

وبحسب المصدر نفسه، فقد بدأت الشرطة والنيابة العامة البحث في الموضوع، دون نتائج.

وأورد الجامعي أن "أولياء التلاميذ عدوا تلقين المعلومات المذكورة لأبنائهم وبناتهم، اعتداء خطيرا على الأطفال يمس هويتهم الثقافية وبيئتهم المجتمعية واستقرارهم النفسي".

وأشار إلى أن "تلك المواضيع لا تتناسب مع سنّ الأطفال ولا مع طاقتهم المعنوية، ولا يقدرون على مناقشة معانيها، واستيعاب أبعادها وإبداء الرأي حولها، خصوصا وأن أعمارهم دون العشر سنوات".

ورأى الجامعي، في البيان الذي أصدره، أن تلقين التلاميذ معلومات عن الشذوذ ونشر أفكار مسيئة إلى رموز الإسلام، "يُعد استغلالا بشعا لطفولة التلاميذ، ومكرا بمستقبلهم، وجريمة في حقهم، وانحرافا تربويا من المعلمة نحو أطفال يحتاجون إلى رعاية تناسبهم".

وقال إن النيابة العامة "لم تضع يدها بحزم على هذا الملف الذي يقلق الأسر والأولياء والرأي العام".

الدور المطلوب

من جانبها، قالت الناشطة التربوية السياسية، الشويكة، إن "الأفكار المرتبطة بالشذوذ، وحسب عدد من الباحثين الذين قاموا بدراسة هذه الظواهر في الغرب، لا تتعلق بالجنس أو الحرية في ممارسته، بل برؤية مادية للعالم".

وأوضحت لـ"الاستقلال" أن "هذا الأمر جعل المجتمعات الغربية التي تنطلق من هذه الرؤية، تنتقل من الانحلال والإباحية الجنسية إلى الشذوذ".

وذكرت أن "هذا التحول الذي كان منتظرا في المجتمعات الغربية، من الخطير جدا محاولة استنباته داخل مجتمعاتنا، على البناء والتماسك الاجتماعيين".

وأبرزت المتحدثة ذاتها أن "نقل هذا الأفكار إلى داخل الثقافة المغربية مهدد حقيقي للقيم ونظام الأسرة، وبالتالي تهديد التماسك الذي تنبني عليه الدولة والمجتمع".

وقالت الشويكة إن "مخاطر نشر الشذوذ بالغرب لا تخفى على أي متتبع، إذ إن مجموعة من الأبناء الذين تم تبنيهم من طرف أسر مكونة من نفس الجنس، أي من ذكرين أو أنثيين، يعانون بشكل كبير على المستوى النفسي والهوياتي".

وأردفت، وهذا يبرز النتائج الكارثية لنشر الشذوذ وجعله أمرا واقعا في الغرب، والذي يتعدى الأطفال إلى الكيانات التي تتشكل بطرق شاذة، إذ غالبا ما تنتهي بالأمراض النفسية أو الجرائم وغيرها.

والمطلوب اليوم لمجابهة الشذوذ وحماية أسرنا وأطفالنا، تقول الشويكة، هو على مستويين، أولهما على مستوى الدولة، وثانيهما على مستوى الأسر والمجتمع.

وأوضحت، فعلى المستوى الرسمي، يجب على الدولة أن تقوم بدورها في هذا الإطار، وتمنع ترويج مثل هذه الأفكار، وخاصة على مستوى المؤسسات التربوية.

ونبهت الشويكة إلى أن "الممارسات الجنسية إن كان البعض يرى أنها تدخل في إطار الحرية الفردية، إلا أن هذا الأمر لا يمكن القبول به في الفضاء العام أو الترويج له فيه، بأي شكل كان".

ولذلك، تشدد على أنه "يجب أن تتعامل الدولة بخصوصه بكل حزم، واتخاذ القرارات التشريعية الفورية لمنعه".

وعلى المستوى الثاني، تضيف الشويكة، فإن "الدور موكول على أسر الأطفال الذين يلجون إلى هذه المؤسسات، والذين عليهم المبادرة إلى اتخاذ خطوات عملية لمحاصرته، بدل انتظار التفاعل الرسمي".

ومبعث هذا التفاعل، تسترسل، أن "هذا الموضوع يرتبط بما هو ثقافي واجتماعي، وله علاقة بقيمنا وأصالتنا، وهذا مجال للأسر والمجتمع المدني دور ممانع وأساسي عليهم القيام به، لمجابهة هذه الأفكار الخطيرة على النسيج المجتمعي المغربي وقيمه".