قانون مكافحة الهجرة غير النظامية.. لماذا أثار الرأي العام المحلي والدولي ضد بريطانيا؟ 

لندن - الاستقلال | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

"غير إنساني وقاسٍ وغير فعال"، بهذه العبارات واجه سياسيون معارضون ومنظمات حقوقية مدنية، إقرار بريطانيا قانونا جديدا يهدف إلى "مكافحة الهجرة غير النظامية" لكن بطرق تعسفية.

وأقر البرلمان البريطاني في 18 يوليو/ تموز 2023 مشروع قانون مثير للجدل بشأن الهجرة يمنع خصوصا المهاجرين الذين وصلوا إلى المملكة المتحدة بشكل غير قانوني من طلب اللجوء في هذا البلد.

وبعد احتجاز المهاجرين غير النظاميين، تريد حكومة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ترحيلهم بأسرع ما يمكن، إما إلى بلدانهم الأصلية أو إلى بلد ثالث مثل رواندا، أيا كان البلد الذي أتوا منه.

إصرار حكومي

ويشكل هذا التشريع حجر الزاوية في مشروع سوناك لمحاربة الهجرة غير النظامية، الملف الذي وضعه في أعلى سلّم أولوياته.

ووعد رئيس الوزراء بـ"وقف" وصول المهاجرين غير النظاميين إلى بلاده عبر بحر المانش على متن قوارب صغيرة تنطلق غالباً من السواحل الفرنسية القريبة.

وفي عام 2022، وصل إلى سواحل إنكلترا على متن هذه القوارب أكثر من 45 ألف مهاجر، في رقم قياسي. وتجاوز عددهم منذ مطلع العام 13 ألف شخص، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.

وكان مشروع قانون الهجرة غير النظامية عالقا في معركة بين مجلس العموم بالبرلمان ومجلس اللوردات "الغرفة العليا غير المنتخبة في بريطانيا"، والذي أجرى مرارا تغييرات على التشريع لتخفيفه.

وبشكل مبدئي، سيساعد التشريع الحكومة لإرسال عشرات الآلاف من طالبي اللجوء الذين يصلون إلى شواطئها لمسافة تزيد عن (6400 كيلومتر) إلى رواندا.

وسيمكن التشريع الحكومة من منع الأشخاص الذين يصلون إلى بريطانيا دون إذن من طلب اللجوء وترحيلهم إما إلى بلدهم الأصلي أو إلى ما يسمى بالدولة الآمنة مثل رواندا.

وتتهم لندن طالبي اللجوء الذين يدخلون أراضيها خلسة بأنهم "يتخطون الطابور" على حساب أولئك الذين يدخلون البلاد بصورة قانونية وآمنة.

وهذا النص أثار انتقادات واسعة داخل المملكة المتحدة، من جانب منظمات حقوقية دولية، التي أكدت أن الطرق الآمنة والقانونية نادرا ما تكون متاحة لمعظم الفارين من الحروب الذين غالبا ما يكونون غير قادرين على الحصول على جوازات سفر أو تأشيرات.

وفي عام 2022، أبرمت بريطانيا صفقة مبدئية بقيمة 140 مليون جنيه إسترليني (180 مليون دولار) مع رواندا، لإرسال المهاجرين غير النظاميين إليها، لكن لم يجر تنفيذ أي عمليات ترحيل بعد بموجب هذا الاتفاق.

وكان مقررا إجراء أول عملية ترحيل في يونيو/ حزيران 2022، لكن الرحلة الجوية جرى إلغاؤها بعد قرار من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

وفي نهاية الشهر المذكور، أعلن القضاء أن هذا الاتفاق غير قانوني، لكن الحكومة البريطانية أعلنت عزمها استئناف هذا الحكم.

سابقة قانونية

ولذلك سارعت الأمم المتحدة إلى التنديد بالقانون الجديد، مؤكدة أنه يتعارض مع القانون الدولي ويرسي سابقة مثيرة للقلق.

وقال رئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك ورئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيان مشترك إن مشروع القانون "يتعارض مع التزامات البلاد بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان واللاجئين".

وحذر المسؤولان الأساسيان في الأمم المتحدة في بيانهما المنشور بتاريخ 18 يوليو، من أن هذا القانون "ستكون له عواقب وخيمة على الأشخاص الذين يحتاجون إلى الحماية الدولية".

وأوضحا أن مشروع القانون ينشئ سلطات احتجاز تتمتع بصلاحيات واسعة وتخضع لإشراف قضائي محدود.

وقالا إن التشريع الجديد "يقوض بشكل كبير الإطار القانوني الذي وفر الحماية للكثيرين، ويعرض اللاجئين لمخاطر جسيمة في انتهاك للقانون الدولي".

وفي بيانهما، ذكر المسؤولان الأمميان بأن اتفاقية اللاجئين لعام 1951 تعترف صراحة بأنه يمكن أن يضطر اللاجئون لدخول بلد اللجوء بشكل غير قانوني.

وحذرا من خطر أن يرسي هذا التشريع البريطاني "سابقة قانونية" تتبعها دول أخرى، بما في ذلك في أوروبا

كما حذرا من أنه من دون ترتيبات ترحيل قابلة للتطبيق، سيبقى مئات آلاف المهاجرين في بريطانيا إلى أجل غير مسمى في أوضاع قانونية محفوفة بالمخاطر.

ورأيا أن "إجراء عمليات الإبعاد في ظل هذه الظروف يتعارض مع حظر الإعادة القسرية والطرد الجماعي والحق في الإجراءات القانونية الواجبة ومع الحياة الأسرية والخاصة ومع مبدأ المصالح الفضلى للأطفال المعنيين".

ولفت تورك وغراندي إلى أن التشريع البريطاني الجديد لا يتضمن أي ضمانات بأن طالبي اللجوء سيكونون قادرين على الحصول على الحماية في رواندا، وسيعرضهم "لخطر الاحتجاز والفقر المدقع".

أما رئيس أساقفة كانتربري جاستين ويلبي، وهو الزعيم الروحي للكنيسة الأنغليكانية وعضو أيضا في مجلس اللوردات، فهو من أشد المعارضين لهذا القانون.

وقال أسقف كانتربري خلال المناقشات في مجلس اللوردات "لست أرى كيف سيسمح هذا النص بإيقاف قوارب المهاجرين"، مضيفا "لم أسمع أي شيء أقنعني".

من جانبه، قال "مجلس اللاجئين" وهو منظمة غير حكومية بريطانية "هذا يوم مظلم" لسمعة بريطانيا و"لحظة خطرة" للساعين للحصول على حماية، مشددا على أن "الكفاح من أجل نظام لجوء عادل وإنساني مستمر".

فوضى اللجوء

بدروها، قالت إيفيت كوبر، النائبة في حزب العمال المعارض إن القانون الجديد "خدعة ستزيد من فوضى اللجوء في حزب المحافظين".

وقالت وفق ما نقلت شبكة "بي بي سي" بتاريخ 19 يوليو 2023، إن "تراكم طلبات اللجوء هو رقم قياسي، وعدد الأشخاص في الفنادق لا يزال في ازدياد، وخطة رواندا تتفكك، وعبور القوارب في يونيو 2023 كان أعلى من عام 2022".

من جانبها، نقلت شبكة "سي إن إن" الأميركية عن آدم فاغنر وهو محام بارز في مجال حقوق الإنسان قوله: "سيمنع مشروع القانون مجموعة كبيرة من اللاجئين المستضعفين للغاية من الاعتماد على حماية حقوق الإنسان، من خلال ترك الأمر لوزير الداخلية لتقرير من يجب حمايته ومن يجب ترحيله - واستبعاد المحاكم بالكامل تقريبا".

وفي وجهة نظر ثانية منتقدة للقانون الجديد، توضح زوي غاردنر الخبيرة البارزة في شؤون اللاجئين والهجرة، أنه "حتى لو نجح مشروع القانون على النحو المنشود لا يزال هناك الآلاف من الأشخاص الذين يشعرون أنهم سيكونون أكثر أمانا عند القدوم إلى المملكة المتحدة. هؤلاء الناس لن يختفوا. إنهم يقومون بهذه الرحلات لأنهم يريدون أن يتم العثور عليهم".

وتضيف غاردنر لـ"سي إن إن"، أن مشروع القانون "يقلل من احتمالية النظر في طلب اللجوء في المملكة المتحدة إذا قدموا عبر طريق من المرجح جدا أن يتم رؤيتهم فيه ومنحهم الفرصة لتقديم أنفسهم إلى السلطات".

ومضت تقول: "قد يؤدي هذا، بالتالي إلى حافز خطير للدخول إلى بريطانيا وعدم العثور عليهم، وهذا يعني المزيد من الأشخاص الذين يعيشون بدون وثائق رسمية داخل المملكة المتحدة والذين يصبحون بعد ذلك عرضة للعبودية الحديثة والاتجار بالجنس".

تعاطف مع اللاجئين

لكن رغم العين الحمراء من الحكومة البريطانية تجاه المهاجرين غير النظاميين، إلا أن التعاطف الشعب مع هؤلاء ما يزال حاضرا.

فعلى سبيل المثال يبدي عضو مجلس بورتلاند العمالي، بول كيمبر، تعاطفه مع الرجال الذين سيصلون للإقامة في بارجة "بيبي ستوكهولم" التي سيقيم عليها حوالي 500 طالب لجوء بعدما وصلت بتاريخ 18 يوليو/تموز 2023 إلى ميناء بورتلاند في جنوب بريطانيا، في خطوة تريد من ورائها الحكومة تخفيف كلفة إقامة اللاجئين غير النظاميين في الفنادق.

وقال كيمبر لـ صحيفة "الغارديان: "اعتراضاتنا هي أن وجود البارجة هنا سيكون بمثابة سجن بالنسبة لهم. نحن لسنا ضد اللاجئين، نحن نرحب بهم هنا".

ونقلت صحيفة "الغارديان" عن فيليب مارفليت من منظمة "الوقوف ضد العنصرية" قوله: إن طالبي اللجوء سيكونون موضع ترحيب.

وأضاف أن المتطوعين عرضوا عليهم تلقي دروس في اللغة الإنكليزية وجلسات قانونية والترحيب بهم في أندية الكريكيت وكرة القدم.

وتابع: "يتقدم عدد كبير جدا من الناس عبر ويموث وبورتلاند لدعمهم.. لكن العداء يؤجج بإستراتيجية وسياسة الحكومة".

كما وصفت الجمعيات الخيرية تمرير مشروع القانون بأنه "يوم أسود"، في حين وصفه رئيس حزب العمل جيس فيليبس بأنه "حلم تاجر.. وأداة للسيطرة عليهم".

ومضى يقول: "يعرض المُتجِرون اليوم صور عبيدهم عن المكان الذي سينتهي بهم الأمر إلى الاحتجاز على متن مركب ضخم، أو يتم ترحيلهم إلى الوطن مباشرة إلى أولئك الذين قاموا بالاتجار بهم في المقام الأول".

بينما قال إنور سولومون، الرئيس التنفيذي لمجلس اللاجئين: "إن مشروع القانون الإجمالي لا يزال غير قابل للتطبيق، وسيؤدي إلى البؤس البشري وتكلفة باهظة لدافعي الضرائب".