ما الهدف الحقيقي للمحكمة الجنائية الدولية من إصدار مذكرة اعتقال بحق بوتين؟

12

طباعة

مشاركة

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 17 مارس/ آذار 2023 مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمفوضة الرئاسية لحقوق الطفل ماريا لفوفا بيلوفا، في إطار تحقيق بعنوان "الوضع في أوكرانيا" كان قد انطلق في 2 مارس 2022.

وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قد أعلن قبل سنة أنه سيفتح تحقيقا فوريا في جرائم حرب محتملة ارتكبتها روسيا في أوكرانيا، استجابة لطلب عدد غير مسبوق من الدول الأعضاء في المحكمة.

جبهة جديدة

وقال موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي، إن "جغرافية الأطراف المشاركة في التحقيق تجعل محاكمة روسيا، وإن كانت تجريها هيئة دولية، شأنا غربيا حصريا تقريبا".

وذلك لأن 40 دولة غربية من أصل 43 دولة قامت خلال السنة الأولى من التحقيقات بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. 

وأكد أنه "جغرافيا، نظرا لحساسية الموضوع، يمكن أن تتحول هذه القضية المهمة إلى معركة أخرى بين الغرب وروسيا بينما يراقب بقية العالم".

وذكر أن المدعي العام كريم أحمد خان، المتخصص في الجرائم الدولية الذي انضم إلى المحكمة بعد اكتساب خبرة واسعة في عديد مسارح النزاع، يشرف بنفسه على التحقيقات.

وقال، إن "المحكمة استعانت بالإنترنت والاستطلاعات الميدانية التي شارك فيها خان  لجمع الأدلة على الجرائم التي ارتكبتها القوات المسلحة الروسية في أوكرانيا".

وبعد 12 شهرا من التحقيقات، وبناء على الأدلة التي بحوزتها، رأت الدائرة الابتدائية للمحكمة الجنائية الدولية أن لديها "أسبابا وجيهة" لاتهام بوتين ولفوفا بيلوفا "بالمسؤولية الجنائية عن الترحيل غير القانوني ونقل الأطفال الأوكرانيين من أوكرانيا المحتلة إلى روسيا".

وفقا للتقديرات، شملت حملة النقل غير القانوني 13 ألفا إلى 300 ألف طفل أوكراني. 

وكان فريق تحقيق من الأمم المتحدة قال إن نقل أطفال أوكرانيين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة موسكو في أوكرانيا وإلى روسيا يشكل جريمة حرب.

ورأى الموقع أن "إحصاء عددهم  ليس بالأمر السهل خصوصا أنه يتطلب عمليات تفتيش من منزل إلى منزل، وبين المستشفيات ودور الأيتام، في مناطق وسط شرق أوكرانيا تقع  تحت السيطرة الروسية".

ويجزم أن "الشيء المؤكد الذي تم توظيفه في الواقع لتبرير إصدار أوامر التوقيف، هو أن عمليات النقل هذه قد تمت".

خصوصا أنه تم الإعلان عن هذه الحملات من قبل وسائل الإعلام الحكومية الروسية على أنها "حملة إنسانية تهدف إلى إنقاذ الأيتام والأطفال الذين تخلى عنهم العمال والعائلات الهاربون من الموت المحقق". 

وكذلك تصريحات ماريا لفوفا بيلوفا للصحافة بذلك، بالإضافة إلى تنظيم بوتين للعملية بمرسوم رئاسي في مايو/ أيار 2022 لتبسيط وتسريع إجراءات تجنيس المواطنين الأوكرانيين.

وما يجرى في لاهاي سيُسجَّل بالتأكيد في سجلات التاريخ بصفته أهم قضية محكمة دولية في عشرينيات القرن الحادي والعشرين، كما أنه يشكل انتصارا مدويا لأوكرانيا في حرب الروايات، يؤكد الموقع.

انتصار رمزي

وجادل الموقع الإيطالي بأن "أوكرانيا وحلفاءها قد يحققون انتصارا سيكون رمزيا بحتا مهما كان مذهلا".

ولفت إلى أن مذكرات الاعتقال الصادرة عن لاهاي لها صلاحية قانونية للدول التي هي إما أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية أو تقبل اختصاصها وروسيا لا تنتمي إلى أي من الفئتين.

وهذا الوضع يعقده حقيقة أن المحكمة الجنائية الدولية، بموجب القانون،  لا يمكنها إجراء محاكمات غيابية.

يذكر أن 123 دولة، بسبب التصديق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ستضطر نظريا إلى تطبيق أحكام المحكمة الجنائية الدولية وتسليم بوتين ولفوفا بيلوفا إلى السلطات المختصة إذا وطأت قدماهما أراضيها.

 لكن ثغرة استخدمت بالفعل في الماضي، في قضية عمر البشير عام 2015، تسمح بالالتفاف على هذا الالتزام القانوني تتمثل في مبدأ الحصانة الدبلوماسية، يلمح الموقع.

ويمكن لمحاكمة بوتين ولفوفا بيلوفا أن تتم إلا في حالتين، تسليمهما إلى القضاة في لاهاي تقوم به السلطات الروسية وذلك في حالة واحدة وهي وقوع انقلاب مؤيد للغرب أو أن يتم ذلك من قبل سلطات دول ثالثة. 

وذكر الموقع أن بوتين هو رابع رئيس دولة بعد العقيد الليبي معمر القذافي والرئيس السوداني السابق عمر البشير ونظيره الإيفواري الأسبق لوران غباغبو، يصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه.

لكنه الثالث بعد القذافي والبشير، الذي تصدر بشأنه مذكرة توقيف أثناء توليه المنصب.

وجميعهم، بإستثناء غباغبو، لم يتم تقديمهم أبدا إلى المحاكمة لأن البشير وجد الملاذ في الحصانة الدبلوماسية التي كفلتها له دول ثالثة وأما القذافي فقد توفي قبل عقد المحاكمة. 

بينما تمت تبرئة المتهم الرئيس الوحيد الذي استمعت المحكمة إليه بعد تسليمه وهو لوران غباغبو.

محاكمة غير عملية

وتدرك النيابة العامة في المحكمة الجنائية الدولية أن محاكمة بوتين غير عملية لكنها ليست تطبيقا غير واقعي للحكم الذي تسعى إليه وهو نزع الشرعية عن روسيا بوتين، على حد وصف الموقع.

وأضاف: "قد يكون دخول بوتين في قائمة الهاربين المطلوبين مجرد انتصار رمزي لأوكرانيا دون عواقب واقعية وفعالة، ومفيد بشكل خاص في المسار التاريخي لتحميل المسؤولية عن الحرب، كما أنه سيضع المجتمع الدولي على مفترق طرق". 

ويشرح "الاختيار بين الخير المتمثل في الحقيقة القضائية التي تمثلها المحكمة الجنائية الدولية، والشر الذي يمثله نظام مسؤول عن جرائم الإبادة الجماعية".

ويضيف "بدءا من 17 مارس 2023، التعامل مع بوتين سيكون مكافئا للتعامل مع شخص اسمه مدرج في قائمة معترف بها من قبل 123 دولة، تتألف من أمراء الحرب والإرهابيين والمجرمين وشخص منبوذ سيترتب على إقامة علاقات معه تكاليف لن تكون أخلاقية فحسب".

وقال إن" الوجهة النهائية لمحاكمة بوتين هي تشويه صورة النظام الذي أنشأه بعد سلفه بوريس يلتسين والذي تتعرض أركانه لعقوبات يفرضها الغرب وحلفاؤه"

واستدرك " أن عالم 2023 لا يشبه عالم 2003 لأنه يدعو إلى إنهاء المرحلة أحادية القطب والاحتكار الأمريكي للعدالة والعلاقات الدولية".

ولا يستبعد الموقع أن "تنتج إستراتيجية المحكمة الجنائية الدولية آثارا تتعارض مع تلك المتوقعة، بصرف النظر عن الانتصار الرمزي لأوكرانيا، خاصة في روسيا التي قد يميل رأيها العام الآن إلى تصديق دعاية النظام".

 وكذلك انسحاب أعضاء من معاهدة روما خوفا من التداعيات بسبب "الخيارات التي يعاقب عليها القانون"، إلى جانب الاستياء العالمي المتزايد من مؤسسات ما يسمى" النظام الدولي القائم على القواعد ".