"فرصة السفاح".. هل يستفيد النظام السوري من الزلزال سياسيا واقتصاديا؟

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في وقت يعاني فيه النظام السوري من قطيعة وعزلة دولية لأكثر من عقد من الزمن، وسعيه منذ عام 2022 لتفكيكها وإعادة تطبيع العلاقات معه، جاء الزلزال ليشكل نافذة جديدة له للتقرب من الغرب بحجة تمرير المساعدات الإغاثية للضحايا.

وضرب زلزال جنوبي تركيا وشمال وغربي سوريا فجر 6 فبراير/شباط 2023، بلغت قوته 7,8 درجات وتلاه هزات ارتدادية كثيرة.

وقتل في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري 1408 أشخاص، فيما أصيب 2341، وفق بيان لوزارة الصحة صدر مساء 11 فبراير/شباط 2023.

اللعب مع الكارثة

وسارع رأس النظام السوري بشار الأسد إلى عقد اجتماع بحكومته مشكلا لجنة للإغاثة، إلا أنه ورغم اكتشاف ضخامة حجم الضرر وسقوط مئات الضحايا وآلاف المصابين، لم يعلن حالة الطوارئ.

كما زار الأسد هو وزوجته أسماء، مدينة حلب التي ضربها الزلزال وتجول وسط الأبنية المدمرة، وعقدا اجتماعا مع "لجنة الإغاثة" لبحث التطورات.

وبعد خمسة أيام على الزلزال أعلنت حكومة الأسد، المناطق المتضررة في محافظات حلب واللاذقية وحماة وإدلب "مناطق منكوبة"، وبما يترتب على ذلك من آثار.

وبحسب وزارة النقل في حكومة النظام، فقد هبطت 55 طائرة، منها 28 هبطت في مطار دمشق الدولي، إضافة لمطارات دمشق وحلب واللاذقية.

وأرسلت الإمارات 18 طائرة، وكذلك وصلت طائرات من روسيا، وإيران، والهند، وباكستان، وبنغلاديش، وأرمينيا، والجزائر، والعراق، وسلطنة عمان، وتونس، ومصر، وفنزويلا، والأردن، وليبيا، وتونس، منذ اليوم التالي للزلزال والتي تحمل أطنانا من المواد الغذائية والخيم والبطانيات والأدوية.

وبما أن نظام الأسد يسيطر على بعض المناطق الأكثر تضررا من الزلزال، تخلق العقوبات الغربية عليه "عقبات جيوسياسية" لا يمكن للمساعدات الإنسانية أن تتغلب عليها في هذا الظرف.

ويبدو أن النظام السوري يستعد للانتقال من الاستجابة الأولية الطارئة للزلزال من تقديم مواد إغاثية للأهالي المتواجدين في مراكز الإيواء، إلى الاستجابة المنظمة لمعالجة تداعيات وآثار الزلزال، وهذا ما يدعوه أكثر لتطوير علاقاته مع المنظمات التي سارعت بمده بجملة من المساعدات.

لكن النقطة الأكثر حساسية هنا، هو إصرار نظام الأسد على توجيه كل المساعدات الدولية لسوريا، بما في ذلك المساعدات المخصصة للمناطق الخارجة عن سيطرته، إلى العاصمة دمشق.

ووافقت حكومة نظام الأسد في 11 فبراير/شباط 2023، على إرسال مساعدات إلى مناطق المعارضة في الشمال الغربي، بحسب بيان، لكنها لم تذكر جدولا زمنيا للتسليم، وهذا ما يدخل الموافقة على مرورها لشروط مسبقة وابتزاز جديد من قبل النظام وحليفته الأساسية روسيا.

وبحسب خبراء اقتصاديين فإن الإعلان عن "منطقة منكوبة" هو مصطلح سياسي يتعلق بآلية طلب مساعدات الإغاثة الدولية، وهو يخضع لمعايير دولية تحد من صلاحيات السلطات الوطنية في كيفية التصرف بهذه المساعدات.

فرصة التشبيك

ولذلك يسعى النظام السوري للتشبيك مع هذه الدول لمساعدته على تحقيق خطط التعافي في المدن المنكوبة بحجة الزلزال.

لكن الولايات المتحدة الأميركية، كانت بالمرصاد لما يسعى له نظام الأسد من محاولة فك العزلة عنه تحت ذريعة تلقي مساعدات لمتضرري الزلزال.

وأصدرت وزارة الخزانة الأميركية بيانا في 10 فبراير/شباط 2023، حمل "الترخيص السوري العام GL 23"، الذي يسمح بجميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال لمدة 180 يوما (ستة أشهر)، والتي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات المفروضة على النظام السوري.

وشدد البيان، على أن "برامج العقوبات الأميركية لا يستهدف المساعدة الإنسانية المشروعة، بما في ذلك جهود الإغاثة في حالات الكوارث".

وتابع: "لدى حكومة الولايات المتحدة العديد من التراخيص العامة المعمول بها، والتي تسمح بمعظم الأنشطة لدعم المساعدة الإنسانية، بما في ذلك بالمناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، والتي تقدمها الأمم المتحدة أو الحكومة الأميركية أو المنظمات غير الحكومية التي تشارك في معاملات لدعم بعض الأنشطة غير الهادفة للربح".

كما أن القرار الأميركي لا يسمح بأي معاملات تجارية مرتبطة بأشخاص مشمولين بنظام العقوبات ضد النظام السوري، بينما يشمل المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية وحكومة الولايات المتحدة.

لكن بيان الخزانة الأميركية، دعا في اليوم التالي لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي عن الإعراب عن "القلق البالغ" من سماح إدارة الرئيس جو بايدن بالتعامل المباشر مع نظام الأسد.

وحذر بيان أصدره العضوان الجمهوريان البارزان، رئيس اللجنة مايكل ماكول، والعضو البارز جيم ريتش، من أن التعامل مع نظام الأسد تحت غطاء المساعدات الإنسانية يمثل "صفعة في وجه السوريين".

وأصدرت الولايات المتحدة قانون "قيصر" لمعاقبة أركان النظام والمتعاملين معه سواء كانوا دولا أو كيانات، "كجدار حماية" من محاولات نسف الحل السياسي بسوريا وطبقته في 17 يونيو/ حزيران 2020.

وبموجب العقوبات، بات أي شخص يتعامل مع النظام السوري معرضا للقيود على السفر أو العقوبات المالية بغض النظر عن مكانه في العالم.

ولعب النظام السوري فور وقوع الزلزال على محاولة انتقاد العقوبات المفروضة عليه، ويرى أنها تعرقل عمليات الإغاثة في سوريا، وهو ما نفته واشنطن عبر وزارة خارجيتها، وكذلك الأمر بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي.

وردت وزارة الخارجية الأميركية على مزاعم النظام، مشددة على أن العقوبات تتضمن استثناءات لا تمنع وصول المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية وغيرها للشعب السوري، وأكدت أن واشنطن لن تمنع أي دولة من تقديم ذلك الدعم.

إلا أن طروحات النظام السوري تشي بأنه يريد أن يجعل من كارثة الزلزال طاولة جديدة للجلوس مع الغرب معه تحت أغراض إنسانية.

وهذا ما أشارت إليه صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، بقولها إن نظام الأسد يسعى لاتفاق مع "شركة علاقات عامة" دولية (لم تسمها) بهدف التخلص من العقوبات المفروضة عليه، مستغلا كارثة الزلزال.

وأضافت الصحيفة عبر تقرير لها في 10 فبراير/شباط 2023، نقلا عن مصادر خاصة، أن الاتفاق بين النظام والشركة "طويل الأمد" يهدف إلى الضغط على المجتمع الدولي للتخلي عن العقوبات.

وبحسب الصحيفة، فإن الخطة المقررة ستتمثل بادعاء أن "الشحنات الجوية المحملة بالمساعدات لم تستطع دخول البلاد".

ولذلك بدا واضحا أن النظام انتهز الفرصة لتكرير مطالبه بضرورة التنسيق معه بشأن المساعدات، في حين لم تظهر الدول الغربية ما يفيد استعدادها لتلبية هذا المطلب أو التعامل مع الأسد مرة أخرى، إلا أن ما يخدم النظام هو صعوبة إرسال مساعدات من تركيا إلى شمال غربي سوريا.

استغلال سياسي

وضمن هذه الجزئية، يرى الباحث السوري، يونس الكريم، أن "استجابة حلفاء النظام بتقديم المساعدات كانت أسرع بكثير من الاستجابة التي قام بها حلفاء تركيا، ورغم ذلك يمكن اعتبار تلك المساعدات التي جرى ويتم تقديمها للنظام ضئيلة وبسيطة وغير قيمة ماديا وإنما محاولات للتواصل الرسمي مع النظام، الأمر الذي يدل على أنها محاولات جديدة لتعويمه".

وقال الكريم لـ"الاستقلال" إن "الطلب الرسمي من حكومة النظام اقتصر على المساعدات الغذائية والمادية، في حين اتجه المجتمع المدني الخاضع لإدارة النظام إلى توسيع مطالبه التي بدأت بإطلاق نداءات استغاثة وطلب المساعدات والحاجة لتزويدهم بمعدات وأدوات لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض".

ولفت إلى أن "حكومة الأسد لم تعلن حالة الطوارئ التي تمكنها من تعبئة الموارد المادية والبشرية بالمنطقة المنكوبة لتسريع جهود الإنقاذ وتخفيض الخسائر البشرية والمالية، رغم امتلاك شركاء أسماء الأسد على سبيل المثال إمكانيات لوجستية ضخمة مثل شركة القاطرجي الذي لديه أكبر معمل لتجميع الآليات الثقيلة بالشرق الأوسط بالتعاون مع الصين".

وألمح الكريم، إلى أن "أسماء الأسد قامت بإطلاق يد (مؤسسة الأمانة السورية للتنمية) التي بها تدير المجتمع المدني، وخولتها جمع التبرعات بما يوحي أن ملف المساعدات أصبح تابعا للمكتب الاقتصادي في القصر الجمهوري وإدارته".

ونوه الكريم، إلى أن "استغلال النظام السوري للزلزال، بدا جليا من محدودية تقديم المساعدة للمتضررين من الزلزال، بينما كانت معظم المساعدات عبارة عن مبادرات فردية إنسانية، خاصة أن النظام بدأ يخزن المساعدات لتدعيم اقتصاده والحصول على مساحة من المناورة دون الالتفات إلى حاجة المناطق المتضررة".

ولفت إلى أن "معظم المساعدات التي وصلت عبارة عن مشتقات نفطية وأغذية وأموال بالعملة الصعبة (دولار)، وبشكل قليل جدا معدات وفرق الإنقاذ".

ويرى الكريم، أن "استجابة العديد من الدول بمساعدة النظام السوري لها دوافع مختلفة بحسب ظروف كل منها".

ورأى أن "خطوة زيارة وزير خارجية لبنان عبد الله بو حبيب إلى دمشق على رأس وفد وزاري ولقاء الأسد (في 8 فبراير 2023)، شكّلت دعوة خطيرة من بيروت في ضوء الإصرار الأميركي والأوروبي على رفض السلام والتعويم لنظام الأسد، كما يمكن تفسير هذه الزيارة بأنها كسر لـ(لاءات) السعودية التي فرضتها على لبنان لإعادة العلاقات معه".

وكان لبنان فور الزلزال اتخذ قرارا بفتح مطاره وموانئه، كما فتح معابر الجمارك على الحدود مع سوريا؛ لتسهيل مرور المساعدات الإنسانية إليها.

ولفت الكريم إلى أن "السفيرة الأميركية السابقة في لبنان، دوروثي شيا، الممثلة الحالية للولايات المتحدة في الأمم المتحدة بصلاحيات كبيرة، تحاول الاستفادة من الوضع الإنساني بهدف تخفيف قيود قيصر لتمرير مشروع الطاقة على أنه اتفاق إنساني".

وتعد شيا، من القادة الرئيسين في إدارة بايدن، وهي من رسم مشروع تزويد لبنان بالكهرباء والغاز المصري والذي فشل بسبب قيود "قانون قيصر" على النظام السوري.

وذكر الكريم أن "دوروثي سبق أن أكدت مرارا أهمية المحافظة على صيغة اتفاق الطائف (موقع عام 1989) الذي يعطي لنظام الأسد صلاحيات كبيرة في لبنان، وهو ما يفسر التجاهل الدولي لتواجد طهران منذ اللحظة الأولى لوقوع الزلزال بمناطق النظام من خلال القائد في الحرس الثوري، إسماعيل قاآني، رغم كل الاضطرابات في إيران".

وتابع: "يمكن تحليل سياسة دوروثي من حيث إنها تشجع سياسة الخطوة بخطوة، في وقت لم تستنكر فيه الأمم المتحدة تأخر المساعدات لشمال غربي سوريا (مناطق المعارضة)، رغم حجم الكارثة وقلة الموارد".

وختم الكريم حديثه بالقول إن "تصريحات أممية أبلغت بعض السياسيين المعارضين لنظام الأسد أن لا قرار دوليا بإدخال المساعدات وهو ما يعني أن الملف السوري برمته ترك لروسيا، من إدارة وتنسيق العمل".