أهداف جيوسياسية.. لماذا وقعت أميركا "اتفاقية دفاعية" مع قبرص الرومية؟

سلط مركز أنقرة للأزمات والأبحاث السياسية "أنكاسام" الضوء على اتفاقية التعاون الدفاعي الثنائي الموقعة أخيرا بين الولايات المتحدة الأميركية وقبرص الرومية.
وتعاني قبرص منذ عام 1974، انقساما بين شطرين تركي في الشمال ورومي في الجنوب، وفي 2004 رفض القبارصة الروم خطة قدمتها الأمم المتحدة لتوحيد شطري الجزيرة.
وكشفت وزارة دفاع قبرص الرومية في 3 يناير/ كانون الثاني 2023 عن توقيع أول برنامج ثنائي للتعاون الدفاعي بين قبرص الرومية والولايات المتحدة.
وصرح قائد جيش الحرس الوطني القبرصي الرومي، "الفريق ديموكريتوس زيرفاكيس"، في تغريدة على تويتر بالقول: "نحن سعداء بتوقيع أول برنامج للتعاون الدفاعي الثنائي. وإن العلاقة النامية والمزدهرة بين البلدين تتوسع تدريجيا. والمزيد قادم".
Delighted for the signing of our first ever ����-���� Bilateral Defence Cooperation Program. A flourishing and mutually reinforcing relation is steadily expanding. More to follow.#StrongerTogether pic.twitter.com/kOd1rSBEpe
— Lt Gen Dimokritos Zervakis (@chod_cy) January 3, 2023
ووفقًا لصحيفة The Cyprus Mail، أقيم حفل التوقيع في نيقوسيا في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2022.
وتنطوي الاتفاقية على تدريب مشترك لأفراد القوات المسلحة وتبادل الخبرات العسكرية والتدريبات المشتركة (بما في ذلك الجوية والبحرية).
أهداف واشنطن
وقال المركز التركي إنه "بعد انسحاب الولايات المتحدة من مشروع خط أنابيب الشرق المتوسط بداية عام 2022، أصبح مستقبل الإدارة القبرصية الرومية وعلاقات الطاقة مع واشنطن موضع تساؤل".
وقالت الكاتبة "سيفينتش إيرام بالجي": "يمكن القول إن التغيير الأول في العلاقات القبرصية الرومية الأميركية، كان في مجال الأمن وبدأ عام 2018، إذ رفعت واشنطن جزئيا حظر الأسلحة الذي فرضته على الإدارة القبرصية اليونانية لأكثر من 30 عاما".
"في وقت لاحق، جاءت الخطوة الثانية من الولايات المتحدة مع الرفع الكامل لهذا الحظر في عام 2022"، وفق قولها.
وأضافت: "يعد هذا الوضع خطوةً من شأنها تغيير النماذج الأمنية في جزيرة قبرص، حيث النزاعات مستمرة، وفي شرق البحر الأبيض المتوسط بشكل عام".
ففي هذه الفترة التي أعيد فيها تشكيل مواقع القوى العالمية والإقليمية مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية، يُلَاحَظ أن الولايات المتحدة ركزت على مناطق معينة مثل منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط والتي تشمل آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا الشرقية وزادت من نفوذها في هذه المناطق من حيث الاقتصاد والأمن.
وتابعت: "في السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك عام 2022، زاد عدد التدريبات العسكرية التي شاركت فيها / نفذتها الولايات المتحدة في المنطقة بشكل كبير".
وشاركت في هذه المناورات العسكرية أيضا دول مثل إسرائيل ومصر وفرنسا، وهي حليفة للولايات المتحدة والإدارة القبرصية الرومية، تقول الكاتبة.
وأردفت: "بالإضافة إلى ذلك، يجري نشر حاملات الطائرات، وهي قليلة العدد في العالم، في شرق البحر الأبيض المتوسط إلى الجزر اليونانية، وخاصة جزيرة كريت، ويلاحظ أن الولايات المتحدة قد سلحت أخيرا كلا من الجزء الشمالي لليونان وجزرها".
وذكرت الكاتبة أن الإدارة الرومية كانت تشتري الأسلحة من إسرائيل وروسيا لتحديث جيشها وتنويع مخزونها العسكري أثناء فترة الحظر المفروض".
ويعتقد أن اتفاق التعاون الدفاعي الثنائي بين الإدارة القبرصية الرومية والولايات المتحدة يهدف إلى تغيير هذا الوضع. وبعبارة أخرى، فإن واشنطن تمهد الطريق لبيع الأسلحة إلى قبرص اليونانية.
ولفتت الكاتبة النظر إلى حقيقة أن الإدارة القبرصية الرومية قادرة على شراء الأسلحة من الولايات المتحدة من الآن فصاعدا ممَّا يعني أن سباق التسلح الحالي في الجزيرة سيزداد أكثر.
وأشارت بالجي إلى أنَّ مبيعات الأسلحة الأميركية إلى الإدارة القبرصية الرومية قد تؤدي إلى مزيد من التوتر في العلاقات المتأزمة بالفعل مع جمهورية شمال قبرص التركية، بالإضافة إلى المواجهة الدبلوماسية بين اليونان وتركيا، البلدين الضامنين للجزيرة.
وجزيرة قبرص تعاني من الانقسام بين شطرين، تركي في الشمال، ورومي في الجنوب، منذ عام 1974. وفي عام 2004 رفض القبارصة الروم خطة الأمم المتحدة لتوحيد الجزيرة المقسمة.
وقالت الكاتبة: "حتى اليوم، كان من الواضح أنَّ الولايات المتحدة قد أقامت تعاوناً وثيقاً مع كل من الإدارة القبرصية الرومية واليونان عسكريا وسياسيا، على الرغم من أنها حاولت أن تبدو محايدة وتصريحاتها بأنَّ إحلال السلام في المنطقة هو أولويتها".
وأشارت الكاتبة إلى أنَّه وبعد الخطوات المتخذة في عام 2022، من الواضح أنَّ واشنطن تحاول تحويل الإدارة القبرصية الرومية إلى قاعدة مثل اليونان تماما.
وإذا نفذت الولايات المتحدة هذه الخطة، فيمكن القول إنَّ التوازنات السياسية ستتأثر، ليس فقط في جزيرة قبرص، بل بجميع دول شرق البحر الأبيض المتوسط وحتى دول الشرق الأوسط بحسب تقييم الكاتبة التركية.
توسيع النفوذ
ولفتت النظر إلى موقف القوى الأوروبية من هذا الاتفاق، فكما هو معروف أصبحت فرنسا وإيطاليا، اللتان تحاولان التأثير قوات فاعلة هناك من خلال إجراء أنشطة البحث والإنقاذ والتدريبات العسكرية. ومع ذلك، فقد عملتا في المنطقة تحت إشراف الولايات المتحدة.
ولكن إذا كانت الإدارة القبرصية الرومية مسلحة من قبل واشنطن، فلن تكون تحت المراقبة فحسب، بل ستعمل دول منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشكل أكثر هيمنة في هذه المنطقة.
وأردفت الكاتبة: "مثل الولايات المتحدة، هناك دولة أخرى لا ترتبط مباشرة بالمنطقة جغرافيا ولكنها تحافظ أو تحاول الحفاظ على وجودها في المنطقة لأسباب تاريخية وسياسية وهي المملكة المتحدة".
فكما هو معروف، هناك قاعدة جوية تابعة لبريطانيا في مدينة ليماسول، التابعة للإدارة القبرصية الرومية، وحتى أنَّ هناك تقارير في الصحافة تفيد بأن بريطانيا تستخدم القاعدة الجوية كجسر إلى مطارات رومانيا.
وذكرت بالجي أنَّ إدارة لندن لم تستخدم القاعدة الجوية التابعة للإدارة القبرصية الرومية بشكل مباشر لتقديم المساعدة لأوكرانيا خلال هذه الفترة.
ويكمن السبب في ذلك في الرد السلبي لرئيس الإدارة القبرصية الرومية "نيكوس أناستاسيادس" على مسألة المعونة العسكرية لأوكرانيا.
ولفتت بالجي النظر إلى أنَّه على الرغم من أنَّ بريطانيا والولايات المتحدة تبدوان حليفتين جيدتين في الظروف الحالية، هناك منافسة ضمنية بين الطرفين.
ويُفهم هذا التنافس من خلال جهود المملكة المتحدة بعدم ترك الساحة التي تمتلك الولايات المتحدة مجال نفوذٍ فيها خالية.
وأضافت: "في عام 2022، على الرغم من الاضطرابات وعدم الاستقرار في السياسة الداخلية، اتبعت بريطانيا نهج الولايات المتحدة في أوكرانيا وآسيا والمحيط الهادئ والعديد من المناطق الأخرى وحاولت ألا تتخلف عن إنشاء مجال نفوذ لها".
"لذلك، إذا دخلت الولايات المتحدة في تحالف عسكري كامل مع قبرص الرومية، فقد تحاول المملكة المتحدة أيضاً الحفاظ على نفوذها في هذه المنطقة من خلال الاستفادة من القواعد الجوية في جنوب قبرص".
وختمت الكاتبة مقالها قائلة: "يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن العديد من الجهات الفاعلة تحاول التواجد في شرق البحر المتوسط والمناطق المحيطة بها، ومن الممكن توقع أن إيطاليا وفرنسا ستزيدان أنشطتهما مع الولايات المتحدة".
وستحاول بريطانيا، التي تبدو حليفًا للولايات المتحدة، ولكنها تخوض منافسة مبطنة، ألا تتركها وحدها مع الإدارة القبرصية الرومية، كما هو الحال في المناطق الأخرى.
كما ستحاول فعل ذلك مع القاعدة الجوية البريطانية التابعة للإدارة القبرصية الرومية، بحسب تقييم الكاتبة التركية.