رأس حربة إسرائيل.. لماذا يخدم الدروز العرب في جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين؟ 

محمد النعامي | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

رغم تداركها لاحقا وبشكل مؤقت، أشعلت الأزمة الأخيرة بين "حلفاء الدم" ممثلين بحكومة الاحتلال والدروز، إنذارا متجددا حول مستقبل العلاقة المشتركة.

واندلعت مواجهات بين شرطة الاحتلال ومتظاهرين دروز في شمال هضبة الجولان السورية المحتلة، احتجوا على إقامة مولدات رياح ضمن مشروع استيطاني في قراهم. 

وقالت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، في 20 يونيو/حزيران 2023، إن اشتباكات وقعت بين الشرطة والمتظاهرين الدروز، أدت إلى عدة إصابات في صفوفهم؛ جراء استخدام القوات الأمنية وسائل تفريق الاحتجاجات.

وأشعل المتظاهرون إطارات السيارات، ورشقوا عناصر الشرطة بالحجارة والألعاب النارية. وأغلقت شرطة الاحتلال الطرق المؤدية إلى المنطقة لمنع تدفق المتظاهرين الذين تجمعوا في بلدة "الروم" شمالي الجولان المحتل، واستخدمت المياه العادمة لتفريقهم.

وكانت قيادات أهلية درزية دعت جميع أبناء الطائفة بما في ذلك بمنطقة الجليل، للتوجه إلى الجولان والانضمام للتظاهرة.

وأعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو 4 يوليو/تموز 2023، وقف مشروع التوربينات لمدة شهر، بعد تحركات حكومية وضمن إطار الجيش والمؤسسة الأمنية.

ومع تولي هرتسي هليفي رئاسة أركان جيش الاحتلال، يناير/كانون الثاني 2023، تواصل عدة مرات مع زعيم الطائفة الدرزية في الأراضي المحتلة، موفق طريف، آخرها مع الاحتجاجات الدرزية بسبب توربينات الهواء.

وزار هيلفي الزعيم الدرزي في مقر إقامته شمال فلسطين المحتلة، 23 يونيو 2023، وأكد أن "أبناء الطائفة الدرزية يسهمون بشكل استثنائي في ضمان أمن الدولة من خلال الخدمة في صفوف الجيش".

كما أنهم يشكلون جزءا لا يتجزأ من متانة الجيش البشرية باندماجهم الكامل والجدير بكل تقدير في الوحدات القتالية، وفق قوله. فيما حذر طريف من أنه قد يتخذ "إجراءات معينة إذا ما تواصل استهداف أبناء الطائفة".

رفض الخدمة

وبحسب إحصائية رسمية تعود لعام 2019، فإن تعداد الدروز بلغ 143 ألف نسمة، بنسبة 1.6 بالمئة من سكان إسرائيل، ونسبة 7.6 بالمئة من مجمل السكان العرب فيها موزعين على العديد من المناطق، لا سيما الجليل والكرمل والجولان.

وتبلغ نسبة الدروز، الذين يؤدون الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال 85 بالمئة، وهي تفوق نسبة اليهود المنخرطين فيه.

وعقد ما يسمى بحلف الدم بين الطائفة الدرزية ودولة إسرائيل، في نوفمبر/تشرين الثاني 1947 بعد قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين.

أصبح حلفا حقيقيا مع بداية النكبة بالعام التالي، كما شارك الدروز في معارك العصابات اليهودية ضد الفلسطينيين والجيوش العربية.

وفي 1956، وبعد عقد اتفاق مع زعيم الطائفة الدرزية، جرى سن قانون يلزم الدروز بالالتحاق بالجيش إجباريا.

وفي 1974 نشأت الكتيبة الدرزية المسماة "حيرف"، وهي قوة برية في عداد القوات النظامية للجيش، معظم جنودها من الدروز.

ومنذ بداية التجنيد الإجباري للدروز وحتى نهاية عام 2022، بلغ عدد قتلى الجيش الإسرائيلي من بين الطائفة الدرزية 429.

ومع مرور الوقت، أصبح الدروز مكونا أساسيا في جيش الاحتلال، وهو ما أولى الأزمة في الجولان اهتماما كبيرا في إسرائيل.

ورغم الانغماس الكبير للدروز في الجيش، فإن هناك فئة غير راضية عن استخدام الاحتلال لهم كأداة قتل ضد شعبهم.

وبدأت نسبة رفض الدروز للخدمة العسكرية بجيش الاحتلال بالازدياد مع اندلاع معارك مع الفلسطينيين، تمثلت في انتفاضة الحجارة 1987، وانتفاضة الأقصى 2000، وحروب غزة.

وأعلن النقيب في جيش الاحتلال عمير جمال انسحابه من الخدمة أبريل/نيسان 2021، وطالب قادة الطائفة الدرزية بدعوة الشباب لرفض سياسة التجنيد الإلزامي، والعمل على وقفها.

أما الشيخ نمر نمر من لجنة المبادرة الدرزية أعلن عام 2019 "رفض الخدمة الإجبارية في الجيش من منطلقات قومية ووطنية، وضميرية وأخلاقية وإنسانية معا".

وأردف: "نحن عرب أقحاح شاءت إسرائيل أم أبت، والحكومات المتعاقبة دأبت على فرض هذه الخدمة لدق أسافين التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وتجزئته إلى طوائف".

ونظمت لجنة المبادرة العربية الدرزية في الأعوام ما بين 2012 و2021 قرابة 265 نشاطا مناهضا للخدمة العسكرية، لزيادة الوعي بخطورتها.

تمثلت النتيجة بارتفاع نسبة رافضي الخدمة الإجبارية بالجيش، وقدرت في نهاية عام 2021 بـ60 بالمئة.

جدير بالذكر أن رافضي التجنيد الإجباري من الدروز في الجيش الإسرائيلي يتعرضون لمحاكمات عسكرية، التي تحاكمهم بالسجن من 5 إلى 30 يوما.

ثم يطلق سراحه ليجرى استدعاؤه مرة أخرى، والحكم عليه بالسجن فترة مماثلة، وهي أحكام قد تتكرر مرات عدة، في محاولة للضغط على رافض التجنيد للتأثير على قراره، ودفعه للعودة عنه، قبل تحويل ملفه للنيابة العسكرية.

تمييز عنصري

ويعترض الدروز على قوانين سنت للإضرار بهم وتجاهلت ما قدموه لكيان الاحتلال مثل “قانون القومية” الذي يشكل على حد قولهم قانونا عنصرياً، يمس بالولاء التاريخي للطائفة الدرزية لإسرائيل ويعدها دولة يهودية.

وأيضا “قانون كمنتس”، الذي يمس بشدة بآلاف الشبان الدروز الذي يبنون بيوتهم في بلداتهم بعد الخدمة العسكرية، ثم يغرمون بغرامات فادحة وفقاً للمادة 116 من قانون التخطيط والبناء. 

يستهدف القانون تشديد الإنفاذ والعقاب في الوسط العربي والدرزي أساسا، ورغم وعد إسرائيل لهم بتعديله فقد بقي نافذا.

وبدوره، قال المختص في الشؤون الإسرائيلية سعيد بشارات إن الدروز العرب يتجندون في الجيش بنسبة أعلى من اليهود، ويقدمون لدولة الاحتلال ما لم يقدمه اليهود لها؛ ورغم ذلك حصلوا منها على لا شيء.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "تخشى إسرائيل فقدان هذا الذخر البشري من الجنود الدروز في وحداتها القتالية، فهم ينفذون مهاما يستحيل على الجنود اليهود القيام بها وخصوصا فيما يتعلق بالعمليات العسكرية ضد الفلسطينيين ووحدات المستعربين".

وأوضح أن أسوأ ما يمكن أن يحصل لجيش الاحتلال هو بداية تنفيذ التهديدات بعدم حضور الشبان الدروز لمكاتب التجنيد في الخدمة العسكرية، لهذا نشطت تحركات على أعلى المستويات في سبيل احتواء الغضب الدرزي.

وشدد بشارات أنه على الرغم من الأهمية العظمى للدروز في جيش الاحتلال ومؤسساته الأمنية، فإن إسرائيل ماضية بسياسة التمييز العنصري ضدهم، وهناك حد للدرزي في الترقي في الرتب، حيث إن المناصب السيادية لليهود فقط.

وتابع أن "قانون القومية اليهودية هو أكبر مؤشر للعنصرية الإسرائيلية ضد الدروز، حيث نزع صفة المواطنة عنهم وجعلها حصرا لليهود، وهم مجرد زاور ومقيمين، ويضرب بعرض الحائط كل الضمانات والوعود التي حصلوا عليها مقابل الالتزام في الخدمة العسكرية". 

وأكد المختص أن الدروز يعانون أيضا من مصادرة الأراضي في قراهم شمال فلسطين، سواء للمشاريع الحكومية أم بحجة عدم امتلاك أوراق ثبوتية، فهم الخاصرة الأضعف بنسيج مجتمع الاحتلال.

وذكرت قناة كان العبرية في يونيو 2023، أن المخاوف الكبرى لدى إسرائيل هي تكرار سيناريو المتطوعين البدو في جيش الاحتلال مع حالة الطائفة الدرزية.

وحسب القناة، فقد كان هناك مئات الآلاف من البدو يتجندون في جيش الاحتلال، ولكن اليوم تقريبا لا يوجد أحد يتطوع.

ويعود ذلك إلى النهضة الوطنية والدينية، وكذلك التمييز العنصري اليهودي ضدهم وضد مجتمعاتهم.

سلاح دموي

 

ومن جانبه، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية فايز أبو شمالة إن العلاقة بين الدروز ودولة الاحتلال ممتدة منذ قيام كيان إسرائيل عام 1948 بعد النكبة.

إذ تعهد الدروز منذ ذلك الحين بالولاء والتحالف والخدمة العسكرية للاحتلال في مقابل امتيازات وعدم معاملتهم معاملة الفلسطينيين.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "المنطلق الدرزي في حينه كان يستند على افتراض أن إسرائيل باقية للأبد وأن القضية انتهت، وعليهم التكيف ومحاولة تحصيل ما يستطيعون تحصيله من حقوق وامتيازات وظروف اجتماعية واقتصادية، في مقابل خدمة الاحتلال عسكريا وأمنيا ومدنيا".

وشدد الكاتب الفلسطيني على أن الاحتلال استغل ولاء الدروز المطلق أقذر استغلال، حيث سلطهم ضد شعبهم، في الجيش الإسرائيلي والشرطة والقوات الخاصة وفي السجون، وجعلهم إحدى الأدوات الأساسية لقتل الفلسطينيين.

وتابع أن "الدروز أصحاب الملامح واللهجة العربية، باتوا مكونا أساسيا لقوات المستعربين الإسرائيلية التي تتنكر بالزي الفلسطيني والمركبات المدنية وتتسلل للأراضي الفلسطينية، وتنفذ عمليات الاغتيال والاعتقال والقمع، كونهم لا يثيرون الشك".

وأوضح أبو شمالة أن وجود الدروز في جيش الاحتلال أنجح جزءا كبيرا من عملياته، وخصص لهم مكان في الوحدات الخاصة مثل الدوفدوفان، واليمام، وسيرت متكال، وكذلك ألويته المقاتلة الموجهة لغزة والضفة والأراضي المحتلة.

وأكد أن الجندي الدرزي رخيص الثمن حال مقتله بالمقارنة مع اليهودي، لذلك يعمد الجيش إلى وضعهم في المقدمة في الحروب مع غزة أو جنين وكل مكان فيه نسبة خطر كبيرة ومن خلفهم يكون اليهود.

وأضاف: "جميعنا نتذكر الضابط الدرزي غسان عليان الذي كان قائد قوات جفعاتي في جيش الاحتلال في حرب غزة عام 2014، ودفعت به قيادته مع جنوده للشجاعية (شرق المدينة) وأصيب هناك بكمين لكتائب القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس) بإصابة أبعدته عن منصبه".

ونوه المختص إلى أن الاحتلال يتعمد وضع الجنود الدروز على الحدود مع غزة، فإذا وقعت عملية أسر لأحدهم وكان درزيا فإن تحريره بصفقة تبادل لن يكون مطلبا شعبيا ملحا، ولن يتعرض الشارع لضغط كبير كما لو كان الجندي يهوديا.

ورأى أن العديد من الحروب والوقائع في الصراع العربي الإسرائيلي صدمت الدروز وبينت لهم أنه لا مستقبل لإسرائيل وخصوصا منذ الانتفاضة الأولى، وبشكل ملحوظ يتزايد رافضو الخدمة الإلزامية منهم في صفوف جيش الاحتلال.

وبدوره، قال الأسير المحرر زياد مساعد في حديث لـ "الاستقلال"، إن الدروز عنصر أساسي من نظام التحقيق والتعذيب للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، والاعتماد عليهم أصبح أكبر من الضباط الإسرائيليين الذين تعلموا اللغة العربية.

ولفت إلى أنه "في السجون، من يحقق ضابط درزي، تراه يتحدث العربية بطلاقة فهي لغته، ويتكلم بالعبرية مع الضابط الإسرائيلي المرافق له بالتحقيق ويشرف على تعذيب الأسرى والوصول لأقاربهم وزوجاتهم لابتزاز الأسير للاعتراف".

وبين أن الدروز يتعاملون بنفس العدائية التي يتعامل بها جنود الاحتلال وربما بشكل أكبر، رغم الرابط العربي الذي يفترض أنهم ينحدرون منه.

وتابع مساعد بالقول: "يظهر الضباط الدروز سخريتهم بعد الحكم على الأسير بحكم عال، وينقلون للأسرى أخبار الشهداء والمجازر بشماتة وتشفٍّ، وخصوصا في حال استشهاد شقيق أو قريب لأحدهم".