استنجاد الأردن بروسيا لوقف تهريب المخدرات من سوريا.. هل يردع إيران وحزب الله؟

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

ما تزال المملكة الأردنية تكثف تحركاتها السياسية، بغية إيجاد حل حاسم يمنع عمليات تهريب المخدرات إليها من الجارة سوريا عبر الحدود الواقعة تحت هيمنة المليشيات الإيرانية.

فرغم إعادة الأردن علاقاته الرسمية مع النظام السوري وفتح صفحة جديدة من "العلاقات المشتركة"، إلا أن ملف تهريب المخدرات عبر الحدود لم يتغير بل ازداد بشكل أكبر.

إذ لم يجر تحقيق تقدم ملموس في ضبط الحدود، منذ أن استقبل العاهل الأردني عبدالله الثاني اتصالا هاتفيا من رئيس النظام السوري بشار الأسد في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

واعتقد الخبراء أن انتهاء عهد الجفاء السياسي والاقتصادي بين عمان ودمشق على خلفية اندلاع الثورة السورية عام 2011، سيسهم في وقف عمليات تهريب المخدرات للأردن ومنها إلى دول الخليج، لكن ذلك لم يحدث بعد.

استنجاد بروسيا

وعلى هذا النحو وجدت عمّان نفسها أمام حدود مفتوحة على مصراعيها لتهريب المخدرات عبر شبكات متخصصة وتقنيات حديثة، كالتهريب بالطائرات المسيرة وسيارات مجهزة تجهيزا عاليا وبكلفة مالية كبيرة.

ولا يكاد يمر شهر إلا ويعلن الجيش الأردني عن إحباط قوات حرس الحدود الممتدة على حوالى 375 كيلومترا مع سوريا، عمليات تهريب مخدرات من الأراضي السورية، وقتل مهربين.

وكانت آخر عملية ضبط تهريب من سوريا نحو الأردن أعلنت في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2022، حيث جرى ضبط أكثر من ثلاثة ملايين حبة كبتاغون و8773 كف حشيش.

وأمام عجز الأردن على وضع حد لملف التهريب، لجأت إلى روسيا حليفة النظام السوري، علها تحقق "اختراقا إيجابيا" في هذا المسار.

وكشف مصدر أمني رفيع المستوى يتبع لنظام الأسد لوكالة "سبوتنيك" الروسية في 25 يناير/كانون الثاني 2023، عن إجراءات لوجستية جديدة سوف تشهدها الحدود السورية الأردنية، بهدف ضبط التهريب، وتقليص اختراق المجموعات المسلحة للشريط الحدودي بين البلدين.

وقال المصدر الأمني إن "الحدود السورية الأردنية، وتحديدا جنوب مدينة درعا المقابل لبلدة الرمثا الأردنية، شهد جولة للشرطة العسكرية الروسية برفقة عدد من ضباط الأجهزة الأمنية السورية، ومن عناصر التسويات الأمنية لعام 2018 من درعا".

وأشار إلى أن "الجولة تهدف لمعاينة الوقائع الميدانية تمهيدا لوضع إجراءات جديدة تسهم في الحد من عمليات التهريب"، مبينا أنه جرى اتخاذ قرار بزيادة عدد المخافر الحدودية بين البلدين، بالإضافة إلى استمرار تسيير دوريات تابعة للشرطة العسكرية الروسية في المنطقة الممتدة بين ريفي السويداء ودرعا.

والمعبر الرسمي الوحيد بين سوريا والأردن حاليا هو معبر جابر نصيب الذي أعيد فتحه بشكل كامل أمام حركة العبور في سبتمبر/أيلول 2022، بعد القيود التي فرضها الجانب الأردني بسبب انتشار وباء كوفيد، إلا أن عمليات التهريب عبر الحدود تتم إجمالا عبر معابر غير قانونية.

وسبق أن بحث العاهل الأردني مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال زياته في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، الملف السوري، مؤكدا أهمية "تثبيت الاستقرار في سوريا خاصة في الجنوب السوري".

وبحث الجانبان "الأعباء التي يواجهها الأردن جراء الأزمة السورية، بما فيها محاولات التهريب المنظمة للمخدرات".

كما أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أكد خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية ألكساندر لافرينتيف، في 11 يناير 2023، أن "تثبيت الاستقرار في الجنوب السوري، ومواجهة تهديد تهريب المخدرات والإرهاب خطر يواجهه الأردن، الذي يتخذ كل ما يلزم من إجراءات لمواجهته ويسعى للتعاون مع روسيا لإنهائه".

وشدد الصفدي على "أهمية الدور الروسي باعتباره عامل استقرار في الجنوب السوري، وضامنا للاستقرار في اتفاقيات خفض التصعيد والمصالحات التي تم التوصل إليها في عام 2018"، وفق ما نقلته وكالة أنباء "بترا" الأردنية.

وروسيا لها ثقل كبير في محافظة درعا الملاصقة للأردن عبر رعايتها لاتفاقي التسوية عام 2018 و2021 بين مقاتلي المعارضة والنظام السوري.

ولهذا لوحظ أن موسكو دفعت ببعض هؤلاء العناصر إلى الحدود السورية الأردنية في رسالة واضحة لإيران التي كثيرا ما حذر الأردن من وجود مليشاتها على حدوده الشمالية.

إذ أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أن الأردن يواجه هجمات على حدوده وبصورة منتظمة من "ميليشيات لها علاقة بإيران".

وتحدث الملك الأردني في مقابلة مع صحيفة "الرأي" الأردنية الرسمية بتاريخ 24 يوليو/تموز 2022 عن "عمليات تهريب المخدرات والسلاح" التي قال إنها "تستهدفنا كما تستهدف الأشقاء"، وعن ضرورة إقامة "منظومة عمل دفاعي مؤسسي عربي" لمواجهة "مصادر التهديد المشتركة".

تهريب منظم

ويشهد الجنوب السوري الواقع على حدود الأردن الشمالية الذي استعاد النظام السوري السيطرة عليه بشكل شبه كامل منتصف عام 2021، تنامي أنشطة قوات الأسد النظامية، والعناصر المتحالفة معها من المليشيات الإيرانية في عمليات تهريب وتجارة المخدرات.

وقد حول نظام الأسد، سوريا لـ"دولة مخدرات"، ونمى شبكات كبرى لتصنيعها محليا وتهريبها إلى مختلف الدول وعلى رأسها العربية، لرفد خزينته الخاوية بالعملة الصعبة.

وتشكل المناطق التي يسيطر عليها الأسد بيئة مجهزة لصناعة المواد المخدرة بإشراف ضباط كبار من النظام وتصديرها بطرق مبتكرة إلى موانئ العالم، وفق كثير من التحقيقات الصحفية.

وبات الأمر الآن لا يقتصر على إنتاج الكبتاغون من قبل نظام الأسد، بل من تكوينه هو وحلفاؤه حزب الله اللبناني وإيران، شبكة من الوسطاء المحليين الذين لهم "أذرع أخطبوطية" في هذه "التجارة القذرة" في دولهم.

وتعد الأردن الوجهة الأبرز لعمليات تهريب المخدرات كونها ملاصقة لدول الخليج، وهذا ما دفع عمّان للتذمر من نظام الأسد بعدما جعل الأخير الحدود السورية الأردنية أكبر منصة لتهريب المخدرات على الرغم من تطبيع العلاقات.

حتى إن الملك عبد الله الثاني زار المنطقة الحدودية مع سوريا في 17 يناير/كانون الثاني 2022 وطالب أفراد الجيش بـ"العين الحمراء في التعامل مع المهربين".

لكن عدم "تجاوب" النظام السوري بشكل كاف للحد من عمليات تهريب المخدرات، دفع الجيش الأردني لإطلاق عملية تحت اسم "ضربة الصقور" في 21 فبراير/ شباط 2022، لإجراء تمارين عسكرية تحاكي سيناريو القضاء على "عناصر إرهابية ومهربي مخدرات" عند الحدود الأردنية السورية.

وكان الجيش الأردني أعلن في 27 يناير 2022، أنه قتل 27 مهربا لدى محاولتهم اجتياز الحدود من سوريا إلى المملكة بإسناد من مجموعات مسلحة، وهو أكبر عدد قتلى يسقط في إطار عمليات إحباط تهريب مخدرات عبر الحدود.

وأوضحت القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية في بيان لها حينها، أن "قوات حرس الحدود رصدت من خلال المراقبات محاولة مجموعة من المهربين اجتياز الحدود بطريقة غير مشروعة من الأراضي السورية، وجرى تطبيق قواعد الاشتباك بالرماية المباشرة عليهم، ما أدى إلى إصابة عدد منهم وفرار الآخرين إلى العمق السوري".

وفي 17 فبراير 2022 أعلن الجيش الأردني أن محاولات تهريب المخدرات عبر الحدود السورية الأردنية التي أُحبط عدد كبير منها، باتت "منظمة" تستعين بالطائرات المسيرة وتحظى بحماية مجموعات مسلحة.

وقال الجيش آنذاك إن السلطات الأردنية أحبطت خلال نحو 45 يوما مطلع عام 2022 دخول أكثر من 16 مليون حبة كبتاغون، ما يعادل الكمية التي تم ضبطها طوال عام 2021.

وتؤكد المملكة أن 85 بالمئة من المخدرات التي تضبط معدة للتهريب إلى خارج الأردن، وخصوصا جنوبا إلى السعودية ودول الخليج.

"منطقة عازلة"

وهنا يؤكد المحلل والخبير العسكري السوري إسماعيل أيوب، لـ "الاستقلال"، أن "ضبط الحدود السورية الأردنية أصبح صعبا حتى لو جرى تسيير دوريات للشرطة الروسية بشكل دوري أو زيادة عدد المخافر التابعة لنظام الأسد أو من قبل الجانب الأردني".

وأضاف أيوب أن ذلك "يرجع لكون معظم عمليات تهريب المخدرات يجري عبر الطائرات المسيرة الصغيرة التي تحمل المواد المخدرة بكميات متفاوتة من كليوغرامين حتى 10 كيلوغرامات".

واستدرك الخبير العسكري قائلا: "وهذا يستدعي إجراءات لضبط عمليات التهريب من خلال وجود قوات داخل الحدود السورية بعمق لا يقل عن 10 كيلو مترات".

ورأى أيوب، أن "الدوريات الروسية الجديدة على الطرف السوري تواجه عمليات فساد كبيرة إذ إن القوات الروسية ليست محلا للثقة؛ لأن إمكانية اختراقها بالمال كبير جدا من قبل الإيرانيين وعناصر حزب الله اللبناني المتواجدين هناك في الجنوب السوري بقوة والذين يديرون عمليات التهريب".

وأردف قائلا: "كما أن النقطة الهامة أن عملية إعماء القوات الروسية وتجاوزها سهلة جدا قرب الحدود السورية الأردنية، لذلك لا أعتقد أن زيادة الدوريات الروسية لضبط عمليات تهريب المخدرات من الداخل السوري ستؤدي إلى لجم مهربي المخدرات من الفصائل الإيرانية وحزب الله".

وذهب الخبير العسكري للقول: "الحل الوحيد لضبط الحدود السورية الأردنية أمام عمليات تهريب المخدرات والسلاح تتمثل بإقامة منطقة عازلة كما فعلت تركيا في الشمال السوري الخارج عن سيطرة نظام الأسد".

ومضى أيوب يقول: "لأن المليشيات الإيرانية وروسيا وقوات نظام الأسد التي تتخذ من الجانب السوري معقلا لها، هي من تقف وراء عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن".

وزاد بالقول: "وبالتالي برأيي فإنه لا يوجد ثقة بهذه القوات بأن تقوم بمنع عمليات التهريب التي هي بالأساس مصدر استرزاق ودخل له بالعملات الأجنبية تجنيه من هذه التجارة العابرة للدول".

وختم مؤكدا: "ومن هنا يمكنني القول إن الخطوة إجراء روتيني وليست حاسمة على طريق إنهاء ملف التهريب الذي يؤرق الأردن ومن ورائه دول الخليج العربي".

وتتخطى قيمة تجارة الكبتاغون السنوية في سوريا، أكثر من عشرة مليارات دولار، وفق تقديرات وكالة الأنباء الفرنسية.

ويستخدم نظام الأسد تلك الأموال لتمويل جرائمه وانتهاكاته ضد السوريين، وتأمين احتياجاته اللازمة لبقائه.

وأمام ذلك، أقرت الإدارة الأميركية قانونا رسميا لشل قدرات نظام بشار الأسد في إنتاج المخدرات، حيث أقر الكونغرس بمجلسيه (النواب- الشيوخ) مشروع قرار يضع إستراتيجية أميركية لوقف إنتاج المخدرات والاتجار بها وتفكيك الشبكات المرتبطة بنظام بشار الأسد.

وتمكن المشرعون الأميركيون من دمج المشروع بموازنة وزارة الدفاع لعام 2023، التي أقرها مجلس الشيوخ، في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2022، بدعم 83 سيناتور ومعارضة 11 آخرين.

وينص المشروع الملزِم لإدارة الرئيس جو بايدن، الذي قدمه مشرعون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، على أن "الاتجار بالكبتاغون المرتبط بنظام الأسد يشكل تهديدا عابرا للحدود".

ودعا القانون إدارة بايدن إلى تطوير وتطبيق إستراتيجية "لتفكيك شبكات الاتجار بها التابعة للنظام السوري"، وتقديمها للكونغرس للاطلاع عليها في فترة لا تتخطى 180 يوما من إقراره.

على أن تتضمن تلك الإستراتيجية تقديم الدعم للحلفاء من دول المنطقة التي تتلقى كميات كبيرة من الكبتاغون خلال عمليات تهريبها.