صفقات قذرة.. كيف يجرى تحويل المغرب إلى "سلة نفايات" كبيرة لأوروبا؟ 

سلمان الراشدي | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تساؤلات يشهدها الشارع في المغرب حول تجاهل الحكومة لسير تحقيق السلطات الإسبانية في تصدير مئات الأطنان من النفايات الأوروبية بشكل غير قانوني إلى المملكة.

وسلط الإعلام الإسباني الضوء على نفايات تخلصت منها مدريد بإرسالها إلى دول بينها المغرب، وسط تحذيرات نشطاء من تأثير ذلك سلبيا على مستقبل المغرب بيئيا ومناخيا في بلد يعيش سنوات جفاف بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري.

وأعادت قضية النفايات الإسبانية إلى أذهان المغاربة، "فضيحة" استيراد نفايات إيطاليا عام 2016 تسببت في إعفاء الوزيرة المنتدبة المكلفة بالبيئة حكيمة الحيطي.

تهريب النفايات

ووجه عضو فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، البرلماني أحمد العبادي، سؤالا إلى وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، حول تدابير حماية البلاد من تهريب النفايات والاتجار غير المشروع فيها.

وقال العبادي في 9 يونيو/ حزيران 2023 إن "بعض وسائل الإعلام الوطنية والدولية تناولت خبرا مفاده تحقيق السلطات الإسبانية المختصة مع أشخاص على خلفية اتهامهم بتهريب آلاف الأطنان من النفايات البلاستيكية إلى المغرب وبلدان أخرى".

وأضاف "إذا كانت بلادنا قد قطعت أشواطا مهمة في إقرار التدابير التشريعية والتنظيمية لحماية البيئة ومراقبة وزجر الجرائم البيئية، بما في ذلك تخزين والاتجار غير المشروع وغير المرخص في النفايات بمختلف أشكالها وأصنافها، علما أن بعض الممارسات ذات الصلة تتجاوز كونها مخالفات إيكولوجية بسيطة، لتتخذ صيغة الجريمة المنظمة أحيانا".

وتابع: "على هذا الأساس، نسائلكم الوزيرة حول مدى صحة الوقائع المتداولة بخصوص تهريب نفايات بلاستيكية إلى بلادنا؟ كما نسائلكم حول التدابير المتخذة من طرف وزارتكم لحماية بلادنا من أي تدفق للنفايات من الخارج، بجميع أشكالها، بما فيها النفايات الخطيرة؟"

واستطرد العبادي: "نسائلكم، أيضا، حول الإجراءات المتعين عليك القيام بها من أجل تعزيز منظومة المراقبة البيئية للزجر والحد من المخالفات والجرائم الإيكولوجية بكافة أصنافها؟"

وفي 7 يونيو 2023، أعلنت السلطات الإسبانية، بتعاون مع الشرطة الأوروبية، فتحها لتحقيق بشأن إقدام شركات إسبانية على تصدير 2302 طن من النفايات بشكل غير قانوني إلى المغرب.

وجاءت هذه الخطوة، حسب ما نشرته صحيفة “benalgo” الإسبانية، بعد إجراء سلطات مدريد لأكثر من 141 عملية تفتيش داخل شركات إدارة النفايات البلاستيكية.

ويتعلق الأمر، حسب المصدر ذاته، بشركات إسبانية تعمل على استخراج النفايات البلاستيكية من المركبات في نهاية عمرها الإنتاجي، وتقوم بتصديرها بشكل غير قانوني وتمويهي كمادة خام.

أزبال إسبانيا

وفي مقطع فيديو للناشط المغربي المقيم في إسبانيا، عنونه بـ"أكبر فضيحة تهريب أزبال إسبانيا إلى المغرب"، ونشره في 13 يونيو 2023، توقف عند تفاصيل هذه العملية وتناول السلطات لها.

وعرض ريان برافي، تقارير إعلامية إسبانية تؤكد على لسان المسؤول في الجمارك، هيكتور سانتير، أن 8 شركات قامت بشحن أكثر من 5700 طن من النفايات بطريقة غير قانونية وعبر التمويه، إلى مجموعة من الدول، بينها المغرب.

وأمام الصمت الرسمي لهذه "الفضيحة" وعدم رد الوزيرة على سؤال برلماني "التقدم والاشتراكية" المعارض، نقل موقع محلي تصريحا خاصا على لسان مصدر من الوزارة المعنية دون ذكر اسمه. 

وقال المصدر لجريدة “مدار21” الإلكترونية، في 12 يونيو 2023، إن وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة فتحت تحقيقا بخصوص تهريب أزيد من 2300 طن من النفايات للمغرب، والاتجار غير المشروع فيها، وذلك بعد تداول وسائل أعمال إسبانية أخبار متفرقة تدور رحاها حول ذلك.

وأفاد بأن التحقيق بدأ قبيل أيام، وسيتم الإعلان عن نتائجه “في وقت قريب”، مؤكدا أن الوزارة تواصلت مع نظيرتها الإسبانية بغية “التعاون وتبادل المعلومات المؤكدة”.

ولفت المصدر إلى أن الوزارة تتعامل في الوقت الحالي مع “ما نشر من أخبار وتقارير إعلامية بكثير من الجدية”، مجددا رفض السلطات المغربية وكذا وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة "الجرائم الإيكولوجية والبيئية كافة".

وفي تعليق على ذلك، قال الناشط البيئي، محمد الأنصاري، إن "الموضوع ينقسم إلى شقين، الجانب السياسي الأخلاقي بتورط الحكومة من جديد في نفايات أوروبا، حيث كشف الجانب الإسباني عن القضية وأبدى اهتماما به فيما حاولت الوزارة المعنية تجاهل الموضوع، مع ردود بمصادر مجهولة للتخفيف من حدة هذا الملف".

ورأى الأنصاري لـ"الاستقلال" أن "فتح التحقيق يعني أنه سيتناسى مع الوقت، وهكذا دأبت معظم، إن لم تكن كل القضايا التي فتحت فيها تحقيق على تبخره مع مرور الوقت، دون محاسبة الأطراف المتسببة في الخطأ".

وأشار إلى أن "الشق الثاني هو الجانب البيئي والجميع يعرف الآثار السلبية للنفايات على صحة الإنسان والطبيعة، ونرى كيف أن الغرب يعرف تداعيات ذلك على مواطنيه وخطورة الأمر لكن مع الأسف السلطات عندنا لا تلقي بالا لمواطنيها ولا لمستقبل البلاد".

ورطة سابقة

وفي يوليو/ تموز 2016، تحول إعلان المغرب عن منح الضوء الأخضر رسميا لاستيراد 2500 طن من النفايات البلاستيكية، مصدرها إيطاليا، إلى قضية رأي عام.

وعبر مواطنون في وقفات احتجاجية ومواقع التواصل الاجتماعي، عن غضبهم من قرار وزارة البيئة المتمثل في حرق آلاف الأطنان من النفايات المطاطية والبلاستيكية، وهو ما يؤثر على البيئة، على حد قولهم.

وأقرت الوزارة آنذاك باستيراد 2500 طن منها لصالح معامل الإسمنت، معتبرة أن "النفايات المستوردة غير خطرة، وأنها تحترم القانون المغربي وكذا اتفاقية بازل (دولية بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها)، كما أن حرقها يأتي وفق شروط صارمة بحضور شرطة البيئة"، متحدثة عن أن إحراقها "يتيح الاستفادة من طاقة بديلة".

من جانبها، قالت الوزيرة المنتدبة المكلفة بالبيئة آنذاك، حكيمة الحيطي، خلال ندوة صحفية عقدتها في 11 يوليو 2016  بمدينة الرباط، إن المغرب يستقبل نفايات إيطاليا منذ 2004، وذلك بعد إبرام اتفاقية تقضي بجلب مئات الأطنان من النفايات وإعادة تدويرها.

وشددت الحيطي على أنه يجرى التدقيق أكثر في النفايات المستوردة من إيطاليا للتأكد من عدم التعامل مع مصانع تدخل في دائرة "مافيا الأزبال".

ولم يقنع رد وزارة البيئة الجمعيات المهتمة بالبيئة، ومنها "الائتلاف المغربي من أجل العدالة المناخية" الذي طالب الوزارة في بلاغ له بـ"تعميم اتفاقية الشراكة القائمة بينها وبين جمعية مهنيي الإسمنت من أجل تقييم مجال تطبيقها ومدى ملاءمتها للقانون ولاتفاقية بازل المتعلقة بنقل النفايات عبر الحدود".

وكذا "تعميم رخصة الاستيراد المقدمة من طرف السلطات المختصة، وكذا نتائج الفحوص والمراقبة التي قامت بها الهيآت المخول لها بذلك".

وبعد الضجة التي أعقبت ذلك تم إعفاء الحيطي من منصبها في 5 أبريل/ نيسان 2017، جيث أدرج اسمها في لائحة صدرت في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 ضمت مسؤولين في الدولة أمر الملك محمد السادس بمنعهم من شغل أي منصب حكومي مستقبلا.

يشار أن استيراد الأزبال والنفايات بالمغرب مؤطرا بشكل رسمي، إذ أصدرت وزارة الطاقة والمعادن والبيئة في أغسطس/آب 2020 قرارين وزاريين، يتعلق الأول بتحديد لائحة النفايات غير الخطرة التي يمكن الترخيص باستيرادها، ويهم القرار الثاني بتحديد شروط وكيفية استيراد النفايات وتصديرها وعبورها.

وتم نشرهما في الجريدة الرسمية للمملكة، وهو ما أعاد إحياء جدل تحول المغرب إلى مطرح لنفايات البلدان الصناعية، وتسليط الضوء على خطورة هذه النفايات على البيئة وصحة الإنسان والحيوان، بغض النظر عن مآلها والهدف من استيرادها، فهي ستلوث البيئة سواء دفنت أم حرقت في المصانع.

ولم تجد الحكومة المغربية بدا من الخروج لتبرير قرارها بشأن السماح باستيراد نحو 300 نوع من النفايات إذ قال بيان صادر عن قطاع البيئة بوزارة الطاقة والمعادن إن المغرب ملتزم بعدم قبوله استيراد أي نوع من النفايات السامة والمضرة بالبيئة، أو تلك التي لم تخضع للمعايير الوطنية المعمول بها في هذا الشأن.

وقالت في هذا الصدد إن استيراد النفايات يحظى بتنافس كبير على الصعيد العالمي، وإن المغرب لا يحظى إلا بنسبة قليلة من هذه النفايات التي تخضع لتسابق ومنافسة حادة بين الشركات الدولية، خصوصا مع التطور الذي يعرفه مجال تدوير وإعادة استعمال النفايات في إطار ما يسمى الاقتصاد الأخضر والدائري.

وخلال الفترة الممتدة من سنة 2016 إلى 2019 استورد المغرب ما يقرب من 1.6 مليون طن من النفايات واستخدمها كمواد أولية للحصول على الطاقة وكذا في مجال الصناعة مثل النسيج والبلاستيك والورق والمعادن، بحسب بيانات صادرة عن قطاع البيئة.

وفي تعليق على ترسيم استقبال النفايات، قال الأنصاري إن "أي تبرير حكومي بأن هذه النفايات نافعة مردود عليه، لأن المغرب يتوفر بفائض غير محدود على هذه المخلفات القابلة للتكرير وإعادة التدوير، وهذا ما يعفينا من استقبال أزبال الغير، ويعطي للدولة قوتها وأن لها رد فعل في رفض مثل هذه الاتفاقيات لأن تأثير ذلك سلبي جدا".