رغم وساطتها.. لماذا تبتعد بكين عن الانخراط المستمر بين طهران والرياض؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أكد موقع "منتدى شرق آسيا" أن الافتراض بأن الصين على وشك الاضطلاع بدور أكثر بروزا وفعالية كوسيط للصراع في منطقة الخليج، هو أمر مبالغ فيه.

وأشار الموقع إلى أن الصين لعبت دور "مضيف المحادثات" في اتفاق إيران والسعودية على إعادة العلاقات الدبلوماسية، في مارس/آذار 2023، وهذا بدوره أدى إلى نقاش واسع بين صانعي السياسات والأكاديميين.

ويعتقد البعض أن هذا التطور يشير إلى تغيير جديد في نهج الصين تجاه الشرق الأوسط، بعد أن كان تركيزها في المقام الأول على العلاقات التجارية.

دور جزئي

وعلى الرغم من استضافة بكين للمحادثات التي أدت إلى الاتفاق، فإن الكثير من العمل الجوهري كان قد أُنجز بالفعل في وقت سابق، خاصة من قِبل العراق وسلطنة عمان، وفق التقرير.

وأوضح الموقع أنه "جرى تمكين الصين من التدخل في الأمتار الأخيرة؛ لأن الولايات المتحدة ليس لديها علاقات مع إيران، مما يجعل من الصعب عليها التوسط في اتفاق كهذا".

ويعتقد أن "مشاركة الصين كانت أشبه بجهودها السابقة في إدارة الصراع الإقليمي، فبين عامي 2004-2007، حاولت بكين ردم الهوة بين المجتمع الدولي والنظام السوداني أثناء أزمة دارفور".

وتابع: "ثم فعلت بكين شيئا مماثلا في 2013-2015 بين الغرب وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني، وبلغت ذروتها في خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني)".

وفي كلتا الحالتين، نالت المشاركة الصينية دعما من خلال الحوار المحدد مسبقا، وقبول كل جانب بإشراك بكين، حسب الموقع.

وأكد التقرير أن "النقاش منذ الاتفاق السعودي-الإيراني انتقل إلى كيفية ضمان الصين للعلاقات بين الخصمين".

وهذا يمثل شوطا كبيرا؛ لأن الاتفاق اقتصر على استئناف العلاقات الدبلوماسية فقط، بحسب تقديره.

وأردف أنه "حتى لو كانت لدى الصين الإرادة، فإنها تفتقر إلى قدرة فرض نفسها على إيران والسعودية، وذلك لأسباب ليس أقلها استمرار العديد من المشكلات بين الدولتين، كالمشروع النووي الإيراني، ومواقفهما المتناقضة من الحرب الأهلية في اليمن".

ويرى الموقع أنه "حتى إذا لم تستطع الصين ضمان الاستقرار في المستقبل، فإن هناك حوافز كافية من داخل المنطقة قد تجعل ذلك ممكنا؛ إذ إن لدى إيران والسعودية – في الأصل- أسبابا وجيهة للتوصل إلى اتفاق بينيّ".

وأفاد بأن "الجانب السعودي يشعر أن واشنطن أصبحت أقل موثوقية، وفي الوقت نفسه، تدرك الرياض أن تنويع علاقاتها ليس بالأمر السيئ، حيث نمت العلاقات التجارية بين الصين والسعودية كثيرا على مدى العقدين الماضيين".

فبين عامي 2005 و2022، بلغ إجمالي الاستثمارات الصينية في المملكة 12.78 مليار دولار أميركي، مقارنة بـ 4.72 مليار دولار أميركي في إيران.

وفي غضون ذلك، تكافح إيران اقتصاديا، حيث انخفض ناتجها المحلي الإجمالي إلى النصف تقريبا، بين عامي 2012 و2021، من 644 إلى 360 مليار دولار أميركي، وتفاقم هذا الوضع بسبب العقوبات.

كما واجهت طهران احتجاجات واسعة النطاق ضد مقتل الشابة مهسا أميني في مركز للأمن سبتمبر/أيلول 2022 (بسبب مخالفتها شروط لبس الحجاب)، ما دفعها إلى قمع المتظاهرين الذي خرجوا إلى الشوارع على إثر الحادثة.

خيارات محدودة

ووفق منتدى شرق آسيا، فإن "إيران- مقارنة بالسعودية- لديها عدد أقل من البدائل المتاحة، فعلى الرغم من توقيعها على "معاهدة التعاون الاقتصادي والإستراتيجي" مع الصين قبل عامين، فإن ذلك لم يؤد إلى زيادة كبيرة في الموارد".

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن الاتفاقية تشمل "400 مليار دولار استثمارات صينية في عدد من المجالات، بما في ذلك، الصرافة، والاتصالات، والموانئ، والسكك الحديدية، والرعاية الصحية، وتكنولوجيا المعلومات، لمدة 25 عاما قادمة".

كما نصت على أن الصين ستحصل على إمدادات نفطية إيرانية، مخفضة للغاية، وبشكل منتظم، وفقا لمصادر إيرانية تحدثت للصحيفة الأميركية.

وأشار الموقع إلى أن "استضافة الصين للمحادثات الدبلوماسية مع السعوديين قد تكون خطوة إيرانية للبقاء في نطاق رؤية بكين".

ووفق قوله، فإن "اتفاق كل من طهران والرياض على إشراك الصين، من المحتمل أن يقلل جزءا من التنافس بينهما، مع الإشارة أيضا إلى أن بكين قد تكون على دراية بأن ملفها الاقتصادي المتنامي يصطحب معه تداعيات سياسية".

وأكد أنه "لطالما سعت الصين إلى تجنب التورط في التوترات والصراعات الإقليمية، لكن الواقع يثبت أن ذلك أصعب مما يبدو".

فبعد قمة مجلس التعاون الخليجي مع الصين في ديسمبر/كانون الأول 2022، أكد البيان المشترك دعم دول الخليج لمطالب الإمارات بجزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى، التي تحتلها إيران.

وترى إيران أن هذه الجزر تابعة لها، ولذلك استدعت السفير الصيني بعد صدور البيان.

ويعتقد "منتدى شرق آسيا" أن "الصينيين الآن يبدون أكثر تيقظا للتوترات في الخليج، فعشية زيارته للخليج عام 2021، نشر وزير الخارجية الصيني آنذاك، وانغ يي، خطة بكين ذات النقاط الخمس".

وأشار الوزير الصيني إلى حاجة المنطقة للأمن الجماعي والإقليمي في الخليج، مؤكدا أن هناك حاجة إلى "آليات لبناء ثقة" إلى جانب "سلامة المنشآت النفطية والممرات الملاحية".

ومن الجدير بالذكر أن الصين شاركت في المراحل النهائية لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وهنا من المهم عدم المبالغة في طبيعة الاتفاقية أو دور بكين في المنطقة، وفق التقرير.

ورجح الموقع أن "تظل الصراعات الإقليمية الأخرى -مثل تلك الموجودة في سوريا وإسرائيل وفلسطين وليبيا واليمن- خارج دائرة التدخل الصيني".

وتابع: "طالما أن الأطراف المتصارعة وداعميها الخارجيين ينظرون إلى الفوائد الحالية للصراع المستمر على أنها تفوق تكاليف إنهائها، فلن يكون التوسط أمرا جاذبا لطرف ثالث مثل الصين".

وأردف: "إذا قدّرت بكين أن العمل كوسيط قد يساعد في تعزيز مكانتها، فقد تستنتج أيضا أن الفشل في تحقيق نتيجة إيجابية قد يضر بمصداقيتها في الإقليم بشكل عام".

وطالما أن العلاقات السعودية-الإيرانية يُنظر إليها على أنها تسير في مسار تصاعدي، فإن هذا سيفيد الدولتين، بالإضافة إلى الصين ومكانتها الإقليمية، حسب التقرير.

"ولكن إذا تعطل أو تراجع هذا المسار السعودي-الإيراني، فقد يكون لذلك تأثير سلبي على انخراط الصين في القضايا الإقليمية".

وختم الموقع بالتأكيد أنه "ربما لهذا السبب، تبتعد بكين حتى الآن عن تبني نهج أكثر استدامة وانخراطا مع الخصمين الإقليميين، السعودية وإيران".