تعده المهدي المنتظر.. كيف أجبرت جماعة "أهل القضية" الصدر على تجميد تياره في العراق؟ 

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في قرار مفاجئ بعد ابتعاد دام لأشهر عن العمل السياسي، أعلن رجل الدين الشيعي في العراق، مقتدى الصدر، تجميد "التيار الصدري" الذي يتزعمه لمدة لا تقل عن عام كامل، وغلق حساباته على منصات التواصل الاجتماعي، ردا على ظهور جماعة جديدة مؤيدة له تُطلق على نفسها اسم "أهل القضية".

ومنذ إعلان اعتزاله العمل السياسي "نهائيا" في 30 أغسطس/آب 2022، لم يصدر عن زعيم التيار الصدري، أي شيء يتعلق بالأوضاع السياسية في العراق، ويكتفي بنشر تغريدات تقتصر على المواعظ الدينية، آخرها دعوته للاعتكاف في مسجد الكوفة خلال رمضان.

"جماعة فاسدين"

الاعتكاف الذي دعا إليه الصدر في مسجد الكوفة بمدينة النجف، قام بإلغائه "بسبب تصرفات الفاسدين ممن يسمون بأهل القضية.. لا بارك الله بهم"، حسبما أعلن ما يعرف بـ"وزير القائد" محمد صالح العراقي عبر تغريدة على "تويتر" في 13 أبريل/ نيسان 2023.

وبعد هذه الخطوة بيوم واحد، نشر مقتدى الصدر، تغريدة على "تويتر" جمّد فيها تياره، بالقول: "أن أكون مصلحا للعراق ولا أستطيع أن أصلح التيار الصدري فهذه خطيئة، وأن أستمر في قيادة التيار الصدري وفيه (أهل القضية) وبعض من الفاسدين، وفيه بعض الموبقات فهذا أمر جلل".

وتابع: "لذا أجد من المصلحة تجميد التيار أجمع ما عدا صلاة الجمعة وهيئة التراث وبراني الشهيد (مرقد والده) لمدة لا تقل عن سنة.. لأعلن براءة من كل ذلك أمام ربي أولا وأمام والدي ثانيا"، مضيفا "كما ويغلق مرقد السيد الوالد إلى ما بعد عيد الفطر".

وشدد مقتدى الصدر على أن "هذه القرارات تنفذ فورا"، مضيفا: "سئمتهم وسئموني".

ويأتي قرار إلغاء الاعتكاف، بعد أيام من ظهور شخص معمم يضع كمامة على وجهه في مقطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي يدعو فيه الذين "سيعتكفون" في مسجد الكوفة إلى مبايعة زعيم التيار الصدري على أنه الإمام المهدي، وعلى ضرورة نصرته.

ووصف مجلس القضاء الأعلى العراقي الجماعة بأنها "عصابة تثير الفتن"، وذلك خلال بيان، أكد فيه أن "محكمة تحقيق الكرخ قررت توقيف 65 متهما من أفراد عصابة ما يسمى (أهل القضية) التي تروج لأفكار تسبب إثارة الفتن والإخلال بالأمن المجتمعي".

وأضاف بيان القضاء الأعلى في 14 أبريل 2023، أن "ذلك تم بالتنسيق مع جهاز الأمن الوطني باعتباره الجهة المختصة بالتحقيق".

وفي فبراير/ شباط 2009، أعلن الصدر على استفتاء براءته من الذين وصفهم بـ"الضالين المنحرفين عقيدة وفكرا"، وخاصة عناصر "أهل القضية"، ودعا إلى محاربتهم فكريا وثقافيا وعقائديا.

كما دعا الصدر طلبة الحوزة إلى "التصدي للحركات المنحرفة بقوة"، فضلا عن دعوته الناس إلى "تحصين أنفسهم عن طريق الاطلاع على دينهم وعقيدتهم وتواصلهم مع مرجعياتهم".

وطالما وجدت توترات في العلاقة بين هذه الحركة والتيار الصدري، وحدثت بعض الاشتباكات الصغيرة فيما بينهم، لكنها لم تتطور إلى مواجهات واسعة.

وبدأت جيوب هذه الحركة الشيعية من محافظة ميسان جنوب العراق، ثم بدأت تتوسع أخيرا بالعاصمة بغداد، وخصوصا في مدينتي الصدر والشعلة اللتين تعدان من معاقل التيار الصدري، إضافة إلى أنها توجد في محافظتي ذي قار والبصرة.

"أهل القضية"

وتشكلت هذه الجماعة خلال مرحلة العنف الطائفي في العراق بين عامي 2007 و2008، وهي تضم أتباعا من التيار الصدري منشقين عن "جيش المهدي"، إذ اجتمعت على فكرة أن "مقتدى الصدر هو الإمام الثاني عشر للشيعة الاثنى عشرية والمعروف بالمهدي المنتظر".

و"جيش المهدي" شكله الصدر في يوليو/تموز 2003، لمواجهة القوات الأميركية، ثم تحول إلى ارتكاب قتل جماعي واختطاف وتهجير ضد أهل السنة، بعد حادثة تفجير الإمامين العسكريين عام 2006، لكن زعيم التيار الصدري ادعى تبرؤه ممن تورطوا في هذه العملية، وأعلن تجميده بشكل تام في 2009.

لكن هذه المليشيا (جيش المهدي) التي يقدر عددها بنحو 60 ألف مقاتل، أعاد مقتدى الصدر تفعيلها بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، إثر غارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي في 3 يناير/ كانون الثاني 2020، لكن لم يظهر لها أي نشاط مسلح.

واستندت الجماعة بفكرتها هذه على بعض الروايات الشيعية القديمة التي تقول "بإمكان حلول روح شخص في جسد شخص آخر"، وهو ما يطلقون عليه "الحلول في القضية".

وعلى ضوء ذلك، يعتقد "أهل القضية" أن روح الإمام الثاني عشر لدى الشيعة والذي عاش قبل نحو اثني عشر قرنا والذي يعتقدون أنه غاب لكنه لا يزال حيا وسيظهر في آخر الزمان ليحقق العدل في الأرض (يعتقدون) أن روحه قد حلت في جسد مقتدى الصدر.

والحركة ليست مشهورة على الساحة العراقية، لكنها تظهر بين فترة وأخرى، وتلقى رواجا كبيرا بين أوساط بعض المتدينين الشيعة بسبب اعتمادهم على عدد من الروايات، والنظريات الخاصة بـ"المهدي المنتظر"، ومن ثم تطبيقها على أنفسهم أو على أشخاص آخرين.

حركة متطرفة

من جهته، يقول الأكاديمي العراقي، أحمد رسول، إنها "حركة سياسية مهدوية متطرفة، يتصدر واجهة العمل فيها مجموعة من المشايخ ممن كانوا يعملون ضمن تشكيلات جيش المهدي سابقا بقيادة (الشيخ حيدر محمد جبر النجار)".

وأوضح رسول، في سلسلة تغريدات على "تويتر" في 14 أبريل 2023، أن "الأفكار الدينية المتطرفة، والصراع على مراكز النفوذ والقرار تُعد من أهم أسباب انشقاق هذه الحركة عن التيار الصدري، وهذه الحركة من الحركات شديدة التطرف، ونُسبت لها الكثير من عمليات العنف والاغتيال في محافظة ميسان قبل 2012".

وأشار إلى أنها تنقسم إلى جماعتين، الأولى تدعى "حركة روح الله" ويعتقد أفردها بأن (المرشد الإيراني الراحل، روح الله) الخميني هو الإمام المهدي، وأنه لم يمت، بل غاب وسيظهر.

أما المجموعة الثانية، فهي "النبأ العظيم" وتمثل التيار الرئيس في هذه الحركة (أهل القضية)، ويؤمن أفرادها أن الإمام المهدي في جسد مقتدى الصدر، وأن الأخير قد قتل في معركة النجف (مع الأميركيين) عام 2004.

وأضاف الأكاديمي أن هذه الجماعة تعتقد أيضا أن "(المرجع الشيعي الأعلى في النجف، علي) السيستاني هو دجال، وأن الإمام المهدي سيقوم بقتل المناصرين للعملية السياسية ومن يساندهم من القوات الأمنية والأهالي"، ويدخل الكوفة، ويقتل "كل منافق مرتاب" ويهدم قصورها ويقتل مقاتليها، ومن ثم يهجم على بغداد، ويقتل من فيها.

ومن أفكارهم أيضا، أنهم ينتظرون "النداء الذي يسمونه بـ(الخبر العاجل) الذي يكون العلامة لبدء العمليات والتوجه إلى الكوفة، لأن معركة النجف التي دارت بين عناصر جيش المهدي والقوات الأمنية العراقية والقوات الأميركية عام 2004 كانت أول معركة خاضها الإمام المهدي وأصحابه.

وبحسب الأكاديمي العراقي، رسول، فإن جماعة "أهل القضية" هذه لا تؤمن بأي من الوسائل السلمية لنشر دعوتهم والتبشير بها، وأن لغة العنف عندهم هي الخيار الوحيد.

وأكد رسول أنه "يوجد في مناطق وسط وجنوب العراق العديد من هذه الحركات والمجاميع التي يصعب إحصاؤها لكثرتها من ناحية، وتكتمها وسرية عملها من ناحية أخرى، ولكن جميعها تنتمي إلى منظومة فكرية سياسية واحدة، يجمعها: الغلو والتكفير والإرهاب".

أداة خارجية

تخيم على حركة "أهل القضية" شبهة الارتباط بجهات داخلية وخارجية تعمل على خلق صراعات وصدامات مسلحة ضمن التيار الصدري والعراق بشكل عام، لكن مراقبين يعتقدون أن الصدر قد يكون استغلها في اتخاذ قرار يقضي بتجميد التيار يحمل بعدا سياسيا.

وقال المحلل السياسي القريب من التيار الصدري، غالب الدعمي، إن "هناك جهات من خارج التيار الصدري حاولت الترويج لهذه الحركة بشكل ملحوظ أخيرا سعيا منها للإساءة للصدر وتياره".

وأوضح الدعمي لقناة "الحرة" الأميركية في 14 أبريل 2023 أن "نية هذه المجموعة كانت تتمثل في التوجه لمسجد الكوفة يوم الاعتكاف، الذي كان ينوي الصدر القيام به خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان، من أجل إعلان البيعة للمهدي المنتظر الذي يعتقدون أنه زعيم التيار الصدري".

وتابع: "عندما وصلت هذه الأنباء لمسامع الصدر ألغى الاعتكاف وأصدر بيانا واضحا دعا خلاله السلطات الحكومية لردع الحركات المنحرفة والفاسدة كما أسماها".

وأفاد الدعمي بأن "أعداد أنصار هذه الحركة ليست كثيرة، لكنها أخذت بالتزايد مؤخرا بشكل ملحوظ"، لافتا إلى أن "خطوة الصدر قطعت الطريق على من كانوا يعولون على تشويه سمعته واستغلال مثل هكذا حركات للإساءة له ولتياره". 

في المقابل، رأى الصحفي العراقي، سرمد محمد، أن "قرار الصدر المفاجئ والتفاعل الكبير مع جماعة تعمل منذ عام 2007، أثار الشكوك حول حجم ردة الفعل من زعيم التيار الصدري".

ورجح محمد لـ"الاستقلال" أن "الصدر أراد من خلال تجميد تياره لمدة عام كامل، التخلص من الضغوطات التي يواجهها من قاعدته الشعبية بالعودة للعملية السياسية، ولا سيما عقب قراره الكارثي بالانسحاب من العملية السياسية رغم أنه كان فائزا بنحو 73 مقعدا من أصل 329 نائبا".

ورأى أن "القرار يأتي بعد تقرير نشرته صحيفة (الجريدة) الكويتية في 4 أبريل 2023 تحدثت فيه عن لقاء جمع الصدر وقائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، حيث توصل الأخير إلى أن زعيم التيار الصدري لا يريد العودة للعمل السياسي، وإنما يسعى لأن يكون أرفع شخصية دينية شيعية بالعالم تحل محل المرجع السيستاني وحتى المرشد خامنئي".