دهس أسرة خارج ساعات عمله.. لماذا يُحاكم ضابط مصري أمام القضاء العسكري؟

12

طباعة

مشاركة

"مفيش ضابط هيتحاكم"، تسببت هذه القاعدة التي سار عليها رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، منذ استيلائه على السلطة عبر انقلاب عسكري، بفوضى كبيرة أعطت ضباط الأجهزة الأمنية الحق في ارتكاب الجرائم بحق المدنيين.

كان آخر تلك الجرائم، مطلع يوليو/تموز 2023، عندما دهس ضابط بالجيش المصري أسرة بأكملها مكونة من خمسة أفراد هم الزوجان وأطفالهما الثلاثة، تحت عجلات سيارته أمام منزلهم الكائن في مدينة مدينتي شرق محافظة القاهرة.

وأدت الحادثة المتعمدة إلى وفاة الزوجة الصيدلانية وإصابة باقي أفراد الأسرة بكسور وجروح وتشوهات في الوجه وباقي أطراف الجسم.

وروى الزوج، أن الأمور تصاعدت بعدما صدم ابنه الأكبر (11 عاما) إحدى السيارات بـ”سكوتر” أمام الفيلا المجاورة لمنزله، وتسبب في خدشها، فخرج الزوج ومعه أولاده الثلاثة وزوجته بسمة علي للبحث عن صاحب السيارة لتقديم الاعتذار له، فخرج الضابط من داخل فيلته، ونشبت بينهما مشادة كلامية.

وأضاف أنه حاول إنهاء الأمر والعودة إلى المنزل، لكن الموقف تطور سريعا إلى مشادات وصراخ، ليركب الضابط سيارته ويدهس الأسرة، مما تسبب في مصرع الأم "بسمة" ودهس الأطفال الذين تعرضوا لإصابات بالغة، بينما أصيب الزوج حمدان بجروح وخدوش.

وبعد أربعة أيام من الواقعة التي أثارت موجة غضب واسعة بين الناشطين على تويتر وتحولت إلى قضية رأي عام، وسط صمت متعمد من الإعلام الرسمي، أعلن المتحدث العسكري المصري، حبس الضابط المتهم بدهس الأسرة، وإحالته للمحكمة العسكرية بتهمة القتل العمد.

وادعى في بيان أن النيابة العسكرية تباشر التحقيقات في إطار حرص القوات المسلحة على توضيح الحقائق للرأي العام بشأن واقعة أحد التجمعات السكنية بالقاهرة الجديدة دون الإخلال بسير التحقيقات الجارية بواسطة الجهات القضائية المختصة.

وقابل ناشطون على تويتر بيان المتحدث العسكري، بسخرية واستهجان شديد، كونه جاء متأخرا (4 أيام) بعد ضغوط شعبية واسعة، مؤكدين أنه لولا ضغط وسائل التواصل الاجتماعي والتفاعل الواسع مع الحدث لما خرج البيان ولما أحيل الضابط لمحاكمة وكان سيفلت بجريمته.

وأعربوا عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #حادث_مدينتي، عن عدم ثقتهم في القضاء المصري برمته سواء العسكري أم المدني، مستنكرين تقديم الضابط لمحاكمة عسكرية رغم ارتكابه جريمة قتل عمد بحق مدنيين وعدّوه مقدمة لتبرئته.

وهاجم ناشطون بعض ضباط الجيش والشرطة الذين يستخدمون سلطتهم وسلاحهم في إرهاب الشعب، معلنين رفضهم لكل المبررات التي ساقتها اللجان الإلكترونية ومقربين من الضابط عبر تويتر لتبرئته كالزعم أنه يتعاطى مخدرات أو مضطرب نفسيا وغيرها من المبررات الأخرى للجرم ومحاولة جلب التعاطف معه.

وتوقعوا عدة سيناريوهات كلها تفضي إلى تبرئة الضابط القاتل، منها إيداعه في مستشفى عسكري، أو الزعم بأنه مختل عقليا أو الضغط على عائلة القتيلة وزوجها للتنازل عن القضية والتفريط في الدم والقبول بالتسوية، متداولين مقاطع فيديو توثق واقعة الدهس.

ضغوط شعبية

وتفاعلا مع الأحداث، قال الصحفي أحمد حسن الشرقاوي: "ألف بركة يا ولاد، المتحدث العسكري أخيرا، وبعد 4 أيام بلياليهم على الحادث، قرر إنه يعبر الناس ويطمئنهم أن الجيش مش هيطرمخ على جريمة الضابط ضد المدنيين!".

وأضاف: "ما كان المتحدث العسكري ليفعلها لولا أن صارت قضية رأي عام بسبب قوة ضغط السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي.. أقسم لكم أنهم ما كانوا ليتحركوا بمثل هذا الوضوح لولا ضغوط الرأي العام ورغبتهم في امتصاص الغضب الشعبي العارم ضد ضباط الجيش وممارساته وبطشه".

ودعا رئيس تحرير صحيفة المصريون جمال سلطان، إلى ملاحظة أن جريمة ضابط القوات المسلحة ضد أسرة مدينتي ظلت يومين لا يعرف الناس عنها شيئا إلا من حسابات التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن إعلام النظام في مصر، صحف ومواقع وفضائيات تجاهلها بالكامل، حتى صدور بيان المتحدث العسكري قبل ساعات.

وتمنى المجد لإعلام الشعب الذي انتصر على إعلام النظام وفضحه وعرّاه، ومنع جريمة التستر على القاتل أو طمس الأدلة.

وأكد المجلس الثوري المصري، أنه لولا تسريب فيديوهات حادث مدينتي وثبات الشهود والنشر بكثافة والتعاطف مع الضحايا الذين فرمهم الضابط بسيارته، كانت الجريمة ستتحول لحادث مروري عادي بسبب سرعة زائدة. 

وتساءل: "هل يكون حبس الضابط المتهم حركة لامتصاص غضب الشارع، وتمثيلية يتم بعدها تبرئته كما حدث مع ضباط آخرين بدلا من إعدامه للقتل العمد؟".

وقال محمود وهبة، إن حادث خالد سعيد (رمز الثورة المصرية الذي قتل بالضرب على يد أفراد من مخبري الشرطة المصرية) كان رمزا لفساد ووحشيه نظام (حسني) مبارك، وحادث مدينتي رمز لفساد ووحشيه نظام السيسي.

ورأى أحمد أبو سيف، أن تصريح المتحدث العسكري في حادث مدينتي ما هو إلا مسكنات للشعب المصري لأنها أصبحت قضية رأى عام، متوقعا خروج الضابط بعد شهور قليلة معززا مكرما ويرجع شغله.

وأعربت الكاتبة نادية المجد، عن رفضها للزعم بأن الضابط القاتل "مختل" أو يتعاطى مخدرات لأنه طبيب نقيب في القوات المسلحة، قائلة: "مش معقول مشغلين واحد مختل أو متعاطي".

واستنكرت أيضا وصف القاتل بأنه "ابن ناس" ووحيد والديه، قائلة: "بطلوا هري ومحاولات فاشلة وبائسة وحقيرة لتبرير جريمة قتل بشعة متعمدة ومتصورة صوت وصورة".

حماية السيسي

وأرجع ناشطون تجبر ضباط الجيش والشرطة المصريين وتصاعد جرائمهم إلى ضمان السيسي لهم بعدم معاقبتهم على جرائمهم.

وذكروا بما جسده الممثل المصري الراحل خالد صلاح في فيلم "هي فوضى" الذي عُرض في 2007، من خلال دوره بشخصية شرطي يدعى "حاتم" أبرز طغيان وفساد السلطة والمؤسسة الأمنية. 

وأكد الإعلامي المصري أيمن عزام، أن "مفيش (حاتم) بيتحاكم -وهي العبارة التي قالها الممثل خالد صلاح خلال أحداث الفيلم-، قائلا: "هي دي مصر العسكر".

وعرض مقطع فيديو لحادث دهس ضابط جيش السيسي لأسرة مصرية، فقتل الأم وأصاب البقية إصابات خطرة لمجرد أن طفلهم خدش سيارته.

ورأى رئيس لجنة فض المنازعات بسيناء سابقا حسام فوزي جبر، أن فيديو واقعة دهس ضابط جيش للصيدلانية "بسمة علي" وإصابة أولادها الثلاثة وزوجها، يؤكد أن العسكر يتعاملون بفوقية وأنهم مازالوا يعيشون في دولة السادة والعبيد.

وأضاف أن مثل هذا الموقف يؤكد مقولة السيسي "محدش حيتحاسب من الجيش والشرطة في حال قتلوا أحدا"، محذرا من أن القادم أسوأ.

وتهكم المغرد الفارس قائلا: "وايه يعنى لما ضابط متخرج جديد يخلص على كام واحد في حادث مدينتي، كبيرهم عمل مجزرة رابعة ومحدش حاسبه، وقال محدش هيتحاسب، بلدهم وأحنا ضيوف فيها سارقين قاتلين ناهبين بقيادة السيسى ربنا ياخده ومحدش هيتحاسب، هيطلعوه عنده مشاكل نفسية ويطلع منها بكل سهولة والأيام بينا".

وكتب محمد خليف: "مش السيسي قال الضابط أحمد مش هيتحاسب فلازم كل ضابط أحمد يدوس على الشعب وما لوش دية طبعا لازم يتحاسب هو وكل ضابط أحمد بيدوس على الناس ولا هي بقت بلطجة.. القصاص القصاص".

تشكيك بالقضاء

وأعرب ناشطون عن استيائهم من تقديم الضابط لمحاكمة عسكرية وعرضه أمام القضاء العسكري خاصة أنه قتل مدنيين وهو خارج وقت خدمته، وعدّوه مقدمة لتبرئته في التهمة، مؤكدين أن ذلك غير معمول به في أي دولة أخرى.

وكتب السياسي عمرو عبدالهادي: "ضحكوا على الناس أن الضابط تحول للقضاء العسكري ومسألوش هو ضابط الجيش بتاع مدينتي ليه اتحول للقضاء العسكري ومتحولش قضاء عادي، هو ارتكب جريمته مش أثناء وظيفته، ده ارتكبها في بيته، يعني يحاكم أمام قاض عادي". 

وتساءل مراد علي: "لماذا يحاكم ضابط الجيش الذي دهس العائلة وقتل الأم في حادث مدينتي أمام القضاء العسكري؟"، مشيرا إلى أن الضابط قتل مدنيين ولم يكن في الخدمة والجريمة ليست عسكرية.

وواصل التساؤل: "لماذا لا يحاكم محاكمة مدنية علنية أمام الجميع؟ لماذا تتم معاملة ضباط الجيش أنهم سادة ونحن العبيد؟"

وتساءلت أمل: "الضابط القاتل يتحاكم عسكريا ليه؟"، موضحة أن المفترض أن النيابة العسكرية تختص بمحاكمة ضباطها في الأمور التي تخصهم داخل المؤسسة العسكرية فقط، أما إذا كان الأمر خاصا وله علاقة بمدنيين وخارج المؤسسة فلابد من المحاكمة أمام القضاء الطبيعي.

وتساءل الحقوقي حسام بهجت: "فين اسم المتهم في جريمة مدينتي؟ طب فين صورته؟ ليه مش هيتحاكم قدام القضاء المدني الشامخ؟ هو كان في مهمة عسكرية ولا خرج من بيته قتل جارته في الكومباوند ودهس عيلتها؟ وفين بيان النائب العام أبو ٣ صفحات نصهم شتيمة في المجتمع المنفلت والأسرة اللي معرفتش تربي و١٥ آية قرآنية؟ فين العدل؟".

وبدوره، توقع محمد خليل، أن إعلان تحفظ الشرطة العسكرية على المتهم جاء لتحقق معه النيابة العسكرية تمهيدا لمحاكمته أمام المحكمة العسكرية وفقا لمواد القانون العسكري ليتلقى عقوبته -إن حدثت- في مستشفى عسكري قبل أن يفرج عنه في عفو رئاسي من الرئيس المنتمي للعسكر.