خبير اقتصادي تركي لـ"الاستقلال": حكومة أردوغان مبشرة وستتجاوز المأزق الراهن

إسطنبول - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

قال الخبير الاقتصادي التركي عبدالمطلب أربا، إن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان الجديدة مبشرة بتماسكها وتناسقها، وهي قادرة على إخراج تركيا من المأزق الراهن وتحقيق قفزة اقتصادية كبيرة.

وأوضح أربا، وهو رئيس قسم الاقتصاد الإسلامي بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم التركية، أن الرئيس أردوغان كان يتبع منذ عام سياسة اقتصادية انتخابية كلفت الحكومة نحو 50 مليار دولار، لكن الآن الوضع يتغير.

وأضاف في حوار مع "الاستقلال" أن البنك المركزي التركي كان يتدخل لتثبيت سعر صرف العملة المحلية، لتكون في حدود 18 ليرة مقابل الدولار الواحد طوال عام، لكن الآن بدأت تعود لسعرها الحقيقي، ما سينعش الاقتصاد قريبا.

أربا أكد أيضا أن الاستقرار السياسي الذي حققه أردوغان بفوزه في الانتخابات مهم جدا للاستقرار الاقتصادي، ومن المنتظر أن نرى ازدهارا اقتصاديا لافتا خلال السنوات الخمس المقبلة.

عبء اقتصادي

ما طبيعة التحديات الاقتصادية التي تواجه الرئيس أردوغان بعد فوزه في الانتخابات؟

الرئيس أردوغان كان يتبع منذ عام سياسة اقتصادية انتخابية، وفتح ملفات جديدة أهمها التقاعد المبكر وغيرها من السياسات التي كلفت الحكومة التركية نحو 50 مليار دولار.

ومثلت هذه السياسة عبئا اقتصاديا على أردوغان؛ ولذلك أراد أن يُسلم هذا الملف إلى وزير المالية السابق محمد شيمشك لتخفيفه قليلا.

والجميع اليوم يترقب بعد عودة الوزير شيمشك كيف سيسير النهج الاقتصادي لتركيا خلال الفترة المقبلة. فهل ستتبع سياسة أردوغان بتخفيض الفائدة والتركيز على الإنتاج المحلي، أم ستتبع السياسة الاقتصادية الغربية؟

كما أن وزير المالية اشترط على أردوغان عدم التدخل في الملف الاقتصادي، فهل سيتراجع أردوغان عن نهجه لصالح نهج اقتصادي غربي يسمح بزيادة الفائدة، وهذا هو أكبر تحد أمام الاقتصاد التركي.

وقد أكد الوزير شيمشك على أنه لابد من الاندماج مع السياسات الاقتصادية العقلانية الواقعية الغربية والتناسق معها بزيادة الفائدة، وأن يتم الربح نقدا من النقد.

وهي السياسة الربوية التي يعاديها الرئيس أردوغان لأنها ستؤدي إلى تقليل الإنتاج وزيادة الواردات على حساب الصادرات.

كما أن المؤسسات المالية الغربية تتوقع أن ترتفع الفائدة في تركيا من 8 بالمئة لتصل إلى 20 بالمئة؛ بينما البنوك الأميركية تريدها في حدود 40 بالمئة.

وقد جرى تعيين رئيسة البنك المركزي الجديدة حفيظة غاية أركان، لكنها لم تشرح خطته الشاملة.

ولكن أردوغان كان قد صرح بعكس ذلك وقال سنثبت على سياساتنا الاقتصادية، وهكذا سنرى ماذا سيحدث مستقبلا؟ وأيهما سينفذ؟ رؤية أردوغان أم شيمشك؟

لماذا يتواصل انهيار الليرة التركية مقابل الدولار رغم تولي وزير مالية جديد؟

كانت هناك سياسة اقتصادية انتخابية، وتدخل من البنك المركزي لتثبيت قيمة سعر صرف الليرة عند 18 طوال عام، من خلال ضخ العملة الصعبة في السوق.

ولما أوقف الوزير تدخل البنك المركزي ارتفع سعر الصرف حيث كان سعر الصرف خارج البنك أعلى بـ2 ليرة، والآن تركت الليرة لسعرها الحقيقي في السوق.

وكانت الشركات المصدرة تتضرر من سياسة تثبيت سعر الصرف.

لكن ارتفاع سعر الصرف يمثل عبئا على قيمة الودائع المحمية في البنوك التركية والتي تصل قيمتها إلى نحو 2.5 تريليون ليرة.

وسياسة ارتفاع سعر الدولار رغم أنها تشكل عبئا ماليا على الليرة وستكلف الاقتصاد التركي كثيرا؛ إلا أنها ستشجع المصدرين في نفس الوقت لتغطية هذا النقص، وهذا يمكن أن يؤدي إلى توازن المعادلة بين الزيادة والعجز.

والجميع الآن ينتظرون الخطة الشاملة لوزير المالية بعد تعيين رئيسة البنك المركزي، حيث إن شيمشك هو شخصية موثوقة لدى الاقتصاد البريطاني، وهذا سيفتح علاقات مع المؤسسات المالية الدولية.

ولكن هناك ملاحظة مهمة جدا في هذا الأمر أن الرئيس أردوغان لم يُقِل مدير البنك المركزي السابق شهاب قويجي أوغلو تماما، بل أصدر قرارا بتعيينه رئيسا لهيئة التنظيم والرقابة المصرفية (BDDK).

وهذا يعني أن أردوغان يريد مراعاة التوازن بين رؤيته الاقتصادية ورؤية الوزير الجديد؛ حيث إن هذه المؤسسة هي التي ستراقب سياسات شيمشك ورئيسة البنك المركزي.

وأردوغان هو من سيدفع فاتورة تلك السياسات الجديدة أيضا، فعَينهُ على استعادة بلديتي أنقرة وإسطنبول، ويسعى للفوز بهما، ولا يريد أن تكون الفاتورة الاقتصادية مُكلفة له أو تُفقده هذه المدن.

ولذلك سيبحث عن آلية وأدوات للموازنة بين سياسته الاقتصادية وسياسة الوزير شيمشك الربوية، لذلك ربما ينتظر تركيا مآزق كبير خلال الفترة المقبلة.

ويجب لفت الانتباه إلى أن تركيا الآن مقبلة على موسم الصيف وهو موسم اقتصادي غني ومهم جدا، حيث دخل السياحة وموسم الإنتاج وسيكون هناك عائدات مريحة في تركيا ولصالح المرحلة الحالية.

ولكن النتائج الحقيقية للوضع الاقتصادي ستظهر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 بعد نهاية موسم الصيف.

ازدهار مرتقب

هل مازالت هناك خطورة اقتصادية على نظام أردوغان رغم فوزه بثقة الأغلبية؟

لا شك أن الاستقرار السياسي الذي حققه أردوغان مهم جدا للاستقرار الاقتصادي، ولذلك من المنتظر أن نرى ازدهارا اقتصاديا خلال السنوات الخمس المقبلة.

وبدأنا نرى تصريحات غربية إيجابية بعد فوز أردوغان، فالاتحاد الأوروبي بدأ يعيد النظر في ترتيب سياسته مع تركيا في الفترة المقبلة، وكذلك أميركا والصين وروسيا ودول الشرق الأوسط رحبت بالتعاون مع تركيا أردوغان الجديدة.

فرئيس فرنسا إيمانويل ماكرون أكد أن بلاده بدأت تعيد النظر في علاقاتها مع تركيا وسنحل مشاكل إقليم البحر المتوسط معا.

وبوتين قال إنه سيعيد تنظيم النظام العالمي الجديد من خلال التعاون مع تركيا، وحتى الولايات المتحدة قال رئيسها جو بايدن إن هناك ملفات مهمة ويريد أن يحكي مع أردوغان بفارغ الصبر للتعاون معه بشأنها.

كما أن المنظمات الدولية كلها بدأت تعيد النظر فيما يتعلق بالتعامل مع تركيا أردوغان، الدولة المحورية في المنطقة ولا يمكن أن تتخلى عنها أي قوة سواء كانت غربية أم شرقية.

وهذا الاستقرار السياسي لأردوغان عظم من الدور المحوري لتركيا، وسيتبعه ازدهار اقتصادي بالطبع.

وهناك تفاؤل بسبب تماسك الحكومة الجديدة وتناسقها ونشاطها، وتبنيها مشاريع اقتصادية داخل تركيا وخارجها يمكنها إخراج تركيا من المأزق الاقتصادي الحالي وتحقيق قفزة اقتصادية كبيرة.

ويسعى أردوغان لجعل تركيا تحتل مكانتها بين أكبر 5 اقتصاديات في العالم؛ ولذلك أسس مشاريع عديدة خلال الـ21 عاما وكلها بدأت تُنتج.

وأفضل ثمار لهذه المشاريع سوف تستثمر في هذه المرحلة، سواء مشروعات الصناعات الدفاعية الضخمة من إنتاج المسيرات الفائقة والدبابات والأسلحة المتطورة.

أو ما يتعلق بإنتاج الطاقة ومحطات نقل الطاقة بين الشرق والغرب، ومشاريع الجسور والمطارات والمشافي، وغيرها ما يجعل من هذه المرحلة المقبلة مرحلة فرص وليست أزمات.  

ما حقيقة أن أردوغان يواجه محاولات انقلاب اقتصادية بعد فشل العسكرية والسياسية؟

نحن نعرف أن في تركيا حقيقة مهمة وهي أنه يمكن الانقلاب على الحكومة بطريقتين؛ إما عسكريا بقوة الدبابات، وهذه جربوها في 2016 وفشلوا وكان وراء الانقلاب أميركا والغرب ولم يستطيعوا التخلص من أردوغان بهذه الطريقة.

أو "انقلاب الطنجرة" من خلال خلق أزمة داخل المطبخ للمواطن التركي بخنق وإضعاف الاقتصاد حتى يثور الشعب التركي ضد حكومته.

ولذلك بدأوا بالضغط على الاقتصاد التركي، ولا يخفى على أحد أن الرئيس الأميركي بايدن عندما فاز قال، إنه يجب إزاحة أردوغان من تركيا بدعم وتمويل المعارضة التركية بأي طريقة كانت.

كما حاولوا فرض عقوبات مالية وعقوبات اقتصادية على تركيا، وكانوا منزعجين من ظهور قوة تركيا الإقليمية في إفريقيا وأوروبا وآسيا وسوريا وشرق المتوسط ولكنهم فشلوا في إسقاط أردوغان، واليوم هم مضطرون للتعامل معه.

قرن تركيا الجديد

كيف يؤسس أردوغان لقرن تركيا الجديد؟

لا يوجد زعيم واحد في العالم غير أردوغان يستطيع أن يلتقي الرئيس الروسي بوتين وفي نفس اليوم يلتقي بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وبحياد تام وسط ترحيب الطرفين بوساطته تماما، واليوم أردوغان أقوى وسيط بين الشرق والغرب.

يمكنه ذلك من خلال وضع مشاريع وخطط تستثمر الاستقرار السياسي والإرادة السياسية كأكبر مكسب لوضع الخطط وتنفيذ المشاريع خلال السنوات الخمس في وقت تعيش كل دول الجوار عدم الاستقرار والحروب وأوضاع اقتصادية صعبة.

ناهيك عن صناعات تركيا الدفاعية ومشاريعها الإستراتيجية في التكنولوجيا العسكرية والصناعية، فضلا عن موقع تركيا الإستراتيجي بين الشرق والغرب، كونها اليوم محور تواصل وربط معظم خطوط الطاقة العالمية بين الغرب والشرق، حيث يريد بوتين إرسال الطاقة الروسية عبر تركيا إلى أوروبا وتم تأسيس خطوط لذلك.

كما أن إنتاج تركيا للطاقة المكتشفة حديثا جعلها لاعبا مهما في سوق الطاقة العالمية، وبدأت تعتمد على نفسها في مجال الطاقة.

إذ اكتشفت نحو 3 تريليونات متر مكعب من الغاز والطاقة، وتصالحت مع دول الإقليم المجاورة بلا استثناء، وتشكل تحالفات في المتوسط لاستثمار هذا الكم الضخم من الطاقة.

هل ترى أن هناك انعكاسات اقتصادية لتولي هاكان فيدان حقيبة الخارجية؟

هاكان فيدان رجل يمتلك خبرة عسكرية وأمنية واستخباراتية، والآن يضيف إليها الخبرة السياسية والدبلوماسية؛ ولذلك نستطيع أن نقول إنه من أقوى الشخصيات السياسية التركية البارزة.

وأوروبا تسميه الرجل الذي يعرف كل شيء، والجميع يكون قلقا من الجلوس معه، لأنه شخصية عميقة ومسيطرة وهادئة وقادرة على توجيه النقاشات لصالح بلاده، وهو ما يعظم من قوة تركيا الخارجية.

وفيدان يشبه إلى حد كبير بوتين، ويمتاز بالسيطرة وسيقوي وضع تركيا على الصعيد الدولي، وسيتعامل مع الملفات الحساسة والساخنة، مثل اليونان وسوريا وليبيا وغيرها بالعقلانية الهادئة العميقة، حيث إنه كان موجودا في تلك الملفات وكان جزءا من التفاوض فيها من قبل.

هل من الممكن أن يكون خليفة لأردوغان؟

هذا الكلام بدأ يتم تداوله في الأروقة السياسية التركية بأن الرئيس أردوغان يُعد فيدان ليكون خليفته، وهو يثق فيه بشكل كبير، ولا يوجد في حزب العدالة والتنمية شخصية بهذه الصفات.

وهذا الأمر يطرح في كثير من النقاشات، ولا توجد شخصية في مثل قوة هذا الرجل الذي يحظى بدعم شعبي واسع النطاق أيضا.

ما الأفق الاقتصادي الذي يدعم خطة أردوغان لاستعادة بلديتي إسطنبول وأنقرة في انتخابات البلدية القادمة 2024؟

تشكيل الحكومة الجديدة فيه بعض الملاحظات المهمة جدا وهي حساسة في سياق الساحة الداخلية التركية، فنحن رأينا أن المعارضة فازت بمساعدة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في أنقرة وإسطنبول ولو بفارق ضئيل.

ولذلك أردوغان عندما شكل الحكومة الجديدة هذه المرة وضع الوزراء البارزين بالدرجة الاولى من أصل كردي مثل وزير المالية محمد شيمشك، ونائب رئيس الجمهورية جودت يلماز، ورئيس المخابرات إبراهيم قالن، ووزير الصحة فخر الدين قوجة، ورئيسة البنك المركزي حفيظة أركان، جميعهم من أصول كردية.

وهؤلاء بالطبع سيستفيد أردوغان منهم في مواقعهم كما أنه يريد أن يرسل رسالة للأكراد بأن هؤلاء هم من يمثلون الحكومة، ولهم وجود مؤثر وبالتالي يمكن أن يجذبوا الأصوات الكردية لصالح مرشح التحالف الحاكم.

ومن الممكن أن يدخل هؤلاء الوزراء إلى عمق الشعب الكردي لجذبه باتجاه مرشحي أردوغان في الانتخابات المحلية المقبلة وهذه ملاحظة مهمة.

كما أن أردوغان سيتابع بقوة الانتخابات المحلية وسيضخ حزمة وعود وخدمات جديدة للمواطنين الأتراك من جهة وسيعمل على استغلال الفشل الواضح من إدارة رؤساء البلديات المنتمين لحزب الشعب الجمهوري لتلك البلديات.

حيث هناك فشل واضح وتعطل وخسارة من تراجع مستوى الخدمات في إسطنبول وأنقرة، ومن الممكن أن يستفيد أردوغان من هذه الظروف المواتية لاستردادهما.

المصالحات الإقليمية

ألا ترى أن تقارب أردوغان مع أنظمة الخليج لا سيما السعودية والإمارات سيوقف الحرب على الليرة؟

لا شك أن المراقب للسياسات الخارجية المتبعة في دول الخليج سيرى أن السعودية بدأت تبتعد نوعا ما عن السياسة الغربية والأميركية، وابتعادهم عن الغرب يكون لحساب الشرق المتمثل في الصين وروسيا عبر تركيا التي تربط بهم بعلاقات جيدة.

ودول الخليج لديها المال ولكنها تحتاج للحماية والأمن ويمكن أن تعتمد على تركيا كوسيط للتقارب مع دول الشرق وتوفير الحماية المطلوبة.

وتركيا لها علاقات وتقدم ما في وسعها لهذه الدول ورأينا أن السعودية أودعت 5 مليارات دولار بالبنك المركزي التركي، وكذلك الإمارات أودعت 10 مليارات دولار، وقطر مثلها.

وستشهد تركيا في الفترة المقبلة تدفقات اقتصادية خليجية فضلا عن التقارب السياسي والأمني مع الابتعاد قليلا عن الغرب.

حيث لعبت تركيا دورا في توحيد دول الإقليم والتقارب بين السعودية وإيران، وسيتبع ذلك تقارب اقتصادي وتجاري بين دول الإقليم.

وسينعش ذلك الاقتصاد التركي بالطبع وسيحسن من وضع الليرة التركية والاستثمارات الخارجية والاستقرار. 

كيف ترى دور تركيا في التغلب على أزمة غاز المتوسط؟

غاز شرق المتوسط يحتاج إلى استخراج وتأسيس كيانات وشبكات وتحالفات ضخمة؛ لأنها تفوق طاقة أي دولة منفردة.

وقد فشلت مصر وإسرائيل واليونان ومن ورائها أميركا في عمل خط لنقل الطاقة إلى أوروبا بدون تركيا بتكلفة أكثر من 20 مليار دولار، وأعلن بايدن في النهاية الانسحاب من هذا المشروع بسبب اتفاقية ليبيا وتركيا.

والجميع يدرك أن أي خط لنقل الطاقة عبر المتوسط إلى أوروبا لا يمكن أن يتحقق بدون موافقة تركيا، وهو ما دفع إلى تقارب إسرائيل ومصر واليونان مع تركيا.

كما أن تركيا موجودة بليبيا بالاتفاق مع مصر وبذلك يمكن تدشين ذلك الخط لنقل الطاقة إلى أوروبا عبر المتوسط، وستستفيد تركيا صاحبة أطول حدود بحرية بالمتوسط.

ولذلك الصين تريد أن تكون حاضرة بشكل علني وتشارك في هكذا مشاريع في المنطقة وتتقارب مع دول الإقليم.