بعد تطويعه أجهزة الدولة.. هل يجري قيس سعيد انتخابات رئاسية في تونس؟

تونس- الاستقلال | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

قبل نهاية العام 2023، تدخل الفترة الرئاسية للرئيس التونسي قيس سعيّد عامها الأخير، بعد 4 سنوات في سدة الحكم في تونس من بينها عامان بعد انقلاب 25 يوليو/تموز 2021.

وغيّر سعيد بموجب الانقلاب المذكور شكل النظام السياسي في البلاد وانحرف نحو الاستبداد بالتضييق على الحريات واعتقال المعارضين والناشطين والصحفيين.

وطالب عدد من الأحزاب السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني في ندوة عقدت بالعاصمة تونس في 20 يونيو/حزيران 2023 بتحديد موعد الانتخابات الرئاسية، باعتبار أن شهر أكتوبر/تشرين الأول 2024 هو التاريخ الأقصى الممكن لإقامتها.

في المقابل لم يعلن سعيّد عن خارطة الطريق لتنظيم الانتخابات كما لم يتداول البرلمان الجديد في جدول أعماله مناقشة القانون الانتخابي مما يزيد الغموض حول مدى الالتزام بأدوات الديمقراطية وقواعد التداول السلمي للسلطة.

مطالب جادّة

وتمثّل الانتخابات الرئاسية المتوقع إقامتها في خريف العام 2024، اختبارا جديدا لقيس سعيّد وللمعارضة على حد سواء.

إذ تعد استفتاء على خيارات الرئيس التونسي ونظامه الجديد ومحاولة لترميم صورته المهتزة بعد فشله في حث المواطنين على المشاركة في الاستفتاء على دستور 25 يوليو 2022 وفي الانتخابات البرلمانية في 17 ديسمبر/كانون الأول من نفس العام.

كما أن المعارضة مطالبة بإصدار موقف موحد من المشاركة من عدمها، وتجاوز خلافاتها وانقساماتها بالاتفاق على مرشح رئاسي قادر على منافسة سعيّد وإحداث تغيير على رأس السلطة من أجل استعادة المسار الديمقراطي المنقلب عليه.

وتخشى مكونات المشهد السياسي المعارض لمسار 25 يوليو 2021 من أن يواصل سعيد احتكار السلطة ويلغي إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها.

وقد يتذرع سعيد وفق أحزاب بوجود دواع أمنية أو اقتصادية أو بمبررات سياسية كالتي دفعته لحل البرلمان وتعطيل الدستور، وأن يستمر في السلطة خارج الأطر الدستورية أو بتأويل لدستور العام 2022.

وعقد ائتلاف صمود (لعدد من الأحزاب والشخصيات المعارضة) ندوة تحت عنوان "أي تاريخ لموعد الانتخابات الرئاسية القادمة؟"، شارك فيها عدد من قيادات أحزاب سياسية معارضة وشخصيات أكاديمية قانونية، أجمعت في مداخلاتها على ضرورة الإعلان سريعا عن زمنها.

وأكد المشاركون في ندوة نظّمها الائتلاف المعارض، في 20 يونيو 2023، ضرورة ضبط موعد مُحدّد لإجراء الانتخابات الرئاسية، سواء بالاعتماد على أحكام دستور 2014 أم الدستور الجديد.

ونبهوا إلى "تبعات المضي في هذا الوضع الضبابي"، وفق تقديرهم، على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وفي هذا الصدد قال أستاذ القانون الدستوري، أمين محفوظ  خلال مداخلته بالندوة إن "الدستور الجديد لم يتضمن إشارة واضحة بشأن الانتخابات.

وبالتالي يُفترض أنّ المشرّع، هو الذي يُحدّد ذلك، وإذا تعذّر الأمر على مجلس نواب الشعب، فإنّ هيئة الانتخابات هي التي تحدد الرزنامة الانتخابية.

ولفت أمين محفوظ إلى أن المراسيم الرئاسية تُستثنى منها الانتخابات، معتبرا أن "إصدار دستور جديد، يفرض تجديد المؤسسات وأنّ المؤسسة الوحيدة التي تتمتع حاليا بالشرعية، رغم ضعف مشروعيتها، هي البرلمان"، حسب تقديره.

غموض مريب 

منذ انقلاب 25 يوليو 2021، جرى التطرق إلى موضوع الانتخابات الرئاسية في مناسبة واحدة من قبل قيس سعيّد رغم حديثه في مناسبات عديدة عن كل المؤسسات التي ينوي إرساءها وفق الدستور الجديد.

وقال سعيد في كلمة خلال إحياء ذكرى الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بمدينة المنستير في 6 أبريل/نيسان 2023 ضمن رده على أسئلة صحفيين إن "مسألة الترشح سابقة لأوانها".

وأضاف "لا أشعر أني في منافسة أي كان، أشعر أنني أتحمل المسؤولية ولن أتخلى عنها، هناك انتخابات بالفعل والشعب هو الحكم، الترشح لا يخامرني (يراودني)، لكن يخامرني الشعور بالمسؤولية".

وأضاف سعيّد في نفس التصريح "يهمني وطني، ولست مستعدا لأن أسلّمه لمن لا وطنية لهم"، مستدركا بالقول إن "القضية قضية مشروع، وليست أشخاصا.. القضية هي كيف نؤسّس لمرحلة جديدة في التاريخ التونسي".

هذا التصريح فتح جدلا بين التونسيين في حينه، حيث عد تلميحا لعدم تسليم قيس سعيّد السلطة لرئيس جديد بعد انتهاء مدته الرئاسية.

خاصّة أنه يصر منذ فترة على اتهام معارضيه بالخيانة والتخابر مع الأجانب والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي.

ويلاحق نظام قيس سعيّد عددا من القيادات السياسية المعارضة من مختلف التيارات بتهم التآمر على أمن الدولة في حملة اعتقالات مستمرة منذ أشهر، بالإضافة إلى اتخاذ وزارة الداخلية قرارا بإغلاق مقرات جبهة الخلاص الوطني المعارضة وحركة النهضة الإسلامية.

وعزز ذلك تصريحات الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، محمد التليلي المنصري من الشكوك حول إمكانية تأجيلها إلى موعد غير محدد.

إذ قال إن "الهيئة تعمل حالياً على التحضير لانتخابات المجالس المحلية، المزمع إجراؤها في شهر أكتوبر 2023".

في هذا الصدد أيضا جاءت تصريحاتٍ كلّ من رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر ورئيس البرلمان التونسي إبراهيم بودربالة قالا فيها إنهما يجهلان موعد الانتخابات الرئاسية القادمة.

خيارات المعارضة 

أمام هذا الصمت المريب للسلطة، وعدم كشفها لا على موعد الانتخابات أو شكل القانون الانتخابي الذي سينظم المنافسة الانتخابية القادمة، تجد المعارضة نفسها أمام خيارات محدودة في واقع سياسي يتميّز بالانغلاق ويسيطر عليه القمع والتضييق والملاحقات القضائية.

ورغم كلّ ذلك، تعددت الدعوات من أجل البحث عن مرشح رئاسي موحد للمعارضة من أجل منافسة قيس سعيّد وتحقيق تغيير سياسي والعودة بالبلاد إلى المسار الديمقراطي الطبيعي.

ودعا رئيس حزب آفاق تونس، فاضل عبد الكافي، في 30 مايو 2023، إلى اختيار مرشح وحيد للرئاسة عن العائلة الديمقراطية التي ينتمي إليها، والاصطفاف وراءه بطريقة ديمقراطية.

 وقال "إذا تمّ اختياري من طرفها، فسيكون لي الشرف الكبير أن أكون مرشح هذه العائلة الديمقراطية للرئاسة".

وهي نفس الدعوة التي أطلقها ائتلاف صمود، والذي قال منسقه حسام الحامي في تصريح لإذاعة موزاييك المحلية إنّه "ليس من حق مترشحي العائلة الديمقراطية أن يتقدموا بعدة مترشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة لأنه سيكون لذلك عواقب وخيمة على مستقبل البلاد".

في نفس السياق رأى القيادي في حزب العمل والإنجاز أحمد النفاتي أن "هناك خشية جدّية من عدم إجراء الانتخابات في موعدها خاصة وأن الرئيس نسف كل التعاقدات الدستورية والقانونية وأصبح يسير الدولة بمراسيم لعدة سنوات فما بالك بقانون انتخابي".

وأضاف النفاتي في حديث لـ"الاستقلال": "يجب ألا ننسى أيضا التصريح الذي أعلن من خلاله عدم تسليم السلطة لمن لا وطنية لهم، هذا الفرز الذي قام به يجعله غير ملزم بالاحتكام للصندوق حتى إن وقعت انتخابات". 

وأكد الناشط السياسي المعارض أن "حزب العمل والإنجاز (أحد مكونات جبهة الخلاص الوطني المعارض) ما زال يناقش موضوع محطة الانتخابات الرئاسية 2024، وهو في إطار صياغة رؤية للمرحلة السياسية القادمة".

أما فكرة اصطفاف العائلة الديمقراطية وراء مرشح واحد تعد مغرية لمن يرى أن قيس سعيد عقبة أمام حلحلة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس، وفق قوله.

ورأى النفاتي أن "الانتخابات الرئاسية 2024 مطلب كل الأحزاب للخروج من الأزمة من ناحية وهي محطة تنضوي تحت سقف الدستور الشرعي لتونس".

 وكذلك لا علاقة لها برزنامة قيس سعيد مثل الاستفتاء والانتخابات التشريعية، وفق قوله، متابعا: "على الأحزاب السعي لفرضها كمحطة وطنية والنضال لضمان شروط النزاهة والشفافية فيها".

ويذكر أنه منذ انقلاب 25 يوليو 2021، تطالب الأحزاب المعارضة سعيّد بالذهاب نحو انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، يمكن من خلالها تحكيم الشعب التونسي في الخيارات الكبرى التي فرضها الرئيس.

ولكن السؤال المهم المطروح أمام السياسيين في تونس هو عن مدى توفر شروط النزاهة في هذه الانتخابات، مع بسط سعيد سلطته على كلّ أجهزة الدولة وتطويعها لخدمة أجندته السياسية، وتنصيب هيئة للانتخابات مشكوك في نزاهتها بالإضافة إلى ضرب الحريات الصحفية وإغلاق المجال العام أمام الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.

كما أن استمرار الانقسام بين أحزاب المعارضة قد يضعف قدرتها على منافسة سعيد، الذي لا يزال يحظى بشعبية وسط الشارع التونسي، ويستمد الكثير من القوة والنفوذ من أجهزة الدولة الداعمة له.