وليد جنبلاط.. زعيم لبناني درزي يصنع التسويات مع الخصوم ويعادي الأسد وحلفاءه

بيروت- الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

من بلدة المختارة معقل الدروز في جبل لبنان، يواصل الزعيم الدرزي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط معركته السياسية، والتأثير في مشهد هذا البلد الذي تلعب فيه المحاصصة الطائفية دورا فاعلا.

ويصنف جنبلاط نفسه في التركيبة السياسية اللبنانية بأنه "وسطي"، لكنه ما يزال يناصب العداء للنظام السوري ويرى أنه "قاتل لشعبه".

ولكون وليد جنبلاط الذي يلعب دورا رئيسا بالحياة السياسية في لبنان، معروفا بنشاطه على منصة تويتر ومنها يبث مواقفه السياسية، فقد انتقد خطوة إعادة نظام بشار الأسد لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية بقرار من وزراء الخارجية العرب في 7 مايو/أيار 2023.

ففي اليوم التالي كتب جنبلاط على تويتر: "وهل سألوا الشعب السوري إذا كان يرغب في العودة إلى الحضن العربي؟ طبعا لا".

وأضاف قائلا: "الجامعة العربية شبيهة بسفينة الـ Titanic تحمل هذا الشعب إلى غرق محتوم وقد أعطي النظام السوري شرعية التصرف والذين نجوا من التعذيب أو السجون أو التهجير فإن الحضن الحنون كفيل بشطبهم، ومتى بربكم استشرتم الشعوب العربية؟"

النشأة والتكوين

ولد وليد كمال جنبلاط عام 1949 في بلدة المختارة جنوب شرقي بيروت، لأسرة اعتنقت المذهب الدرزي، ونال عام 1973 شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من الجامعة الأميركية في بيروت.

عمل في مجال الصحافة، وكتب في جريدة النهار لأقل من سنة، كما كتب العديد من المقالات الاقتصادية والسياسية.

وبين عامي 1979 و1980 كتب افتتاحية "صحيفة الأنباء"، وهي الجريدة الناطقه باسم الحزب التقدمي الاشتراكي الذي أسسه والده كمال.

وفي نهاية أبريل/نيسان 1977 انتخب جنبلاط رئيسا للحزب التقدمي الاشتراكي خلفا لوالده الذي كان زعيما للحركة الوطنية في لبنان في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، وما يزال يترأس هذه الحزب.

تسلم جنبلاط زعامة عائلته السياسية إثر اغتيال والده كمال عام 1977 بإطلاق الرصاص من مجهولين اعترضوا سيارته في بعقلين بقضاء الشوف اللبناني.

ويتهم نظام الأسد الأب، باغتيال والده إحدى الشخصيات اللبنانية المعروفة بدعمها للقضية الفلسطينية.

وعام 2017، سلم وليد نجله تيمور زعامة العائلة السياسية، وقال وقتها في كلمته بهذه المناسبة وبحضور رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري: "منذ أربعين عاما وقع الشرخ الكبير، وقعت الجريمة الكبرى بحق الشراكة والوحدة الوطنية".

وأردف: "فكان قدري أن أحمل على كتفي عباءة ملطخة بالدم، دم المعلم كمال جنبلاط ورفيقيه حافظ (الغصيني) وفوزي (شديد)، ودم الأبرياء الذين سقطوا غدرا في ذلك النهار الأسود المشؤوم".

كان وليد جنبلاط أحد مؤسسي تحالف "14 آذار" عام 2005 لمناهضة نظام الأسد في لبنان، والذي طالب برحيل القوات السورية من هذا البلد عقب اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005، والذي اتهم نظام بشار الأسد بالوقوف وراء اغتياله.

وأسس جنبلاط المركز الوطني للبحوث والدراسات الذي تحول إلى "دار التقدمية للنشر"، كما درس مادة التاريخ في الجامعة الوطنية ببيروت.

وشغل جنبلاط منصب وزير دولة لشؤون المهجرين بين 1992 و1998، ووزير دولة بين 1990 و1992.

وكذلك شغل منصب وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة سليم الحص بين 1989 و1990.

وأيضا منصب وزير الأشغال العامة والنقل ووزير السياحة في حكومة رشيد كرامي بين 1984 و1988.

 كما كان عضوا في البرلمان اللبناني، ورئيسا لـ"الجمعية اللبنانية للتعليم العلمي والتقني والاقتصادي".

ويمتلك الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أسهم في ثالث أكبر معمل إسمنت في لبنان.

التوريث السياسي

سار وليد جنبلاط بكل ما أوتي من قوة في عملية التوريث السياسي لنجله الأكبر تيمور (43 عاما) وهو من زوجته الأولى جيرفيت التي تزوجها عام 1981، وأنجب منها، أشقاء تيمور؛ أصلان وداليا، ثم تزوج مرة ثانية امرأة تدعى "نورا".

ففي احتفال أقيم في الذكرى الأربعين لاغتيال كمال جنبلاط وحضره الآلاف في المختارة، سلم وليد في 19 مارس/آذار 2017 نجله البكر تيمور زعامة العائلة السياسية والطائفة الدرزية على حد سواء.

وحينذاك خاطب جنبلاط نجله بعدما وضع كوفية الزعامة على كتفيه بالقول "يا تيمور سر رافع الرأس، واحمل تراث جدك الكبير كمال، وأشهر عاليا كوفية فلسطين العربية المحتلة، كوفية لبنان التقدمية، كوفية الأحرار والثوار، كوفية المقاومين لإسرائيل أيا كانوا، كوفية المصالحة والحوار، كوفية التواضع والكرم، كوفية دار المختارة".

وقد نجح تيمور عام 2018 في الدخول إلى البرلمان، وهو متخرج في الجامعة الأميركية ببيروت في تخصص العلوم السياسية.

يحمل جنبلاط نفسا سياسيا ساخرا يصف به الوضع السياسي المعقد في لبنان، ويجعله متقلبا في التحالفات وخاضعا للمصالحة مع الأعداء طالما أن ذلك يبقيه في مكانة سياسية وازنة في لبنان.

ففي كثير من التشكيلات الحكومية كان يمنح لحزب جنبلاط ثلاث حقائب وزارية، لكنه أحيانا يصطدم بضغوطات من حزب الله ويسحب منه حقيبة لصالح شخصية درزية تحظى بدعم زعيم الحزب الأخير حسن نصر الله كما حصل عام 2018.

وقتها تمكن حزب الله من إدارة حصة الدروز في عملية تشكيل الحكومة نفسها، فأجبر وليد جنبلاط على التخلي عن أحد المقاعد الوزارية الثلاثة.

وكان المقعد الوزاري المذكور مخصصا لشخصية وافق عليها منافس جنبلاط، طلال أرسلان، وهو حليف للحزب.

ولا يتوانى جنبلاط عن اللمز بحق حزب الله ودائما ما يقول" "لبنان ليس منصة لإطلاق الصواريخ"، في إشارة إلى ترسانته الحزب المدعوم من إيران والذي يعد ذراعها العسكري في بيروت.

وحول موقف جنبلاط من طهران، قال في مقابلة مع محطة "إم.تي.في" اللبنانية في 27 يناير/كانون الثاني 2022: "إن إيران كسبت المزيد من النفوذ في لبنان بسبب تخلي الدول العربية عن هذا البلد".

ورغم توتر العلاقة بين حزب الله وجنبلاط، فإن الأخير يحتفظ بقنوات تفاوض مع نبيه بري رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل التي توصف إلى جانب الحزب الأول بوصف "الثنائي الشيعي".

وتعليقا على الأزمة الاقتصادية في لبنان، كتب جنبلاط في 26 يونيو/حزيران 2020 على تويتر قائلا: "الأسوأ لم يأت بعد"، مضيفا: "زمن الرفاهية انتهى، وسنعود إلى حياة الأجداد وأكل الدجاج والبرغل".

سياسي وسطي

كان جنبلاط من بين المطالبين باستقالة حكومة سعد الحريري إثر اندلع التظاهرات غير المسبوقة في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بعد إقرارها ضريبة على الاتصالات عبر تطبيقات الإنترنت.

ورغم سحب الحكومة قرارها على وقع غضب الشارع، لم تتوقف حركة الاحتجاجات ضد كل مكونات الطبقة السياسية، وعلت مطالب الشارع في حراك جامع لم يستثن حزبا أو طائفة أو زعيما مما أسفر عن استقالة الحريري.

وكان جنبلاط جزءا من حكومة الحريري وقتها ويشكلان جبهة مع آخرين ضد التيار الوطني الحر الذي كان يتزعمه الرئيس اللبناني السابق ميشال عون وحليفه حزب الله اللذان يطالبان بالانفتاح على نظام الأسد.

وعقب قراره في يناير/كانون الثاني 2022، تعليق نشاطه في الحياة السياسية اللبنانية، قال جنبلاط في مقابلة تلفزيونية: "لا يمكن لأحد أن يملأ الفراغ الذي تركه" الزعيم السني سعد الحريري.

وجنبلاط كان مقربا من البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير الذي توفي عام 2019 عن عمر 99 عاما، وهو شخصية دينية لعبت دورا محوريا في تاريخ لبنان الحديث، وكانت رأس حربة في مواجهة وجود قوات الأسد بلبنان.

ولهذا نجح صفير بإجراء ما يُعرف بـ"مصالحة الجبل" مع جنبلاط، والتي طوت صفحة اقتتال دام بين المسيحيين والدروز عام 2000.

ومرت حياة جنبلاط بتقلبات في المواقف السياسية، إذ خاض معارك مع "اللواء الثامن" بقيادة ميشال عون إبان الحرب الأهلية في معركة "سوق الغرب" عام 1983.

لكنه تصالح مع عون، وأصبح جنبلاط ضمن الأكثرية المطلوبة لانتخابه الأول رئيسا للبنان عام 2016، والذي غادر منصبه نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وكان جنبلاط من بين السياسيين اللبنانيين الذين انتقدوا عام 2015 الحكم المخفف من قبل محكمة التمييز العسكرية في لبنان على الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة والذي أصبح لاحقا مستشارا لبشار الأسد.

وحكم سماحة بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف السنة بجرم نقل متفجرات من سوريا إلى لبنان والتخطيط لتنفيذ تفجيرات واغتيالات في بيروت.

وقال جنبلاط آنذاك: "إن حكم المحكمة العسكرية في قضية ميشال سماحة يشرع الاغتيال والتفجير".

قبل أن تعاد محاكمة سماحة ويحكم عليه بالسجن لمدة 13 عاما مع الأشغال الشاقة بعد أن اعترف في جلسة محاكمة في 20 أبريل/نيسان 2015 بأنه تسلم "مبلغ 170 ألف دولار من السوريين" ووضعها في صندوق سيارته مع المتفجرات، ثم سلمهما إلى أحد معارفه ويدعى ميلاد كفوري في مرآب منزله في بيروت.

معاداة الأسد

وشكل اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، فرصة لجنبلاط لكي يعلن العداء لرأس النظام بشار الأسد وكان من المبشرين بنهاية حكمه، بعدما سئم من تدخلاته ومخابراته بلبنان وزعزعة استقراره بالاغتيالات السياسية.

وكان آخر زيارة لوليد جنبلاط إلى دمشق ولقاء بشار الأسد لبحث "المستجدات على الساحة اللبنانية" في منتصف فبراير/شباط 2011.

وانتقل جنبلاط تدريجيا من العداء المطلق لنظام الأسد ثم مهادنته ثم المصالحة معه قبل أن يبدأ مرحلة عداء جديدة عقب الثورة السورية.

وتقلبت علاقة وليد جنبلاط بدمشق، وعمد نهاية 2009 إلى مصالحة نظام الأسد بعد عداء طويل.

وتحدث جنبلاط لصحيفة "الأخبار" اللبنانية في 6 مارس/آذار 2013، أنه بعد أسبوعين على اندلاع الثورة في درعا، التقى في دمشق الرئيس السابق لهيئة أركان الجيش السوري العماد حكمت الشهابي.

يقول جنبلاط: "قال لي الشهابي إن بشار الأسد مجنون، وسيأخذنا إلى التدمير"، مضيفا أنه تواصل هاتفيا مع الشهابي قبيل وفاته بأيام عام 2013، وسمع منه أن "سوريا التي نعرفها يا وليد انتهت إلى غير رجعة".

وتابع الزعيم الدرزي "وهذا صحيح. سوريا التي وقفت معها 29 عاما انتهت". وبقي جنبلاط متصلدا في موقفه من أبناء الدروز الذين وقفوا مع الأسد ضد السوريين.

غعندما توفي شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز بسوريا حسين جربوع الموالي للأسد عام 2012، قال جنبلاط لوكالة الأنباء الفرنسية إنه لن يذرف دمعة على رجل دعم حتى النهاية نظاما يرتكب المجازر بحق شعبه.

وعام 2012 وضع وليد جنبلاط علم "الثورة السورية" على ضريح والده الذي يتهم النظام السوري باغتياله.

وقد شن جنبلاط هجوما عنيفا على بشار الأسد في 20 فبراير/شباط 2012 واصفا تنظيمه استفتاء على مشروع الدستور الجديد بأنه جاء "فوق بحور من دماء السوريين"، حسب مقال أسبوعي نشره بجريدة "الأنباء" الصادرة عن الحزب التقدمي الاشتراكي. 

وينتقد كذلك النظام السوري بعنف ويكاد يتغزل في انتقاده ومهاجمته وإطلاق توصيفات مهينة بحق بشار الأسد، كما لا يتوانى عن إلقاء شعر ينطبق على المنظومة الأمنية له والتي يراها تمارس القتل في سوريا ولبنان.

وعام 2015 قال الزعيم الدرزي: "سيأتي يوم تتحرر سوريا من الظلم والطغيان من النظام الأسدي، وسيأتي يوم تتحرّر فلسطين من الصهيونية".

"الدروز بحماية السنّة"

وكان جنبلاط على علاقة وثيقة مع دروز سوريا المقيمين بمحافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية الواقعة على الحدود السورية الأردنية.

وخاصة مع وحيد البلعوس، أحد أهم مشايخ الطائفة "الدرزية" بسوريا، الذي أعلن مناهضته لنظام بشار الأسد منذ بداية الثورة في مارس 2011.

وتعرض البلعوس لعملية اغتيال وصفت بـ"السياسية" في 4 سبتمبر/أيلول 2015، إثر انفجار سيارة ملغومة في مدينة السويداء، تبعه استهداف آخر بالمستشفى الذي نقل إليه وأدت لمقتل آخرين.

وعلى الفور اتهم جنبلاط على تويتر النظام السوري باغتياله ومن معه، وقال وقتها: "التحية كل التحية للشهيد الشيخ وحيد البلعوس ورفاقه الذين اغتالهم بشار الاسد",

وأضاف أن ن البلعوس "قائد انتفاضة ترفض الخدمة العسكرية في جيش النظام السوري".

وأيضا اتهم ليث ابن وحيد البلعوس، في تصريحات صحفية بأغسطس/ آب 2021، إيران ومليشيا "حزب الله" اللبناني بالوقوف وراء مقتل والده ورفاقه.

وحينما دعا وليد جنبلاط لتطبيق الحل السياسي في سوريا، أغضب ذلك نظام الأسد ووجه له مذكرة استدعاء قضائية سورية اتهمته بالمس بهيبة الدولة السورية في مايو/أيار 2014.

ورد وقتها جنبلاط في بيان له قائلا: "لقد دعيت لتطبيق مقررات جنيف (2012) والدخول في الحل السياسي بهدف حماية ما تبقى ومن تبقى في سوريا، ﻻ سيما بعد ان استفحل النظام السوري في القتل وإجرام وتسبب بتهجير الملايين، واعتقل مئات اﻵﻻف تعسفيا الذين أصبحوا مجهولي المصير".

وكرر جنبلاط في البيان الدعوة إلى الحل السياسي "للحفاظ على هيكلية الدولة كي ﻻ تذهب سوريا إلى التفتيت والتقسيم"، وفق قوله.

وكان أثار جدلا واسعا في صفوف المرجعية الدينية الدرزية، حينما صرح في مقابلة تلفزيونية بتاريخ 7 أبريل/نيسان 2013 بأن "الدروز ممن يقفون مع النظام السوري دمهم حلال"، ودعا أبناء الطائفة الدرزية للانشقاق عن قوات الأسد.

ووقتها وصف الشيخ الدرزي أيمن زهر الدين من مدينة السويداء، جنبلاط بأنه "حرباء السياسة المتقلبة وزئبق المواقف المتخاذلة".

واللافت أن جنبلاط فند رواية نظام الأسد حول حماية الأقلية الدرزية في سوريا، فلم يبد تخوفه عليهم لأنهم وفق ما قال لصحيفة "الأخبار" اللبنانية في 6 مارس 2013: "يعيشون في بحر من أبناء السنة" في إشارة إلى تداخل مناطقهم في السويداء مع العشائر العربية في درعا والأردن.