المصريون يلقنون نظام السيسي صفعة إلكترونية فشل ذبابه في صدها.. ماذا حدث؟

إسماعيل يوسف | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

منذ اعتراف رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في أبريل/نيسان 2016 بتشكيله لجان إلكترونية تتبع السلطة لـ"السيطرة على مواقع التواصل"، وبدأت الجماهير تعانده وتكثف انتقاداتها لنظامه، رغم هذه اللجان.

اللجان، التي كشف تقرير سابق لـ"الاستقلال" أن أصحابها يتقاضون رواتب مجزية ومزايا، ويقارب عددهم ألفين من الشباب المقربين للنظام، يقودهم عسكريون، بدأت تحليلات تقنية أخيرا تفضح عملها وترصد تراجع تأثيرها بصورة لافتة.

فعقب واقعة قتل ضابط الجيش ربة أسرة في مجمع سكني بمدينة "مدينتي" على أطراف القاهرة، وإصابة أسرتها جميعها دهسا بسيارته على خلفية خدش بسيط في سيارته، حاول نظام السيسي التعتيم على الحادث الذي وقع مطلع يوليو/ تموز 2023.

فقام "أمن مجمع مدينتي" بالتواصل مع المقيمين فيه، بحسب سكان، لحذف المنشورات كافة التي تتعلق بالحادثة، ومضت 24 ساعة من التعتيم الأمني، قبل أن يُنشر أول فيديو يوثق حادثة الدهس، ليكون الدليل الوحيد على الجريمة.

لكن مواقع التواصل نجحت في كشف الأمر، ونشرت مقاطع من كاميرات المراقبة تكشف بشاعة الجريمة، وتضغط على السلطة، بتأكيدها أنه لم يُحاكم وسيضيع حق الأسرة كما حدث في وقائع مشابهة، ما اضطر الجيش للاعتراف بالجريمة أخيرا.

وبعد صمت لجان وإعلام السيسي انتظارا لما سيردهم من تعليمات بخصوص التعامل مع الواقعة، أصدر المتحدث العسكري بيانين يؤكد في الأول التحقيق مع الضابط القاتل عبر النيابة العسكرية، وفي الثاني أنه تمت إحالته لمحكمة عسكرية.

حيث اضطرت الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري للقوات المسلحة على فيسبوك، للإعلان عن تحرير محضر جنايات عسكرية ضد الضابط واتهامه بالقتل العمد وحبسه احتياطياً، ثم إحالته إلى المحكمة العسكرية للجنايات.

فانطلقت اللجان في نغمة واحدة تركز على أنه "لا أحد فوق القانون" وتدافع عن الجيش، رغم أن قوات الجيش ارتكبت، مع الشرطة، سلسلة مذابح بحق المتظاهرين ضد الانقلاب العسكري عام 2013 وقتلت المئات ولم يجر التحقيق مع أي ضابط. 

فضيحة موثقة

عقب حادث "مدينتي" وتهرب لجان وإعلام السيسي من الحديث عنها، ثم عودتهم للترويج أنه لا أحد فوق القانون، لتبريد الغضب الشعبي، نشطت حسابات، تبين أنها " وهمية" للدفاع عن الضابط القاتل، لتكشف ضمنا حجم ضعف هذه اللجان ومحدوديتها وعقليتها.

ويظهر فحص تلك الحسابات تمتعها ببعض الصفات المتشابهة، حيث تقوم بكتابة تغريدة عن يقينها في عدالة النظام المصري وعدم وجود أحد فوق القانون. ثم تقوم بإعادة التغريد من نفس أعضاء الشبكة الذين قاموا بكتابة تغريدات مشابهة.

على سبيل المثال حساب sodohe1700 يدعى ابتسام عامر، قام بكتابة تغريدتين عن الحادثة، حصلت إحدى التغريدات على 7 إعادات تغريد، في حال مراجعة تلك الحسابات سنجد أنها جميعا جزء من الشبكة وقامت بإعادة تغريد من ابتسام وكتبوا كذلك تغريدة من حساباتها متعلقة بالأمر.

تكرر السيناريو ذاته مع بقية حسابات الشبكة على سبيل المثال حساب د/ محمود عطية elsultan30 والذي قام بسرقة صورة طبيب أسنان آخر يدعى د/حاتم البيطار ووضعها صورة شخصية. 

حيث قام محمود بـ 26 إعادة تغريد لحسابات أخرى داخل الشبكة وكتب تغريدتين تضمنتا الرسائل الإعلامية ذاتها.

تشير الأرقام إلى قيام بعض الحسابات بتفاعلات وهمية تصل إلى 60 تفاعلا بين تغريد وإعادة تغريد لنفس الرسائل الإعلامية.

مجموعة من المحللين الشباب قاموا بتحليل لعينة من 10 آلاف تفاعل على هاشتاغ #حادث_مدينتى، فقط فاكتشفوا وجود 117 حساب تم تأسيسها جميعا خلال 24 ساعة من بدء حملة المصريين على السوشيال ميديا ضد ممارسات ضباط الجيش. 

تاريخ إنشاء هذه الحسابات أظهر أن 117 من الـ188 حسابا أنشئ يومي 26 و27 أبريل 2023 بفارق توقيت متقارب بين حساب وآخر، وفق محللي "مجتمع التحقيق العربي" حسبما ذكر موقع "درج" الاستقصائي في 5 يوليو/ تموز 2023.

أيضا تم كشف 188 حساباً جديدا شكلت شبكة أو لجنة من لجان السيسي، حدث بينها 2107 تفاعلات مثلت نسبة نحو 5 في المئة فقط من إجمالي الحسابات المتفاعلة في العينة وهم 4028 حساباً.

وأن تلك الحسابات قامت وحدها بإنتاج نحو 30 في المئة من إجمالي تفاعلات الشبكة البالغة 6924، عبر النقل من حساب وأخر للترويج للحملة التي يقومون بها بين أنفسهم ولإظهار أنهم أكثرية على شبكة التواصل.

وانتشرت هذه الحملة فجأة على مواقع التواصل، وروجت لها اللجان الإلكترونية عقب هجوم المصريين علي ضابط الجيش الذي قتل ربة الأسرة ودهس أسرتها، وكان هدفها الدفاع عن الضابط والجيش بعبارة "محدش في مصر فوق القانون".

لكن تحليل شبكات التواصل الاجتماعي، كشف أن مصدرها مجموعة من الحسابات الوهمية، التي ظهرت للدفاع عن الضابط والجيش، بعدما انزعج نظام السيسي من حجم تعليقات المصريين التي ركزت على عبارة "مفيش ضابط هيتحاكم" التي قالها السيسي عقب الانقلاب العسكري ليشجع ضباطه على قتل المتظاهرين ضده.

بحسب محللي "مجتمع التحقيق العربي" بموقع "درج"، تم جمع وتحليل عينة تقدر بـ 10 ألاف تغريدة، باستخدام أداة Netlytic والتي تتيح للباحثين سحب البيانات عبر تويتر، حيث أظهرت الشبكة وجود 4028 حسابا حدث بينهم 6924 تفاعلا.

أظهر تحليل لشبكة الحسابات المركزة البعيدة عن قلب الشبكة وجود نحو 188 حسابا أنشئ معظمها حديثا، وتدار لتضخيم الرسالة الإعلامية المتسقة مع النظام، التي تشير إلى عدم وجود أحد فوق القانون، وأن الدولة لا تحابي أحدا.

ويرجح هذا النمط وجود سلوك مشترك لتلك الشبكة، ما يرجح إدارتهم من قبل المجموعة ذاتها أو الأشخاص أنفسهم. 

ويشير تحليل تلك الشبكة إلى وجود حملة موجهة داعمة للرواية الإعلامية للدولة التي تختصر بــ "عدم وجود أحد فوق القانون".

وتتبنى هذه الحملة شبكة حسابات أنشئت في تواريخ سابقة، ما يعني استخدامها في نشاطات أخرى، وإمكانية استدعائها وقت النقاشات المحتدمة على تويتر.

وتشير شبكة الكتائب الإلكترونية الحديثة إلى شكل الشبكة التي تشكلت حديثاً من الحسابات المروجة لرواية إعلام الدولة. 

حيث تتكون الشبكة من حسابات تويتر على هيئة دوائر، ويعكس حجم الدائرة مقدار التفاعل الذي حصلت عليه فيزيد حجم الدائرة في حالة الحصول على تفاعل أعلى.

وحصلت معظم الحسابات على أحجام متقاربة أي أن التفاعل بينها متجانس من حيث التغريد وإعادة التغريد ما يدفع إلى التشكيك في الشبكة ومراجعة تواريخ إنشائها وطبيعة تفاعلها.

انكماش مؤيدي السيسي 

وأظهرت متابعة هذه الهاشتاغات، تقلص مؤيدي السيسي، وقصر مروجيها على العاملين بأجر بعدما كانت تحصد في بداية عملها إعجاب أو دعم أعداد من المصريين الذين أثرت عليهم الدعاية الحكومية السوداء ضد معارضي النظام.

ويوضح خبير بيانات لـ "الاستقلال" أن هذا الانكماش مؤشر بأن من يروجون للحملات والهاشتاغ الحكومي باتوا هم الموظفين فقط بأجر، وانتهى تقريبا دور المؤيدين للسيسي عبر مواقع التواصل، بالتزامن مع تصاعد الغضب الشعبي ضده.

الخبير قال إنه في بدايات اللجان الإلكترونية كانت التغريدات يصل عدد من يروجونها ويعيدون نشرها بالآلاف لأن بعض داعمي السيسي كانوا يشاركون في حملات اللجان الإلكترونية بصفتها حسابات حقيقية وليست وهمية، لكن الآن تقلص المؤيدون.

وسبق لـ "الاستقلال" كشف أن هاشتاغات لجان السيسي الإلكترونية لا تصمد على تويتر وتتراجع لأن عدد أعضاء الكتيبتين اللتين تحدث عنهما السيسي لـ "تقفيل الشبكة" عقب الانقلاب العسكري محدود ويقارب ألفي ناشط برواتب خرافية.

وكان السيسي قد أشار في أبريل/نيسان 2016 إلى دور اللجان الإلكترونية للمرة الأولى خلال لقائه بالمثقفين، حين قال "أنا ممكن بكتيبتين أسيطر على مواقع التواصل". 

والكتيبة هي وحدة عسكرية مؤلفة من 4 إلى 6 سرايا وعدد أفرادها من 300 إلى 1000 فرد، ويقودها ضابط برتبة مقدم أو عقيد، وفي مجال الإعلام تم الكشف أن من يقودها في مصر هو مقدم المخابرات الحربية أحمد شعبان.

وسبق لصحيفة "نيويورك تايمز" الكشف في 6 سبتمبر/ أيلول 2019 عن دور شركة "نيو ويفز" التي يملكها عمرو حسين، ضابط جيش مصري متقاعد، يدفع لموظفيه 180 دولارا شهريا، لكتابة منشورات ورسائل مؤيدة للجيش على مواقع التواصل.

وقد قررت شركة فيس بوك حينئذ إغلاق عشرات الحسابات والمجموعات الوهمية في مصر والإمارات، اختلقتها "نيو ويفز" ضمن لجان إلكترونية لها. 

وقبل معركة ضابط "مدينتي" تعرضت كتائب السيسي للعديد من الهزائم التي أظهرت تراجع تأثيرها، بسبب أسلوب عملها القائم على ترديد نفس المعلومة التي يأمرهم الضباط القائمون عليها بنشرها دون تجديد، والتعامل الساذج مع الحقائق الدامغة.

كان أبرزها عام 2019، الذي شهد نوعا مختلفا من المواجهات الإعلامية بين معسكر الانقلاب العسكري، والمعارضين له الذين نجحوا عبر "إعلام الفيديوهات"، في تشكيل أزمة حقيقية للسيسي وإعلامه، اعترف بها إعلاميو السيسي.

في ذلك العام نجحت مواقع التواصل وقنوات المعارضة في الخارج في تحقيق انتصارين بمعارك الفيديو في قضية "كراتين" رشوة الاستفتاء على التعديلات الدستورية.

واستطاع النشطاء ومعارضو السيسي كسر التعتيم الإعلامي، والطوق الأمني الذي فرضه النظام لإخراج مشهد التعديلات وكأنه رغبة شعبية، إلا أن الفيديوهات التي نشرها المواطنون والنشطاء، كشفت فضائح دفع المصريين للتصويت بالرشا.

حيث تم نشر فيديوهات في أبريل 2019 لسيارات الجيش وأخرى تابعة لأحزاب موالية للسيسي، وهي تقدم الرشا الانتخابية، التي تمثلت في كراتين الزيت والسكر، والمبالغ المالية.

وبعد ثلاثة أشهر على استفتاء الكراتين، دخلت حرب الفيديوهات منعطفا جديدا، بظهور المقاول المصري محمد علي، الذي فضح من خلال سلسلة من الفيديوهات الفساد المنتشر داخل مؤسسة الرئاسة، وبين القيادات العسكرية التي تدير المشهد السياسي والاقتصادي، وبناء قصور لأسرة السيسي.

هزيمة أخري لكتائب السيسي حدثت في مارس/آذار 2023، فمع اقتراب انتخابات الرئاسة، أطلقت القوات المسلحة مع صحف السلطة حملة #شوف_بنفسك، لاطلاع المصريين على ما أسمته "إنجازات الدولة".

لكن الحملة لقيت هجوما ضاريا وهزيمة على مواقع التواصل بسبب سخرية المصريين من هذه "الإنجازات"، وهم يزدادون فقرا وبلادهم تثقلها الديون.

ووصف مصريون حملة الجيش الإعلامية بأنها "اعتراف بفشل منظومة الإعلام بمخصصاته وبفلوسه اللي بتطير في الهوا، مجلس أعلى للإعلام، هيئة وطنية للإعلام وماسبيرو ومتحدة وجرائد قومية.

اعتراف رسمي

وقد دفعت خسارة النظام المصري معركة مواقع التواصل الاجتماعي بعد خسارته معركة الإعلام بسبب تفوق قنوات المعارضة بالخارج على إعلام المخابرات الذي يضم عشرات الصحف والمواقع والفضائيات، لاعترف مسئولين بذلك.

ففي 17 مارس/آذار 2021 قال سامح شكري وزير الخارجية إن النظام يحتاج آلة إعلامية نافذة ومؤثرة تستطيع أن تصل للآخرين وتوضح الإنجازات والتطور الذي يحدث، مشيرا إلى أن جماعة الإخوان تمتلك آلة إعلامية قوية لا تظهر الإيجابيات في مصر.

وعد خبراء إعلام ومراقبون تصريحات شكري، اعترافا بفشل الآلة الإعلامية الحالية، التي ابتلعت مبالغ طائلة بدون جدوى، وكذلك لجان السيسي.

قالوا إن تصريح وزير الخارجية اعتراف رسمي بفشل الإعلام المحلي في الوصول للناس وإقناع المصريين بـ "إنجازات" الحكومة، رغم الأموال الضخمة التي جرى إنفاقها على الإعلام المحلي، بحسب "الجزيرة مباشر" 21 مارس 2021.

ولم يكن تصريح شكري هو الأول في سياق انتقادات مسؤولين بالدولة لأداء الإعلام المصري بما فيه لجان السيسي، حيث سبقه إلى ذلك قبل شهور وزير الإعلام نفسه أسامة هيكل، بتصريحات جلبت عليه هجوما حادا من الإعلاميين المقربين من السلطة، واضطرته للاستقالة لاحقا.

ونظرا لانتشار فيديوهات محمد علي وفشل لجان السيسي في الرد عليها لما تحمله من اتهامات بالفساد للسيسي وقادة بالجيش، بادر السيسي بدعوة عاجلة إلى عقد مؤتمر للشباب في سبتمبر 2019 حاول خلاله التصدي بنفسه لتأثير الفيديوهات.

وخلال الجلسة الثانية من المؤتمر، التي عقدت بعنوان "الأكاذيب على الدولة في ضوء حروب الجيل الرابع"، تحدث السيسي عن فيديوهات محمد علي، مشيرا إلى خطورتها على المصريين، وبشكل خاص على صغار الضباط بالجيش.

كما تناول المؤتمر دور وسائل التواصل الاجتماعي في "تزييف الوعي بطرق حديثة، وكيف يدخل ذلك ضمن حروب الجيل الرابع".

لكن السيسي زاد غضب المصريين حين أصر خلال المؤتمر على أنه سيبني قصورا بدعوى أنها ليست له ولكن لمصر!

وجاء اضطرار السيسي للرد حينئذ، رغم نصائح الأجهزة الأمنية له بعدم فعل ذلك، كما أكد بنفسه خلال المؤتمر، دفع نشطاء مواقع التواصل للتساؤل عن فشل اللجان الإلكترونية المؤيدة للسيسي في التصدي لوقائع فساد تتعلق بالسيسي وزوجته وعدد من قادة الجيش.

وفي 13 أبريل 2016، كشف السيسي عن بدء عمل لجانه الإلكترونية خلال لقاء جمعه ببرلمانيين وإعلاميين وممثلين للنقابات، للحديث حول جزيرتي تيران وصنافير.

قال حينئذ: "أنا ممكن بكتيبتين من دول أقفل المواقع دي وتبقى تبعي، وتاخد مني"، وبتلك الكلمات كشف الجنرال جانبا من عمل الكتائب الإلكترونية التي بدأت عملها لاحقا على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم نظامه.

أيضا خلال الندوة التثقيفية الـ 31 للقوات المسلحة، في 13 أكتوبر/ تشرين أول 2019 نصح السيسي "على كل أب وأم توعية ابنه وبنته بأن ما يروه في مواقع التواصل 80 أو 90 بالمئة منه غير صحيح". 

وحذرهم وقتها من استهداف أبنائهم من قبل "الأجهزة واللجان الإلكترونية"، قاصدا حملات المعارضين، لكن خبراء عدوا هذا دليلا واضحا على اعترافه بفشل لجانه وانكماش وذبول دورها في تضليل المصريين بعدما رأوا بأنفسهم الفساد وإهدار المال.

وفي 18 أغسطس/ آب 2018 صادق السيسي على قانون يشدد الرقابة على المواقع الإلكترونية يُسمي "جرائم الإنترنت" وتم بموجبه حجب 500 موقع صحفي وحقوقي ومعاقبة من يكتب على مواقع التواصل منتقدا السلطة بالحبس.