إقالة وزير خارجية الصين.. لأسباب سياسية أم بسبب علاقة خارج الزواج؟

استعرضت "إذاعة صوت أميركا (VOA)" الظروف الغامضة التي أقيل فيها وزير الخارجية الصيني، تشين قانغ، بعد حوالي سبعة أشهر فقط من تعيينه.
وفي 25 يوليو/تموز 2023، صوت البرلمان الصيني - أعلى هيئة لصنع القرار في البلاد- على عزل "قانغ"، وإعادة تعيين سلفه، وانغ يي، الذي يترأس أيضا لجنة العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي.
وفي مساء اليوم نفسه، بالتوقيت المحلي الصيني، أزالت بكين معلومات قانغ من موقع وزارة الخارجية الصينية على الإنترنت، وفق الإذاعة.
ويقول المحللون، إن التعديل الوزاري المفاجئ بعد أسابيع من اختفاء "تشين قانغ" عن الأنظار، يعكس الاضطرابات في النظام الدبلوماسي الصيني، مشيرين إلى أنه سيكون له تأثير سلبي على انخراط بكين مع الدول الأخرى.
وأفادت إذاعة صوت أميركا أنه "لطالما كان يُنظر إلى الدبلوماسي، البالغ من العمر 57 عاما، على أنه أحد الحلفاء الموثوقين لدى الزعيم الصيني، شي جين بينغ".
وكان قانغ قد عُين وزيرا لخارجية الصين في ديسمبر/كانون الأول 2022، بعد أن عمل سفيرا للولايات المتحدة خلال جائحة كورونا.
واختفى الوزير المُقال عن الأنظار بعد اجتماعه بمسؤولين من سريلانكا وفيتنام وروسيا في 25 يونيو/حزيران 2023.
وعندما غاب "تشين قانغ" عن اجتماع رفيع المستوى لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في إندونيسيا، اقتصر التفسير الرسمي لذلك على أنه يعاني من "مشكلات صحية"، لم يحددها البيان.
هذا النقص في المعلومات الواردة من وزارة الخارجية الصينية، أدى إلى طرح تكهنات بأنه كان يعاقَب إما لأسباب سياسية، أو بسبب علاقة خارج نطاق الزواج.
انتهاء مستقبله السياسي
وفي حديثه إلى الإذاعة الأميركية، قال الأكاديمي الصيني المستقل، وو تشيانغ إن المستقبل السياسي لـ"قانغ" قد انتهى.
وأردف: "أعتقد أن سلفه وانغ يي لن يلعب سوى دور انتقالي، وسط هذه الأزمة المستعرة في النظام الدبلوماسي الصيني".
وأضاف أن "تنحية تشين قانغ، والشائعات التي ارتبطت باختفائه، تعكس مستوى عدم اليقين داخل القيادة العليا في الصين".
ووفق الإذاعة، فإن وسائل الإعلام الحكومية الصينية لم تقدم مزيدا من التفاصيل بشأن عزل قانغ، لكنها أتت بعد أسابيع من التكهنات بشأن اختفائه المتواصل.
وأكدت أن "نقص المعلومات حول وضعه هو حلقة في سلسلة ممارسات الحزب الشيوعي الصيني طويلة الأمد، المتمثلة في عدم مناقشة القضايا الحساسة علنا".
من جانبه، قال الخبير في السياسة الخارجية للصين في جامعة سنغافورة الوطنية، إيان تشونغ: "لا يوجد تفسير لإقالة تشين قانغ، مما يخلق انطباعا بانعدام الإجراءات القانونية الواجبة، ووجود حالة من عدم اليقين، والتعسف".
وفق "إذاعة صوت أميركا"، فإن كثيرين يعتقدون أن قانغ -الذي يُنظر إليه على أنه أحد أبرز ممثلي الصين في جميع أنحاء العالم- قد لعب دورا محوريا في تسهيل استعادة الاتصالات بين بكين وواشنطن في الأسابيع الأخيرة.
ويقول بعض المراقبين إن الترقي السريع لـ"قانغ" في المناصب، يعكس المخاطر التي تُصاحب "سياسة الرجل الواحد"، التي يطبقها شي جين بينغ، حيث لم تعد تعيينات موظفي الدولة تُحدَّد عبر عملية مراجعة داخلية قوية.
بدوره، يرى الخبير في السياسة الصينية في جامعة سنغافورة الوطنية، ألفريد وو، أن "الصين اعتادت على أن تكون صارمة للغاية فيما يتعلق بتعيين موظفيها، ويتضمن ذلك مراجعة خلفية المرشحين لشغل المناصب المختلفة، والتشاور مع شتى الجهات المعنية".
وأضاف في حديثه لإذاعة صوت أميركا أن "عملية صنع القرار، التي تتركز في قبضة شي جين بينغ، عطلت الضوابط والتوازنات التي كانت موجودة في الحزب الشيوعي". وأكد "ألفريد وو" أن "النظام الصيني مُعَطّل".
تقليل أثر الإقالة
ويعتقد المحللون أن قرار استبدال "قانغ"، وتعيين شخصية من ذوي الخبرة مثل "وانغ"، يعكس رغبة القيادة العليا في الصين لتقليل تأثير التغيير المفاجئ في رأس وزارة الخارجية.
وأضاف "تشونغ"، من جامعة سنغافورة الوطنية، أنه "في هذه المرحلة، قد لا تكون القيادة واثقة من نواب تشين قانغ، لذلك يأملون في تعيين شخص يمثل درجة معينة من الثقة والاستمرارية كوزير لخارجية الصين".
وتابع الخبير الصيني المستقل "وو" أن بكين تأمل في تقليل تأثير عزل قانغ من خلال تعيين شخصية مألوفة مثل "وانغ" في منصب وزير الخارجية.
وأوضح أن "بكين تريد أن تسيطر بعض الشيء على مدى الضرر الذي قد تتعرض له علاقاتها الخارجية، ولذا، فإن تعيين وانغ يمكن أن يتجنب زيادة حالة عدم اليقين".
ووفق الإذاعة الأميركية، فإن "وانغ يي، الذي شغل منصب وزير خارجية الصين بين عامي 2013 و2022، هو الآن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي، وهو ما يرى بعض الخبراء أنه قد يكون له نتائج عكسية على تنفيذ السياسة الخارجية للصين".
ومن جانبه، أكد الخبير في السياسة الصينية بجامعة أستراليا الوطنية، وين تي سونج، أنه "قد يُنظر إلى تعيين وانغ بصفته ترتيبا انتقاليا، وهذا يضر بفاعلية التواصل الدولي الصيني".
ويعتقد "سونج" أن "القدرة على التنبؤ، والشفافية، أمران أساسيان لإضفاء الطابع الرسمي والجدي على الحوارات بين الدول، ولبناء الثقة".
سياسة خارجية ثابتة
وتأتي إقالة "تشين قانغ" وسط جهود الصين لاستئناف أنشطتها الدبلوماسية، بعد الخروج من إغلاق دام ثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا.
وخلال الأشهر الأخيرة، عقد "شي" اجتماعات ثنائية مع العشرات من قادة العالم، ونظمت بكين عدة اجتماعات دولية مع الحلفاء في أجزاء مختلفة من العالم، وفق الإذاعة.
ويعتقد الخبير الصيني "وو" أن "التغيير المفاجئ في النظام الدبلوماسي الصيني لن يؤثر على اتجاه السياسة الخارجية للصين، حيث يعمل وزراء الخارجية بشكل أساسي على تنفيذ السياسة الخارجية وليس رسمها".
وأضاف "وو"، في تصريحاته لإذاعة صوت أميركا، أنه بغض النظر عن وزير الخارجية، فإن الصين ستلتزم بـ"دبلوماسية رئيس الدولة" في المستقبل القريب.
وأفاد بأن أولوية الدبلوماسية الصينية في المرحلة المقبلة، ستكون قمة "المنتدى الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (آبيك)"، التي ستعقد في الولايات المتحدة، نهاية عام 2023.
وعلى الرغم من أن اتجاه السياسة الخارجية للصين سيظل دون تغيير، يرى "وو" أن "تأثير الأسلوب الشخصي للوزير على السياسة الخارجية سيضعف بشكل أكبر، مع تولي وانغ المنصب".
وأوضح أنه "من المرجح أن يضطر وانغ إلى تعديل أسلوبه الدبلوماسي المتشدد، وأن يعتمد نهجا أكثر اعتدالا؛ لأن هذا هو ما تحتاجه الصين عند التعامل مع مجموعة واسعة من التحديات الدبلوماسية".