تتار القرم.. لماذا يرفضون العيش تحت العباءة الروسية ويساندون أوكرانيا؟ 

قسم الترجمة | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

أصبحت جبهة المقاومة المكونة من تتار القرم -وهم مجموعة عرقية أصلية في شبه جزيرة القرم، التي تحتلها روسيا منذ عام 2014- لاعبا رئيسا في حرب أوكرانيا.

وفي هذا السياق، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، تقريرا حول تتار القرم، والنزاع التاريخي والحالي بينهم وبين روسيا.

وقالت الإذاعة، على موقعها الناطق بالبرتغالية: "لا ينبغي لأي شخص يعرف تاريخ روسيا وأوكرانيا وتتار القرم أن يتفاجأ من عداء هذه المجموعة العرقية، لنهج موسكو الإمبريالي الذي تُعد الحرب الجارية أحدث تجلياته".

 تتار القرم

وأشار الموقع إلى حركة "أتيش"، التي تعني "النار" باللغة التركية، والتي تأسست في سبتمبر/أيلول 2022، بهدف إعاقة الخدمات اللوجستية، وتخريب الأهداف الرئيسة، وتأجيج الاستياء ضد -وداخل- جيش الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

وأوضح أن الأساليب الحربية التي تتبعها "أتيش" لا هوادة فيها وبدأت تظهر فاعليتها، مضيفا أنهم قتلوا 30 جنديا روسيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وحضر أكثر من 4 آلاف جندي روسي بالفعل دورة عبر الإنترنت، أقامتها "أتيش"، حول كيفية مقاومة الحرب، عن طريق تعطيل الأسلحة الخاصة بجيش بوتين.

وقال مصطفى دزيميليف، زعيم تتار القرم الذي منعته روسيا من دخول شبه جزيرة القرم حتى عام 2034، إن "أتيش موجودة على الأرض، ولم يعتقل أي فرد من أعضائها".

وبين أنها "تعمل داخل أراضي القرم على تفجير أهداف روسية"، مضيفا أن "جالية تتار القرم -البالغ قوامها 300 ألف شخص- كانت محور المقاومة ضد ضم روسيا للمنطقة؛ لأسباب منها ما عانته الجالية إبان حكم الاتحاد السوفيتي".

وصرح رئيس مركز أبحاث الأمن والتعاون الأوكراني في كييف، سيرجي كوزان، أن "الفكرة هي أن يشعر المحتل دائما بوجود المقاتلين المتربصين به حوله، وألا يحس بالأمان أبدا".

وأوضح موقع الإذاعة البريطانية أن "هناك أساليب متنوعة تُستخدم لتعطيل الجيش الروسي في القرم وخارجها".

وأردفت: "كما هو الحال في العديد من الأحداث خلال هذه الحرب، وهذا ينطبق على العمليات التي تنفذها جميع الأطراف، فإن التحقق من مصدر الهجمات مهمة صعبة للغاية".

بالإضافة إلى ذلك، واستنادا إلى تكتيك استُخدم في نزاعات سابقة، يُعتقد أن أوكرانيا ألقت منشورات على مواقع روسية تحمل الرسالة التالية: 

"الجندي الروسي، إذا لم تكن ترغب في أن تصبح نازيا في القرن الواحد والعشرين، انسحب من أرضنا! وإلا، سيكون مصير جنود هتلر (الزعيم النازي) ومحكمة مثل تلك التي في نورمبرغ بانتظارك!"، في إشارة إلى أكبر محاكمة في التاريخ، والتي حوكم فيها 21 من كبار القادة النازيين عام 1945.

وقالت "بي بي سي"، إنه "على عكس الروس السلافيين، فإن تتار القرم مجموعة عرقية تركية، موطنها شبه جزيرة القرم".

وتكونت هذه المجموعة العرقية على مدى أربعة قرون (1200-1650)، واندمجت مع موجات متعددة من المهاجرين.

قمع ستالين

في عام 1783، ضمت كاترين الثانية -أحد أهم حُكَّام روسيا عبر التاريخ- القرم إلى الإمبراطورية الروسية. ولاحقا عملت الأخيرة على ترسيخ هويتها لتتار القرم، قبل أن تندلع ثورة 1917.

وتحت حكم جوزيف ستالين (1924-1953)، قمع الاتحاد السوفيتي تتار القرم بكل حزم، ونتيجة لذلك، قرر عدد من التتار التعاون مع الألمان بعد الغزو النازي لروسيا، في يونيو/ حزيران 1941.

وبدوره، اتهم ستالين تتار القرم بالخيانة، ورحلهم بشكل جماعي إلى "غولاغ"، وهي معسكرات السخرة السوفيتية، التي أُنشئت بأمر من فلاديمير لينين ( مؤسس الحزب الشيوعي الروسي وقائد الثورة البلشفية)، وبلغت ذروتها خلال حكم ستالين، وفق موقع الإذاعة.

وأردف أنه "بالرغم من أن بعض تتار القرم قد خدموا إلى جانب قوى المحور خلال الحرب، فإن عددا أكبر بكثير خدموا في الجيش الأحمر السوفيتي".

وأشار إلى أن "ترحيل ما لا يقل عن 180 ألف شخص إلى آسيا الوسطى في عام 1944، كان أحد أكثر الفصول إيلاما في تاريخ تتار القرم".

وأورد أنه "في الستينيات من القرن الماضي، قدرت الدراسات الاستقصائية التي أجراها ناشطو التتار أن ما يقرب من 100 ألف من هؤلاء الأشخاص قد لقوا حتفهم".

بينما تُظهر السجلات السوفيتية أن 30 ألفا من تتار القرم ماتوا بعد أقل من عامين من عمليات الترحيل، وفق "بي بي سي".

ولم يعترف "مجلس السوفيت الأعلى" -وهو أعلى هيئة تشريعية في الاتحاد السوفيتي- إلا في سبتمبر/أيلول 1967، بأن توجيه تهمة الخيانة ضد أمة تتار القرم بأكملها كانت "غير معقولة".

وأضاف الموقع أنه "في عام 1954، نقلت رئاسة مجلس السوفيت الأعلى المنطقة من جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفيتية، إلى جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية".

ونوه إلى أن "هذا القرار لم يكن مثيرا للجدل في ذلك الوقت، حيث كان كلا الكيانين جزءا من الاتحاد السوفيتي، لكن تفكك الأخير عام 1991 غير كل ذلك".

وأردف: "لم يُسمح لمعظم التتار بالعودة إلى القرم إلا في عام 1989، تحت قيادة الزعيم السوفيتي الإصلاحي ميخائيل جورباتشوف".

وتابع: "لم يتلق التتار أي تعويض عن خسائرهم، وأثارت عودتهم إلى ديارهم توترات مع الروس والأوكرانيين، الذين انتقل العديد منهم إلى شبه الجزيرة بعد عام 1944".

وبعد استقلال أوكرانيا في عام 1991، قال زعماء تتار القرم إن مسؤولي "كييف" منعوا عمدا التتريين من الحصول على وظائف حكومية، هذا فضلا عن الاستيلاء سرا على أراضيهم، وفق الموقع.

عدو مشترك

ومع ذلك، فقد توحدوا -بشكل تدريجي- ضد عدو مشترك، حيث أصبح تتار القرم من المؤيدين المتحمسين للدولة الأوكرانية الجديدة، بل قيل عليهم إن "أعظم الأوكرانيين هم من يقطنون القرم".

وأفاد الموقع أنه في عام 1897، كان تتار القرم الأصليون يشكلون 34.1 بالمئة من سكان شبه الجزيرة.

وعلى الرغم من محاولة معالجة الآثار الناجمة عن سياسة التطهير العرقي التي اتبعها ستالين، فإنه في عام 2001، شكل الروس 58 بالمئة من سكان شبه جزيرة القرم، بينما شكل التتار الأصليون 12 بالمئة فقط.

وأكد الموقع أن "الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم عام 2014 كان بمثابة عودة كارثية لتتار القرم إلى الماضي".

"فقد شرع الروس على الفور في سياسات استبدادية ممنهجة، وما زال اضطهاد روسيا لتتار القرم مستمرا حتى يومنا هذا".

وفي 2016، حظر الروس "مجلس تتار القرم" المستقل، الذي كان مصطفى دزيميليف، رئيسا له، هذا فضلا عن الإشارات العامة التي تدلل على عودة عمليات الترحيل الستالينية".

وأفاد الموقع بأنه "بعد عام 2014، غادر آلاف التتار شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا إلى أوكرانيا".

وقال الناشط والسياسي التتري، إلمي أوميروف، لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي إنه "لا يعد شبه جزيرة القرم جزءا من الاتحاد الروسي"، ليُحوَّل بعد ذلك إلى مستشفى للأمراض النفسية.

وفي نوفمبر 2015، وكعلامة على إظهار التضامن الأوكراني مع تتار القرم، أصدر البرلمان الأوكراني اقتراحا يدين عمليات الترحيل عام 1944 بصفتها "إبادة جماعية".

وحسب الموقع البريطاني، فقد شجعت هذه السابقة كلا من لاتفيا وليتوانيا وكندا على أن تحذو حذوها في عام 2019.

وفي عام 2021، أصدر البرلمان الأوكراني قانونا يعترف بتتار القرم كأحد المجموعات العرقية الأصلية في أوكرانيا.

ورأى الموقع أنه "طالما استمرت الحرب الحالية، وبالنظر إلى المساهمة العسكرية الكبيرة لتتار القرم، فمن المرجح أن تنخرط كييف أكثر فأكثر، وبشكل إيجابي، في مسألة تمكين الأمة المذكورة من تقرير مصيرها".

وبالنسبة للأستاذ المشارك بالدراسات الأوكرانية في جامعة كامبريدج، روري فينين، فإن مستقبل القرم هو مفتاح أي صفقة قد تتبع الحرب الحالية.

وختم الموقع البريطاني بالإشارة إلى أن "أوكرانيا فقدت السيطرة على شبه جزيرة القرم عام 2014، لكن جهود تتار القرم في الصراع الحالي تسهم بشكل كبير، في قدرة كييف على تجنب الهزيمة على يد روسيا".