إذكاء التوتر وضغط اقتصادي.. ماذا يحضر النظام السوري لمحافظة السويداء؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أعاد رسم النظام السوري مشهد النفوذ في محافظة درعا لصالحه، الحديث عن مصير جارتها السويداء، حيث ما فتئ يدرس الخيارات المتاحة أمامه لتغيير الخريطة العسكرية هناك.

وتقع محافظة السويداء جنوبي سوريا، وتبعد عن العاصمة دمشق مسافة 110 كم، وهي ذات أغلبية درزية، ويقتصر نفوذ النظام السوري فيها على مبان حكومية وقطع عسكرية بريفها.

خصوصية السويداء كونها تضم النسبة الأكبر من الأقلية الدرزية، ساهمت بشكل كبير في اتباع النظام السوري أسلوبا مغايرا لمعالجة الوضع الأمني فيها منذ خروج مظاهرات فيها ضد رأس النظام بشار الأسد إبان اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011.

تكتيك ثابت

وعقب بدء أجهزة النظام السوري قمع الثورة، والتأكد من سيرها في معالجة التطورات في باقي المحافظات المنتفضة بشكل أمني وعسكري، عمد شيوخ عقل الطائفة لاتخاذ قرار مبكر بمنع شباب محافظة السويداء من الالتحاق بالخدمة الإلزامية في صفوف قوات الأسد خوفا من توريطهم في الدم السوري.

هذه الحالة الفريدة في الواقع السوري، فرضت على السويداء أن يكون لها تشكيلات عسكرية محلية لها حظوة السيطرة منذ ثماني سنوات على أجزاء كبيرة من المحافظة.

واعتمدت هذه التشكيلات منذ البداية نهج تجنب الصدام المسلح مع النظام السوري وأجهزته الأمنية ومليشيا الدفاع الوطني التي شكلها من الموالين له من شباب المحافظة.

ورغم هذا كله فإن النظام السوري من البداية اتبع تكتيكا أبقى على حالة التوتر قائمة في السويداء، من خلال التفجيرات وتنفذ اغتيالات بحق رموز الطائفة، فضلا عن الضغط الاقتصادي وفتح جبهات عسكرية لا قبل للأهالي بها.

تمثلت تلك الإجراءات على سبيل المثال، بتسهيل اقتحام تنظيم الدولة لقرى شرق السويداء في يوليو/تموز عام 2018، مما أدى فيها  إلى مقتل عدد من الرجال أثناء التصدي للتنظيم وخطفت فيها 27 امرأة وطفلا.

لكن أطلق تنظيم الدولة سراحهم لاحقا بـ"مسرحية" مكشوفة، اعتبرها الأهالي محاولة كبرى من الأسد لتركيع السويداء لكنه فشل فيها.

وإلى الآن لا تزال السويداء غير مستقرة وتعيش على حالة تسخين دائم من طرف أجهزة مخابرات الأسد وأذرعه وكل ذلك من أجل هدف واحد هو أن تعود المحافظة بأكملها "صاغرة" إلى نفوذ النظام، وهذا ما لا ترضاه الفصائل المحلية.

وآخر تلك التوترات هو اصطدم الأمن العسكري التابع للنظام، مع حركة "رجال الكرامة" التي يقودها منذ فبراير/شباط 2017 يحيى الحجار أحد شيوخ الطائفة الدرزية، التي تعد القوة العسكرية الأبرز على ساحة السويداء والمتوزعة عناصرها في مناطق متفرقة من المحافظة.

واعتبرت شبكة "السويداء 24" المحلية أن النظام السوري "غير مكترث" لما يقوم به الأمن العسكري رغم "الاتهامات المسنودة بالوقائع بدعم عصابات الخطف والمخدرات والخارجين عن القانون"، ويعد هذا الجهاز الأمني هو الأقوى في الجنوب السوري.

توتر جديد

واندلعت شرارة التوتر الجديد في السويداء إثر عمليات خطف متبادلة وبث "اعترافات" للمحتجزين من قبل مجموعة محلية تابعة للأمن العسكري متهمة بعمليات خطف بغرض طلب الفدية، ومليشيا "قوات مكافحة الإرهاب" المشكلة حديثا، تطورت لاحقا لاشتباكات مسلحة بينهما في 13 سبتمبر/أيلول 2021 أودت بحياة شخص.

وفي يوليو/تموز 2021، خرجت للعلن مليشيا عسكرية حملت اسم "قوات مكافحة الإرهاب" وأثارت شكوكا من قبل أهالي السويداء منذ بداية تأسيسها؛ لكون ممارساتها دلت سريعا على محاولة تسخين المحافظة عسكريا هذا فضلا عن عدم معرفة الجهة التي تقف وراء تمويلها، وفق مراقبين.

ومما زاد من حدة التوتر نشوب خلافات بين أفراد من "رجال الكرامة" كانوا يستقلون سيارة على طريق دمشق السويداء، مع حاجز لمجموعة الأمن العسكري اعترض طريقهم، بعدما نصبوه على خلفية المناوشات المسلحة مع "مكافحة الإرهاب"، الأمر الذي اعتبرته الحركة خطوة استفزازية لها.

وهذه المرة لم تشأ حركة "رجال الكرامة" أن تمر هذه الحادثة مرور الكرام، إذ أقدمت في 14 سبتمبر/أيلول 2021، على محاصرة فرع الأمن العسكري في مدينة السويداء عبر إغلاق كافة الطرقات المؤدية إليها من قبل مقاتليها.

ووجهت الحركة بالتزامن مع ذلك إنذارا لجميع فروع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري في السويداء لرفع الغطاء عن جميع المسلحين وأفراد العصابات المنتسبين لها داخل المحافظة.

ودعت كذلك إلى محاسبتهم قضائيا وسحب بطاقاتهم الأمنية والأسلحة التي زودتهم بها "للاعتداء على المدنيين وارتكاب الانتهاكات ضدهم"، وفق ما جاء في بيان لها، أو ترحيلهم خارج المحافظة.

وبدا أن نشر الحركة المئات من مقاتليها على مداخل مدينة السويداء وتطويق فرع الأمن العسكري، استجابة مدعومة بغطاء أهلي لوقف حالة الانفلات الأمني ومنع وقوع صدامات مسلحة.

ووفقا لـ شبكة "السويداء 24" المحلية فإن تحرك "رجال الكرامة" جاء بعدما تمادت الأجهزة الأمنية في ارتكاب انتهاكات متواصلة ضد المدنيين في المحافطة.

رسائل عامة

وسبق أن قالت شبكة "السويداء 24" في تقرير لها بـ أغسطس/آب 2021 أن المعطيات تشير إلى أن المدينة مقبلة على "تصعيد بين فصائل ومليشيات متعددة الولاءات".

 ونوهت الشبكة إلى أن هناك "تخوفا من الانزلاق إلى مرحلة اقتتال داخلي بالنظر للروابط الاجتماعية والعائلية الموجودة في المحافظة".

رغبة النظام السوري بإبقاء السويداء في حالة غليان تتحكم به أذرعه، مرتبط بشهية النظام في إعادة الجنوب السوري إلى سيطرته بالكامل، عقب نجاحه في بسط نفوذه شبه الكامل على أحياء "درعا البلد" بعد عشر سنوات من خروجها من يده.

في هذا السياق، يرى الكاتب والصحفي السوري حافظ قرقوط، أنه "قد يكون النظام حرك الملف بالتوازي مع درعا كرسائل عامة أو ربما يكون لديه اتجاه حول ترتيب وضع الجنوب بشكل عام من السويداء باتجاه درعا والقنيطرة".

وقال قرقوط المنحدر من السويداء لـ"الاستقلال"، إن النظام السوري "لم يترك الملفات كلها إلى هذا الحين إذ كان يتحرك منذ عام 2014 عبر محاولة التدخل بالمحافظة والتعبير عن إثبات وجوده من خلال عمليات الاغتيال وتوزيع التهم وأشهرها حادثة اغتيال الشيخ وحيد البلعوس".

 وبعدها جرت تهديدات عبر تنظيم الدولة من شرق السويداء وأيضا قبلها من الغرب عبر جبهة النصرة وكذلك عبر اللواء الثامن المدعوم من روسيا، وفق ما قال.

ووحيد البلعوس هو أحد أهم مشايخ الطائفة "الدرزية" في سوريا، ومناهض لنظام بشار الأسد منذ بداية الثورة في مارس/ آذار 2011، إذ تعرض لعملية اغتيال وصفت بـ"السياسية" في 4 سبتمبر/ أيلول 2015، إثر انفجار سيارة ملغومة في مدينة السويداء، تبعه استهداف آخر بالمستشفى الذي نقل إليه.

وقد اتهم ابنه "ليث" قائد "قوات شيخ الكرامة" حاليا وهي فصيل محلي لها ثقل عسكري وشعبي كبير في السويداء، في تصريحات صحفية بأغسطس/ آب 2021، إيران ومليشيا "حزب الله" اللبناني بالوقوف وراء مقتل والده ورفاقه.

ويؤكد قرقوط أن من "أكثر ما يدل على أن ملف السويداء متحرك بشكل دائم هو إشاعة النظام السوري عبر التابعين له بأنه سيعود إليها.

ورغم أنه يدفع رواتب الموظفين وينفذ بعض الخدمات العامة في المحافظة، إلا أن الحالة الأمنية للنظام مفقودة كهيكلية دولة إذ يعتبر وجوده حاليا كأي تشكيل عسكري بالسويداء.

أوامر روسية

وأشار الكاتب السوري إلى أن "روسيا والنظام السوري كلاهما يريد أن تكون السويداء بكل تفاصيلها تحت سيطرة النظام وهو من يديرها، وأن يوصلوا رسالة إلى العالم بأنهم يديرون هذا الملف على كامل الجغرافيا السورية، وخاصة بعد عزوف شبابها عن مشاركته في قتل الشعب السوري، واعتبار الأهالي أن الأسد مجرم حرب وهم بريئون من الدم السوري".

ولفت قرقوط إلى أن "النظام السوري يستطيع أن يدخل السويداء بجيشه وعتاده وأن ينصب حواجز فيها، إذا لم يعتد على الأهالي أو يلاحق الشباب لسحبهم إلى الخدمة العسكرية في صفوفه لكون النظام بالأساس له وجود هناك، ولعدم وجود قوة عسكرية محلية قادرة على ردع النظام المدعوم روسيا، في ظل تعرض المحافظة لحصار أمني واقتصادي".

واستدرك قائلا: "النظام السوري يلعب على وتر الأقليات ولا يريد إقحام الجيش بوجهها وهذه الرسائل يمررها للخارج".

ويتفق الصحفي السوري ياسر الرحيل في تصريح لـ"الاستقلال" مع قرقوط من ناحية أن للسويداء "خصوصية كونها تضم أقلية من الطائفة الدرزية".

لذا النظام السوري يحاول عدم التصعيد مع الأهالي رغم انتشار المليشيات الإيرانية في المناطق الحدودية مع درعا وكذلك في الريف الغربي وجزء من الريف الشرقي، وصولا إلى الحدود الشمالية، وفق ما قال.

لكن الرحيل يذهب إلى أن "افتعال التوترات المحلية في السويداء يريد النظام السوري ومن خلفه روسيا الوصول إلى نشر الحواجز الأمنية وتجنيد أكبر عدد من الشباب في المليشيات وإخضاع المحافظة للسلطة الأمنية بالكامل، لإجبار الأهالي في النهاية على تنفيذ أي مسرحية يريد النظام تمريرها".

وألمح الصحفي السوري إلى أن "النظام يتحرك في الجنوب بأمر مباشر من روسيا، إذ إن اتفاق الجنوب عام 2018 والذي شمل محافظتي درعا والقنيطرة وأجزاء من السويداء بين الروس وفصائل المعارضة نص على منع الاقتتال أو تحليق الطيران أو أي تحرك عسكري للنظام دون موافقة من موسكو".

ولفت الرحيل إلى أنه في "بعض الأحيان شهدت السويداء بعض الاستفزازات من قبل النظام السوري تحت نظر الروس، كنسب بعض حوادث القتل لبعض العشائر".

إذ يعمد النظام على إخراج مسيرات مؤيدة له تطالب بدخول جيشه لضبط الأمن وهذه إحدى طرق افتعال الحوادث لتمرير دخول قواته إلى السويداء.