أزمة مفتعلة.. لماذا أثيرت قضية "بيع" مدينة أم قصر العراقية إلى الكويت؟

يوسف العلي | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في العراق، بالحديث عن "بيع" مدينة أم قصر في البصرة إلى الكويت، وذلك بعد زيارة أجراها وزير الخارجية الكويتي، سالم عبد الله الجابر الصباح، إلى بغداد التقى خلالها بكبار المسؤولين العراقيين في 30 يوليو/تموز 2023.

أثير الموضوع، بعد مؤتمر صحفي ببغداد لوزير خارجية العراق، فؤاد حسين، ونظيره الكويتي سالم الصباح، قال فيه الأخير إن "الوعود التي أطلقها محافظ البصرة أسعد العيداني بشأن إزالة منازل عراقيين في أم قصر وتسليم مناطقها للكويت، جرى تنفيذها ونشكره".

وعلى إثر ذلك برز الكثير من التساؤلات بخصوص حقيقة منح منطقة عراقية للدولة الخليجية، والأسباب وراء توقيت إثارة هذه القضية، والتي تسبب حساسية كبيرة لدى الطرفين، ولاسيما أنها جاءت بالتزامن مع الذكرى الـ33 للغزو العراقي للكويت، والذي وقع في 2 أغسطس/ آب 1990.

و"أم قصر" منطقة عراقية حدودية مع الكويت، تقع ضمن محافظة البصرة (جنوب)، وتحوي ميناء يحمل الاسم نفسه، ويعد أحد المنافذ الحيوية لاستيراد المواد الغذائية والأدوية للبلاد.

"لعبة انتخابية"

تفجير الأزمة في الداخل العراقي، بدأها نواب في البرلمان عن قوى الإطار التنسيقي، وتحديدا ممن ينتمون لتحالف الفتح بقيادة هادي العامري، والذي يضم أحزابا وكتلا سياسية تمتلك مليشيات مسلحة.

وقال عدي العوادي النائب عن كتلة "صادقون" البرلمانية التابعة لمليشيا "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، خلال تغريدة على "تويتر" في الأول من أغسطس 2023، إن "التكلم عن تسليم أراضي من أم قصر العراقية إلى الكويت أضغاث أحلام".

وتابع: "نقص اليد التي تمتد إلى الأراضي العراقية"، مطالبا دولة الكويت بأن "تعيد ما احتلته من مزارع في سفوان (بلدة حدودية بين الجانبين) والمنطقة البحرية (خور عبد الله) العراقي"، على حد تعبيره.

وفي اليوم نفسه، قال النائب عن الكتلة ذاتها، رفيق الصالحي، في تغريدة على "تويتر" إن "حدود العراق خط أحمر ولن نسمح بالتجاوز أو السيطرة عليها، وسنقف بوجه أي دولة تحاول المساس بأراضينا".

وردا على ذلك، قال محافظ البصرة أسعد العيداني، خلال مقابلة تلفزيونية في 2 أغسطس 2023 إنّ إثارة القضية الآن "لعبة سياسية" تنفذها أطراف من أجل "مصالح انتخابية"، متهما نواب الإطار التنسيقي بإثارة الأمر لمغازلة الجمهور قبل الانتخابات.

ومن المقرر أن يشهد العراق انتخابات مجالس المحافظات (المحلية) في 18 ديسمبر 2023، والتي قررت بعض قوى الإطار التنسيقي الشيعي الدخول منفردة فيها، ومنها قائمة "تصميم"، التي يعد محافظ البصرة، أسعد العيداني، أحد قياداتها، ويرأسها البرلماني عن الحافظة ذاتها عامر الفايز.

وعلى هذا الأساس، تعد كتلة العيداني إحدى الكتل المنافسة لأكبر قائمة تمثل المليشيات الموالية لإيران، والتي أطلق عليها تسمية "نبني" برئاسة زعيم منظمة بدر هادي العامري، وعضوية "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، و"العقد الوطني" التي يتزعمها رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياص، وقوى أخرى. 

وبإثارة موضوع "منح" مدينة أم قصر التابعة للبصرة في وقت يشغل العيداني منصب المحافظ، فإن الأخير عدها تسقيطا انتخابيا من القوى التي لم يأتلف معها في انتخابات مجالس المحافظات، وتحديدا من الجهات التي هاجمته بخصوص هذا الملف.

وقال العيداني إن النائب عدي عواد اعترف بإثارة الملف لـ "هدف إعلامي" في رسالة بعثها إليه ردا على استفسار حول تغريدة النائب بخصوص مدينة أم قصر في البصرة.

العيداني لم يستثن نواب البصرة الآخرين ممن كتب عن الحدود البرية، وقال إنّ النائب رفيق الصالحي "يسكن على الحدود".

وبين أن عشيرته تعيش من "الزراعة على الحدود، وهو يعرف بوضوح حقيقة الأمر، وقد طلب توزيع المساكن التي بنتها الكويت لعوائل الشهداء".

وركز محافظ البصرة في حديثه على ربط الملف بالدعاية الانتخابية لأطراف الإطار التنسيقي، مع اقتراب الاقتراع لتشكيل الحكومات المحلية، حيث يرى في إثارة القضية حملة لمعاقبته لـ"عدم الاشتراك" مع أطراف الإطار في قائمة انتخابية واحدة.

وأكّد العيداني، أنّ "ذرة تراب من أم قصر لن تذهب إلى الكويت"، وأنّ الحدود "لن تزحف عن خطها الذي رسم بموجب قرار الأمم المتحدة، وأقره نظام صدام حسين (الرئيس العراقي الراحل) في نوفمبر/تشرين الثاني 1994".

وشرح محافظ البصرة بعض التفاصيل، مبينا أنّ التحرك الجديد "لا يعدو نقل العوائل التي تسكن في الشارع المحاذي للدعامات الحدودية إلى مجمع بنته الكويت، بعد تجهيزه بالماء والكهرباء".

وقال إنّ "العوائل العراقية الساكنة على الحدود الكويتية استلمت جميع المنازل ولم تسكنها حتى الآن"، داعيا البرلمان إلى إرسال "لجنة لزيارة الدعامة 106 المتاخمة للحدود العراقية الكويتية، والتحقق من الأمر".

افتعال الأزمات

من جهته، رأى السياسي العراقي، عبد الستار الجميلي، أن افتعال الأزمات مع الكويت من وقت لآخر، الهدف منه ليس الأمن القومي للعراق، بل للتغطية على ملفات أكثر تعقيدا خصوصا مع إيران.

وقال الجميلي خلال تصريح نشرته وكالة "سبوتنيك" الروسية في 3 أغسطس 2023 إن محاولة افتعال الأزمات مع الكويت بين فترة وأخرى، القصد منها توجيه بوصلة الأزمات مع الدول العربية للتغطية على المشكلات الحقيقة من إيران".

وأكد أيضا أن "أحد محركات تلك الحملة بين العراق والكويت هي الانتخابات التي اقترب موعدها، وتحتاج أطرافها إلى الاستقطاب السياسي والطائفي في ظل عزوف الأغلبية عن المشاركة بها".

وتابع: "كذلك، تأتي المصلحة الأميركية الصهيونية بإشغال الشعب العراقي بأزمات مفتعلة من أجل إدامة الفوضى واستمرار هيمنة الاستبداد والفساد والتبعية لكتل بغداد وأربيل عبر القبض على مفاصل السلطة والغنيمة والقوة، على حساب المصالح العليا للشعب العراقي الذي يعيش ظروفا استثنائية بالغة الصعوبة والتعقيد".

وبيّن الجميلي أن "الشعب العراقي هو الذي يدفع الثمن غاليا نتيجة للتداعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقيمي، الذي خلفه الاحتلال الأميركي ومحاصصته الطائفية والعنصرية المقيتة".

ولفت إلى أن "الأزمة الحالية بين العراق والكويت مفتعلة لأهداف سياسية وطائفية وانتخابية وإقليمية ودولية للتغطية على المشكلات الجوهرية، والانحراف بجوهر الصراع بين المشروع الوطني العروبي، والمشروع الطائفي والعرقي المدعوم إقليميا ودوليا".

ومضى الجميلي، قائلا: "لذلك لن تكون تلك الأزمة المفتعلة مدعاة لاحتجاجات هي بالأصل انطلقت ضد الاحتلال ومحاصصته الطائفية والعرقية وعمليته السياسية البائسة، لأن غالبية الشعب العراقي يعي حقيقة الأزمة والأهداف من ورائها".

ونفت وزارة الخارجية العراقية على لسان المتحدث باسمها أحمد الصحاف، مزاعم "التفريط بسيادة العراق" البرية والبحرية، لاسيما فيما يتعلق بمنطقة أم قصر بمحافظة البصرة جنوب البلاد، مشددة على أن ترسيم الحدود البرية مع الكويت جرى وفق القانون الدولي.

ونقلت وكالة الأناضول التركية عن الصحاف قوله في 5 أغسطس 2023 إن "الترسيم الحدودي البري مع الجانب الكويتي، جاء وفقا لقرار مجلس الأمن المرقم 833 لعام 1993، الذي تبدي حكومة العراق التزامها التام بشأنه، وإيفاءها بالالتزامات الدولية ذات الصلة".

وفي 1993، حددت الأمم المتحدة الحدود البحرية والبرية بين البلدين، إثر غزو العراق للكويت في أغسطس 1990، إبان عهد صدام حسين، قبل أن يتم إخراج قواته بعد 7 أشهر على يد قوات دولية قادتها الولايات المتحدة خلال حرب الخليج الثانية.

وأشار الصحاف إلى أن "الحدود البرية بين العراق والكويت لم ولن يتطرق إليها التغيير منذ تثبيتها رسميا"، لافتا إلى أن "المساكن الحكومية الكائنة بمحاذاة الدعامات الحدودية التي أثارت ضجة إعلامية بين البلدين، تقع على أرض عراقية قبل تشييدها، ووزارة الخارجية لن تسمح بالمساس بحرمة سيادة البلاد".

بعد آخر

وفي بعد آخر لتوقيت إثارة قضية "أم قصر" قال وزير الدولة العراقي ومحافظ البصرة الأسبق، وائل عبد اللطيف إن "الكويتيين صار لديهم موضوع أكبر من ذلك، ألا وهو حقل الدرة الغازي، والذي يقع ضمن المياه الإقليمية العراقية، على حد قوله.

وأوضح عبد اللطيف لـ"الاستقلال" أن "الكويتيين أرادوا شغل العراق بموضوع إعطائهم منطقة حدودية حتى يكملوا ترتيب كل ما يتعلق باستثمار حقل الدرة الغازي، الذي أدخلوا السعودية، وإيران معهم فيه، وأبعدوا العراق وتشاورا بعيدا عنه، رغم أنه يقع ضمن المياه الحدودية العراقية".

وتابع: "لذلك إثارة  موضوع أم قصر يحمل بعدا سياسيا، وإشغال كويتي للعراق لحين استكمال مستلزمات الهيمنة على البحر، رغم أن الكويت لديها 6 أميال فقط بموجب القانون الدولي البحري، بينما العراق يمتلك 12 ميلا، ويرتبط مع 200 ميل، تمثل المنطقة الاقتصادية".

ولم يستبعد عبد اللطيف أن "قضية أم قصر جرى استغلالها من أطراف سياسية في الداخل العراق للدعاية الانتخابية، وأيضا للفساد والحصول على المال الحرام، من خلال استثمارها بطرق عدة"، وفق وصفه.

وكانت لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية في البرلمان العراقي، أعلنت في وقت سابق أن الكويت والسعودية لا يحق لهما التنقيب في حقل الدرة الغازي.

وقالت عضو اللجنة، زينب الموسوي، خلال تصريح صحفي نقله موقع "شبكة أخبار العراق" في 16 يوليو 2023، إن "الوثائق التاريخية في المنطقة البحرية تؤكد أحقية العراق بحقل الدرة الغازي، وذلك استنادا إلى (قانون البحار)".

وأضافت الموسوي، أن "الكويت والسعودية أو اي دولة أخرى لا يحق لها التنقيب في حقل الدرة"، لافتة إلى أن “احتياطي الغاز القابل للاستخراج منه يقدر بنحو 200 مليار متر مكعب”.

ويقع حقل غاز الدرة في المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية، ويُعرف باسم "آرش" في المنطقة التي يصبح فيها مشتركًا مع إيران.

لكن القانون البحري (الدولي) واتفاقية قانون البحار تؤكدان أنه يعود بأكمله إلى العراق وليس للدولتين الخليجيتين، وفقا لما نقلته "شبكة أخبار العراق".

ولم تكشف أي جهة عراقية أو خليجية حتى يوم 7 أغسطس 2023 عما تضمنه القانون البحري الدولي أو اتفاقية قانون البحار بخصوص حقل الدرة الغازي وعائداته.

ويحتوي الحقل الذي اكتشف عام 1960 على مخزون كبير من الغاز، ويقدر احتياطي الغاز القابل للاستخراج من حقل الدرة بنحو 200 مليار متر مكعب، إضافة إلى أكثر من 300 مليون برميل نفطي.

وفي 21 مارس/آذار 2022، وقعت الكويت وثيقة مع السعودية لتطوير حقل الدرة، إذ أعلنت مؤسسة البترول الكويتية (حكومية)، أن مشروع من شأنه إنتاج مليار قدم مكعب قياسية من الغاز الطبيعي، و84 ألف برميل من المكثفات يوميا، مؤكدة أنه "سيجرى تقسيم الإنتاج بالتساوي بين البلدين".

وفي خطوة أثارت حفيظة الكويت والسعودية، أعلنت إيران جهوزيتها الكاملة للبدء في حفر حقل الدرة (آرش على الجانب الإيراني) للغاز الطبيعي، وهو ما رفضته الدولتان الخليجيتان، مؤكدتان أنهما فقط لهما الحق باستغلال ثرواتها، واستعدادهما للتفاوض مع طهران كطرف واحد.

وكان رئيس شركة النفط الوطنية الإيرانية (حكومية)، محسن خجسته مهر، أعلن في 4 يوليو 2023 أن "هناك استعدادا كاملا لبدء الحفر في حقل آرش، وقد وافقنا على تخصيص موارد كبيرة لتنفيذ خطة تطويره بمجلس إدارة الشركة، وسنبدأ الحفر مع تهيئة الظروف".