بعد موت لبناني تعذيبا.. كيف يتعامل النظام الأمني في الإمارات مع الأجانب؟

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تتواصل ظهور فضائح الإمارات في ارتكاب انتهاكات بحق الأجانب المقيمين على أراضيها لدرجة تعذيب بعض هؤلاء حتى الموت في سجونها.

وتوجهت الأنظار إلى الإمارات في هذا الملف، بعد وفاة اللبناني غازي عز الدين (50 عاما) تحت التعذيب في 4 مايو/أيار 2023، بعد توقيفه من قبل سلطات أبوظبي في 22 مارس/آذار من العام ذاته.

موت لبناني

وبحسب "منظمة العفو الدولية" في 12 مايو 2023، تواصلت السلطات الإماراتية، مع نجل المتوفى وطلبت منه الحضور للتعرف على جثة والده، إلا أنها لم تسمح له سوى برؤية وجهه.

كما رفضت سلطات أبوظبي تسليم جثة غازي لعائلته لدفنها في بيروت، بل عمدت إلى دفنه في دبي بحضور ابنه وشقيقيه الموقوفين اللذين أطلقت سراحهما لاحقا لكن منعتهما من السفر، وفق المنظمة المذكورة.

اللافت أن أبوظبي لم تبلغ العائلة بوفاة رجل الأعمال عز الدين الذي كان يقطن منذ أكثر من 30 عاما في الإمارات، إلا بعد خمسة أيام من وفاته.

وقالت "سيما والتينغ" من منظمة العفو: "يبدو أن السلطات الإماراتية تحاول إخفاء السبب الحقيقي للوفاة والتستر على القضية".

ورأت والتينغ أنه "من المريب للغاية أن تسمح السلطات لابن غازي بالتعرف عليه عبر إظهار وجهه فقط، فضلا عن رفضها تسليم الجثة إلى الأسرة لإعادتها ودفنها في لبنان، وأن تقوم بدفنه وتطالب الأسرة بالتكتم عن الموضوع".

ودعت والتينغ السلطات الإماراتية إلى ضرورة الإفراج عن الموقوفين الآخرين "ما لم يكن هناك دليل على ارتكابهم جريمة، بما يتناسب مع القانون الدولي"، وضمان إمكانية تواصلهم مع محاميهم وعائلاتهم وحصولهم على الطبابة اللازمة.

وأشارت والتينغ إلى أن "للإمارات سجلا من الاعتقال التعسفي، وقد نتج عن ذلك في قضايا سابقة محاكمات جائرة وأحكام سجن طويلة".

من جانبها، لفتت صحيفة "الأخبار" اللبنانية في 12 مايو 2023، إلى أن "غازي عز الدين ينحدر من بلدة باريش الجنوبية بلبنان"، مضيفة أن "إجراءات دفنه في دبي جرت عند العاشرة ليلا، مما يرجح فرضية تعرضه للتعذيب أثناء التحقيق ما أدى إلى وفاته".

وأوضحت الصحيفة: "عندما داهم جهاز الأمن القومي التابع لإمارة دبي منازلهم واقتادهم إلى التحقيق بذريعة الاشتباه بتورطهم في عمل أمني، علما أن الأخوة الثلاثة يديرون مكتبا لتخليص المعاملات وليس لأي منهم سجل إجرمي في الإمارات التي يقيمون فيها مع عائلاتهم منذ نحو 30 عاما".

ونوهت "الأخبار" إلى أن المتوفى وشقيقيه وآخرين ممن جرى توقيفهم من قبل أمن أبوظبي في التاريخ ذاته، "أجبرت عائلاتهم على التزام الصمت، بسبب الترهيب الذي تعرضت له طوال الفترة الماضية، والتهديد المبطن بأن إبلاغ الإعلام أو تناقل الخبر قد يعرض المعتقلين للخطر".

احتجاز تعسفي

وذكرت صحيفة "الأخبار"، أن هناك ثمانية محكومين بعضهم حكم عليه بالمؤبد في الإمارات، مبينة أن ملف موقوفي الإمارات بدأ عام 2013.

فيما كان الترحيل على خلفية شبهات أمنية بدأ عام 2009 مع ترحيل عشرات اللبنانيين من دون سابق إنذار، قبل أن تعاد الكرة عام 2015.

وخلال السنوات الماضية، أوقفت الإمارات لبنانيين عدة غالبيتهم الساحقة من الطائفة الشيعية منهم من اتهمتهم بالتعامل مع "حزب الله" الذي تصنفه مع دول خليجية أخرى تنظيما "إرهابيا".

وعلى خلفية وفاة عز الدين، دعا "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" الذي يتخذ من مدينة جنيف السويسرية مقرا له، أبوظبي لتوضيح ملابسات الوفاة.

كما حثها في بيان "على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين تعسفيا في سجونها، والتوقف عن ملاحقة الأشخاص على نحو غير قانوني، واحترام حقوقهم في حرية الرأي والتعبير، والحركة والتنقل".

وفي مايو/أيار 2019، أصدرت محكمة إماراتية حكما بالسجن مدى الحياة في حق لبناني، وبالسجن 10 سنوات في حق آخرين، بعدما أدانتهم بتهمة التخطيط لشن هجمات لصالح حزب الله.

وسبق أن أطلق سراح الطبيب اللبناني ريتشارد خياط، بعد أكثر من شهر على اعتقاله في أبو ظبي لنشره تغريدات رأتها السلطات الإماراتية تشهيرية، ليعود إلى وطنه أواخر أبريل/نيسان 2022.

كما رعى الأمن العام اللبناني مع الإمارات صفقة إطلاق سراح ثمانية لبنانيين، في يناير/كانون الثاني 2021، كانوا معتقلين في أبوظبي، وذلك بعد توقيفهم لأشهر عدة في الدولة الخليجية لاتهامهم بالتعامل مع "حزب الله".

أمثلة للاعتقال

وللإمارات سجل واسع في عمليات التوقيف للمواطنين العرب تحت تهم متعددة، سواء بتهمة الانتماء لتنظيمات معينة أم لأسباب مجهولة، ولا سيما عقب اندلاع ثورات الربيع العربي التي نظرت إليها أبو ظبي بعين الريبة وحاربتها بشكل غير مباشر.

وعقب عام 2013 تعرض عدد من المواطنين السوريين المقيمين في الإمارات إلى مداهمات بيوتهم من قبل الأمن واعتقالهم بطرق مهينة، دون توجيه تهم علنية لهم أو إجراء محاكمات، حيث قضى بعض هؤلاء نحو ثلاث سنوات ونصف السنة في السجون الإماراتية قبل ترحيلهم إلى وجهة يختارونها.

وبقي هؤلاء يعانون من أمراض أصابتهم خلال فترة الاعتقال السيئة، وكذلك معاناة نفسية رافقتهم لسنوات، دون استطاعتهم رفع دعاوى ضد أبوظبي والحصول على تعويضات أو محاكمات عادلة.

وكانت التحقيقات تدور حينها بحسب ما قال معتقل سابق لـ"الاستقلال"، حول "أسباب جمع مبالغ مالية وإرسالها لدعم الثورة السورية وتزويد بعض المنظمات والنشطاء بكاميرات وأجهزة محمولة ولوحية".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2012، اعتقلت السلطات الإماراتية 11 مصريا بينهم أطباء ومهندسون وصحفي، وحينها أشارت صحيفة إماراتية، إلى أن المعتقلين ينتمون إلى جماعة "الإخوان المسلمين" وجرى اعتقالهم على خلفية أمنية.

وفي قضية أثارت ردود فعل واسعة، اعتقل الأمن الإماراتي المصري شريف عثمان الذي سافر إلى الإمارات في زيارة عائلية، حيث اعتقل من قبل قوات أمن إماراتية بملابس مدنية في 6 نوفمبر 2022 داخل مطعم في دبي.

ووقتها لم يقدموا مذكرة توقيف أو يشرحوا له أو لعائلته المصدومة أسباب اعتقاله، وأخذ في سيارة لا تحمل أي علامات، كما أبلغ مسؤولون إماراتيون محاميه بعد شهر أنهم تصرفوا استجابة لطلب من نظام مصر.

وأمام ذلك دعت منظمة العفو الدولية، في تقرير لها نشر في ديسمبر/كانون الأول 2022، الإمارات لعدم إعادة المعارض السياسي المصري الأميركي شريف عثمان قسرا إلى مصر، حيث قالت المنظمة إنه يواجه خطر التعذيب وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والمحاكمة الجائرة.

وآنذاك قالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، آمنة القلالي: "لقد تحولت إجازة شريف العائلية للإمارات إلى كابوس بعد اعتقاله التعسفي أثناء تناول وجبة طعام بصحبة عائلته".

معتقلات سيئة

وعلى سبيل المثال، يقبع على الأراضي الإماراتية سجن "الرزين" وقد صنفه المركز الدولي لدراسات السجون، في تقريره للعام 2020، ضمن أسوأ 10 معتقلات سيئة السمعة في العالم.

كما أن الوجه الآخر من جحيم السجون الإماراتية ظهر في سجن "الوثبة" على بعد 40 كيلومترا شرق أبو ظبي، فالمعتقل الذي افتتح عام 1982، بحسب تقرير منظمة العفو الدولية "أمنستي" للعام 2020، تقع بداخله انتهاكات جسيمة.

وفي مقدمتها المعاملة القاسية للسجناء، والعقوبات الجماعية، والتعذيب المروع، والإهمال الطبي للمرضى، وعدم توفر الظروف الملائمة للحياة مثل المياه، بالإضافة إلى درجات حرارة مرتفعة للغاية لا تحتمل.

وفي نهاية أغسطس/آب 2018، نظم ناشطون وحقوقيون، وقفة وسط العاصمة البريطانية لندن، طالبوا فيها بوضع حد لسوء معاملة السجينات في الإمارات.

وجاءت الوقفة آنذاك بدعوة من "الحملة الدولية للحرية في الإمارات" (ICFUAE)، ردا على الشهادات الأخيرة للسجينات في الإمارات التي تكشف عن ممارسات تعذيب مستبدة.

وروت بعض المعتقلات السابقات، وبينهن إماراتيات وأجنبيات، شهاداتهن عن الانتهاكات التي تعرضن لها وراء القضبان، وطالبن بفتح ملف السجون الإماراتية، وإجراء تحقيق دولي شامل لكشف الحقائق المغيبة.

وكانت منظمات دولية لحقوق الإنسان، قد أفادت في يوليو/تموز 2018، بأن "التعذيب الممنهج" و"الاعتقالات التعسفية" مستمران في الإمارات، وذلك خلال ندوة في مكتب الأمم المتحدة بجنيف، حول ملف حقوق الإنسان في الإمارات.

وبحسب تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، نشر بتاريخ 22 يونيو/حزيران 2021، فإن مئات من النشطاء والأكاديميين والمحامين يقضون أحكاما مُطولة بالسجن في الإمارات بعد محاكمات "عادة ما تفتقر إلى العدالة وبناء على اتهامات غامضة وفضفاضة".