صحيفة إيطالية: "الإمبريالية الجديدة" سبب طرد فرنسا من بوركينا فاسو

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة إيطالية الضوء على تصاعد المشاعر الشعبية المعادية في دول غرب إفريقيا إزاء الوجود الفرنسي هناك، مرجعة سبب ذلك إلى ما أسمته "الإمبريالية الجديدة".

وأوضحت صحيفة "إيل كافي جيوبوليتيكو"، أن وجود فرنسا في دول مثل بوركينا فاسو ومالي وإفريقيا الوسطى لم يعد مرحبا به، فيما تسعى قوى دولية أخرى مثل روسيا لملء هذا الفراغ في تلك المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية.

علاقة إشكالية

وقالت الصحيفة الإيطالية إن العلاقات بين فرنسا وبوركينا فاسو تتأثر بالماضي الاستعماري والتدخل التاريخي في منطقة الساحل وهو ما يشرح الاستياء الشعبي والمشاعر المعادية تجاه الدولة الأوروبية.

وكان المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو بقيادة الضابط إبراهيم تراوري قد طالب في يناير/ كانون الثاني 2023 باريس بسحب قواتها العسكرية المتمركزة هناك.

ويطرح انسحاب القوات العسكرية الفرنسية من واغادوغو العديد من التساؤلات المرتبطة خاصة بمستقبل العلاقات بين بوركينا فاسو وروسيا، ويتطلب أيضا بالتفكير في دور باريس في المنطقة.

إذ تعد بوركينا فاسو واحدة من أكثر دول العالم فقرا وتحتل المرتبة 182 من 189 من حيث مؤشر التنمية البشرية، وفقًا لتقرير التنمية البشرية الذي نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي  في عام 2019. 

وفي 30 سبتمبر/ أيلول 2022، أطيح برئيس المجلس العسكري الحاكم كولونيل بول هنري سانداوغو داميبا على أثر انقلاب عسكري جديد نفذته مجموعة من الضباط معلنة تعليق العمل بالدستور وإغلاق الحدود البرية والجوية للبلاد وتعيين إبراهيم تراوري قائداً جديدا للجيش.

وأظهر المجلس العسكري الجديد على الفور معاداته للغرب، أولا بإعلان منسقة الأمم المتحدة باربرا مانزي "شخصا غير مرغوب فيه" وطالبها بمغادرة البلاد قبل أن يطالب باريس بسحب قواتها بتاريخ 23 يناير وبمهلة لا تتجاوز شهرا.

وفي فبراير/ شباط 2023، أعلنت الحكومة البوركينية رسميا انتهاء عمليات القوات الفرنسية على أراضيها، تنفيذا لقرار إنهاء الاتفاقية العسكرية الموقعة عام 2018 وذلك بعد زيادة الهجمات الإرهابية، تلاحظ الصحيفة الإيطالية. 

وأرجعت السبب الرئيس في اتخاذ هذه القرارات إلى ما وصفتها بعدم كفاءة القوات الفرنسية في محاربة الجماعات المتطرفة، إلى جانب الرغبة في التعويل على النفس في هذا الإطار. 

من جهته، صرح الناطق باسم الحكومة البوركينية، جان إيمانويل ويدراوغو، بأن بوركينا فاسو تعول على وسائلها لكسب الحرب ضد الإرهاب، معلنا أن هذا التوجه لن يشكل نهاية العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. 

وصفت الصحيفة الإيطالية العلاقات بين فرنسا ومستعمراتها السابقة بالإشكالية للغاية وتذكر بأن الدولة الأوروبية أجبرت في 2022 أيضًا على مغادرة جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، حيث طلبت الحكومات المعنية بعد ذلك الدعم من المرتزقة الروس من مجموعة فاغنر. 

وأشارت في السياق ذاته إلى وجود مشاعر استياء قوية وواضحة بين السكان في بوركينا فاسو، حيث تخرج مظاهرات مناهضة للفرنسيين وكذلك هجمات ضدهم على غرار رشق متظاهرين مبنى المركز الثقافي الفرنسي في العاصمة بالحجارة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

وجود مرفوض

وأشارت الصحيفة الإيطالية إلى أن الوجود الفرنسي في بوركينا فاسو يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، عندما كانت البلاد مستعمرة وجزءًا من غرب إفريقيا الفرنسي.

وفي عام 1960، نالت البلاد استقلالها عن الاستعمار الفرنسي، إلا أنها حافظت على علاقات وثيقة مع فرنسا من الناحية الاقتصادية على سبيل المثال من خلال اعتماد عملة فرنك غرب إفريقيا.

وكذلك من الناحية العسكرية بمحافظة الفرنسيين دائمًا على تمركز وحدات عسكرية في إفريقيا لدعم الحكومات المتحالفة وضمان مصالح البلاد في القارة. 

لسنوات، ضمنت باريس الوجود الغربي في إفريقيا، خاصة في سنوات الحرب الباردة، لكنها غالبًا ما تعرضت لانتقادات بسبب سياسات "الإمبريالية الجديدة" في العلاقات مع المستعمرات السابقة. 

وانتقدت الصحيفة الإيطالية بالقول إن "التدخل الفرنسي في الشؤون الداخلية لبوركينا فاسو لم يتوقف منذ نيل الاستقلال". 

وتذكر أن أحد أهم التواريخ الرمزية لهذا التدخل المتواصل يعود إلى عام 1987، عندما دعمت فرنسا والولايات المتحدة بليز كومباوري في تنفيذ انقلاب أطاح بالرئيس توماس سانكارا، الذي كان يحظى بشعبية كبيرة بين السكان.

على أثر ذلك، حافظ كومباوري على موقعه في السلطة لمدة 27 عامًا بدعم من القوى الغربية، تضيف الصحيفة.

وأوضحت أن هذا الحدث "يعد مجرد مثال واحد على كيفية تدخل فرنسا في الديناميكيات الداخلية للبلاد والقارة لحماية مصالحها، خصوصا أن سانكارا كان زعيما مناهضا للإمبريالية ومعادا لها وأسهم أيضا في استياء السكان منها وعموما كان قائدا غير مريح بالنسبة للغرب".

"لص إفريقيا"

وأردفت الصحيفة الإيطالية أن المتظاهرين في ساحات البلاد واصلوا رفع الأعلام الروسية، متهمين فرنسا بتسميتها "لص إفريقيا".

كما عبروا بحماس عن إمكانية تقارب محتمل بين بوركينا فاسو وروسيا على الرغم من أن الحكومة أكدت لباريس أنها لن تطلب الدعم من مرتزقة فاغنر الروس. 

بالإضافة إلى ذلك، توجه رئيس وزراء بوركينا فاسو إلى موسكو في زيارة غير رسمية لمناقشة إمكانية التوصل إلى اتفاقيات للتعاون العسكري.

 على ضوء ما سبق، لا تستبعد الصحيفة الإيطالية سيناريو تقارب محتمل بوركيني روسي كما حدث في دول الساحل الأخرى رغم غياب معلومات مؤكدة حتى الآن.

 في هذا السياق، سيتعين على فرنسا أن تقرر ما إذا كانت وكيف ستعيد بناء علاقاتها مع بوركينا فاسو، وبشكل عام، مع المستعمرات السابقة. 

الهدف، بحسب الصحيفة، أن "تمثل باريس شريكا أكثر جاذبية من روسيا، لكن الاحتمال يبدو صعبا، نظرا للماضي الذي يسهم في زيادة المشاعر المعادية للإمبريالية في البلاد وفي المنطقة". 

في المقابل، تعد روسيا حاليا شريكا أكثر فائدة نظرا لطابعها الاستبدادي، وهو عامل بالتأكيد جذاب أكثر للحكومات المناهضة للديمقراطية ذات الطابع العسكري، على حد تعبير الصحيفة الإيطالية

وختمت بالقول "في غضون ذلك، يسهم التهديد الإرهابي في بوركينا فاسو في تفاقم الأزمة الإنسانية، ويظهر الحاجة إلى تحويل التركيز على رفاهية السكان بدلا من مزايا قيادة الانقلاب لما يشكله ذلك من ضرورة من أجل الاحتفاظ بالسلطة".