سعد كمبش.. عراقي نصّبه حلفاء إيران رئيسا للوقف السني فعاث به فسادا

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

كان قد تعهد رئيس ديوان الوقف السني الأسبق في العراق، سعد كمبش، بتحمل مسؤولية أي حالة فساد تحصل في هذه المؤسسة التي تعادل وزارة أثناء توليه إدارتها، وها هي نبوءته تتحق مع إعلان السلطات اعتقاله بتهمة الفساد المالي.

وفي 21 مارس/آذار 2023، أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية بالعراق، تنفيذ أمر القبض الصادر بحقه بتهمة الفساد المالي، وذلك بعد ستة أشهر من إصدارها، ليجرى اعتقاله من محل سكناه بمحافظة ديالى شرق العاصمة بغداد.

فساد بالمليارات

اعتقال كمبش جرى في مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى بتهمة ارتكاب خروقات مالية والإضرار بالمال العام بلغت قيمتها نحو 100 مليون دولار بينها تلاعب في بناء مساجد ومآذن وفنادق.

وأوضحت دائرة التحقيقات لهيئة النزاهة خلال بيان لها في 21 مارس 2023 أن الفريق المساند لها لمكافحة الفساد تمكن من تنفيذ أوامر القبض الصادرة عن محكمة تحقيق الكرخ في بغداد المختصة بقضايا النزاهة بحق رئيس الوقف الأسبق جراء المخالفات والخروقات المالية، ومنها المتعلقة بعقد شراء فندق بـ47 مليار دينار (30 مليون دولار) وتأجيره.

وأضافت أن تلك الأوامر صدرت عن قضايا عدة منها: المُغالاة في أسعار تنفيذ مشروع مآذن حديدية للجوامع في عموم محافظة صلاح الدين، وصرف مبالغ كبيرةٍ لها، مما تسبب بهدر أكثر من 1,5 مليار دينار (نحو مليون دولار) من المال العام، وكذلك المخالفات الإدارية والمالية التي شابت العقد المُبرم مع ديوان الوقف.

ولفتت إلى أن أحد ملفات "كمبش" كان مع الشركات اليابانية لغرض بناء جامع نينوى الكبير في الموصل، بمبلغٍ قدره أكثر من 42 مليار دينار (نحو 27 مليون دولار).

هذا فضلا عن تهم تتعلق بهدر 110 مليارات دينار (نحو 60.4 مليون دولار) بشراء عقارين تبلغ مساحتهما 460 دونما بمبلغ 57.5 مليار دينار (نحو 38 مليون دولار)؛ رغم كونهما يقعان خارج حدود البلدية في أرض صحراوية.

وبخصوص الفندق الذي أشار إليه بيان هيئة النزاهة، فقد أكد مصدر في هيئة استثمار أموال الوقف السني أن لجنة تشكلت من الوقف للنظر في الجدوى الاقتصادية من شراء فندق "رمادا" في أربيل بإقليم كردستان، والذي "كان مخالفا للشروط كونه يضم مكانا لبيع الخمور، إضافة إلى حالة الفساد الواضحة".

وأوضح المصدر (طلب عدم الكشف عن هويته) لـ"الاستقلال" أن "اللجنة خرجت بتوصيات تؤكد عدم الجدوى الاقتصادية من شراء الفندق، لكن رئيس الديوان في وقتها أصدر أوامر بنقل جميع أعضاء اللجنة إلى دوائر في مناطق بعيدة عن محال سكناهم للانتقام منهم، لأن القضية تسربت إلى جهات رقابية".

مرتش ومبتز

وعقب اعتقال كمبش، أعلن رجل الأعمال العراقي، علي الدراجي على حسابه بموقع "تويتر" في 23 مارس 2023 أنه كان أحد ضحايا عمليات الابتزاز التي كان يمارسها رئيس ديوان الوقف السني الأسبق مع المستثمرين ورجال الأعمال.

وقال الدراجي، إن "سعد كمبش الرئيس السابق للوقف السني سبب الكثير من المشاكل مع المستثمرين وفسخ عقودهم، وأنا أحدهم، بحجة مخالفة القانون، طبعا لغرض المساومة ومن لم يدفع يفسخ عقده، كلنا ثقة بالقضاء العراقي أن ينال جزاءه".

وأردف: "أعرف أسماء اليوم في مراكز متقدمة دفعت رشوة إلى سعد مقابل عدم التعرض لهم"، وفق قوله.

وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، كشف السياسي العراقي إبراهيم الدليمي بالوثائق خلال مقابلة تلفزيونية، عن عملية احتيال نفذها سعد كمبش على أحد المستثمرين في العاصمة بغداد.

وقال الدليمي، إن "كمبش منح المستثمر قطعة أرض للاستثمار في مدينة الحرية ببغداد لا تعود للوقف السني، وإنما لوزارة التجارة، مقابل أخذ رشاوى تمثلت بأربع سيارات نوع لكزس (Lexus) الواحدة تقدر بنحو 100 ألف دولار".

وأيضا "ثلاثة كاديلاك (Cadillac) الواحدة بنحو 100 ألف دولار، وستة أخريات نوع لاند كروزر (Land Cruiser) فئة (GX-R) تقدر الواحد بنحو 80 ألف دولار، إضافة إلى مبلغ 1.65 مليون دولار".

وكان سعد كمبش قد خرج خلال مقابلة تلفزيونية في 25 نوفمبر 2020، قال فيها، "أنا حاربت الفساد، وأتعهد أمام جميع من ينتمي إلى ديوان الوقف السني إن وجدوا حالة فساد فأنا مسؤول عنها، ولم أمنح أو أوقع على عقد واحد من أملاك الوقف نهائيا حتى الوقت الحالي".

وأضاف: "ربما أوقع عقدا واحدا يغني عن عشرات العقود، لأنني أبحث عن الفرصة الحقيقية التي تدر أملاكا واستثمارات جيدة للوقف السني، وأنا خاطبت رئاسة مجلس القضاء الأعلى لإعادة النظر في جميع العقود السابقة التي منحها الوقف". 

رئيس بالوكالة

سعد حميد كمبش القيسي (60 عاما) ولد في محافظة ديالى، يحمل شهادة الدكتوراه في تخصص غير معلوم، متزوج من عضو مجلس النواب العراقي الراحلة، غيداء كمبش، التي توفيت في 10 يوليو/تموز 2020 جرّاء إصابتها بفيروس كورونا.

وهو شقيق أسماء كمبش عضو البرلمان العراقي الحالي عن محافظة ديالى، والتي فازت عن حزب "تقدم" برئاسة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، والذي دعم تولي سعد رئاسة الوقف السني عام 2020.

جرى تعيين سعد كمبش وكيلا لرئيس الديوان للشؤون الدينية خارج السياقات القانونية في يناير/كانون الثاني 2020، لكونه لم يكن موظفا على ملاك "الديوان"، حسبما أظهرت وثيقة موجهة إلى رئيس المؤسسة آنذاك عبد اللطيف الهميم من الدائرة القانونية للوقف.

وبعدها بشهر واحد، وبقرار مفاجئ من رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي الحليف لإيران، كلف الأخير سعد كمبش بتسيير شؤون الوقف السني في فبراير/شباط 2020، إثر إقالة رئيس الديوان السابق عبد اللطيف الهميم على خلفية شبهات بتورطه بملفات فساد.

وفي مخالفة قانونية، أصدر رئيس ديوان الوقف السني وكالة سعد كمبش، أمرا في 6 يوليو 2020، بإعفاء مدير هيئة إدارة واستثمار الوقف وتكليف نفسه بإدارتها، فهي تعد أهم جهة داخل الوقف كونها تتحكم بأموال وأوقاف المؤسسة داخل العراق وخارجه.

وفي 3 مارس 2022، قرر رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، إقالة كمبش من منصبه، وتعيين عبد الخالق مدحت العزاوي رئيسا جديدا لديوان الوقف السني مكانه.

وأفادت وكالة الأنباء العراقية بأن "رئيس الوزراء وافق أصوليا على إنهاء تكليف سعد حميد كمبش من مهام تسيير شؤون ديوان الوقف السني وإعادته إلى عمله السابق كوكيل لرئيس الديوان".

وكان سعد كمبش يشغل قبل الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 منصب مدير عام "هيئة النقل الخاص" في وزارة النقل والمواصلات، ثم عمل مستشارا لرئيس البرلمان، أسامة النجيفي (2010 إلى 2014).

ودفع به "الائتلاف الوطني" الشيعي الموحد الحليف لإيران (الإطار التنسيقي حاليا) لتولي منصب محافظ ديالى بدلا عن محافظها السابق، عمر الحميري، الذي أقاله رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي في يناير/كانون الثاني 2014 بقرار وصف في حينها بـ"الجائر" كون الأخير يمثل أكبر كتلة للسنة في مجلس المحافظة.

وفي 7 ديسمبر/كانون الأول 2013 نشر موقع "وجهات نظر" العراقي، خبرا تحدث فيه عن سفر كمبش بصحبة زوجته عضو البرلمان في حينها، إلى إيران والتقى عددا من كبار المسؤولين المعنيين بالشأن العراقي لدعم ترشيحه محافظا لمحافظة ديالى.