أبعدته عن السياسة وتحضره لمشروع جديد.. ماذا تفعل الإمارات بسعد الحريري؟

بيروت- الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بعد الأيام الغامضة التي قضاها في السعودية، والتي انتهت بإعلان استقالته من الحكومة في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، ثم إعلانه بعد بضع سنوات عزوفه عن السياسة، يعود رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري، إلى المشهد من جديد، مع كثرة الأحاديث عن نفوذه الاقتصادي بالإمارات.

وأعلن الحريري في يناير/ كانون الثاني 2022، تعليق نشاطه في الحياة السياسية اللبنانية وعزوفه عن الترشح للانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو/أيار من نفس العام.

واتخذ رئيس تيار المستقبل (سني) هذه الخطوة لاقتناعه بأن "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني"، على حد وصفه.

وعقب إعلان الحريري اعتزاله الحياة السياسية استقر في الإمارات، وبدأ حياة جيدة بعيدة عن السياسية، وأصبح قريبا من الاقتصاد والأعمال التجارية بدعم من المسؤولين الإماراتيين.

وغرد الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبدالله مستشار ولي عهد أبوظبي سابقا محمد بن زايد في يناير 2022، عن وصول الحريري للإمارات.

وقال: "سيعيش هو وأسرته حياة آمنة حرة كريمة في الإمارات وطن كل العرب بعيدا عن دويلة حزب إيران في لبنان الذي حول أجمل وأغنى بلد عربي إلى خرابة".

تحت جناح الإمارات

وتجدد أخيرا الحديث عن استثمارات الحريري في الإمارات بدعم من قيادتها، وهو ما كشفه موقع "إنتليجنس أونلاين" الاستخباراتي الفرنسي، بأن رئيس الوزراء اللبناني السابق يحظى بدعم مالي من مستشار الأمن الوطني طحنون بن زايد.

وقال الموقع مطلع فبراير/ شباط 2023، إن "الحريري يرتبط ارتباطاً وثيقاً بإدارة شركة استثمارات جديدة في أبوظبي تسمى Nerve Investment.

وبيّن أنها أنشئت نهاية عام 2022 بوصفها شركة فرعية من شركة "شيميرا" للاستثمارات، التي تسيطر عليها في الأساس المجموعة الملكية، أو "رويال جروب" التي يترأسها طحنون بن زايد.

وأوضح الموقع أن "الحريري الذي يعيش في منفى بأبوظبي منذ أن أعلن انسحابه من الحياة السياسية في لبنان، أصبح أكثر انخراطاً في حياة الأعمال بالإمارات".

وبدأت الصحافة اللبنانية أيضا الحديث عن دخول الحريري في التجارة بالإمارات، بعدما أكدت صحيفة "الأخبار" التابعة لحزب الله أن "محمد بن زايد، منح رئيس الحكومة اللبناني السابق فرصة استثمار لتسديد ديون السعودية".

وأفادت الصحيفة في تقرير لها نشرته في سبتمبر/ أيلول 2021، بأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وافق على مقاصة تسمح ببيع عدد كبير من عقارات الحريري لدفع مستحقات موظفي شركة "سعودي أوجيه" وشركات أخرى يملكها رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، وأموال مستحقة لبيت الزكاة، وتسديد ديون لعدد من المصارف.

وأوضحت أن "المشكلة التي تواجه دفع هذه المستحقات تكمن في أن قيمة ديون أحد المصارف السعودية على الحريري تفوق قيمة كل هذه العقارات، ما يتطلب تسوية خاصة".

وكشفت أن "ابن زايد وافق على منح الحريري فرصة استثمار في الإمارات وتوفير إقامة له، على أن يستخدم عائدات استثماراته لتسديد بقية ديونه في السعودية ودول أخرى".

و"سعودي أوجيه" شركة سعودية متعددة النشاطات أسست في 1978، وبدأت كشركة مقاولات وأشغال عامة، قبل أن تطور نشاطها ليشمل الاتصالات، والطباعة، والعقار، وخدمات الكمبيوتر، وهي مملوكة لعائلة رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري، وعبد العزيز بن فهد آل سعود.

وبالأرقام، وصلت سعودي أوجيه إلى قمة مجدها في عام 2010، إذ وصلت إيراداتها إلى 8 مليارات دولار، كما وصل عدد موظفيها إلى 56 ألفاً بين موظف ومهندس وعامل.

وفي يونيو/ حزيران 2017، أعلنت شركة "سعودي أوجيه" أن يوم 31 يوليو من ذات العام هو آخر يوم عمل بالشركة، وفقاً لإعلان منها لموظفيها. 

وردا على ما كشفته صحيفة "الأخبار"، كتب الحريري في تغريدة عبر حسابه في موقع "تويتر": "من المفيد تكرار لفت الانتباه إلى أن المهمة المنوطة بها منذ تأسيسها هو ضخ الأضاليل ونشر الأخبار الكاذبة والروايات الملفقة والإساءة إلى كل ما يمت بصلة لاسم الحريري".

وأردف: "وعليه نتمنى عند تناول اسم الحريري في (صحيفة) الأخبار، حتى ولو كان بصيغة ايجابية، اعتباره خبرا كاذبا لا يعتد بصحته وصدقيته… واقتضى التوضيح".

الانسحاب من السياسة

وإلى جانب ما كشفته الصحيفة، أفاد معهد "كارنيغي لشؤون الشرق الأوسط"، بأن "الإمارات العربية المتحدة طلبت من سعد الحريري الانسحاب من الحياة السياسة اللبنانية والتركيز بدلا من ذلك على تحسين شؤونه المالية".

أوضح المعهد في مقال رأي للكاتب مايكل يونغ نشر في نوفمبر 2021، أن الحريري لديه ركيزتيْن من الركائز الراسخة للسلطة السياسية لعائلته في السنوات الأخيرة: المال والدعم السعودي".

ويضيف: "الأول نتج عن الإدارة الكارثيّة والإفلاس النهائي لشركة سعودي أوجيه التي أسسها والده رفيق التي كان سعد يملكها؛ والثاني كان نتيجة علاقة الحريري المشحونة مع محمد بن سلمان، والتصوّر السعودي بأنه لم يصد حزب الله بالقوة المطلوبة".

ويبين أن محاولة الحريري الأخيرة لدرء اللامبالاة السياسية تمثلت في جهوده التي استمرت لأشهر بهدف تشكيل الحكومة، والتي انتهت بالفشل.

ويقول يونغ: "إذ يقضي الحريري هذه الأيام معظم وقته في أبوظبي، وتكمن القصة في أنّ الإمارات طلبت منه الانسحاب من السياسة والتركيز بدلاً من ذلك على تحسين شؤونه المالية".

 وأشار البعض إلى أن الإمارات أكثر حرصا على دعم شقيق سعد الأكبر بهاء، الذي أصبح أكثر نشاطا في لبنان أخيرا، وفق تقديره.

وانسحب الحريري من الحياة السياسية في لبنان ولم يشارك هو وحزبه في الانتخابات النيابية التي جرت في مايو 2022، معتبرا أن قراره كان "صائباً".

وأظهرت النتائج في حينها حصول حزب القوات اللبنانية على 20 مقعدا، والتيار الوطني الحر على 18 مقعدا، كما حصل حزب الله وحركة أمل على 31 مقعدا في البرلمان اللبناني.

الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، جورج علم، يؤكد أن رئيس الوزراء اللبناني السابق، ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري، تحول إلى رجل أعمال بعد استقراره في الإمارات بدعم من رئيسها محمد بن زايد والأسرة الحاكمة هناك.

ويقول علم في حديثه لـ"الاستقلال": "يبدو أن هناك تفاهما بين الحريري والقيادة الإماراتية على إدارته لمشاريع اقتصادية بدعم من دولة الإمارات نفسها، ولكن دون ممارسة أي عمل سياسي في الوقت الحالي".

ويضيف علم: "يريد الحريري كسب المزيد من المال بعد الحالة المزرية التي وصل إليها ماديا خلال وجوده بالحكم في لبنان، حيث أثرت السياسية على وضعه الاقتصادي، لذلك يعمل حاليًا على إدارة مشاريع اقتصادية في الإمارات بهدف كسب مزيد من الأموال".

ويوضح أن الإمارات قد تجعل من الحريري فارسا لمشروع سياسي في لبنان المستقبل، ولكن حاليا هي غير متحمسة للعمل هناك بسبب تواجد السعودية بشكل مؤثر.

ويبين أن الحريري اتخذ قرارا بتعليق العمل السياسي قبل الانتخابات النيابية، ولم يترشح لها هو أو حزبه، بعد حدوث خلل في علاقته مع السعودية لأسباب سرية لم تعرف بعد.

وعاد الحريري إلى لبنان، في 14 فبراير لإحياء ذكرى وفاة والده رفيق الحريري، الذي قتل في بيروت عام 2005، وسط توقعات أن يعود إلى الإمارات مجددًا.

واغتيل رفيق الحريري في 14 فبراير 2005 جراء انفجار استخدمت فيه 1800 كلغ من مادة "تي إن تي"، مع 21 شخصا آخرين، بينهم وزير الاقتصاد باسل فليحان، الذي كان برفقته في سيارته.

وعام 2020، أدانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان غيابيا، سليم عياش، وهو عضو في "حزب الله" (حليف إيران والنظام السوري) بعملية الاغتيال، بينما برأت 3 متهمين آخرين ينتمون للحزب، ورأت أنه لا دليل على أن "قيادة الحزب" كان لها دور في الأمر.