السوداني ينفذ أجندة إيران.. ماذا وراء تصاعد دور الحشد الشعبي أمنيا في العراق؟

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في ظل حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني التي شكلتها قوى"الإطار التنسيقي" الموالية لإيران، يتزايد النفوذ الأمني للحشد الشعبي، الذي يضم مليشيات شيعية عديدة، لاسيما بعد منح قادته رتبا عسكرية كبيرة من أكاديمية وزارة الدفاع.

وتأسس الحشد بقرار من رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي عام 2014، لمواجهة تنظيم الدولة الذي سيطر على ثلث مساحة البلاد، ثم صوّت البرلمان في 2016 على قانون "هيئة الحشد الشعبي" ليتحوّل إلى قوة رسمية مرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة.

رتب كبيرة

وفي خطوة تظهر تزايد نفوذ القوات الموالية لإيران في التشكيلات الأمنية العراقية، شهد العام الجاري 2023 زيادة كبيرة في تدريب ضباط هذه المليشيات في الأكاديميات التابعة لوزارة الدفاع.

وسرّب معهد "واشنطن" أنه يتخرج كبار قادة ما يسمى "المقاومة العراقية" على نحو متزايد من مؤسسات عسكرية محترفة، فمنذ يناير/ كانون الثاني 2023 وصلت الدفعة الكبيرة الأولى من متدربي "الحشد" إلى أكادية وزارة الدفاع بالعراق.

وأوضح في تقرير صادر في 15 مارس 2023 أنه في السابق، كانت قوات الحشد الشعبي توفر جماعات صغيرة من 10 متدربين لكل دفعة في وزارة الدفاع، إذ تخرّج بالفعل تسعة من هؤلاء المتدربين في حفل أقيم في 2 يناير 2023.

وأشار المعهد الأميركي إلى أن "الدفعة الأخيرة، ضمّت 412 متدربا، أي زيادة قدرها خمسون ضعفا، إضافة إلى أنه من المزمع تدريب دفعة ثانية في وقت لاحق من العام نفسه 2023".

ولفت التقرير إلى أنه في عام 2023، سيتمّ تدريب دفعتين من ألوية الحشد الشعبي، والتي تضم تلك المصنفة إرهابية من الولايات المتحدة، مثل مليشيا كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق.      

وأكد أن الأشخاص المصنفين على قائمة الإرهاب الأميركية بدأوا في الحصول على رتب عليا، وشهادات من كلية الأركان، ودرجات علمية في الأمن القومي من كليات عسكرية عراقية وعربية.

ويعد العضو في "كتائب حزب الله" حسين فالح اللامي المعروف بـ"أبو زينب اللامي"، رئيس جهاز أمن "قوات الحشد الشعبي"، خير دليل على ذلك.

إذ صنّفته الولايات المتحدة في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2019 على قائمة "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" المرتبطة بعمليات "اغتيال وقمع المحتجين".

وفي يناير 2023، تمّت ترقيته إلى رتبة فريق ركن بعد تلقيه دورة تدريبية في كلية الأركان المصرية بين عامي 2020 و 2021.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى أبو امتحان (محمد الحلفي)، رئيس الاستخبارات في الحشد الشعبي المرتبط بـ"كتائب حزب الله" و"منظمة بدر"، وهما مؤهلان الآن لقيادة التشكيلات العراقية بحجم الفرق وأكبر منها.    

وفي 11 فبراير/ شباط 2023، احتفلت "جامعة الدفاع للدراسات العسكرية العليا" العراقية ببدء "الدورة الـ26 للكلية الحربية" المخصصة لـ"ضباط عراقيين مختارين"، للمشاركة في دورات دراسية عن العمليات وقيادة الأركان.

وفي الصورة الرسمية لخريجي الدورة، برز أشخاص صنّفتهم الولايات المتحدة على قائمة انتهاكات حقوق الإنسان وهم: ليث الخزعلي عضو مليشيا "عصائب أهل الحق" وشقيق قائدها قيس، وأبو زينب اللامي.

وخلال حركة الاحتجاج التي بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وثقت منظمة العفو الدولية موجة من الانتهاكات الفتاكة التي ارتكبتها قوات الأمن العراقية، بما في ذلك فصائل من وحدات الحشد الشعبي.

وفي 15 فبراير 2023، أمر رئيس الوزراء السوداني بتسريع التحقيقات في "أحداث تظاهرات تشرين 2019"، حسب بيان صدر عن اللجنة العليا لتقصي الحقائق.

وأسفرت حملة القمع الوحشية هذه، التي امتدت لأشهر والتي يشار إليها باسم "تظاهرات تشرين"، عن وقوع مئات القتلى وإصابة آلاف الجرحى، من خلال عمليات القتل المستهدف والتعذيب، بحسب بيان لمنظمة "العفو" في 15 مارس 2023.

وفي الوقت نفسه، تعرض الناجون وأفراد أسرهم الذين يسعون إلى تحقيق العدالة للهجمات والترهيب، مما دفع بعضهم إلى الفرار إلى خارج البلاد، لكنه حتى الآن، لم تُنشر أي إعلانات عن نتائج اللجان العديدة التي أنشئت للتحقيق في الانتهاكات، وفقا لـ"العفو".

ودعت منظمة "العفو" الدولية رئيس الوزراء إلى ضمان إحراز تقدم ملموس في إجراءات المساءلة عن هذه الانتهاكات الجسيمة التي وقعت منذ ما أكثر من ثلاث سنوات، وتقديم المعتدين إلى ساحة العدالة على وجه السرعة.

تمكين أمني

وعلى وقع الحديث عن تزايد تدريبات عناصر الحشد الشعبي في أكاديميات الدفاع الرسمية العراقية والعربية ومنحهم الرتب العسكرية، فإن تمكينهم الأمني في تنفيذ عمليات المداهمات والاعتقالات هي الأخرى بدأت تتصاعد وفق إعلام محلي.

وكان آخر تلك الحملات، اعتقال أمن الحشد الشعبي عددا من مقاتلي الفوج الـ13 "حشد مسيحي"، بعد مطالبتهم بالانفصال عن اللواء 50 في "الحشد" المعروف باسم لواء بابليون بقيادة ريان الكلداني المصنّف على لوائح الإرهاب الأميركية منذ 2019.

وأفادت وكالة "يقين" العراقية في 15 مارس 2023 بأن مقاتلين من الفوج 13 تظاهروا في بلدة الحمدانية للمطالبة بالانفصال عن حركة "بابليون" والارتباط مباشرة برئاسة الوزراء، لكن قوة تابعة لأمن الحشد الشعبي اعتقلت المتظاهرين ونقلتهم إلى مقر المديرية في الموصل.

وأشارت إلى وجود موقف شعبي من المكون المسيحي في منطقة سهل نينوى رافض لممارسات مليشيا "بابليون" بزعامة الكلداني، وأن الأخير قام بإجراءات وتدخلات سياسية أخيرا تستهدف المسؤولين المسيحيين الإداريين في المدينة من أجل استبدالهم بآخرين مقربين منه.

ورغم أن مهام أمن الحشد يفترض أنها تقتصر على متابعة وضبط أفراد ينتمون إليه، لكن الأمر بدأ يتعدى ذلك إلى تنفيذ اعتقالات في صفوف مواطنين مدنيين، وإيداعهم في سجون خاصة بعيدة عن مراكز الاعتقال الرسمية.

وفي 15 مايو/ أيار 2015، أكد وفد من الحشد يضم عددا من قياداته من ضمنهم مدير الدائرة القانونية السابق يوسف الكلابي أثناء زيارته وزارة العدل العراقية أن "الهيئة شكلت مديرية الأمن والانضباط تعنى بمتابعة وانضباط مقاتلي الحشد الشعبي ومراقبة العناصر المندسة وإحالتهم الى المحكمة الخاصة بالتنسيق مع السلطتين القضائية والأمنية".

وفي هذه الصدد، قال مواطن عراقي لـ"الاستقلال"، إنه جرى اعتقاله في بغداد على يد قوة من أمن الحشد الشعبي مع العديد من المدنيين من دون معرفة الأسباب، واقتياده إلى مركز اعتقال غير معروف بالنسبة إليه ضمن العاصمة العراقية.

وأوضح مفضلا عدم ذكر اسمه، أنه "تعرض لشتى صنوف التعذيب داخل مركز الاعتقال مع آخرين من المكون السني، وذلك بعد فصلهم عن معتقلين من الشيعة، وطالبوهم بالإدلاء باعترافات بانتمائهم إلى تنظيم الدولة وارتكابهم جرائم وتفجيرات في مدن متفرقة".

ولفت إلى أن "العديد من الأشخاص كانوا معتقلين لمد سنة وأكثر داخل مركز الاعتقال دون أن يعرف ذووهم أين هم، ومنهم من يصل عمره إلى السبعين عاما، وتمارس بحقهم أشنع أساليب التعذيب الجسدي والنفسي بحجة انتمائهم إلى تنظيم الدولة".

وأكد محمد أنه "جرى الإفراج عنه بعد تدخل جهات سياسية قريبة من الحشد الشعبي، لكن آخرين داخل المعقتل لا يزالون يتعرضون للأذى اليومي من دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء اعتقالهم".

من جهته، قال مواطن آخر إن "شقيقه تعرض للاعتقال من محله التجاري في بغداد على يد عناصر من أمن الحشد الشعبي، واتهم بأنه ينتمي إلى تنظيم الدولة، وبعدما بقي لأكثر من شهر كامل داخل السجن استطعنا إخراجه مقابل دفع أموال كبيرة".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "شقيقه لن يستطيع البقاء في مكانه الذي اعتقل منه خشية اعتقاله مرة ثانية والصاق تهمة أخرى للحصول على الأموال مرة ثانية، فطلبنا منه عدم العودة إلى بغداد، وذلك بعدما تأكدنا أن ثمة مخبرا سريا هو من كان وراء تلفيق تهمة له في المرة الأولى".

توسيع النفوذ

ومع تسلم السوداني رئاسة الوزراء في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، عين في حكومته وزيرين ينتميان لمعسكر إيران المسلح، الأول زعيم مليشيا "جند الإمام" أحمد الأسدي، وزيرا للعمل، والثاني، القيادي في "عصائب أهل الحق" نعيم العبودي، وزيرا للتعليم العالي.

ولم يكتف السوداني عند هذا الحد، فسلم إدارة مكتبه الإعلامي الخاص إلى الصحفي ربيع نادر الذي عمل في وسائل إعلام مختلفة تابعة للمليشيات.

أبرزها "قناة الاتجاه" التابعة لـ"كتائب حزب الله" و"قناة العهد" المملوكة لـ"عصائب أهل الحق"، واللتان تصنفهما واشنطن "جماعتين إرهابيتين".

وفي أكتوبر 2019، عندما كان عادل عبد المهدي رئيسا للحكومة التحق نادر بالمكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء، وبقي في هذا القسم طوال فترة ولاية عبد المهدي، ثم جرى تهميشه لاحقا عندما تولى مصطفى الكاظمي منصب رئيس مجلس الوزراء.

وضمن إجراءات وصفت بأنها عملية تطهير لقادة ومسؤولين ومستشارين معروفين بموقفهم المضاد لسياسات طهران بالعراق، أقدم السوداني مطلع نوفمبر 2022 على إعفاء 400 مسؤول من منصبه، واستبدال بعضهم بمجموعة من الموالين لإيران.

وقرر السوداني أيضا في حينها إلغاء جميع الأوامر الديوانية الصادرة عن حكومة الكاظمي بعد تاريخ 8 أكتوبر 2021، بحجة أنها صدرت عن حكومة تصريف للأعمال بعد الانتخابات المبكرة التي جرت في الشهر نفسه.

وشملت حركة الإعفاءات كلا من رئيسي جهاز المخابرات رائد جوحي، ومستشار رئيس جهاز الأمن الوطني مهند نعيم، وكذلك إعفاء المستشار السياسي لرئيس الوزراء مشرق عباس، إضافة إلى إقالته الفريق الركن حامد الزهيري من منصب قائد الفرقة الخاصة المسؤولة عن حماية المنطقة الخضراء.

كما أحال السوداني الفريق محمد البياتي، إلى إدارة الإمرة، وهي وظيفة هامشية في وزارة الدفاع، بعد أن كان السكرتير العسكري لسلفه رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، وعين بدلا منه الفريق عبد الكريم عبد الحسن.