تهدد المنطقة.. كيف تتحكم إسرائيل في الطائرات المسيرة الإماراتية؟

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

للتطبيع الإماراتي وجوه كثيرة، آخرها اتفاقية الطائرات المسيرة "درونز" في السماء بتحكمات تقنية إسرائيلية متطورة، وسط مخاوف دول الجوار من تداعيات هذه الهرولة ومخاطرها على المنطقة العربية والإسلامية.

وفي 24 يناير/ كانون الثاني 2023، أعلنت مجموعة "إيدج" الإماراتية، الرائدة عالميا في مجال التكنولوجيا والدفاع، عن استثمار إستراتيجي في شركة "هايلاندر" الإسرائيلية، بقيمة 14 مليون دولار. 

و"هايلاندر" من الشركات المتقدمة في تقنية التحكم الفائق بالطائرات المسيرة "الدرونز"، حيث تعتمد نظام "Universal UTM" أو "إسقاط ميركاتور العالمي"، الرائد لإدارة حركة الطائرات. 

كما يوفر نظام "هايلاندر" خصائص التنسيق والأمان المطلوبة بشدة في ظل تزايد "الدرونز" خلال ازدحام الأجواء. 

وكذلك هو نظام إحداثيات جغرافي يعتمد إنشاء الخرائط فيه على إسقاط ميركاتور، حيث يقسم الكرة الأرضية إلى 60 قسما، يبلغ طول كل منها 6 درجات خط طول، ويعتمد شبكة الإحداثيات لتحديد المواقع على سطح الأرض.

أما الصادم في أجواء التطبيع المتطور بين الدولة الخليجية وإسرائيل، أن "إيدج" أعلنت أن العمل على استخدام نظام "إسقاط ميركاتور" الخاص بـ"هايلاندر" سيتم في كل من تل أبيب وأبوظبي، حيث ستكون العاصمة العربية مرتعا للشركات وضباط الأمن والاستخبارات الإسرائيلية.

تاريخ التعاون

وقال الرئيس التنفيذي لشركة "هايلاندر"، ألون أبيلسون، في بيان 24 يناير/ كانون الثاني 2024، إن "شركتنا متحمسة للشراكة الإستراتيجية مع الإمارات لأنها تعزز موقعنا في إدارة أسطول الطائرات المسيرة، ومنها سنبدأ في التوسع".

وبعد الاتفاق مباشرة، تطرق موقع "الزاوية" الإماراتي، في تقرير له عن أهمية هذا الاستثمار بالقول إن "(إيدج) تضم تحت مظلتها 20 شركة، وبعملها مع الشركة الإسرائيلية، ستولي تركيزا كبيرا على تطوير الأنظمة المستقلة ضمن إستراتيجيتها للنمو، بما يشمل الطائرات المسيرة، والأسلحة الذكية، والتكنولوجيا السيبرانية". 

وهو ما دفع الشريك المؤسس في هايلاندر، إيدو ياهالومي، للقول إن "هذه الشراكة تتسم بأهمية بالغة، إذ تمنح شركتنا الموارد اللازمة للارتقاء بالتكنولوجيا على نطاق أوسع، مما يعزز حضورنا في طليعة قطاعي القيادة والتحكم وإدارة المسيرات الإماراتية". 

وتأسست شركة "هايلاندر" في تل أبيب عام 2018، من قبل أفراد لديهم عقود من الخبرة في مجال الطيران والابتكار، ويعمل بها كثير من ضباط جيش الاحتلال، والمهندسين المتخصصين في الأمن السيبراني.

ولم يكن هذا التعاون الأول بين شركة "إيدج" والكيان الإسرائيلي فيما يخص "المسيّرات"، ففي 11 مارس/ آذار 2021، أعلنت شركة صناعات الطيران والفضاء العبرية "إسرائيل إيروسبيس إندستريز"، أنها ستتعاون مع "إيدج"، لتطوير نظام دفاعي متقدم مضاد للطائرات المسيرة. 

وتعد تلك الشركة من الشركات الكبرى في الصناعات الدفاعية، وقالت في بيانها عن صفقتها مع "إيدج" إن "الشركتين ستعملان على تطوير نظام متقدم للتصدي للطائرات المسيرة خصيصا لسوق الإمارات". 

و"إيدج" تم تكليفها من الحكومة بتزويد القوات المسلحة الإماراتية بأسلحة متقدمة، تعمل على تطوير الطائرات المسيرة والمركبات التي لا يقودها بشر والأسلحة الذكية وأدوات الحرب الإلكترونية بدلا من الأسلحة التقليدية. 

وكان ذلك بالتزامن مع توقيع الإمارات اتفاقية التطبيع مع إسرائيل في 15 سبتمبر/ أيلول 2020، لتفتح بوابتها بشكل علني لتعاون حثيث في مختلف المجالات، كان أخطرها التعاون الدفاعي والاستخباراتي.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أن التطبيع الإسرائيلي مع دول الخليج "بات نعمة كبيرة للصناعات العسكرية لإسرائيل".

وأشارت الصحيفة في 5 فبراير/ شباط 2022، إلى أن "الإمارات اقتنت أنظمة دفاع جوي إسرائيلية ضد الطائرات والصواريخ الباليستية والمسيرات بعد توقيع اتفاقيات التطبيع".

فيما كشف موقع "بريكنغ ديفينس" الأميركي المتخصص في الشؤون العسكرية، أن "الإمارات نشرت للمرة الأولى نظام دفاع جوي إسرائيلي من طراز باراك". 

وقال الموقع في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022، إن "الإماراتيين يحتاجون إلى عدد كبير من الأنظمة الدفاعية، لحماية بعض مواقعهم الحساسة التي تعرضت مرارا وتكرارا للقصف بالصواريخ والمسيرات الإيرانية التي أطلقها المتمردون الحوثيون في اليمن".

هوس المسيرات

حكام الإمارات امتلكوا "هوسا" مستمرا بامتلاك المسيرات بغرض التجسس وصل إلى عقدهم صفقة كبرى مع إسرائيل.

وفي 20 أغسطس/آب 2019، كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية أن "أبوظبي أبرمت صفقة سرية مع تل أبيب للحصول على طائرات تجسس متطورة".

وأعلنت الصحيفة العبرية، أن "هذه الصفقة بدأ العمل عليها منذ 10 سنوات، ووصلت قيمتها إلى 3 مليارات دولار".

وذكرت أن رجل الأعمال الإسرائيلي، ماتي كوتشافي، الذي يمتلك علاقات مميزة للغاية مع ولي العهد آنذاك، رئيس الإمارات الحالي، محمد بن زايد، هو من مثل إسرائيل في تلك الصفقة. 

وأوردت الصحيفة أن الإمارات تسلمت بالفعل وحدة كاملة من تلك الطائرات.

ولفتت إلى أن "جزءا من ثمن هذه الصفقة تم دفعه نقدا"، مشيرة إلى "ارتباط أسماء مسؤولين كبار في الإمارات بهذه الصفقة".

وأوضحت "هآرتس" أنه بعد تركيب المنظومات في الطائرات، بدأت القيام برحلات جوية استعدادا لتسليمها النهائي للجيش الإماراتي، وهو الذي تم بالفعل قبل نهاية عام 2019.

وفي 25 أغسطس/آب 2019، نشر "الاتحاد الدولي للصحافة" وصحيفة "سوديتش تسايتونغ" الألمانية، تحقيقا أكد خلاله أن الطائرات الإسرائيلية الذاهبة للإمارات "ستكون قادرة على اعتراض الاتصالات وتحديد الأنظمة الإلكترونية التي تديرها إيران وتحديد موقعها ورسم خريطة لها في الوقت الفعلي".

وتطرق التحقيق إلى "جزئية صادمة" وذكر أن طائرات التجسس الإماراتية (الإسرائيلية) لن تستهدف إيران فحسب، وإنما كل دول المنطقة، بما فيها السعودية حليفة أبوظبي، التي ستكون هدفا (استخباراتيا) لهذه الطائرات التي تشكل ثمرة من ثمار التعاون المتواصل والعلاقات المتقدمة بين إسرائيل والإمارات.

انتكاسة حقيقية

قد يظن البعض أن التدخل الإسرائيلي أفاد قطاع الدفاع الإماراتي بإدخاله تلك التقنيات في عالم المسيرات، لكن العكس هو الذي حدث، لأن التطبيع فتح باب قطاع الدفاع أمام الشركات الإسرائيلية، وعرض الشركات الإماراتية وأحلام مشروعات "الدرونز" لانتكاسة حقيقية، وفق مراقبين.

ففي عام 2011 أعلنت حكومة الإمارات عن خطة إستراتيجية لبناء قاعدة صناعات عسكرية، وفتح المجال للشركات الوطنية للإنتاج العسكري، والاستفادة من تنظيم معرض آيدكس للصناعات الدفاعية على أرضها، ومن أبرز المجالات التي استهدفتها مجال المسيرات. 

وفي 10 مارس/ آذار 2021، نشرت مجلة "إنتليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، تقريرا عن شركة "أكويلا" التابعة للتكتل الدفاعي الإماراتي "إيدج" الذي تأسس عام 2019، بغرض العمل في مجال الاستخبارات.

وقالت إن "شركة الدفاع (أكويلا)، المدعومة من التكتل الدفاعي الجديد (إيدج)، كان من المفترض أن تسلم أبوظبي أول طائرة استخبارات ومراقبة واستطلاع (ISR) مطورة محليا، لكن المشروع جمد بهدوء".

وأكدت "يعد تجميد البرنامج، بمثابة ضربة كبيرة لمجموعة إيدج المملوكة للدولة والمعنية بالحرب غير المتماثلة، والتي استحوذت على (أكويلا) عام 2019 لقيادة برنامج تطوير طائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، في الإمارات".

وذكرت أن "هناك عددا من الفرضيات المتعلقة بسبب تأجيل مشروع طائرات أكويلا، بما في ذلك تكهنات بأن العقد منح لشركة إسرائيلية في أعقاب تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات".

تهديد عظيم

وفي 26 يوليو/ تموز 2020، نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية دراسة تؤكد أن "هناك نشاطا كبيرا للعلاقات التجارية بين الشركات والصناعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية والإمارات، بمشاركة وزارة الدفاع كعامل محفز وهيئة رقابية".

وقدرت "حجم الاستثمارات والصفقات بين الإمارات وشركات التكنولوجيا والصناعات الجوية والأسلحة الإسرائيلية بين 300 و500 مليون دولار سنويا، علما بأن مجمل التبادل التجاري بين إسرائيل والدول العربية يصل إلى 300 مليون سنويا"، وذلك بحسب معهد التصدير الإسرائيلي.

وتعد استراتيجية إسرائيل المرتكزة على اختراق مجال صناعة المسيرات الإماراتية والسيطرة عليه، لا تشكل تهديدا للدولة الخليجية فحسب، بل للمنطقة ككل، وهو ما أكده موقع "أويل برايس" الأميركي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، عندما شدد على أن "التحالف بين الإمارات وإسرائيل يقوم على مشروع استخباراتي يهدد المنطقة بغرض كسب التوسع والنفوذ". 

ورأى أن "من بين الأهداف الرئيسة للتطبيع هو سعي الإمارات للاستفادة من التقدم الإسرائيلي في المجالين الأمني والعسكري، لا سيما مع تداخلها في الكثير من الصراعات بعدة دول أبرزها اليمن وليبيا".

وكشف أن "هناك اتفاقا بين تل أبيب وأبوظبي على تطبيع يمهد لتكثيف التعاون العسكري بينهما في منطقة البحر الأحمر". 

فيما أوضح تقرير لموقع "الجزيرة نت" القطري في 29 أغسطس/ آب 2020، أن " التطبيع وفتح الاتصال المباشر بين تل أبيب وأبوظبي سيسمحان بتوسيع حقيقي في المعاملات التجارية الأمنية والعسكرية، مثل مجال الطائرات دون طيار، وأنظمة الدفاع الصاروخي والأنظمة الدفاعية الأخرى التي تم تصديرها بالفعل إلى دول حول العالم ترى إسرائيل صديقة".

وأضاف أنه "تحت طائلة من السرية لعقدين من الزمن، قامت شركات الدفاع والصناعات الأمنية الإسرائيلية الخاضعة لإشراف وزارة الدفاع ببيع أنظمة أسلحة متطورة للإمارات بإجمالي صفقات تقدر بمئات ملايين الدولارات سنويا".

وذكر أن "أبرز الشركات الإسرائيلية التي عملت بالسر مع أبوظبي هي أنظمة رافائيل الدفاعية المتقدمة المحدودة، والصناعات الجوية والعسكرية الإسرائيلية، وشركة (إلبيت) التي تعمل على تطوير وتصنيع نظم إلكترونية للأسلحة المتطورة".